الفكرة الأساسية أن الفكر الاسلامي التقليدي يقوم على أولوية حفظ الأمة لا على توفير وسيلة الدولة لحفظ مصالحها وأن حفظ الأمة مطلب أصلي مقدم على تكوين الدولة الذي هو مطلب لغيره لا لذاته لذلك لا نجد له اهتماما كبيرا عند الناس على عكس الانشغال بالأمة وتأسيسا على ذلك فإن السيادة في المدونة الفقهية السياسية التقليدية هي للشعب لذلك كانت الدولة خادمة للناس ومقاصد الدولة هي تحقيق مصالح الناس الدينية والدنيوية وتلك هي مقاصد الدين ومقاصد الشريعة يقول علالة الفاسي " إن الاسلام يعتبر الدولة خادمة للناس وبناء عليه فمقاصد الدولة لن تكون سوى تحقيق مصالح مواطنيها الدينية والدنيوية وتلك هي مقاصد الشريعة فما جعله الشرع مقصدا للجماعة المسلمة هو مقصد الدولة ومؤسساتها وسياستها فما الدولة إلا نائبة عن الأفراد وعن المجتمع وهي خادمة لهما .. على الدولة أن تجعل محور جهودها تخطيطا وتنفيذا وهكذا يقال في سائر مقاصد الشريعة "
إن الدولة بهذا الفهم المقاصدي هي نائبة عن الأفراد وعن الأمة وعن المجتمع وخادمة لهم أي أن مقاصد الدولة غير مستقلة عن مقاصد الأمة والمجتمع ومقاصد الشريعة هي مقاصد الدولة ومقاصد الأمة والدولة باعتبارها وسيلة ومجمع لوسائل أخرى ( القائمين على الدولة ووظائف الدولة والمؤسسات والإدارة ...) قابلة للتطور والتكيف والتلاؤم مع زمانها ومكانها وتحتاج دوما إلى استحداث فهي تتغير من زمان إلى آخر ومن ظرف إلى آخر بحسب مدى صلاحيتها وملاءمتها فعلى هذا الأساس يجب التعامل اليوم مع كل النظم والأساليب السياسية والإدارية التي عرفتها تجارب التاريخ الاسلامي وعلى هذا الأساس ينظر إلى الديمقراطية وغيرها من النظم الحديثة فكلها وسائل يمكن الأخذ بها ويمكن تغييرها أو تعديلها وحكمها هو حكم ما تجلبه وما تفضي إليه وليس في ذلك أي حرج وإنما الحرج في تنزيلها منزلة المقاصد والحال أنها من الوسائل والتعامل معها يجب أن يكون على أنها وسائل لا مقاصد والقاعدة في اختيار الوسائل وتغييرها وتقديم بعضها على بعض هي ما قاله ابن تيمية رحمه الله " ما كان أبلغ في تحصيل مقصود الشارع كان أحب إذا لم يعارضه ما يقتضي خلاف ذلك .
وكمثال على تلازم مقاصد الأمة مع مقاصد الدولة واتحاد المقصدين واستتباعات تحقيق مقاصد الشريعة للإسلام وللأمة الإسلامية في التطبيق العملي أن هناك مقاصد مكلف بتحقيقها الأفراد وفي نفس الوقت مكلفة بها الدولة والقائمون عليها ومؤسساتها كمقصد " تغيير المنكر " في المجتمع الإسلامي وقريبا من تغيير المنكر الحث على " إماطة الأذى من الطريق " وهو تكليف يقوم به الأفراد وهناك أنواع أخرى من أذى الطريق مكلفة بها الدولة و هو كل ما من شأنه أن يضر بالأمة من عزل الولاة الظلمة والحكام الرشاة ومحاربة الجريمة والمعتدين عن راحة الناس فكل هذا من قبيل إماطة الأذى الذي تقوم بها الدولة من باب تحقيق مقاصد الشريعة الاسلامية ".
إن أهم استنتاج نخرج به من خلال هذه المراوحة بين خطاب الرئيس قيس سعيد الديني وخطاب أحمد الريسوني رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن الرئيس قيد سعيد قد انهى كل الخلاف حول مسألة وجود الشريعة أو عدم وجودها في الإسلام بعد أن اعتبر أن الدولة التونسية في الدستور الجديد تعمل على تحقيق مقاصد الشريعة الاسلامية وبذلك يكون قد اسكت كل الناكرين لوجود أحكام ملزمة تنظم حياة الناس في النصوص المؤسسة للإسلام وفي المدونة الفقهية الاجتهادية من أمثال يوسف الصديق والصادق بلعيد منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لكتابة الدستور اللذان يعتبران أنه لا وجود للشريعة في القرآن واعتبر حسب رأيه أن في الإسلام شريعة و أن الدولة منوط بعهدتها العمل على تحقيقها .
الاستنتاج الثاني أن الرئيس قيس سعيد يعتبر أن الأمة هي الأصل وأن الدولة هي كيان متخيل انتجه العقل البشري حديثا في سياق أوروبي وعربي مختلف وهي مفهوم حديث لم يكن موجودا قبل القرن الثامن عشر وهذا التحليل هو تقريبا نفس النتيجة التي يقرها الريسوني عندما يعتبر أن مفهوم الدولة هو دخيل على الفكر السياسي الإسلامي لم يرد ذكره في نصوص الإسلام المؤسسة من قرآن أو سنة وهي كيان اضطر إليه المسلمون من وراء استنباط مصلحي وبهذا تكون الأمة هي مدار الاهتمام عند الرجلين قبل الدولة.
الاستنتاج الثالث أن قيس سعيد يعتبر أن السلط الثلاث التي يقوم عليها الحكم الديمقراطي كما انتجها فكر عصر الأنوار وفكر الحداثة هي وظائف في خدمة الدولة وليست سلط مستقلة عنها وهو تقريبا نفس ما انتهى إليه الريسوني من خلال فكر المقاصد الذي يعتبر أن هذه السلط هي وسائل وليست مقاصد وهي مطلوبة لغيرها لا لذاتها مما يستدعي الحال إلى تغييرها كلما اتضح خللها أو فشلها وسواء كانت وظائف أو وسائل فإن النتيجة هي أن هذه السلط هي في خدمة الدولة وليست فوقها أو ندا لها وهي لا تراقبها .
الاستنتاج الرابع أن الرئيس قيس سعيد وأحمد الريسوني متفقان على أن الإسلام يطبق من خلال مقاصده وأن المقاصد هي الآلية التي تطبق بها الدولة أحكام الشريعة التي تدين بها الأمة على أرض الواقع وهما بذلك ينتميان إلى تفس المدرسة الفكرية التي تعتبر أن الإسلام وأحكامه وشريعته ممكنة التطبيق في العصر الراهن ، عصر ما بعد الحداثة من خلال فكر المقاصد وأنه يمكن تحقيق نهضة من خلال الاسلام الذي لا يراه قيس سعيد عبء ومعطل كما تراه النخبة الحداثية اليسارية.
الاستنتاج الخامس أن كل من خطاب قيس سعيد والريسوني يعتبر أن السيادة الأصلية هي للشعب و الأمة وليس لغيرهما ودون ذلك إما وظائف أو وسائل وسواء كانت السلطات الأخرى وظائف أو وسائل لتحقيق مصالح الأمة فهي في خدمة مقاصد الشريعة و في خدمة الدولة التي هي بدورها أرقى الوسائل وهي أي الدولة وسيلة ووظيفة تجمع حولها كل الوسائل والوظائف الأخرى وترتيبا على ذلك فإن " الرئيس " في فكر قيس سعيد هو موظف عند الأمة وهو عند الريسوني أجير وخادم عند الأمة وهي نفس الرؤية التي نجدها في المدونة السياسية لفقهاء المسلمين القدامى وفي كتب الأحكام السلطانية وأحكام السياسة الشرعية.
الاستنتاج السادس أن الرئيس قيس سعيد يبني موقفه من الدولة ومسألة علاقة الدين بها و يؤسس رؤيته لمكانة الإسلام في الدستور من فكرة أن الدولة هي فكرة حديثة من استنباط العقل الغربي وصنيعة الحداثة وفكرها الذي هيمن على كل فكر وكل ممارسة أخرى وهي مؤسسة لا نجد لها حديثا في المدونة الاسلامية التراثية في حين نجد حديثا مكثفا عن الأمة ودور الأمة وهذا ربما ما يفسر حسب رأينا تأكيده على الحاق الإسلام بالأمة لا بالدولة وهذا التحليل الذي يقدمه هو منسجم مع فكر ما بعد الحداثة أين نجد كل البناء الذي يقيمه لعلاقة الدين بالدولة يقوم على فكرة أن الأفراد والجماعة هما أصحاب السيادة وهي تحكم لتحقيق أحكام الشريعة والحفاظ على مقاصد الدين و يقوم كذلك على فكرة أن الدولة و شكل الحكم ونوعه هي مسائل ثانوية ولا يهم أن يكون نظام الحكم برلمانيا أو رئاسيا وإنما المهم هو تحقيق مقاصد الاسلام وشريعته كما يقول وهنا يتفق مع الريسوني الذي يعتبر أن الناس ليس لهم تعلق بالدولة ولا تشوف لها على عكس ارتباطهم بالأمة و أن النظر الشرعي يعتبر أن الدولة مجرد وسيلة لا تطلب لذاتها بالرغم من أنه لا غنى عنها ولا مفر منها لحفظ الدين وحفظ مصالح الأمة فالدولة مطلوبة طلب وسائل وهذا ما يفسر كذلك موقف الرئيس قيس سعيد من السلط الثلاث واعتبارها وظائف يحتاج إليها لخدمة مصالح الأمة من منطلق أنها وسائل لغيرها لا مقاصد لذاتها.
الاستنتاج الأخير أن الرئيس قيس سعيد من خلال ما وقفنا عليه بخصوص موقفه من أهمية المقاصد في تحقيق أحكام الدين وأحكام الشريعة الإسلامية وموقفه من علاقة الدين بالأمة ولا بالدولة هو شخصية متدينة بامتياز وشخصية معتزة بتراثها الفقهي السياسي فهو في تجاوزه لفكر الحداثة يعود إلى التراث السياسي لعلماء الإسلام القدامى ينهل منه ما هو صالح لتقديم البديل عن منجز عصر الأنوار وفكر الحداثة ويقدمه على أنه هو اليوم البديل للمنظومة الديمقراطية وكل استتباعاتها التي تعرف اليوم مراجعات كبرى ونقد كبير في تربتها الأصلية.. هو شخصية فارقة معتزة بتاريخها الاسلامي ومؤمنة بقدرة الفكر الاسلامي المقاصدي على تقديم الاضافة للأمة وللشعب.
بقلم: نوفل سلامة
الفكرة الأساسية أن الفكر الاسلامي التقليدي يقوم على أولوية حفظ الأمة لا على توفير وسيلة الدولة لحفظ مصالحها وأن حفظ الأمة مطلب أصلي مقدم على تكوين الدولة الذي هو مطلب لغيره لا لذاته لذلك لا نجد له اهتماما كبيرا عند الناس على عكس الانشغال بالأمة وتأسيسا على ذلك فإن السيادة في المدونة الفقهية السياسية التقليدية هي للشعب لذلك كانت الدولة خادمة للناس ومقاصد الدولة هي تحقيق مصالح الناس الدينية والدنيوية وتلك هي مقاصد الدين ومقاصد الشريعة يقول علالة الفاسي " إن الاسلام يعتبر الدولة خادمة للناس وبناء عليه فمقاصد الدولة لن تكون سوى تحقيق مصالح مواطنيها الدينية والدنيوية وتلك هي مقاصد الشريعة فما جعله الشرع مقصدا للجماعة المسلمة هو مقصد الدولة ومؤسساتها وسياستها فما الدولة إلا نائبة عن الأفراد وعن المجتمع وهي خادمة لهما .. على الدولة أن تجعل محور جهودها تخطيطا وتنفيذا وهكذا يقال في سائر مقاصد الشريعة "
إن الدولة بهذا الفهم المقاصدي هي نائبة عن الأفراد وعن الأمة وعن المجتمع وخادمة لهم أي أن مقاصد الدولة غير مستقلة عن مقاصد الأمة والمجتمع ومقاصد الشريعة هي مقاصد الدولة ومقاصد الأمة والدولة باعتبارها وسيلة ومجمع لوسائل أخرى ( القائمين على الدولة ووظائف الدولة والمؤسسات والإدارة ...) قابلة للتطور والتكيف والتلاؤم مع زمانها ومكانها وتحتاج دوما إلى استحداث فهي تتغير من زمان إلى آخر ومن ظرف إلى آخر بحسب مدى صلاحيتها وملاءمتها فعلى هذا الأساس يجب التعامل اليوم مع كل النظم والأساليب السياسية والإدارية التي عرفتها تجارب التاريخ الاسلامي وعلى هذا الأساس ينظر إلى الديمقراطية وغيرها من النظم الحديثة فكلها وسائل يمكن الأخذ بها ويمكن تغييرها أو تعديلها وحكمها هو حكم ما تجلبه وما تفضي إليه وليس في ذلك أي حرج وإنما الحرج في تنزيلها منزلة المقاصد والحال أنها من الوسائل والتعامل معها يجب أن يكون على أنها وسائل لا مقاصد والقاعدة في اختيار الوسائل وتغييرها وتقديم بعضها على بعض هي ما قاله ابن تيمية رحمه الله " ما كان أبلغ في تحصيل مقصود الشارع كان أحب إذا لم يعارضه ما يقتضي خلاف ذلك .
وكمثال على تلازم مقاصد الأمة مع مقاصد الدولة واتحاد المقصدين واستتباعات تحقيق مقاصد الشريعة للإسلام وللأمة الإسلامية في التطبيق العملي أن هناك مقاصد مكلف بتحقيقها الأفراد وفي نفس الوقت مكلفة بها الدولة والقائمون عليها ومؤسساتها كمقصد " تغيير المنكر " في المجتمع الإسلامي وقريبا من تغيير المنكر الحث على " إماطة الأذى من الطريق " وهو تكليف يقوم به الأفراد وهناك أنواع أخرى من أذى الطريق مكلفة بها الدولة و هو كل ما من شأنه أن يضر بالأمة من عزل الولاة الظلمة والحكام الرشاة ومحاربة الجريمة والمعتدين عن راحة الناس فكل هذا من قبيل إماطة الأذى الذي تقوم بها الدولة من باب تحقيق مقاصد الشريعة الاسلامية ".
إن أهم استنتاج نخرج به من خلال هذه المراوحة بين خطاب الرئيس قيس سعيد الديني وخطاب أحمد الريسوني رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن الرئيس قيد سعيد قد انهى كل الخلاف حول مسألة وجود الشريعة أو عدم وجودها في الإسلام بعد أن اعتبر أن الدولة التونسية في الدستور الجديد تعمل على تحقيق مقاصد الشريعة الاسلامية وبذلك يكون قد اسكت كل الناكرين لوجود أحكام ملزمة تنظم حياة الناس في النصوص المؤسسة للإسلام وفي المدونة الفقهية الاجتهادية من أمثال يوسف الصديق والصادق بلعيد منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لكتابة الدستور اللذان يعتبران أنه لا وجود للشريعة في القرآن واعتبر حسب رأيه أن في الإسلام شريعة و أن الدولة منوط بعهدتها العمل على تحقيقها .
الاستنتاج الثاني أن الرئيس قيس سعيد يعتبر أن الأمة هي الأصل وأن الدولة هي كيان متخيل انتجه العقل البشري حديثا في سياق أوروبي وعربي مختلف وهي مفهوم حديث لم يكن موجودا قبل القرن الثامن عشر وهذا التحليل هو تقريبا نفس النتيجة التي يقرها الريسوني عندما يعتبر أن مفهوم الدولة هو دخيل على الفكر السياسي الإسلامي لم يرد ذكره في نصوص الإسلام المؤسسة من قرآن أو سنة وهي كيان اضطر إليه المسلمون من وراء استنباط مصلحي وبهذا تكون الأمة هي مدار الاهتمام عند الرجلين قبل الدولة.
الاستنتاج الثالث أن قيس سعيد يعتبر أن السلط الثلاث التي يقوم عليها الحكم الديمقراطي كما انتجها فكر عصر الأنوار وفكر الحداثة هي وظائف في خدمة الدولة وليست سلط مستقلة عنها وهو تقريبا نفس ما انتهى إليه الريسوني من خلال فكر المقاصد الذي يعتبر أن هذه السلط هي وسائل وليست مقاصد وهي مطلوبة لغيرها لا لذاتها مما يستدعي الحال إلى تغييرها كلما اتضح خللها أو فشلها وسواء كانت وظائف أو وسائل فإن النتيجة هي أن هذه السلط هي في خدمة الدولة وليست فوقها أو ندا لها وهي لا تراقبها .
الاستنتاج الرابع أن الرئيس قيس سعيد وأحمد الريسوني متفقان على أن الإسلام يطبق من خلال مقاصده وأن المقاصد هي الآلية التي تطبق بها الدولة أحكام الشريعة التي تدين بها الأمة على أرض الواقع وهما بذلك ينتميان إلى تفس المدرسة الفكرية التي تعتبر أن الإسلام وأحكامه وشريعته ممكنة التطبيق في العصر الراهن ، عصر ما بعد الحداثة من خلال فكر المقاصد وأنه يمكن تحقيق نهضة من خلال الاسلام الذي لا يراه قيس سعيد عبء ومعطل كما تراه النخبة الحداثية اليسارية.
الاستنتاج الخامس أن كل من خطاب قيس سعيد والريسوني يعتبر أن السيادة الأصلية هي للشعب و الأمة وليس لغيرهما ودون ذلك إما وظائف أو وسائل وسواء كانت السلطات الأخرى وظائف أو وسائل لتحقيق مصالح الأمة فهي في خدمة مقاصد الشريعة و في خدمة الدولة التي هي بدورها أرقى الوسائل وهي أي الدولة وسيلة ووظيفة تجمع حولها كل الوسائل والوظائف الأخرى وترتيبا على ذلك فإن " الرئيس " في فكر قيس سعيد هو موظف عند الأمة وهو عند الريسوني أجير وخادم عند الأمة وهي نفس الرؤية التي نجدها في المدونة السياسية لفقهاء المسلمين القدامى وفي كتب الأحكام السلطانية وأحكام السياسة الشرعية.
الاستنتاج السادس أن الرئيس قيس سعيد يبني موقفه من الدولة ومسألة علاقة الدين بها و يؤسس رؤيته لمكانة الإسلام في الدستور من فكرة أن الدولة هي فكرة حديثة من استنباط العقل الغربي وصنيعة الحداثة وفكرها الذي هيمن على كل فكر وكل ممارسة أخرى وهي مؤسسة لا نجد لها حديثا في المدونة الاسلامية التراثية في حين نجد حديثا مكثفا عن الأمة ودور الأمة وهذا ربما ما يفسر حسب رأينا تأكيده على الحاق الإسلام بالأمة لا بالدولة وهذا التحليل الذي يقدمه هو منسجم مع فكر ما بعد الحداثة أين نجد كل البناء الذي يقيمه لعلاقة الدين بالدولة يقوم على فكرة أن الأفراد والجماعة هما أصحاب السيادة وهي تحكم لتحقيق أحكام الشريعة والحفاظ على مقاصد الدين و يقوم كذلك على فكرة أن الدولة و شكل الحكم ونوعه هي مسائل ثانوية ولا يهم أن يكون نظام الحكم برلمانيا أو رئاسيا وإنما المهم هو تحقيق مقاصد الاسلام وشريعته كما يقول وهنا يتفق مع الريسوني الذي يعتبر أن الناس ليس لهم تعلق بالدولة ولا تشوف لها على عكس ارتباطهم بالأمة و أن النظر الشرعي يعتبر أن الدولة مجرد وسيلة لا تطلب لذاتها بالرغم من أنه لا غنى عنها ولا مفر منها لحفظ الدين وحفظ مصالح الأمة فالدولة مطلوبة طلب وسائل وهذا ما يفسر كذلك موقف الرئيس قيس سعيد من السلط الثلاث واعتبارها وظائف يحتاج إليها لخدمة مصالح الأمة من منطلق أنها وسائل لغيرها لا مقاصد لذاتها.
الاستنتاج الأخير أن الرئيس قيس سعيد من خلال ما وقفنا عليه بخصوص موقفه من أهمية المقاصد في تحقيق أحكام الدين وأحكام الشريعة الإسلامية وموقفه من علاقة الدين بالأمة ولا بالدولة هو شخصية متدينة بامتياز وشخصية معتزة بتراثها الفقهي السياسي فهو في تجاوزه لفكر الحداثة يعود إلى التراث السياسي لعلماء الإسلام القدامى ينهل منه ما هو صالح لتقديم البديل عن منجز عصر الأنوار وفكر الحداثة ويقدمه على أنه هو اليوم البديل للمنظومة الديمقراطية وكل استتباعاتها التي تعرف اليوم مراجعات كبرى ونقد كبير في تربتها الأصلية.. هو شخصية فارقة معتزة بتاريخها الاسلامي ومؤمنة بقدرة الفكر الاسلامي المقاصدي على تقديم الاضافة للأمة وللشعب.