إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صورة السياسي تزداد "اهتزازا".. وأزمة الثقة تتعمق

تونس – الصباح

أسئلة عديدة حول مدى تأثير "ضرب" صورة السياسيين في تونس واهتزاز الثقة في الطبقة السياسية بمختلف انتماءاتها وتموقعاتها اليوم على الوضع العام ومستقبل البلاد. وهي استفهامات تختزل في تفاصيلها وأبعادها ضرورة مراعاة هذا الجانب في التعاطي الجدلي والسجالي مع القضايا والمسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والفكرية والثقافية في تونس في هذه المرحلة الصعبة والمفصلية التي تمر بها بلادنا وتتزامن مع وضع إقليمي وعالمي متحرك سوف لن تكون تونس بمنأى عن تداعياته. الأمر الذي من شأنه أن يعمق أزمة الوضع الذي تمر به بلادنا ويصعب كل المحاولات والمبادرات والمشاريع الإصلاحية المطروحة في ظل غياب برامج متكاملة وإرادة سياسية وأسماء ترتقي لمستوى البدائل القادرة على فك أزمة الثقة التي تخيم على المشهد العام اليوم وإقناع الجميع في الداخل والخارج ببرامج متكاملة قادرة على إخراج البلاد والمواطن من الأوضاع المتردية والأزمات المخيمة.

ولعل ما عزز أزمة الثقة في الطبقة السياسية لتصل إلى حد القطيعة والرفض شبه الكلي لها من قبل المواطنين، وفق ما تبينه نتائج سبر الآراء أو ردود الأفعال بأشكال وطرق مختلفة، هي السلوكات والظواهر والممارسات التي ميزت المشهد في العشرية الماضية وتعمقت حدتها بعد 25 جويلية لعدة أسباب من بينها أن شقا واسعا من السياسيين الذين واصلوا الهروب إلى الأمام دون مبالاة بحجم وفظاعة الخيارات والسلوكيات التي فسرها بعض المختصين في علم الاجتماع السياسي بأنها لم تكن مدروسة وأن مآل جل الخيارات السياسية في هذه المرحلة هو الفشل وتعميق أزمة الصورة السلبية للسياسيين بسبب "العشوائية" وغياب النزعة الوطنية وانعدام البرامج المدروسة والمتكاملة التي تراعي المصلحة الوطنية مقابل طغيان النَّزَعَات الفردانية وتغليب المصالح الشخصية والحزبية الضيقة في أغلب الممارسات والخيارات التي ميزت المرحلة.

وهو ما عمق هوة الفجوة بين الطبقة السياسية من ناحية والطبقة الاجتماعية أو القواعد الشعبية من ناحية أخرى، على نحو يؤشر إلى حصول قطيعة بين الطرفين لا تحمد عقباها على مستويات عديدة. ويكفي التذكير بأن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية سنة 2019 بلغت 41% فيما بلغ عدد المشاركين في الاستشارة الالكترونية التي انتظمت في بداية هذا العام 534915 من بين ما يقارب 7 مليون تونسي في الجسم الانتخابي. والأمر لا يقتصر على الطبقة السياسية والحزبية المعارضة لمسار ما بعد 25 جويلية فحسب ومعاداة رئيس الجمهورية قيس سعيد فحسب وإنما تشمل أيضا كل مكونات المشهد السياسي بقطع النظر عن الانتماءات والمدارس والأفكار والإيديولوجيات.

ويؤكد عديد المتابعين للشأن السياسي في تونس أن أزمة الثقة السائدة اليوم لا تقتصر على السياسيين التقليديين من الأسماء المتعارف عليها في العشرية الماضية والعقود التي سبقتها على حد السواء وإنما تشمل أيضا رموز هذه المرحلة الاستثنائية بما في ذلك صورة قيس سعيد وداعميه إضافة إلى رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزراء حكومتها، بعد أن بدأت "صورة" هؤلاء جميعا تهتز وتتآكل أيضا. وذلك بسبب عدم قدرة هؤلاء جميعا على التقاط اللحظة وعدم القدرة على تحقيق النجاح في الاستجابة لمتطلبات المرحلة ودواعيها وحسن التعاطي معها وفق مخرجات عملية كفيلة بإقناع الرأيين الخاص والعام داخل تونس وخارجها بما يؤكد قدرتها على القطع ما كان سائدا وتقديم بدائل اجتماعية واقتصادية وإدارية كفيلة بإيقاف نزيف المعاناة ومظاهر الفساد والإفلات من العقاب والمحسوبية التي ساهمت في تردي الوضع وتأجيج الشارع التونسي بل اختارت مسارات أخرى ساهمت في تعميق الأزمة ووسعت دائرة الاحتقان.

وما جعل موجة الغضب والرفض هذه تهدد اليوم وبشكل غير مسبوق الشق السياسي الرسمي، بقيادة سعيد وبودن، الذي يتولى تسيير دواليب الدولة خلال المرحلة الاستثنائية في ظل عجز هؤلاء عن الاستجابة لانتظارات المواطنين الذين انتفضوا على منظومة الحكم يوم 25 جويلية وعدم ارتقاء الأداء برامج العمل البديلة على مستوى إصلاح الوضع ومراعاة الظروف الصعبة والوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي للتونسيين. وذلك بعد أن مجت واستهجنت كل مكونات المشهد السياسي الكلاسيكيين. وهو ما يبدو جليا في رفض محاولات عودة سياسيي ما قبل 25 جويلية وكل مبادرات تحركاتهم وفشل محاولات العسكرة ضد منظومة سعيد داخليا وخارجيا لاكتفوا بالتحرك في دوائر حزبية وائتلافية ضيقة تحكمها وتحركها مصالح وأجندات ضيقة.

كل هذه العوامل تجعل محاولات الإصلاح والتأسيس مهمة غير سهلة سواء تعلق بما هو تشريعي أو تنفيذي عملي أو مؤسساتي وتنظيمي وقانوني، في ظل "قتامة" صورة السياسي لدى المتقبل التونسي وغياب التواصل والتفاعل بين الطرفين بعد العزلة التي أصبح يعيشها "السياسي" اليوم في مواقعه المختلفة سواء تعلق الأمر بالرسمي أو المعارض والداعم على حد السواء من ناحية والمواطن من ناحية أخرى. إذ لم يجد الثاني في "جراب" هؤلاء جميعا ما يجيب عن تساؤلاته ويستجيب لخياراته وانتظاراته سواء من حيث البرامج الإصلاحية والقرارات المصيرية التي تراعي إمكانياته وتحد من وقع الصعوبات والأزمات التي يمر بها مقابل بطء آليات العمل وعدم انسجامها مع الوضع الراهن إن وجدت من ناحية، وغياب البرامج والمقترحات البديلة وخواء كل المبادرات التي تحمل بصيص من الآمال لاستشراف مستقبل أفضل من ناحية ثانية.

لتسقط الطبقة السياسية بمختلف مكوناتها وتموقعاتها في التخبط "عشوائيا" في دائرة مفرغة من الحلول والمخارج العملية المطلوبة وكل ما من شأنه أن يحفز الرأي العام على مناصرتها في توجهاتها أو مشاركتها في الجدل والصراع القائمين بما يفتح المجال لتوجه البعض للبحث عن خيارات أخرى خارج السياقات السياسية القائمة في إطار ما هو رسمي ومعارضة. وهو توجه تبدو نتائجه غير محمودة وفق ما تذهب إليه عديد القراءات في ظل توتر المناخ الاجتماعي الذي ينذر بالانفجار من ناحية وتردي الوضع الإقليمي بعد تواصل غلق الحدود التونسية الجزائرية من ناحية وتفجر الوضع الأمني وعدم الاستقرار السياسي في ليبيا.

نزيهة الغضباني

صورة السياسي تزداد "اهتزازا".. وأزمة الثقة تتعمق

تونس – الصباح

أسئلة عديدة حول مدى تأثير "ضرب" صورة السياسيين في تونس واهتزاز الثقة في الطبقة السياسية بمختلف انتماءاتها وتموقعاتها اليوم على الوضع العام ومستقبل البلاد. وهي استفهامات تختزل في تفاصيلها وأبعادها ضرورة مراعاة هذا الجانب في التعاطي الجدلي والسجالي مع القضايا والمسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والفكرية والثقافية في تونس في هذه المرحلة الصعبة والمفصلية التي تمر بها بلادنا وتتزامن مع وضع إقليمي وعالمي متحرك سوف لن تكون تونس بمنأى عن تداعياته. الأمر الذي من شأنه أن يعمق أزمة الوضع الذي تمر به بلادنا ويصعب كل المحاولات والمبادرات والمشاريع الإصلاحية المطروحة في ظل غياب برامج متكاملة وإرادة سياسية وأسماء ترتقي لمستوى البدائل القادرة على فك أزمة الثقة التي تخيم على المشهد العام اليوم وإقناع الجميع في الداخل والخارج ببرامج متكاملة قادرة على إخراج البلاد والمواطن من الأوضاع المتردية والأزمات المخيمة.

ولعل ما عزز أزمة الثقة في الطبقة السياسية لتصل إلى حد القطيعة والرفض شبه الكلي لها من قبل المواطنين، وفق ما تبينه نتائج سبر الآراء أو ردود الأفعال بأشكال وطرق مختلفة، هي السلوكات والظواهر والممارسات التي ميزت المشهد في العشرية الماضية وتعمقت حدتها بعد 25 جويلية لعدة أسباب من بينها أن شقا واسعا من السياسيين الذين واصلوا الهروب إلى الأمام دون مبالاة بحجم وفظاعة الخيارات والسلوكيات التي فسرها بعض المختصين في علم الاجتماع السياسي بأنها لم تكن مدروسة وأن مآل جل الخيارات السياسية في هذه المرحلة هو الفشل وتعميق أزمة الصورة السلبية للسياسيين بسبب "العشوائية" وغياب النزعة الوطنية وانعدام البرامج المدروسة والمتكاملة التي تراعي المصلحة الوطنية مقابل طغيان النَّزَعَات الفردانية وتغليب المصالح الشخصية والحزبية الضيقة في أغلب الممارسات والخيارات التي ميزت المرحلة.

وهو ما عمق هوة الفجوة بين الطبقة السياسية من ناحية والطبقة الاجتماعية أو القواعد الشعبية من ناحية أخرى، على نحو يؤشر إلى حصول قطيعة بين الطرفين لا تحمد عقباها على مستويات عديدة. ويكفي التذكير بأن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية سنة 2019 بلغت 41% فيما بلغ عدد المشاركين في الاستشارة الالكترونية التي انتظمت في بداية هذا العام 534915 من بين ما يقارب 7 مليون تونسي في الجسم الانتخابي. والأمر لا يقتصر على الطبقة السياسية والحزبية المعارضة لمسار ما بعد 25 جويلية فحسب ومعاداة رئيس الجمهورية قيس سعيد فحسب وإنما تشمل أيضا كل مكونات المشهد السياسي بقطع النظر عن الانتماءات والمدارس والأفكار والإيديولوجيات.

ويؤكد عديد المتابعين للشأن السياسي في تونس أن أزمة الثقة السائدة اليوم لا تقتصر على السياسيين التقليديين من الأسماء المتعارف عليها في العشرية الماضية والعقود التي سبقتها على حد السواء وإنما تشمل أيضا رموز هذه المرحلة الاستثنائية بما في ذلك صورة قيس سعيد وداعميه إضافة إلى رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزراء حكومتها، بعد أن بدأت "صورة" هؤلاء جميعا تهتز وتتآكل أيضا. وذلك بسبب عدم قدرة هؤلاء جميعا على التقاط اللحظة وعدم القدرة على تحقيق النجاح في الاستجابة لمتطلبات المرحلة ودواعيها وحسن التعاطي معها وفق مخرجات عملية كفيلة بإقناع الرأيين الخاص والعام داخل تونس وخارجها بما يؤكد قدرتها على القطع ما كان سائدا وتقديم بدائل اجتماعية واقتصادية وإدارية كفيلة بإيقاف نزيف المعاناة ومظاهر الفساد والإفلات من العقاب والمحسوبية التي ساهمت في تردي الوضع وتأجيج الشارع التونسي بل اختارت مسارات أخرى ساهمت في تعميق الأزمة ووسعت دائرة الاحتقان.

وما جعل موجة الغضب والرفض هذه تهدد اليوم وبشكل غير مسبوق الشق السياسي الرسمي، بقيادة سعيد وبودن، الذي يتولى تسيير دواليب الدولة خلال المرحلة الاستثنائية في ظل عجز هؤلاء عن الاستجابة لانتظارات المواطنين الذين انتفضوا على منظومة الحكم يوم 25 جويلية وعدم ارتقاء الأداء برامج العمل البديلة على مستوى إصلاح الوضع ومراعاة الظروف الصعبة والوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي للتونسيين. وذلك بعد أن مجت واستهجنت كل مكونات المشهد السياسي الكلاسيكيين. وهو ما يبدو جليا في رفض محاولات عودة سياسيي ما قبل 25 جويلية وكل مبادرات تحركاتهم وفشل محاولات العسكرة ضد منظومة سعيد داخليا وخارجيا لاكتفوا بالتحرك في دوائر حزبية وائتلافية ضيقة تحكمها وتحركها مصالح وأجندات ضيقة.

كل هذه العوامل تجعل محاولات الإصلاح والتأسيس مهمة غير سهلة سواء تعلق بما هو تشريعي أو تنفيذي عملي أو مؤسساتي وتنظيمي وقانوني، في ظل "قتامة" صورة السياسي لدى المتقبل التونسي وغياب التواصل والتفاعل بين الطرفين بعد العزلة التي أصبح يعيشها "السياسي" اليوم في مواقعه المختلفة سواء تعلق الأمر بالرسمي أو المعارض والداعم على حد السواء من ناحية والمواطن من ناحية أخرى. إذ لم يجد الثاني في "جراب" هؤلاء جميعا ما يجيب عن تساؤلاته ويستجيب لخياراته وانتظاراته سواء من حيث البرامج الإصلاحية والقرارات المصيرية التي تراعي إمكانياته وتحد من وقع الصعوبات والأزمات التي يمر بها مقابل بطء آليات العمل وعدم انسجامها مع الوضع الراهن إن وجدت من ناحية، وغياب البرامج والمقترحات البديلة وخواء كل المبادرات التي تحمل بصيص من الآمال لاستشراف مستقبل أفضل من ناحية ثانية.

لتسقط الطبقة السياسية بمختلف مكوناتها وتموقعاتها في التخبط "عشوائيا" في دائرة مفرغة من الحلول والمخارج العملية المطلوبة وكل ما من شأنه أن يحفز الرأي العام على مناصرتها في توجهاتها أو مشاركتها في الجدل والصراع القائمين بما يفتح المجال لتوجه البعض للبحث عن خيارات أخرى خارج السياقات السياسية القائمة في إطار ما هو رسمي ومعارضة. وهو توجه تبدو نتائجه غير محمودة وفق ما تذهب إليه عديد القراءات في ظل توتر المناخ الاجتماعي الذي ينذر بالانفجار من ناحية وتردي الوضع الإقليمي بعد تواصل غلق الحدود التونسية الجزائرية من ناحية وتفجر الوضع الأمني وعدم الاستقرار السياسي في ليبيا.

نزيهة الغضباني

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews