إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: متى ننأى بأنفسنا عن التقييمات القبليّة؟

بقلم:مصدّق الشّريف(*)

اُسدل السّتار عن فحوى مشروع الدستور الجديد في اللّيلة الفاصلة بين يوم الخميس 30 جوان ويوم الجمعة 1 جويلية 2022 وصدر مشروع الدستور الجديد بالرّائد الرّسمي للجمهورية التونسية. ومع هذا الحدث، يتواصل نقاش رجال القانون والسياسة ونشطاء المجتمع المدني ومسؤولي الاتحادات والإعلاميين والإعلاميات عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة حول الوضع العام بالبلاد. ويتواصل نقاش المواطنات والمواطنين حول الموضوع ذاته في البيوت والمقاهي والإدارات ومراكز العمل. وهو لعمري أمر محمود فيه تتجلى أبهى مظاهر الديمقراطية، إذ يكرّس التونسيون والتونسيات مواطنتهم ويمارسون حقهم في إبداء آرائهم حول أهم قوانين البلاد والذي سيرسم ملامح الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدّينية حاضرا ومستقبلا ويخطط مستقبل الأجيال القادمة.

وفي هذا الإطار، نسوق ملاحظة تتعلق أساسا بما خيض فيه من جدال وما حصل حوله من سجالات خلال الأسابيع والأيام التي سبقت صدور مشروع الدستور الجديد بصفة رسمية بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية. وتتعلّق الملاحظة بمن قيّموا مشروع الدستور الجديد قبل خروجه إلى الناس.

لقد رأينا من جهة أولى إطنابا مسبقا في كيل المديح لمشروع الدستور الجديد وجزم أصحابه بأن هذا المشروع سيكون بلا ريب أفضل من دستوري 1959 و2014. وشدّد هؤلاء على أنّ مشروع الدستور الجديد سيحقّق النماء والرفاه لأبناء الشعب التونسي وبه سيصل التونسيون والتونسيات إلى برّ الأمان ويلتحقون بركب البلدان العريقة في مجال الحريات العامة والخاصة. ورأينا من جهة أخرى من انتقد مسودة الدستور بلغة لا تخلو من التهكم والتبخيس. وشكّك أصحاب هذا الموقف في مصداقية اللّجنة التي كانت تسهر على كتابة المسودة معتبرين أنّ المسار الذي توخاه رئيس الجمهورية مسرحية سمجة الإخراج وأكذوبة تُحاك في رابعة النهار ضدّ الشعب التونسي. وأكد هؤلاء أن نسخة مشروع الدستور المرتقب جاهزة منذ أشهر كتبها رئيس الدولة السيّد قيس سعيد وهي على مكتبه وفي محفظة كلّ من العميدين الصادق بلعيد وإبراهيم بودربالة والأستاذ أمين محفوظ. وذهب بعضهم إلى القول إنّ في بعض من فصول مشروع الدستور رائحة الفكر الداعشي السلفي. ومنهم من أكد أنّ مشروع الدستور الجديد نسخة من دستور إيران أو يحمل على الأقل روحه باعتبار أنّ الرئيس قد يكون شيعيّ المذهب.

إننا نعجب من موقف الطرفين لاسيما منهم من درسوا ودرّسوا أن الأفكار المسبقة لا تليق بالرجل المفكر العقلاني الذي يميل إلى الموضوعية. ويبدو أنّ هؤلاء قد نسوا أن تفجير قنبلة أسهل من تفجير أفكار وأحكام مسبقة. ونسي هؤلاء أيضا أنهم يخوضون في جدل عقيم لأنهم يتناولون بالشرح نصّا لم ير النّور بعد وليس بين أيديهم. أيكونون قد انساقوا وراء من قال للطاهر الحداد أحد زعماء الفكر التقدمي والوطني تعليقا على كتابه امرأتنا في الشريعة والمجتمع "هذا على حساب قبل أن أقرأ الكتاب" حتى أصبح مصدرا للتندر والاستخفاف لقصر نظره وبعده عن رجاحة العقل؟

وعلى العموم، يبدو جليا أن الفكر السياسي وخطاب مكونات المجتمع المدني قد اتخذ منذ 14 جانفي 2011 أسلوب التأثير في العواطف والوجدان بكيل المدائح وتبسيط المسائل أو بإثارة العداوة والبغضاء خدمة للمصالح الضيقة والخاصة في كلتا الحالتين. ومن الواضح أن من انتهجوا هذا الأسلوب غير مستعدّين لتقييمه ومراجعته وتغييره. وبذلك فإن الإقلاع بتونس وشعبها، كما تردّد الألسن، هو في اعتقادنا ضرب من الكذب والبهتان ويبقى صعب المنال ما دام المشهد على حاله.

فما ضرّ لو وقف كلّ واحد موقف الحياد من مشروع الدّستور المنتظر، فلا يوغل في المدح ولا في السبّ والشتم وبذلك يحافظ على الموضوعية مادامت النسخة لم تصدر بعد؟

 

 

منتدى الصباح: متى ننأى بأنفسنا عن التقييمات القبليّة؟

بقلم:مصدّق الشّريف(*)

اُسدل السّتار عن فحوى مشروع الدستور الجديد في اللّيلة الفاصلة بين يوم الخميس 30 جوان ويوم الجمعة 1 جويلية 2022 وصدر مشروع الدستور الجديد بالرّائد الرّسمي للجمهورية التونسية. ومع هذا الحدث، يتواصل نقاش رجال القانون والسياسة ونشطاء المجتمع المدني ومسؤولي الاتحادات والإعلاميين والإعلاميات عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة حول الوضع العام بالبلاد. ويتواصل نقاش المواطنات والمواطنين حول الموضوع ذاته في البيوت والمقاهي والإدارات ومراكز العمل. وهو لعمري أمر محمود فيه تتجلى أبهى مظاهر الديمقراطية، إذ يكرّس التونسيون والتونسيات مواطنتهم ويمارسون حقهم في إبداء آرائهم حول أهم قوانين البلاد والذي سيرسم ملامح الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدّينية حاضرا ومستقبلا ويخطط مستقبل الأجيال القادمة.

وفي هذا الإطار، نسوق ملاحظة تتعلق أساسا بما خيض فيه من جدال وما حصل حوله من سجالات خلال الأسابيع والأيام التي سبقت صدور مشروع الدستور الجديد بصفة رسمية بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية. وتتعلّق الملاحظة بمن قيّموا مشروع الدستور الجديد قبل خروجه إلى الناس.

لقد رأينا من جهة أولى إطنابا مسبقا في كيل المديح لمشروع الدستور الجديد وجزم أصحابه بأن هذا المشروع سيكون بلا ريب أفضل من دستوري 1959 و2014. وشدّد هؤلاء على أنّ مشروع الدستور الجديد سيحقّق النماء والرفاه لأبناء الشعب التونسي وبه سيصل التونسيون والتونسيات إلى برّ الأمان ويلتحقون بركب البلدان العريقة في مجال الحريات العامة والخاصة. ورأينا من جهة أخرى من انتقد مسودة الدستور بلغة لا تخلو من التهكم والتبخيس. وشكّك أصحاب هذا الموقف في مصداقية اللّجنة التي كانت تسهر على كتابة المسودة معتبرين أنّ المسار الذي توخاه رئيس الجمهورية مسرحية سمجة الإخراج وأكذوبة تُحاك في رابعة النهار ضدّ الشعب التونسي. وأكد هؤلاء أن نسخة مشروع الدستور المرتقب جاهزة منذ أشهر كتبها رئيس الدولة السيّد قيس سعيد وهي على مكتبه وفي محفظة كلّ من العميدين الصادق بلعيد وإبراهيم بودربالة والأستاذ أمين محفوظ. وذهب بعضهم إلى القول إنّ في بعض من فصول مشروع الدستور رائحة الفكر الداعشي السلفي. ومنهم من أكد أنّ مشروع الدستور الجديد نسخة من دستور إيران أو يحمل على الأقل روحه باعتبار أنّ الرئيس قد يكون شيعيّ المذهب.

إننا نعجب من موقف الطرفين لاسيما منهم من درسوا ودرّسوا أن الأفكار المسبقة لا تليق بالرجل المفكر العقلاني الذي يميل إلى الموضوعية. ويبدو أنّ هؤلاء قد نسوا أن تفجير قنبلة أسهل من تفجير أفكار وأحكام مسبقة. ونسي هؤلاء أيضا أنهم يخوضون في جدل عقيم لأنهم يتناولون بالشرح نصّا لم ير النّور بعد وليس بين أيديهم. أيكونون قد انساقوا وراء من قال للطاهر الحداد أحد زعماء الفكر التقدمي والوطني تعليقا على كتابه امرأتنا في الشريعة والمجتمع "هذا على حساب قبل أن أقرأ الكتاب" حتى أصبح مصدرا للتندر والاستخفاف لقصر نظره وبعده عن رجاحة العقل؟

وعلى العموم، يبدو جليا أن الفكر السياسي وخطاب مكونات المجتمع المدني قد اتخذ منذ 14 جانفي 2011 أسلوب التأثير في العواطف والوجدان بكيل المدائح وتبسيط المسائل أو بإثارة العداوة والبغضاء خدمة للمصالح الضيقة والخاصة في كلتا الحالتين. ومن الواضح أن من انتهجوا هذا الأسلوب غير مستعدّين لتقييمه ومراجعته وتغييره. وبذلك فإن الإقلاع بتونس وشعبها، كما تردّد الألسن، هو في اعتقادنا ضرب من الكذب والبهتان ويبقى صعب المنال ما دام المشهد على حاله.

فما ضرّ لو وقف كلّ واحد موقف الحياد من مشروع الدّستور المنتظر، فلا يوغل في المدح ولا في السبّ والشتم وبذلك يحافظ على الموضوعية مادامت النسخة لم تصدر بعد؟