قبل ساعات قليلة من انطلاق مرحلة ما قبل الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية المقرر تنظيمها يوم 17 ديسمبر 2022 أذن رئيس الجمهورية قيس سعيد بإصدار المرسوم الانتخابي الجديد الذي جاء ليحدث رجة سياسية أخرى لا تقل أهمية عن الزلزال الذي تسبب فيه الدستور، وكان الرئيس نفسه، قد قال في كلمته التي توجه بها إلى الشعب يوم 17 أوت الماضي بمناسبة ختم دستور 25 جويلية المعروض على الاستفتاء، إن القوانين الانتخابية حتى وإن كانت دون الدساتير مرتبة، فإن آثارها على سير المؤسسات ليست أقل من أحكام الدستور..
وفي قراءة للمرسوم الجديد، وهو المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المؤرّخ في 15 سبتمبر 2022 المتعلّق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء وإتمامه، يمكن الإشارة إلى أنه من حيث الشكل، لم يقطع هذا المرسوم نهائيا مع المنظومة القانونية القديمة للانتخابات فهو ليس بالمجلة الانتخابية الجديدة وإنما هو عبارة عن تنقيح لبعض فصول القانون الانتخابي الذي تمت المصادقة عليه من قبل المجلس الوطني التأسيسي برئاسة مصطفى بن جعفر وختمه من قبل رئيس الجمهورية السابق محمد المنصف المرزوقي وهو في نفس الوقت إتمام لهذا القانون بشكل يجعله يتلاءم في جانب منه مع الدستور الجديد، أي أن صاحبة المبادرة التشريعية سواء كانت حكومة نجلاء بودن أو رئاسة الجمهورية لم تنزل جميع أحكام الدستور ذات العلاقة بالانتخابات دفعة واحدة في المرسوم المذكور وإنما اقتصرت على مسائل بعينها.
وعلى مستوى الشكل أيضا، لا توجد في المرسوم الجديد وتحديدا في فقرة الإطلاعات إشارة إلى إطلاع على الدستور أو إطلاع على الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر2021 المتعلق بتدابير استثنائية مثلما وقع سابقا بمناسبة سن المرسوم عدد 34 لسنة 2022 المؤرّخ في 1 جوان 2022 والمتعلّق بدوره بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء وإتمامه، ففي فقرة الاطلاعات هذه المرة تم الاقتصار على ذكر ما يلي :" إنّ رئيس الجمهوريّة، وبعد مداولة مجلس الوزراء، يصدر المرسوم الآتي نصّه:"
تطهير السياسة
لكن، لئن كان المرسوم الجديد من حيث الشكل لا يقطع مع المنظومة القانونية القديمة للانتخابات، فإنه على مستوى المضمون، جاء لنسف قواعد وممارسات أوجدتها هذه المنظومة، وليس هذا فقط بل جاء ليتملى بشكل واضح الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية وليترجم ما في هذا الخطاب من تناقضات بين توق لحياة سياسية طاهرة من الأردان وبين رغبة أحادية جامحة في هدم المبنى القديم على رؤوس الجميع ووضع أس جديد لمبنى ليس له مثيل في جميع أصقاع الدنيا مبنى لا أحد يعلم مدى صلابته وقدرته على الصمود.
فبالعودة إلى نص المرسوم الانتخابي الجديد يمكن الإشارة إلى أنه جاء ليغير مسائل عديدة موجودة في القانون الانتخابي القديم وهي إلى جانب تعريف المصطلحات والأحكام الختامية، تتصل بشروط الناخب، وبانتخاب الأمنيين والعسكريين، و شروط الترشح لعضوية مجلس نواب الشعب، وموانع الترشح، وتقديم الترشحات، وإجراءات البت في الترشحات، وإجراءات الطعن في الترشحات، وتعويض المترشحين، وسد الشغور بمجلس نواب الشعب، وطرق تمويل الحملة الانتخابية، وسقف الإنفاق على الحملة، وحالة تعذر إجراء الانتخابات في موعدها، وتقسيم الدوائر الانتخابية وضبط عدد مقاعدها، إضافة إلى نظام الاقتراع المعتمد في الانتخابات التشريعية، وعملية الاقتراع والجرائم الانتخابية.
ففي ما يتعلق بشروط الناخب فقد تم تعديلها في اتجاه إضافة شرط التمتع بالجنسية التونسية، وفي اتجاه التراجع عن ترسيم العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي بسجل الناخبين في الانتخابات البلدية والجهوية، حيث لا يرسم بسجل الناخبين العسكريّون المباشرون والمدنيّون مدّة قيامهم بواجبهم العسكري وأعوان قوّات الأمن الدّاخلي المباشرون على معنى القانون عدد 70 لسنة 1982 المؤرّخ في 6 أوت 1982 والمتعلّق بضبط القانون الأساسي العام لقوّات الأمن الدّاخلي.
وفي إطار المرسوم الجديد تم تعديل شروط الترشّح لعضويّة مجلس نوّاب الشّعب وموانع الترشح حتى تتلاءم مع ما جاء به دستور 25 جويلية من ناحية ومن ناحية أخرى مع متطلبات الطهورية والنقاء السياسي المنشود ، إذ يحقّ الترشح لكلّ ناخبة أو ناخب تونسي الجنسيّة مولود لأب تونسيّ أو لأم تونسيّة وغير حامل لجنسية أخرى بالنسبة إلى الدوائر الانتخابية بالتراب التونسي، وبالغ من العمر 23 سنة كاملة على الأقل يوم تقديم ترشّحه،نقيّ السّوابق العدليّة، وغير مشمول بأي صورة من صور الحرمان القانونية ومقيم بالدائرة الانتخابية المترشّح عنها. وفي المقابل وحتى لا يستغل البعض مناصبهم ويستفيدون منها للترشح للانتخابات التشريعية، فقد تم منع الترشح لعضويّة مجلس نوّاب الشّعب، إلاّ بعد مرور سنة من انتهاء وظائفهم، على أعضاء الحكومة ورؤساء الدواوين، والقضاة، ورؤساء البعثات والمراكز الدبلوماسيّة والقنصليّة، والولاّة، و المعتمدين الأول والكتّاب العامّين للولايات والمعتمدين والعمد، والأئمّة، ورؤساء الهياكل والجمعيات الرياضية. كما لا يمكن لهؤلاء الترشّح في آخر دائرة انتخابيّة مارسوا فيها وظائفهم المذكورة لمدّة سنة على الأقلّ قبل تقديم ترشّحهم و لا يجوز الترشّح في نفس الوقت للانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة والجهويّة والبلديّة في صورة تزامنها.
أين التناصف؟
وحتى مطالب الترشح للانتخابات التشريعية فقد تم تنقيحها هي الأخرى، حيث تم اشتراط بطاقة عدد 3 خالية من السّوابق العدليّة في الجرائم القصديّة وشهادة في إبراء الذّمة من الأداءات البلديّة، وشهادة إقامة، وموجز البرنامج الانتخابي للمترشّح مشفوع بقائمة اسميّة تضمّ 400 تزكية من النّاخبين المسجّلين في الدّائرة الانتخابيّة معرّف عليها بإمضاء المزكّين على أن يكون نصف المزكّين من الإناث والنّصف الثّاني من الذكور، وأن لا يقلّ عدد المزكّيات والمزكّين من الشّباب دون سنّ 35 عن 25 بالمائة ولا يحق للنّاخب أن يزكّي أكثر من مترشّح واحد.ولكن شرط تزكية الإناث والشباب للمترشحين للانتخابات التشريعية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرتقي إلى ما تم تحقيقه في السنوات السابقة لفائدة النساء والشباب من خلال التنصيص في القانون الانتخابي على شرطي التناصف وتمثيل الشباب في القائمات المترشحة للانتخابات التشريعية لكن في إطار المرسوم الجديد قد لا نجد في البرلمان القادم نساء وشبابا وذلك بالنظر إلى ترسخ العقلية الذكورية في أغلب جهات الجمهورية وإلى ظاهرة عزوف الشباب عن المشاركة السياسية.
ولكن في المقابل جاء المرسوم الجديد ليحدث نقلة على مستوى الجوانب الإجرائية سواء في علاقة بالبت في الترشحات أو بالطعن فيها أمام المحاكم..
أما في ما يتعلق بتعويض المترشحين للانتخابات التشريعية، وخلافا لما كان معمول به في السابق من اعتماد هيئة الانتخابات على القائمة التكميلية التي يقدمها ممثل القائمة المترشحة لعضوية البرلمان، فإنه بمقتضى المرسوم الجديد إذا توفّي أحد المترشّحين أو أصيب بعجز تامّ خلال الدورة الأولى أو أحد المترشّحيْن لدورة الإعادة، يُعاد فتح باب الترشّح في الدائرة المعنية وتحديد المواعيد الانتخابيّة من جديد في أجل لا يتجاوز خمسة وأربعين يوما، وعند الشّغور النهائيّ لأحد المقاعد بمجلس نوّاب الشّعب يتمّ تنظيم انتخابات تشريعيّة جزئيّة في الدّائرة المعنيّة ولكن إذا حصل الشغور خلال الستة أشهر الأخيرة من المدة النيابية لا يتم تنظيم انتخابات جزئية لسده.
كما عدل المرسوم الانتخابي الجديد طريقة تمويل الحملة وألغى التمويل العمومي وأبقى فقط على التمويل الذاتي والتمويل الخاص، أما بالنسبة إلى سقف الإنفاق على الحملة فقد كان يقع تحديده استنادا إلى معايير منها حجم الدائرة الانتخابية وعدد الناخبين فيها وكلفة المعيشة، لكن المرسوم أحال هذه المسألة على أمر يتم إصداره بعد استشارة الهيئة.
تقسيم الدوائر ونظام الاقتراع
من القضايا الشائكة التي تجرأ الرئيس قيس سعيد على الحسم فيها من خلال المرسوم الانتخابي، تلك المتعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية وضبط عدد مقاعدها، حيث تم تغيير طريقة التقسيم والتوزيع المعتمدة في تونس منذ سنة 2011 رغم أنها بعيدة كل البعد على أن تكون مستجيبة لشرط التمثيل الحقيقي للشعب. وليس هذا فقط بل تم التقليص في عدد المقاعد وهو ما يستجيب إلى مطلب من لا يرى فائدة في كثرة عدد النواب، فعوضا عن 217 نائبا سيصبح عدد مقاعد مجلس نواب الشعب 161 فقط.
وإضافة إلى ذلك فقد جاء المرسوم ليوضح الرؤية أمام الطبقة السياسية التي كثيرا ما تساءلت عن نظام الاقتراع الذي سيتم اعتماده والذي على أساسه تنطلق في استعداداتها لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة. فحسب ما جاء في المرسوم.
يجرى التصويت في الانتخابات التشريعيّة على الأفراد في دورة واحدة أو دورتين عند الاقتضاء، وذلك في دوائر انتخابيّة ذات مقعد واحد. ويختار النّاخب مترشّحا واحدا في ورقة التّصويت دون شطب أو تغيير أو إضافة وإذا تقدّم إلى الانتخابات مترشّح واحد في الدّائرة الانتخابيّة، فيتم التصريح بفوزه منذ الدّور الأوّل مهما كان عدد الأصوات التي تحصّل عليها وإذا تحصّل أحد المترشّحين في الدّائرة الانتخابيّة على الأغلبيّة المطلقة من الأصوات في الدّور الأوّل، فإنّه يُصرّح بفوزه بالمقعد. ولكن في صورة عدم حصول أيّ من المترشّحين على الأغلبيّة المطلقة من الأصوات المصرّح بها في الدّورة الأولى، فتنظّم دورة ثانية خلال الأسبوعين التّاليين للإعلان عن النّتائج النّهائيّة للدّورة الأولى يتقدّم إليها المترشّحان المحرزان على أكثر عدد من الأصوات في الدّورة الأولى ويتمّ التّصريح في الدّورة الثّانية بفوز المترشّح المتحصّل على أغلبيّة الأصوات.
مرسوم زجري
لعل أبرز ما ميز المرسوم الانتخابي الجديد صبغته الزجرية، إذ أنه تم التشديد في عقوبات عدة جرائم انتخابية، فعوضا عن السجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وخطية مالية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار أصبح يعاقب بالسّجن من سنتين إلى خمس سنوات وبخطيّة ماليّة من ألفين إلى 5 آلاف دينار كل من قام بتسريب أوراق التصويت خارج مكتب الاقتراع وكل من يتعمد عرقلة أي ناخب لمنعه من ممارسة حقه الانتخابي، ونفس هذه العقوبة تسلط على كلّ شخص ثبت قيامه بتقديم عطايا نقديّة أو عينيّة قصد التّأثير على النّاخب، أو استعمل نفس الوسائل لحمل النّاخب على الإمساك عن التصويت سواء كان ذلك قبل الاقتراع أو أثناءه أو بعده. ولم يقتصر الأمر عند ذلك بل تقضي المحكمة وجوبا في هذه الحالة الثانية بفقدان المترشّح لعضويّته بمجلس نوّاب الشّعب وحرمانه من حق الترشّح مدى الحياة. كما تقضي بحرمان النّاخب المستفيد من العطايا من حقّه في الانتخاب لمدّة عشر سنوات كاملة بداية من صدور الحكم النّهائي بالإدانة.
وفي إطار المرسوم الجديد وتحديدا ما تعلق بعقوبة المترشح أو القائمة المترشحة التي ثبت حصولها على تمويل أجنبي، فقد تم سحب نفس العقوبة على من يمول الحملة بتمويل مجهول المصدر وهي خطيّة ماليّة تتراوح بين عشرة أضعاف وخمسين ضعفاً لمقدار قيمة التّمويل الأجنبيّ أو مجهول المصدر مع فقدان العضويّة بالمجلس المنتخب والسّجن مدّة خمس سنوات والحرمان من الترشّح لأيّ انتخابات قادمة.
إضافات كثيرة
فضلا عن تعديل الكثير من فصول القانون الانتخابي لسنة 2014 فقد جاء المرسوم الجديد بإضافات كثيرة لعل أبرزها ما تعلق باشتراط التسجيل في الدائرة الانتخابية التي ترشح فيها المترشح للانتخابات التشريعية، وخاصة فقدان العضويّة بموجب سحب الوكالة من النّائب في دائرته الانتخابيّة في صورة إخلاله بواجب النّزاهة أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النّيابيّة أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدّم به عند الترشّح، وشروط سحب هذه الوكالة والإجراءات المتبعة لسحبها ومعاينة الشغور الناجم عن السحب وكيفية سد هذا الشغور، إضافة إلى تسليط عقوبات سالبة للحرية على كل مترشّح يتعمّد النّيل من عرض مترشّح آخر أو كرامته أو شرفه أو من انتمائه الجهويّ أو المحليّ أو العائليّ وهو ما من شأنه أن يقلص من منسوب العنف والاحتقان والكراهية خلال المحطات الانتخابية.
سعيدة بوهلال
تونس- الصباح
قبل ساعات قليلة من انطلاق مرحلة ما قبل الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية المقرر تنظيمها يوم 17 ديسمبر 2022 أذن رئيس الجمهورية قيس سعيد بإصدار المرسوم الانتخابي الجديد الذي جاء ليحدث رجة سياسية أخرى لا تقل أهمية عن الزلزال الذي تسبب فيه الدستور، وكان الرئيس نفسه، قد قال في كلمته التي توجه بها إلى الشعب يوم 17 أوت الماضي بمناسبة ختم دستور 25 جويلية المعروض على الاستفتاء، إن القوانين الانتخابية حتى وإن كانت دون الدساتير مرتبة، فإن آثارها على سير المؤسسات ليست أقل من أحكام الدستور..
وفي قراءة للمرسوم الجديد، وهو المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المؤرّخ في 15 سبتمبر 2022 المتعلّق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء وإتمامه، يمكن الإشارة إلى أنه من حيث الشكل، لم يقطع هذا المرسوم نهائيا مع المنظومة القانونية القديمة للانتخابات فهو ليس بالمجلة الانتخابية الجديدة وإنما هو عبارة عن تنقيح لبعض فصول القانون الانتخابي الذي تمت المصادقة عليه من قبل المجلس الوطني التأسيسي برئاسة مصطفى بن جعفر وختمه من قبل رئيس الجمهورية السابق محمد المنصف المرزوقي وهو في نفس الوقت إتمام لهذا القانون بشكل يجعله يتلاءم في جانب منه مع الدستور الجديد، أي أن صاحبة المبادرة التشريعية سواء كانت حكومة نجلاء بودن أو رئاسة الجمهورية لم تنزل جميع أحكام الدستور ذات العلاقة بالانتخابات دفعة واحدة في المرسوم المذكور وإنما اقتصرت على مسائل بعينها.
وعلى مستوى الشكل أيضا، لا توجد في المرسوم الجديد وتحديدا في فقرة الإطلاعات إشارة إلى إطلاع على الدستور أو إطلاع على الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر2021 المتعلق بتدابير استثنائية مثلما وقع سابقا بمناسبة سن المرسوم عدد 34 لسنة 2022 المؤرّخ في 1 جوان 2022 والمتعلّق بدوره بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء وإتمامه، ففي فقرة الاطلاعات هذه المرة تم الاقتصار على ذكر ما يلي :" إنّ رئيس الجمهوريّة، وبعد مداولة مجلس الوزراء، يصدر المرسوم الآتي نصّه:"
تطهير السياسة
لكن، لئن كان المرسوم الجديد من حيث الشكل لا يقطع مع المنظومة القانونية القديمة للانتخابات، فإنه على مستوى المضمون، جاء لنسف قواعد وممارسات أوجدتها هذه المنظومة، وليس هذا فقط بل جاء ليتملى بشكل واضح الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية وليترجم ما في هذا الخطاب من تناقضات بين توق لحياة سياسية طاهرة من الأردان وبين رغبة أحادية جامحة في هدم المبنى القديم على رؤوس الجميع ووضع أس جديد لمبنى ليس له مثيل في جميع أصقاع الدنيا مبنى لا أحد يعلم مدى صلابته وقدرته على الصمود.
فبالعودة إلى نص المرسوم الانتخابي الجديد يمكن الإشارة إلى أنه جاء ليغير مسائل عديدة موجودة في القانون الانتخابي القديم وهي إلى جانب تعريف المصطلحات والأحكام الختامية، تتصل بشروط الناخب، وبانتخاب الأمنيين والعسكريين، و شروط الترشح لعضوية مجلس نواب الشعب، وموانع الترشح، وتقديم الترشحات، وإجراءات البت في الترشحات، وإجراءات الطعن في الترشحات، وتعويض المترشحين، وسد الشغور بمجلس نواب الشعب، وطرق تمويل الحملة الانتخابية، وسقف الإنفاق على الحملة، وحالة تعذر إجراء الانتخابات في موعدها، وتقسيم الدوائر الانتخابية وضبط عدد مقاعدها، إضافة إلى نظام الاقتراع المعتمد في الانتخابات التشريعية، وعملية الاقتراع والجرائم الانتخابية.
ففي ما يتعلق بشروط الناخب فقد تم تعديلها في اتجاه إضافة شرط التمتع بالجنسية التونسية، وفي اتجاه التراجع عن ترسيم العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي بسجل الناخبين في الانتخابات البلدية والجهوية، حيث لا يرسم بسجل الناخبين العسكريّون المباشرون والمدنيّون مدّة قيامهم بواجبهم العسكري وأعوان قوّات الأمن الدّاخلي المباشرون على معنى القانون عدد 70 لسنة 1982 المؤرّخ في 6 أوت 1982 والمتعلّق بضبط القانون الأساسي العام لقوّات الأمن الدّاخلي.
وفي إطار المرسوم الجديد تم تعديل شروط الترشّح لعضويّة مجلس نوّاب الشّعب وموانع الترشح حتى تتلاءم مع ما جاء به دستور 25 جويلية من ناحية ومن ناحية أخرى مع متطلبات الطهورية والنقاء السياسي المنشود ، إذ يحقّ الترشح لكلّ ناخبة أو ناخب تونسي الجنسيّة مولود لأب تونسيّ أو لأم تونسيّة وغير حامل لجنسية أخرى بالنسبة إلى الدوائر الانتخابية بالتراب التونسي، وبالغ من العمر 23 سنة كاملة على الأقل يوم تقديم ترشّحه،نقيّ السّوابق العدليّة، وغير مشمول بأي صورة من صور الحرمان القانونية ومقيم بالدائرة الانتخابية المترشّح عنها. وفي المقابل وحتى لا يستغل البعض مناصبهم ويستفيدون منها للترشح للانتخابات التشريعية، فقد تم منع الترشح لعضويّة مجلس نوّاب الشّعب، إلاّ بعد مرور سنة من انتهاء وظائفهم، على أعضاء الحكومة ورؤساء الدواوين، والقضاة، ورؤساء البعثات والمراكز الدبلوماسيّة والقنصليّة، والولاّة، و المعتمدين الأول والكتّاب العامّين للولايات والمعتمدين والعمد، والأئمّة، ورؤساء الهياكل والجمعيات الرياضية. كما لا يمكن لهؤلاء الترشّح في آخر دائرة انتخابيّة مارسوا فيها وظائفهم المذكورة لمدّة سنة على الأقلّ قبل تقديم ترشّحهم و لا يجوز الترشّح في نفس الوقت للانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة والجهويّة والبلديّة في صورة تزامنها.
أين التناصف؟
وحتى مطالب الترشح للانتخابات التشريعية فقد تم تنقيحها هي الأخرى، حيث تم اشتراط بطاقة عدد 3 خالية من السّوابق العدليّة في الجرائم القصديّة وشهادة في إبراء الذّمة من الأداءات البلديّة، وشهادة إقامة، وموجز البرنامج الانتخابي للمترشّح مشفوع بقائمة اسميّة تضمّ 400 تزكية من النّاخبين المسجّلين في الدّائرة الانتخابيّة معرّف عليها بإمضاء المزكّين على أن يكون نصف المزكّين من الإناث والنّصف الثّاني من الذكور، وأن لا يقلّ عدد المزكّيات والمزكّين من الشّباب دون سنّ 35 عن 25 بالمائة ولا يحق للنّاخب أن يزكّي أكثر من مترشّح واحد.ولكن شرط تزكية الإناث والشباب للمترشحين للانتخابات التشريعية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرتقي إلى ما تم تحقيقه في السنوات السابقة لفائدة النساء والشباب من خلال التنصيص في القانون الانتخابي على شرطي التناصف وتمثيل الشباب في القائمات المترشحة للانتخابات التشريعية لكن في إطار المرسوم الجديد قد لا نجد في البرلمان القادم نساء وشبابا وذلك بالنظر إلى ترسخ العقلية الذكورية في أغلب جهات الجمهورية وإلى ظاهرة عزوف الشباب عن المشاركة السياسية.
ولكن في المقابل جاء المرسوم الجديد ليحدث نقلة على مستوى الجوانب الإجرائية سواء في علاقة بالبت في الترشحات أو بالطعن فيها أمام المحاكم..
أما في ما يتعلق بتعويض المترشحين للانتخابات التشريعية، وخلافا لما كان معمول به في السابق من اعتماد هيئة الانتخابات على القائمة التكميلية التي يقدمها ممثل القائمة المترشحة لعضوية البرلمان، فإنه بمقتضى المرسوم الجديد إذا توفّي أحد المترشّحين أو أصيب بعجز تامّ خلال الدورة الأولى أو أحد المترشّحيْن لدورة الإعادة، يُعاد فتح باب الترشّح في الدائرة المعنية وتحديد المواعيد الانتخابيّة من جديد في أجل لا يتجاوز خمسة وأربعين يوما، وعند الشّغور النهائيّ لأحد المقاعد بمجلس نوّاب الشّعب يتمّ تنظيم انتخابات تشريعيّة جزئيّة في الدّائرة المعنيّة ولكن إذا حصل الشغور خلال الستة أشهر الأخيرة من المدة النيابية لا يتم تنظيم انتخابات جزئية لسده.
كما عدل المرسوم الانتخابي الجديد طريقة تمويل الحملة وألغى التمويل العمومي وأبقى فقط على التمويل الذاتي والتمويل الخاص، أما بالنسبة إلى سقف الإنفاق على الحملة فقد كان يقع تحديده استنادا إلى معايير منها حجم الدائرة الانتخابية وعدد الناخبين فيها وكلفة المعيشة، لكن المرسوم أحال هذه المسألة على أمر يتم إصداره بعد استشارة الهيئة.
تقسيم الدوائر ونظام الاقتراع
من القضايا الشائكة التي تجرأ الرئيس قيس سعيد على الحسم فيها من خلال المرسوم الانتخابي، تلك المتعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية وضبط عدد مقاعدها، حيث تم تغيير طريقة التقسيم والتوزيع المعتمدة في تونس منذ سنة 2011 رغم أنها بعيدة كل البعد على أن تكون مستجيبة لشرط التمثيل الحقيقي للشعب. وليس هذا فقط بل تم التقليص في عدد المقاعد وهو ما يستجيب إلى مطلب من لا يرى فائدة في كثرة عدد النواب، فعوضا عن 217 نائبا سيصبح عدد مقاعد مجلس نواب الشعب 161 فقط.
وإضافة إلى ذلك فقد جاء المرسوم ليوضح الرؤية أمام الطبقة السياسية التي كثيرا ما تساءلت عن نظام الاقتراع الذي سيتم اعتماده والذي على أساسه تنطلق في استعداداتها لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة. فحسب ما جاء في المرسوم.
يجرى التصويت في الانتخابات التشريعيّة على الأفراد في دورة واحدة أو دورتين عند الاقتضاء، وذلك في دوائر انتخابيّة ذات مقعد واحد. ويختار النّاخب مترشّحا واحدا في ورقة التّصويت دون شطب أو تغيير أو إضافة وإذا تقدّم إلى الانتخابات مترشّح واحد في الدّائرة الانتخابيّة، فيتم التصريح بفوزه منذ الدّور الأوّل مهما كان عدد الأصوات التي تحصّل عليها وإذا تحصّل أحد المترشّحين في الدّائرة الانتخابيّة على الأغلبيّة المطلقة من الأصوات في الدّور الأوّل، فإنّه يُصرّح بفوزه بالمقعد. ولكن في صورة عدم حصول أيّ من المترشّحين على الأغلبيّة المطلقة من الأصوات المصرّح بها في الدّورة الأولى، فتنظّم دورة ثانية خلال الأسبوعين التّاليين للإعلان عن النّتائج النّهائيّة للدّورة الأولى يتقدّم إليها المترشّحان المحرزان على أكثر عدد من الأصوات في الدّورة الأولى ويتمّ التّصريح في الدّورة الثّانية بفوز المترشّح المتحصّل على أغلبيّة الأصوات.
مرسوم زجري
لعل أبرز ما ميز المرسوم الانتخابي الجديد صبغته الزجرية، إذ أنه تم التشديد في عقوبات عدة جرائم انتخابية، فعوضا عن السجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وخطية مالية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار أصبح يعاقب بالسّجن من سنتين إلى خمس سنوات وبخطيّة ماليّة من ألفين إلى 5 آلاف دينار كل من قام بتسريب أوراق التصويت خارج مكتب الاقتراع وكل من يتعمد عرقلة أي ناخب لمنعه من ممارسة حقه الانتخابي، ونفس هذه العقوبة تسلط على كلّ شخص ثبت قيامه بتقديم عطايا نقديّة أو عينيّة قصد التّأثير على النّاخب، أو استعمل نفس الوسائل لحمل النّاخب على الإمساك عن التصويت سواء كان ذلك قبل الاقتراع أو أثناءه أو بعده. ولم يقتصر الأمر عند ذلك بل تقضي المحكمة وجوبا في هذه الحالة الثانية بفقدان المترشّح لعضويّته بمجلس نوّاب الشّعب وحرمانه من حق الترشّح مدى الحياة. كما تقضي بحرمان النّاخب المستفيد من العطايا من حقّه في الانتخاب لمدّة عشر سنوات كاملة بداية من صدور الحكم النّهائي بالإدانة.
وفي إطار المرسوم الجديد وتحديدا ما تعلق بعقوبة المترشح أو القائمة المترشحة التي ثبت حصولها على تمويل أجنبي، فقد تم سحب نفس العقوبة على من يمول الحملة بتمويل مجهول المصدر وهي خطيّة ماليّة تتراوح بين عشرة أضعاف وخمسين ضعفاً لمقدار قيمة التّمويل الأجنبيّ أو مجهول المصدر مع فقدان العضويّة بالمجلس المنتخب والسّجن مدّة خمس سنوات والحرمان من الترشّح لأيّ انتخابات قادمة.
إضافات كثيرة
فضلا عن تعديل الكثير من فصول القانون الانتخابي لسنة 2014 فقد جاء المرسوم الجديد بإضافات كثيرة لعل أبرزها ما تعلق باشتراط التسجيل في الدائرة الانتخابية التي ترشح فيها المترشح للانتخابات التشريعية، وخاصة فقدان العضويّة بموجب سحب الوكالة من النّائب في دائرته الانتخابيّة في صورة إخلاله بواجب النّزاهة أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النّيابيّة أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدّم به عند الترشّح، وشروط سحب هذه الوكالة والإجراءات المتبعة لسحبها ومعاينة الشغور الناجم عن السحب وكيفية سد هذا الشغور، إضافة إلى تسليط عقوبات سالبة للحرية على كل مترشّح يتعمّد النّيل من عرض مترشّح آخر أو كرامته أو شرفه أو من انتمائه الجهويّ أو المحليّ أو العائليّ وهو ما من شأنه أن يقلص من منسوب العنف والاحتقان والكراهية خلال المحطات الانتخابية.