إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الحكومة الصامتة و الشعب "الثرثار".. !!

د.ريم بالخذيري

لا شك أن حكومة السيدة نجلاء بودن تعدّ مختلفة عن كل الحكومات التي سبقت الثورة وتلتها .بل ان تسمية الفريق الحكومي الحالي بحكومة بودن فيه جدل كبير حيث يعتبرها الكثيرون أنها حكومة الرئيس وهو اجحاف في غير محله لامرأة تعدّ العربية الأولى التي تتولى منصبا رفيعا كهذا.

أما أوجه الاختلاف مع ما سبقها من حكومات فهي كثيرة أهمها أنها تأتمر بأوامر رئيس الجمهورية ولا برلمان يراقبها أو يسائلها. كما أن توصيف هذه الحكومة صعب فلا هي بحكومة تصريف أعمال ولاهي بحكومة سياسية ولا حتى تقنية ولاهي بحكومة إنقاذ.

وبحسب منظّري العلوم السياسية فان الحكومات تنقسم من حيث مصدر السلطة أو السيادة إلى ثلاثة أشكال فإمّا أن يكون مصدرها فردا واحدا وتسمّى بالحكومة الفردية، أو يكون مصدرها فئة قليلة من الأفراد وتسمى بحكومة الأقلية، أو يكون مصدرها مجموع الشعب فتسمى بالحكومة الديمقراطية.

حكومة بودن هي أقرب الى الحكومة الفردية التي تسيطر عليها فرد واحد، تتركّز في يده كلّ السلطات، ويباشرها بنفسه، أي أن السلطة تتركّز في يد فرد واحد.وفي نظام الحكم الفردي يمارس فيه رئيس الدولة سلطة لا تعرف حدودا ولا يقيدها قيد، أي يستمد السلطة من ذاته، ويسمى هذا النظام دولة الرجل الواحد. غير أنه يمكن تفهم ذلك في تونس بالنسبة لعدد من التونسيين من الذين يسمّونها حكومة الاستثناء التي تستمد سلطتها من الإجراءات الاستثنائية المتبعة في تونس منذ 25جويلية 2021.

حكومة بلا مهام واضحة..

من المتعارف عليه في مختلف دول العالم أن للحكومات أدوارا معينة تنقص أو تزيد من بلد لآخر لكنها تلتقي في مهمة واحدة هي خدمة المواطن.

في هذا يصف الدكتور الأمريكي هارولد داميرو أستاذ الحكومة والتاريخ الحكومة بأنّها المسؤولة عن وضع السياسة العامة للمجتمع بأكمله، كما اعتبرها آلية التوجيه لمجتمع معين.

كما اتفق خبراء السياسة على مهام معينة لا تستقيم أي حكومة بدونها وهي:

*حفظ النظام حيث انه لا يمكن للبشر أن يتعايشوا دون سلطة مركزية، وبالتالي فإنّ الحفاظ على السّلم الاجتماعيّ هو الهدف الأساسيّ للحكومة، وهذا ما تؤكده ديباجة الدستور الأمريكيّ التي تربط هذه الوظيفة بضمان الهدوء الداخليّ، وهي عبارة تصف الحكومة على أنّها شرطيّ في المجتمع.

*الدفاع عن المواطنين: وهو من مهام الحكومة الرئيسيّة حماية ، حيث وجدت الحروب بين الناس منذ فجر التاريخ، ولكنّها تطوّرت عبر الزمن، ليصبح الصراع الآن يتضمّن قنابل نووية، ممّا يجعل الدول القوية هي الأكثر أمناً، ولكنها الأكثر خطورة.

* إدارة الظروف الاقتصادية: يقع على عاتق الحكومات تهيئة الظروف للنمو الاقتصاديّ، والازدهار الماديّ، ولكن ليست جميع الحكومات تقوم بذلك بشكل ناجح، كما أنّ هناك حكومات تترك القرارات السياسة الاقتصادية إلى الأسواق الخاصة، وبالرغم من ذلك يبقى على الحكومة ضبط هذه الأسواق من خلال تنظيم حقوق الملكية، وحماية المستهلك، وإنفاذ العقود، وقوانين الصحة والسلامة.

* إعادة توزيع الدخل والموارد اذ تقوم الحكومات بفرض الضرائب بهدف توزيع الاقتصاد، وبالتالي تقوم الدول باستخدام هذه الأموال في خدمة المواطنين، وعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة تعيد الحكومة توزيع الأموال من الأفراد الأكثر ثراءً إلى الأفراد الأقلّ ثراءً.

*اتخاذ الإجراءات المناسبة: هناك بعض الأمور التي تتطلّب تدخّل الحكومة، مثل التلوث الناتج عن المصانع، حيث تسبّب العديد من الأضرار خاصة على السكان المجاورين لها، وبالتالي يتوجّب على الحكومة اتّخاذ الإجراءات المناسبة

كما تقوم الحكومة بتوفير البضائع الجماعية و احتكار الأمن القوميّ لنفسها.

والأهمّ من هذا كلّه أن تكون في تواصل يومي مع مواطنيها عبر التواصل المباشر من خلال رئيس الحكومة أو الوزراء أو المسؤولين .أو من خلال الاعلام الذي عادة ما يكون في تناغم مع المؤسسات الحكومية ولايجد صعوبة في التحصّل على المعلومة .

بالنظر لما تقدّم بالكاد نعثر على وظيفة واضحة تقوم بها حكومة نجلاء بودن وان قامت بإحداها فلا يصل صداها للمواطنين فهي حكومة صامتة بامتياز.

والواقع أن هذا الصمت الحكومي وبعد الهوّة مع المواطنين غير مفهوم وغير مبرّر فما يعيشه التونسي اليوم من أزمات على كل المستويات يفرض على الحكومة و رئيستها أن تتكلّم وتخاطب الشعب بصفة يومية .وكان من المفروض أن يحسّ المواطنون الذين فقدوا أبنائهم في "الحرقة" بمواساة الحكومة لهم .وكان من المفروض أن تخفّف الحكومة من حدّة الفقر و فقدان السلع لا أن تجعل الشعب يحسّ أنه يواجه مصيره وحيدا وأعزلا.

فالشعب محتاج اليوم الى رئيسة حكومة تكون قريبة منهم وتجيبهم على عدد من الاسئلة الحارقة المتعلقة بفقدان السلع و المتعلّقة بمستقبل البلد و مستقبل أبنائهم .و التفسير الرئاسي بخصوص ربط فقدان السلع بالاحتكار و التهريب لم يعد يقنع الكثير من التونسيين لأن هؤلاء لا يمكن أقوى من الدولة.

الشّعب"الثرثار"

مقابل هذا الصمت الحكومي الغريب يمارس الشعب التونسي ثرثرة لا حدود لها بما تعنيه من كثرة الصياح وترديد كلام كثير ذي معنى أو عديم المعنى فالشعب التونسي من أكثر الشعوب كلاما و تحليلا و "تنبيرا" و أقلّها عملا و اجتهادا و ابتكارا و كأنه فقد الأمل في كل شيء فالتجأ للثرثرة ليفسّر بها غياب السلع و تهاوي الدينار و تقييم السياسيين .

التونسيون استبدلوا واقعهم البائس و التجأوا الى مواقع التواصل الاجتماعي ليثرثروا فيها و يتناقشوا و يحاولون استنباط الحلول لمشاكلهم ومشاغلهم اليومية .

هي ثرثرة أقرب الى "ثرثرة فوق النيل" رواية الكاتب الكبير نجيب محفوظ.

 

الحكومة الصامتة و الشعب "الثرثار".. !!

د.ريم بالخذيري

لا شك أن حكومة السيدة نجلاء بودن تعدّ مختلفة عن كل الحكومات التي سبقت الثورة وتلتها .بل ان تسمية الفريق الحكومي الحالي بحكومة بودن فيه جدل كبير حيث يعتبرها الكثيرون أنها حكومة الرئيس وهو اجحاف في غير محله لامرأة تعدّ العربية الأولى التي تتولى منصبا رفيعا كهذا.

أما أوجه الاختلاف مع ما سبقها من حكومات فهي كثيرة أهمها أنها تأتمر بأوامر رئيس الجمهورية ولا برلمان يراقبها أو يسائلها. كما أن توصيف هذه الحكومة صعب فلا هي بحكومة تصريف أعمال ولاهي بحكومة سياسية ولا حتى تقنية ولاهي بحكومة إنقاذ.

وبحسب منظّري العلوم السياسية فان الحكومات تنقسم من حيث مصدر السلطة أو السيادة إلى ثلاثة أشكال فإمّا أن يكون مصدرها فردا واحدا وتسمّى بالحكومة الفردية، أو يكون مصدرها فئة قليلة من الأفراد وتسمى بحكومة الأقلية، أو يكون مصدرها مجموع الشعب فتسمى بالحكومة الديمقراطية.

حكومة بودن هي أقرب الى الحكومة الفردية التي تسيطر عليها فرد واحد، تتركّز في يده كلّ السلطات، ويباشرها بنفسه، أي أن السلطة تتركّز في يد فرد واحد.وفي نظام الحكم الفردي يمارس فيه رئيس الدولة سلطة لا تعرف حدودا ولا يقيدها قيد، أي يستمد السلطة من ذاته، ويسمى هذا النظام دولة الرجل الواحد. غير أنه يمكن تفهم ذلك في تونس بالنسبة لعدد من التونسيين من الذين يسمّونها حكومة الاستثناء التي تستمد سلطتها من الإجراءات الاستثنائية المتبعة في تونس منذ 25جويلية 2021.

حكومة بلا مهام واضحة..

من المتعارف عليه في مختلف دول العالم أن للحكومات أدوارا معينة تنقص أو تزيد من بلد لآخر لكنها تلتقي في مهمة واحدة هي خدمة المواطن.

في هذا يصف الدكتور الأمريكي هارولد داميرو أستاذ الحكومة والتاريخ الحكومة بأنّها المسؤولة عن وضع السياسة العامة للمجتمع بأكمله، كما اعتبرها آلية التوجيه لمجتمع معين.

كما اتفق خبراء السياسة على مهام معينة لا تستقيم أي حكومة بدونها وهي:

*حفظ النظام حيث انه لا يمكن للبشر أن يتعايشوا دون سلطة مركزية، وبالتالي فإنّ الحفاظ على السّلم الاجتماعيّ هو الهدف الأساسيّ للحكومة، وهذا ما تؤكده ديباجة الدستور الأمريكيّ التي تربط هذه الوظيفة بضمان الهدوء الداخليّ، وهي عبارة تصف الحكومة على أنّها شرطيّ في المجتمع.

*الدفاع عن المواطنين: وهو من مهام الحكومة الرئيسيّة حماية ، حيث وجدت الحروب بين الناس منذ فجر التاريخ، ولكنّها تطوّرت عبر الزمن، ليصبح الصراع الآن يتضمّن قنابل نووية، ممّا يجعل الدول القوية هي الأكثر أمناً، ولكنها الأكثر خطورة.

* إدارة الظروف الاقتصادية: يقع على عاتق الحكومات تهيئة الظروف للنمو الاقتصاديّ، والازدهار الماديّ، ولكن ليست جميع الحكومات تقوم بذلك بشكل ناجح، كما أنّ هناك حكومات تترك القرارات السياسة الاقتصادية إلى الأسواق الخاصة، وبالرغم من ذلك يبقى على الحكومة ضبط هذه الأسواق من خلال تنظيم حقوق الملكية، وحماية المستهلك، وإنفاذ العقود، وقوانين الصحة والسلامة.

* إعادة توزيع الدخل والموارد اذ تقوم الحكومات بفرض الضرائب بهدف توزيع الاقتصاد، وبالتالي تقوم الدول باستخدام هذه الأموال في خدمة المواطنين، وعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة تعيد الحكومة توزيع الأموال من الأفراد الأكثر ثراءً إلى الأفراد الأقلّ ثراءً.

*اتخاذ الإجراءات المناسبة: هناك بعض الأمور التي تتطلّب تدخّل الحكومة، مثل التلوث الناتج عن المصانع، حيث تسبّب العديد من الأضرار خاصة على السكان المجاورين لها، وبالتالي يتوجّب على الحكومة اتّخاذ الإجراءات المناسبة

كما تقوم الحكومة بتوفير البضائع الجماعية و احتكار الأمن القوميّ لنفسها.

والأهمّ من هذا كلّه أن تكون في تواصل يومي مع مواطنيها عبر التواصل المباشر من خلال رئيس الحكومة أو الوزراء أو المسؤولين .أو من خلال الاعلام الذي عادة ما يكون في تناغم مع المؤسسات الحكومية ولايجد صعوبة في التحصّل على المعلومة .

بالنظر لما تقدّم بالكاد نعثر على وظيفة واضحة تقوم بها حكومة نجلاء بودن وان قامت بإحداها فلا يصل صداها للمواطنين فهي حكومة صامتة بامتياز.

والواقع أن هذا الصمت الحكومي وبعد الهوّة مع المواطنين غير مفهوم وغير مبرّر فما يعيشه التونسي اليوم من أزمات على كل المستويات يفرض على الحكومة و رئيستها أن تتكلّم وتخاطب الشعب بصفة يومية .وكان من المفروض أن يحسّ المواطنون الذين فقدوا أبنائهم في "الحرقة" بمواساة الحكومة لهم .وكان من المفروض أن تخفّف الحكومة من حدّة الفقر و فقدان السلع لا أن تجعل الشعب يحسّ أنه يواجه مصيره وحيدا وأعزلا.

فالشعب محتاج اليوم الى رئيسة حكومة تكون قريبة منهم وتجيبهم على عدد من الاسئلة الحارقة المتعلقة بفقدان السلع و المتعلّقة بمستقبل البلد و مستقبل أبنائهم .و التفسير الرئاسي بخصوص ربط فقدان السلع بالاحتكار و التهريب لم يعد يقنع الكثير من التونسيين لأن هؤلاء لا يمكن أقوى من الدولة.

الشّعب"الثرثار"

مقابل هذا الصمت الحكومي الغريب يمارس الشعب التونسي ثرثرة لا حدود لها بما تعنيه من كثرة الصياح وترديد كلام كثير ذي معنى أو عديم المعنى فالشعب التونسي من أكثر الشعوب كلاما و تحليلا و "تنبيرا" و أقلّها عملا و اجتهادا و ابتكارا و كأنه فقد الأمل في كل شيء فالتجأ للثرثرة ليفسّر بها غياب السلع و تهاوي الدينار و تقييم السياسيين .

التونسيون استبدلوا واقعهم البائس و التجأوا الى مواقع التواصل الاجتماعي ليثرثروا فيها و يتناقشوا و يحاولون استنباط الحلول لمشاكلهم ومشاغلهم اليومية .

هي ثرثرة أقرب الى "ثرثرة فوق النيل" رواية الكاتب الكبير نجيب محفوظ.