إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المؤسسات العمومية تغرق في انتظار "شجاعة" الحسم

تونس- الصباح

أعاد مؤخرا تصريح سمير ماجول رئيس منظمة الأعراف بشأن خوصصة المؤسسات العمومية  والرد الحازم لنور الدين الطبوبي أمين عام اتحاد الشغل، إلى سطح معضلة وضع هذه المؤسسات ومصيرها. وفي الحقيقية لم يتوقف الاهتمام والحديث في الآونة الأخيرة عن هذا الملف الشائك والحارق في كواليس وأروقة الحكومة ومحادثاتها الثنائية مع صندوق النقد الدولي ومع الاتحاد العام التونسي للشغل الرافض لطرح حكومة بودن ولنصح صندوق النقد ومنظمة الأعراف والمتمسك إلى حد الآن برؤيته ضد الخوصصة والتفويت. 

كما تؤكد الأصوات الرافضة للتوجه نحو التفويت في المؤسسات العمومية التي  تعيش صعوبات مالية لا ينكرها أحد، ان أزمة هذه المؤسسات وما أصبحت تطرحه من عبء على ميزانية الدولة ليس لأنها عمومية بل بسبب البيروقراطية المقيتة  والفساد وسوء التصرف والحوكمة.

وبين هذا الطرح والصوت المقابل تتفاقم وضعية هذه المؤسسات لتغرق أكثر في ظل غياب شجاعة الحسم والتوافق على مسار إصلاح يقطع مع تحول هذا الملف إلى جمرة حارقة تتقاذفها الحكومات المتعاقبة.

برنامج الحكومة

حاولت رئيسة الحكومة في تصريح لها في 7 ماي الجاري الطمأنة أنه ليس للدولة أي نية للتفويت في المؤسسات العمومية ذات الطابع الاستراتيجي باعتبار دورها المحوري في تنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية. وأوضحت بودن، على هامش افتتاحها موكب احياء تونس للعيد العالمي للشغل واحتفالا بيوم العامل المثالي، ان اصلاح هذه المؤسسات "بات ضرورة قصوى مبرزة أن عملية الإصلاح ستحظى ببرامج إعادة هيكلة" وتشمل هذه الإصلاحات ايضا وفق رئيسة الحكومة، تحسين نجاعة وأداء القطاع العمومي من خلال اصلاح الادارة والمؤسسات العمومية مؤكدة الحرص على ان تكون مراجعة الاجور في الحدود التي تسمح بها توازنات المالية العمومية واستدامة الدين العمومي.

وأضافت انه سيتم ضبط قائمة في المؤسسات الناشطة في القطاعات الاستراتيجية من غيرها وإرساء اسس حوكمة جديدة للمؤسسات العمومية ترتكز على الشفافية والمساءلة من ابرزها بعث هيكل للتصرف في المساهمات.

رغم محاولات الطمأنة هذه إلا أن إملاءات صندوق النقد الدولي التي باتت معروفة للجميع وفي مقدمتها التقليص من كتلة الأجور والتفويت في المؤسسات العمومية إلى جانب مراجعة منظومة الدعم وموضوع المديونية واشتراط موافقة المنظمات الوطنية على حزمة هذه الإصلاحات، تقوض كل مسعى للحكومة للتخفيف من وطأة التداعيات المحتملة لخيارها الإصلاحي والتسويق له.

وإلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل رافع لواء الممانعة في وجه برنامج الحكومة للتفويت في المؤسسات العمومية تتعالى أيضا أصوات أخرى ترفض هذا التمشي الذي تعتزم الحكومة تنفيذه فقد نددت بعض الأطراف السياسية في الآونة الأخيرة بخيارات الحكومة على غرار ما صرح به مؤخرا رئيس حزب آفاق تونس فاضل عبد الكافي، الذي اعتبر أنه من المستحيل تطبيق اتفاق مع صندوق النقد الدولي، مؤكدا أنه لا يمكن القيام بالإصلاحات اللازمة بالطريقة المعتمدة حاليا.

وقال عبد الكافي إنه يجب اعتماد المرحلية في الإصلاحات، مشددا على أن تجميد الأجور وتجميد الانتدابات وبيع المؤسسات العمومية والنظر في منظومة الدعم هي شروط لا تستقيم، على حد تعبيره.

دعوات للتفويت

في المقابل ترتفع أصوات أخرى منددة بتأخر الحسم وإيجاد الحلول للوضعية الكارثية للمؤسسات العمومية ولا يمانع هؤلاء في التفويت في هذه المؤسسات بل لعلهم يعتبرونه الحل الوحيد للإنقاذ والخروج من دوامة مفرغة تعرقل الاقتصاد وتشله. فبعد إصدار وزارة المالية بداية السنة لتقريرها بشأن وضعية المؤسسات العمومية، وصف معز الجودي، الخبير في الشؤون الاقتصادية هذا التقرير الذي صدر مؤخرا بأنه صادم، لافتا في السياق إلى أن "مؤسسات كانت رابحة ومحافظة على أدنى حد من توازناتها الحيوية والمالية، تصبح الآن في حالة عجز خانق وفي وضعية إنقاذ شبه مستحيلة".

واشار الجودي إلى أن الدولة في عام 2020 "حولت تقريبا 9.9 مليار دينار لهذه لمؤسسات أي ما يعادل 8.9% من الناتج المحلي الخام وفي المقابل ميزانية الدولة لم تجن سوي 3% موارد متأتية من هذه المؤسسات".

واعتبر أن ما يجري هو "نزيف بأتم معني الكلمة"، مشيرا إلى "مؤسسات في وضعية احتكار للسوق وخاسرة عشرات المليارات، ومؤسسات كانت تدار بأربعة آلاف أجير أصبحت تشغل أكثر من 13 ألف أجير".

وتحدث الجودي أيضا عن "مؤسسات منكوبة، غارقة في الديون، فقدت كل قدراتها وأصبحت تمثل عبئا ثقيلا علي ميزانية الدولة ودافعي الضرائب" وقال إن عملية إصلاح المؤسسات العمومية أصبحت شبه مستحيلة، وإن مثل هذه التقارير "بكاء على الأطلال".

بدوره أكد رئيس منظمة الاعراف سمير ماجول خلال حضوره مؤخرا في فعاليات المنتدى الاقتصادي التونسي المصري، أن منظمة الأعراف قدمت منذ 16 من ديسمبر الفارط وثيقة للحكومة بشأن رؤيتها للاقتصاد وهي تطلب أكثر صرامة في مجال الإصلاحات مشيرا إلى أن حل الاشكال المتعلق بكتلة الأجور يكون أساسا من خلال عودة النمو وخاصة في المؤسسات العمومية التي يجب أن تكون قاطرة للنمو، معتبرا "أن خوصصتها تمثل حلا وان الرابح الاكبر من الخوصصة هو اتحاد الشغل باعتبار أن خوصصتها ستمكنها من تحسين أرقامها المالية وأن الرأس مال البشري فيها ينتمي إلى المنظمة الشغيلة"، متحدثا عن شركات الاسمنت كمثال للخوصصة الناجحة المنتمية لاتحاد الشغل قائلا "إن المركزية النقابية ربما لم تقم بالدراسة الضرورية لفهم هذا التوجه".

إصرار المنظمة الشغيلة

تصريحات ماجول الداعمة للخوصصة والناصحة للاتحاد للانخراط في هذا المسار المربح سرعان ما رد عليها نور الدين الطبوبي الامين العام للاتحاد العام قائلا ”قبل يومين رئيس اتحاد الصناعة والتجارة نصحني -لو نصح نفسه لكان خيرا له- ونصح الاتحاد بالسماح بخوصصة القطاع العمومي واعتبر ان الاتحاد سيكون رابحا من هذه الخطوة.. اقول له "ما حاجتناش بالربح الي يجي من جرّتكم".. اربحوا انتوما يزي ..ادفعوا الجباية وكونوا عادلين وسووا وضعياتكم افضل لكم.. لا نريد نصيحة منكم.. نعرف طريقنا جيدا“، على حد تعبيره.

من جهة أخرى شدّد الطبوبي على ان الاتحاد يريد وزراء مفاوضين وناجعين وقادرين على اتخاذ القرارات مخاطبا وزيرة الصناعة نايلة القنجي بالقول "ترغبون في تحويل شركة الستاغ إلى شركة مناولة.. لن نسمح بذلك وهذا لن يكون".

وكان الاتحاد واضحا في بيانه الأخير الصادر في 6 ماي الجاري بعد اجتماع مكتبه التنفيذي حين دعا الحكومة إلى انقاذ المؤسسات العمومية بدل الحديث عن التفويت مطالبا بـ"..التفاعل الإيجابي مع مطالب الشغّالين بتنقيح النظامين الأساسين للوظيفة العمومية وللمنشآت والدواوين والشروع بصفة تشاركية في معالجة وضعية المؤسّسات العمومية حالة بحالة قصد إنقاذها".

قبل ذلك وتحديدا في شهر مارس الفارط إبان تسارع نسق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي شدد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي في تصريح له على نفي أن يكون الاتحاد رافضا لإصلاح المؤسسات العمومية قائلا "نحن مستعدون للنقاش حول تفاصيل الاصلاح".

وطالب الطبوبي رئيس الجمهورية بأن يضع خطا أحمرا يحول دون المساس بالمؤسسات العمومية منتقدا الزيادة في الأسعار وارتفاع نسب التضخم في ظل التوجه نحو عدم الزيادة في الأجور.

برنامج الخوصصة

ويتنزل تمسك الاتحاد بإنقاذ المؤسسات العمومية دون التفويت فيها في سياق وجهة نظر تعتبر أن  الدعوات الى خوصصة المؤسسات العمومية هي "استكمال لمسار انطلق في تونس منذ اكثر من عشرين سنة وتحديدا مع دخول "برنامج الاصلاح الهيكلي" حيز التنفيذ في سنة 1986 في سياق عالمي تميز بهيمنة السياسات النيوليبرالية التي ترتكز على الحد من تدخل الدولة لصالح آليات السوق والمبادرة الخاصة".

وتضيف بعض التحاليل المتبينة لرؤية نقدية لهذا التوجه  أن "برنامج الهيكلة يهدف إلى إعادة النظر في وظيفة "الدولة المساهمة" وهو ما يعني تحويل الدولة من مالك إلى مجرد مساهم في المنشآت العمومية إلى جانب مساهمين آخرين".

وأن من بين الانعكاسات المباشرة للتفويت في المؤسسات العمومية هو "حرمان الدولة من موارد ذاتية قارة واذا ما أخذنا بعين الاعتبار الاجراءات الاخرى الواردة في وصفات الاصلاح الهيكلي مثل الاعفاءات الجبائية والتفكيك التدريجي للمعاليم الديوانية فان ذلك سيؤدي الى تراجع الموارد الذاتية للدولة ويجعلها عاجزة عن مجابهة نفقاتها".

ويعتبر الرافضون لبرنامج إعادة الهيكلة بكل مراحله أن القبول به يجعل الدولة أمام خيار وحيد هو اللجوء المتزايد للتداين "ما يعني رضوخا متزايدا لاملاءات المؤسسات المالية العالمية. من ناحية اخرى يثقل التداين كاهل الميزانية (خاصة مع تدهور قيمة العملة الوطنية وانعكاساتها على خدمة الدين) ويجبر الدولة على الضغط على نفقاتها الاقتصادية والاجتماعية مما يؤدي الى تدهور هذه الخدمات و يفتح المجال امام خوصصتها. من هنا يمكن ان نتبين ان خوصصة المؤسسات العمومية ليست إلا فاتحة لمسار سينتهي الى خوصصة الخدمات الاجتماعية وربما خوصصة الدولة في حد ذاتها".

الحوكمة أصل الداء

يتبنى ايضا المعارضون لمسألة التفويت في المؤسسات العمومية الطرح الذي يشدد على أن العديد من المؤسسات العمومية يقع اليوم دفعها عمدا نحو الافلاس لتبرير خوصصتها.

ويذهب هؤلاء إلى ضرورة مقاومة الفساد وتمكين هذه المؤسسات من برامج وآليات حوكمة واصلاح تجعل منها مؤسسات ذات جدوى اقتصادية عالية قادرة على توفير موارد قارة لخزينة الدولة عوض التفكير في التوفيت فيها.

وما كشفته مؤخرا نتائج دراسة أنجزتها الجمعية التونسية للمراقبين العموميين حول "مؤشر حوكمة المؤسسات العمومية في تونس''، وقدمت نتائجها في شهر مارس الفارط، يؤكد معضلة سوء التصرف والحوكمة في هذه المؤسسات علما أن الكثير من الأصوات تحمل النقابات جزءا ماها من المسؤولية في تغذية بعض الممارسات المخلة بالحوكمة وبالتسيير الناجع صلب عديد المؤسسات العمومية خلال العشر سنوات الأخيرة .

شملت الدراسة حول حوكمة المؤسسات العمومية  53 منشأة عمومية من إجمالي 104 مؤسسة تمت مراسلتها للمشاركة في الاستبيان، بحسب ما أكده رئيس الجمعية التونسية للمراقبين العموميين فتحي شفرود، الذي أشار إلى أن 41 % من المنشات العمومية تحصلت على نتيجة أقل من معدل النتيجة العامة المقدرة بـ  61 %.

وحققت الوكالة العقارية للسكنى أفضل نتيجة في مؤشر الحوكمة بـ90%، تلتها الشركة التونسية للبنك بـ 88  % ثم بنك الإسكان بـ85 %، فيما حلّ في أسفل الترتيب كلّ من الديوان الوطني للتطهير بـ 21 % والشركة التونسية لتنمية القولف بـ12 % ثمّ الديوان الوطني للبريد بـ12 %.

ويأتي إجراء هذه الدراسة في إطار برنامج دعم مكافحة الفساد في تونس بتمويل من السفارة الأمريكية، وذلك بهدف تقييم أداء المنشآت العمومية وخلق ديناميكية تنافسية بينها لتحسين حوكمتها والتعرف على نقط الضعف وأوجه النقائص في كلّ مؤسسة.

وكشفت الدراسة أيضا أن 42 % من هذه المؤسسات تعتبر أن مجلس الإدارة لا تمتع باستقلالية كافية عن سلطة الإشراف، وأنّ تواتر الإقالات والإعفاءات للرؤساء المديرين العامين أثرت سلبا على أداء المؤسسات العمومية وهو ما حال في العديد من الأحيان دون التوصل إلى استكمال تنفيذ البرامج الإصلاحية أو التقييمية.

وتعتبر 81 % من الإدارات العمومية" أن مهام المتصرفين أعضاء مجالس الإدارة محددة ومفصلة صلب النصوص التشريعية والترتيبية، إلا أنّ 40 % فقط أفادت بان المتصرفين أعضاء مجالس الإدارة يعينون على أساس معيار الخبرة في قطاع نشاط المنشأة، كما أكدت بأنّ اختيار المتصرفين أعضاء مجالس الإدارة على أساس مقياس التكوين الأكاديمي والمستوى العلمي لا يتمّ إلا في 32 % فقط من الحالات".

وتقر 38 % فقط من المؤسسات العمومية بوضعها لإجراءات واليات للمحافظة على توازناتها المالية.

وفيما يتعلق بمكافحة الفساد، أفادت 62% الإدارات المستجوبة بغياب كلي داخلها لأي سياسات أو إجراءات أو استراتيجيات أو أنظمة رقابة متصلة بمكافحة الرشوة والفساد والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، كما أنّ العقوبات المسلطة على مرتكبي أفعال الرشوة والفساد لا تطبق بالصرامة اللازمة ولا تنشر إلا في 53 % من الحالات.

م.ي

---------------------------------------------------------

مديونية مفرطة وأرقام صادمة

تشير التقارير والمؤشرات إلى أن وضعية المؤسسات العمومية لم تعد تحتمل التراخي في تبنى رؤية إصلاحية تشاكرية بين جميع الأطراف في أقرب الآجال والشروع في تنفيذه.

وتشير الأرقام ان مديونية المؤسسات العمومية (111 مؤسسة) بلغت  6.5 مليار دينار (2.16 مليار دولار) في 2020 بزيادة 8.2 في المئة مقارنة بستة مليارات دينار (ملياري دولار) في 2019. وفق ما كشفت عنه وزارة المالية؛ بسبب تفاقم العجز المالي في ثلاث مؤسسات: الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، وشركة نقل تونس، وشركة الخطوط التونسية.

حيث بلغت ديون الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية 180 مليون دينار (60 مليون دولار) وشركة نقل تونس 107 ملايين دينار (35.6 مليون دولار) والخطوط التونسية 64 مليون دينار (21.33 مليون دولار).

وتمثل الديون الجبائية بمفردها 41 في المئة من الديون المستحقة على المؤسسات العمومية للدولة، إذ بلغت 2.7 مليار دينار (900 مليون دولار) عام 2020. كما تعاني شركات عدة، وعلى رأس القائمة الخطوط الجوية التونسية وشركة فوسفات قفصة، سوء الإدارة والحوكمة وضعف الاستثمار وركوده والزيادة في نسبة ديونها.

وكشف  تقرير وزارة المالية حول الوضعية المالية للمنشآت العمومية أن رصيـد المستحقات والديـون القائمـة بيـن الدولـة والمنشآت العموميـة مـن جهـة والمنشآت فـي مـا بينهـا مـن جهـة أخـرى ارتفـاع متواصـل خلال الفتـرة الممتدة مـن 2018 إلى سـنة 2021 وقد أفضى إلى تدهـور الوضعيـة المالية لعديـد المؤسسات خاصـة الناشـطة بقطـاع الطاقـة والمحروقات وصناديـق الضمـان الاجتماعي .

ففي ما يتعلق بالمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، فقد بلغت مستحقاتها تجاه كل من الشركة التونسية للكهرباء والغـاز حوالـي 774 مليون دينار و1034 مليون دينار للشـركة التونسـية لصناعـات التكريـر إلى غايـة موفـي جويليـة 2021 وقد نتـج عـن عـدم استخلاص هـذه الديـون توقـف المؤسسة التونسـية للأنشطة البتروليـة عـن خـلاص دائنيهـا ودفـع مسـتحقات الدولـة بمـا قيمتـه 373 مليون دينار بعنـوان إتاوات ومداخيـل تسـويق المحروقات وقد بلـغ مسـتوى العجـز المالي لديهـا 830 مليون دينار.

تواجه بدورها الشركة التونسية للكهرباء والغاز صعوبات مالية ناتجة أساسا من عدم تغطية أسعار التعريفـات للكلفـة الحقيقيـة للكهربـاء والغـاز حيـث بلغـت نسـبة العجـز فـي تغطيـة التعريفـة للكلفـة سـنة 2019 حوالي 24 % بالنسبة للكهرباء و41 % بالنسبة للغاز، هذا بالإضافة إلى أنها لا تزال تسجل ارتفاعا في المستحقات خاصـة بعنـوان استهلاك الكهربـاء والغـاز، حيـث بلغـت المستحقات مـا قيمتـه 2020 مليون دينار سـنة 2020 ،منهـا 1099 مليون دينار لـدى الخـواص و921 مليون دينار لـدى الدولـة والمنشآت العموميـة مجتمعيـن، وتـم تسـجيل ذلـك بالرغـم مـن تسـوية 150 مليون دينار سنة 2020 من طرف وزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار بعنوان مستحقات الدولة. وقد نتج عن هـذه الوضعيـة عـدم قـدرة الشـركة علـى خـاص مسـتحقات مـزودي الغـاز خاصـة شـركة سـونتراك الجزائريـة التـي توفر أكثر من نصف الاستهلاك الوطني.

كما أن عدم توفر الموارد المالية الضرورية للشركة الوطنية لتوزيع البترول لخلاص مستحقات الشركة التونسية لصناعات التكرير كان بسبب عدم حصولها على مستحقاتها تجاه حرفائها من القطاع العام والبالغة في موفى جويلية 2021 ما قيمته 583 مليون دينار، تتوزع بين شركات النقل العمومي بما قدره 308 مليون دينار والوزارات بمبلغ 151 مليون دينار ومؤسسات عمومية أخرى بمبلغ 124 مليون دينار .

وفيما يتعلق بصناديـق الضمـان الاجتماعي، فـإن تطور رصيد مسـتحقات الصنـدوق الوطنـي للتأميـن علـى المرض تجـاه الصنـدوق الوطنـي للتقاعـد والحيطـة الاجتماعية والصنـدوق الوطنـي للضمـان الاجتماعي كان بسـبب تخصيـص مـوارد الصندوقيـن لتسـديد جرايـات المتقاعدين وكذلـك بسـبب تطـور مسـتحقاتهما تجـاه القطـاع العـام والخـاص وقـد أفضت هـذه الوضعيـة إلى تطـور متخلداته تجـاه الصيدليـة المركزية حيـث بلغـت 390 مليون دينار فـي موفـى 2020 والتـي بدورهـا أصبحـت هـذه الأخيرة تواجـه صعوبـات لتوفيـر الموارد المالية اللازمة لتوريـد المنتجات الدوائيـة.

المؤسسات العمومية تغرق في انتظار "شجاعة" الحسم

تونس- الصباح

أعاد مؤخرا تصريح سمير ماجول رئيس منظمة الأعراف بشأن خوصصة المؤسسات العمومية  والرد الحازم لنور الدين الطبوبي أمين عام اتحاد الشغل، إلى سطح معضلة وضع هذه المؤسسات ومصيرها. وفي الحقيقية لم يتوقف الاهتمام والحديث في الآونة الأخيرة عن هذا الملف الشائك والحارق في كواليس وأروقة الحكومة ومحادثاتها الثنائية مع صندوق النقد الدولي ومع الاتحاد العام التونسي للشغل الرافض لطرح حكومة بودن ولنصح صندوق النقد ومنظمة الأعراف والمتمسك إلى حد الآن برؤيته ضد الخوصصة والتفويت. 

كما تؤكد الأصوات الرافضة للتوجه نحو التفويت في المؤسسات العمومية التي  تعيش صعوبات مالية لا ينكرها أحد، ان أزمة هذه المؤسسات وما أصبحت تطرحه من عبء على ميزانية الدولة ليس لأنها عمومية بل بسبب البيروقراطية المقيتة  والفساد وسوء التصرف والحوكمة.

وبين هذا الطرح والصوت المقابل تتفاقم وضعية هذه المؤسسات لتغرق أكثر في ظل غياب شجاعة الحسم والتوافق على مسار إصلاح يقطع مع تحول هذا الملف إلى جمرة حارقة تتقاذفها الحكومات المتعاقبة.

برنامج الحكومة

حاولت رئيسة الحكومة في تصريح لها في 7 ماي الجاري الطمأنة أنه ليس للدولة أي نية للتفويت في المؤسسات العمومية ذات الطابع الاستراتيجي باعتبار دورها المحوري في تنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية. وأوضحت بودن، على هامش افتتاحها موكب احياء تونس للعيد العالمي للشغل واحتفالا بيوم العامل المثالي، ان اصلاح هذه المؤسسات "بات ضرورة قصوى مبرزة أن عملية الإصلاح ستحظى ببرامج إعادة هيكلة" وتشمل هذه الإصلاحات ايضا وفق رئيسة الحكومة، تحسين نجاعة وأداء القطاع العمومي من خلال اصلاح الادارة والمؤسسات العمومية مؤكدة الحرص على ان تكون مراجعة الاجور في الحدود التي تسمح بها توازنات المالية العمومية واستدامة الدين العمومي.

وأضافت انه سيتم ضبط قائمة في المؤسسات الناشطة في القطاعات الاستراتيجية من غيرها وإرساء اسس حوكمة جديدة للمؤسسات العمومية ترتكز على الشفافية والمساءلة من ابرزها بعث هيكل للتصرف في المساهمات.

رغم محاولات الطمأنة هذه إلا أن إملاءات صندوق النقد الدولي التي باتت معروفة للجميع وفي مقدمتها التقليص من كتلة الأجور والتفويت في المؤسسات العمومية إلى جانب مراجعة منظومة الدعم وموضوع المديونية واشتراط موافقة المنظمات الوطنية على حزمة هذه الإصلاحات، تقوض كل مسعى للحكومة للتخفيف من وطأة التداعيات المحتملة لخيارها الإصلاحي والتسويق له.

وإلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل رافع لواء الممانعة في وجه برنامج الحكومة للتفويت في المؤسسات العمومية تتعالى أيضا أصوات أخرى ترفض هذا التمشي الذي تعتزم الحكومة تنفيذه فقد نددت بعض الأطراف السياسية في الآونة الأخيرة بخيارات الحكومة على غرار ما صرح به مؤخرا رئيس حزب آفاق تونس فاضل عبد الكافي، الذي اعتبر أنه من المستحيل تطبيق اتفاق مع صندوق النقد الدولي، مؤكدا أنه لا يمكن القيام بالإصلاحات اللازمة بالطريقة المعتمدة حاليا.

وقال عبد الكافي إنه يجب اعتماد المرحلية في الإصلاحات، مشددا على أن تجميد الأجور وتجميد الانتدابات وبيع المؤسسات العمومية والنظر في منظومة الدعم هي شروط لا تستقيم، على حد تعبيره.

دعوات للتفويت

في المقابل ترتفع أصوات أخرى منددة بتأخر الحسم وإيجاد الحلول للوضعية الكارثية للمؤسسات العمومية ولا يمانع هؤلاء في التفويت في هذه المؤسسات بل لعلهم يعتبرونه الحل الوحيد للإنقاذ والخروج من دوامة مفرغة تعرقل الاقتصاد وتشله. فبعد إصدار وزارة المالية بداية السنة لتقريرها بشأن وضعية المؤسسات العمومية، وصف معز الجودي، الخبير في الشؤون الاقتصادية هذا التقرير الذي صدر مؤخرا بأنه صادم، لافتا في السياق إلى أن "مؤسسات كانت رابحة ومحافظة على أدنى حد من توازناتها الحيوية والمالية، تصبح الآن في حالة عجز خانق وفي وضعية إنقاذ شبه مستحيلة".

واشار الجودي إلى أن الدولة في عام 2020 "حولت تقريبا 9.9 مليار دينار لهذه لمؤسسات أي ما يعادل 8.9% من الناتج المحلي الخام وفي المقابل ميزانية الدولة لم تجن سوي 3% موارد متأتية من هذه المؤسسات".

واعتبر أن ما يجري هو "نزيف بأتم معني الكلمة"، مشيرا إلى "مؤسسات في وضعية احتكار للسوق وخاسرة عشرات المليارات، ومؤسسات كانت تدار بأربعة آلاف أجير أصبحت تشغل أكثر من 13 ألف أجير".

وتحدث الجودي أيضا عن "مؤسسات منكوبة، غارقة في الديون، فقدت كل قدراتها وأصبحت تمثل عبئا ثقيلا علي ميزانية الدولة ودافعي الضرائب" وقال إن عملية إصلاح المؤسسات العمومية أصبحت شبه مستحيلة، وإن مثل هذه التقارير "بكاء على الأطلال".

بدوره أكد رئيس منظمة الاعراف سمير ماجول خلال حضوره مؤخرا في فعاليات المنتدى الاقتصادي التونسي المصري، أن منظمة الأعراف قدمت منذ 16 من ديسمبر الفارط وثيقة للحكومة بشأن رؤيتها للاقتصاد وهي تطلب أكثر صرامة في مجال الإصلاحات مشيرا إلى أن حل الاشكال المتعلق بكتلة الأجور يكون أساسا من خلال عودة النمو وخاصة في المؤسسات العمومية التي يجب أن تكون قاطرة للنمو، معتبرا "أن خوصصتها تمثل حلا وان الرابح الاكبر من الخوصصة هو اتحاد الشغل باعتبار أن خوصصتها ستمكنها من تحسين أرقامها المالية وأن الرأس مال البشري فيها ينتمي إلى المنظمة الشغيلة"، متحدثا عن شركات الاسمنت كمثال للخوصصة الناجحة المنتمية لاتحاد الشغل قائلا "إن المركزية النقابية ربما لم تقم بالدراسة الضرورية لفهم هذا التوجه".

إصرار المنظمة الشغيلة

تصريحات ماجول الداعمة للخوصصة والناصحة للاتحاد للانخراط في هذا المسار المربح سرعان ما رد عليها نور الدين الطبوبي الامين العام للاتحاد العام قائلا ”قبل يومين رئيس اتحاد الصناعة والتجارة نصحني -لو نصح نفسه لكان خيرا له- ونصح الاتحاد بالسماح بخوصصة القطاع العمومي واعتبر ان الاتحاد سيكون رابحا من هذه الخطوة.. اقول له "ما حاجتناش بالربح الي يجي من جرّتكم".. اربحوا انتوما يزي ..ادفعوا الجباية وكونوا عادلين وسووا وضعياتكم افضل لكم.. لا نريد نصيحة منكم.. نعرف طريقنا جيدا“، على حد تعبيره.

من جهة أخرى شدّد الطبوبي على ان الاتحاد يريد وزراء مفاوضين وناجعين وقادرين على اتخاذ القرارات مخاطبا وزيرة الصناعة نايلة القنجي بالقول "ترغبون في تحويل شركة الستاغ إلى شركة مناولة.. لن نسمح بذلك وهذا لن يكون".

وكان الاتحاد واضحا في بيانه الأخير الصادر في 6 ماي الجاري بعد اجتماع مكتبه التنفيذي حين دعا الحكومة إلى انقاذ المؤسسات العمومية بدل الحديث عن التفويت مطالبا بـ"..التفاعل الإيجابي مع مطالب الشغّالين بتنقيح النظامين الأساسين للوظيفة العمومية وللمنشآت والدواوين والشروع بصفة تشاركية في معالجة وضعية المؤسّسات العمومية حالة بحالة قصد إنقاذها".

قبل ذلك وتحديدا في شهر مارس الفارط إبان تسارع نسق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي شدد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي في تصريح له على نفي أن يكون الاتحاد رافضا لإصلاح المؤسسات العمومية قائلا "نحن مستعدون للنقاش حول تفاصيل الاصلاح".

وطالب الطبوبي رئيس الجمهورية بأن يضع خطا أحمرا يحول دون المساس بالمؤسسات العمومية منتقدا الزيادة في الأسعار وارتفاع نسب التضخم في ظل التوجه نحو عدم الزيادة في الأجور.

برنامج الخوصصة

ويتنزل تمسك الاتحاد بإنقاذ المؤسسات العمومية دون التفويت فيها في سياق وجهة نظر تعتبر أن  الدعوات الى خوصصة المؤسسات العمومية هي "استكمال لمسار انطلق في تونس منذ اكثر من عشرين سنة وتحديدا مع دخول "برنامج الاصلاح الهيكلي" حيز التنفيذ في سنة 1986 في سياق عالمي تميز بهيمنة السياسات النيوليبرالية التي ترتكز على الحد من تدخل الدولة لصالح آليات السوق والمبادرة الخاصة".

وتضيف بعض التحاليل المتبينة لرؤية نقدية لهذا التوجه  أن "برنامج الهيكلة يهدف إلى إعادة النظر في وظيفة "الدولة المساهمة" وهو ما يعني تحويل الدولة من مالك إلى مجرد مساهم في المنشآت العمومية إلى جانب مساهمين آخرين".

وأن من بين الانعكاسات المباشرة للتفويت في المؤسسات العمومية هو "حرمان الدولة من موارد ذاتية قارة واذا ما أخذنا بعين الاعتبار الاجراءات الاخرى الواردة في وصفات الاصلاح الهيكلي مثل الاعفاءات الجبائية والتفكيك التدريجي للمعاليم الديوانية فان ذلك سيؤدي الى تراجع الموارد الذاتية للدولة ويجعلها عاجزة عن مجابهة نفقاتها".

ويعتبر الرافضون لبرنامج إعادة الهيكلة بكل مراحله أن القبول به يجعل الدولة أمام خيار وحيد هو اللجوء المتزايد للتداين "ما يعني رضوخا متزايدا لاملاءات المؤسسات المالية العالمية. من ناحية اخرى يثقل التداين كاهل الميزانية (خاصة مع تدهور قيمة العملة الوطنية وانعكاساتها على خدمة الدين) ويجبر الدولة على الضغط على نفقاتها الاقتصادية والاجتماعية مما يؤدي الى تدهور هذه الخدمات و يفتح المجال امام خوصصتها. من هنا يمكن ان نتبين ان خوصصة المؤسسات العمومية ليست إلا فاتحة لمسار سينتهي الى خوصصة الخدمات الاجتماعية وربما خوصصة الدولة في حد ذاتها".

الحوكمة أصل الداء

يتبنى ايضا المعارضون لمسألة التفويت في المؤسسات العمومية الطرح الذي يشدد على أن العديد من المؤسسات العمومية يقع اليوم دفعها عمدا نحو الافلاس لتبرير خوصصتها.

ويذهب هؤلاء إلى ضرورة مقاومة الفساد وتمكين هذه المؤسسات من برامج وآليات حوكمة واصلاح تجعل منها مؤسسات ذات جدوى اقتصادية عالية قادرة على توفير موارد قارة لخزينة الدولة عوض التفكير في التوفيت فيها.

وما كشفته مؤخرا نتائج دراسة أنجزتها الجمعية التونسية للمراقبين العموميين حول "مؤشر حوكمة المؤسسات العمومية في تونس''، وقدمت نتائجها في شهر مارس الفارط، يؤكد معضلة سوء التصرف والحوكمة في هذه المؤسسات علما أن الكثير من الأصوات تحمل النقابات جزءا ماها من المسؤولية في تغذية بعض الممارسات المخلة بالحوكمة وبالتسيير الناجع صلب عديد المؤسسات العمومية خلال العشر سنوات الأخيرة .

شملت الدراسة حول حوكمة المؤسسات العمومية  53 منشأة عمومية من إجمالي 104 مؤسسة تمت مراسلتها للمشاركة في الاستبيان، بحسب ما أكده رئيس الجمعية التونسية للمراقبين العموميين فتحي شفرود، الذي أشار إلى أن 41 % من المنشات العمومية تحصلت على نتيجة أقل من معدل النتيجة العامة المقدرة بـ  61 %.

وحققت الوكالة العقارية للسكنى أفضل نتيجة في مؤشر الحوكمة بـ90%، تلتها الشركة التونسية للبنك بـ 88  % ثم بنك الإسكان بـ85 %، فيما حلّ في أسفل الترتيب كلّ من الديوان الوطني للتطهير بـ 21 % والشركة التونسية لتنمية القولف بـ12 % ثمّ الديوان الوطني للبريد بـ12 %.

ويأتي إجراء هذه الدراسة في إطار برنامج دعم مكافحة الفساد في تونس بتمويل من السفارة الأمريكية، وذلك بهدف تقييم أداء المنشآت العمومية وخلق ديناميكية تنافسية بينها لتحسين حوكمتها والتعرف على نقط الضعف وأوجه النقائص في كلّ مؤسسة.

وكشفت الدراسة أيضا أن 42 % من هذه المؤسسات تعتبر أن مجلس الإدارة لا تمتع باستقلالية كافية عن سلطة الإشراف، وأنّ تواتر الإقالات والإعفاءات للرؤساء المديرين العامين أثرت سلبا على أداء المؤسسات العمومية وهو ما حال في العديد من الأحيان دون التوصل إلى استكمال تنفيذ البرامج الإصلاحية أو التقييمية.

وتعتبر 81 % من الإدارات العمومية" أن مهام المتصرفين أعضاء مجالس الإدارة محددة ومفصلة صلب النصوص التشريعية والترتيبية، إلا أنّ 40 % فقط أفادت بان المتصرفين أعضاء مجالس الإدارة يعينون على أساس معيار الخبرة في قطاع نشاط المنشأة، كما أكدت بأنّ اختيار المتصرفين أعضاء مجالس الإدارة على أساس مقياس التكوين الأكاديمي والمستوى العلمي لا يتمّ إلا في 32 % فقط من الحالات".

وتقر 38 % فقط من المؤسسات العمومية بوضعها لإجراءات واليات للمحافظة على توازناتها المالية.

وفيما يتعلق بمكافحة الفساد، أفادت 62% الإدارات المستجوبة بغياب كلي داخلها لأي سياسات أو إجراءات أو استراتيجيات أو أنظمة رقابة متصلة بمكافحة الرشوة والفساد والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، كما أنّ العقوبات المسلطة على مرتكبي أفعال الرشوة والفساد لا تطبق بالصرامة اللازمة ولا تنشر إلا في 53 % من الحالات.

م.ي

---------------------------------------------------------

مديونية مفرطة وأرقام صادمة

تشير التقارير والمؤشرات إلى أن وضعية المؤسسات العمومية لم تعد تحتمل التراخي في تبنى رؤية إصلاحية تشاكرية بين جميع الأطراف في أقرب الآجال والشروع في تنفيذه.

وتشير الأرقام ان مديونية المؤسسات العمومية (111 مؤسسة) بلغت  6.5 مليار دينار (2.16 مليار دولار) في 2020 بزيادة 8.2 في المئة مقارنة بستة مليارات دينار (ملياري دولار) في 2019. وفق ما كشفت عنه وزارة المالية؛ بسبب تفاقم العجز المالي في ثلاث مؤسسات: الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، وشركة نقل تونس، وشركة الخطوط التونسية.

حيث بلغت ديون الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية 180 مليون دينار (60 مليون دولار) وشركة نقل تونس 107 ملايين دينار (35.6 مليون دولار) والخطوط التونسية 64 مليون دينار (21.33 مليون دولار).

وتمثل الديون الجبائية بمفردها 41 في المئة من الديون المستحقة على المؤسسات العمومية للدولة، إذ بلغت 2.7 مليار دينار (900 مليون دولار) عام 2020. كما تعاني شركات عدة، وعلى رأس القائمة الخطوط الجوية التونسية وشركة فوسفات قفصة، سوء الإدارة والحوكمة وضعف الاستثمار وركوده والزيادة في نسبة ديونها.

وكشف  تقرير وزارة المالية حول الوضعية المالية للمنشآت العمومية أن رصيـد المستحقات والديـون القائمـة بيـن الدولـة والمنشآت العموميـة مـن جهـة والمنشآت فـي مـا بينهـا مـن جهـة أخـرى ارتفـاع متواصـل خلال الفتـرة الممتدة مـن 2018 إلى سـنة 2021 وقد أفضى إلى تدهـور الوضعيـة المالية لعديـد المؤسسات خاصـة الناشـطة بقطـاع الطاقـة والمحروقات وصناديـق الضمـان الاجتماعي .

ففي ما يتعلق بالمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، فقد بلغت مستحقاتها تجاه كل من الشركة التونسية للكهرباء والغـاز حوالـي 774 مليون دينار و1034 مليون دينار للشـركة التونسـية لصناعـات التكريـر إلى غايـة موفـي جويليـة 2021 وقد نتـج عـن عـدم استخلاص هـذه الديـون توقـف المؤسسة التونسـية للأنشطة البتروليـة عـن خـلاص دائنيهـا ودفـع مسـتحقات الدولـة بمـا قيمتـه 373 مليون دينار بعنـوان إتاوات ومداخيـل تسـويق المحروقات وقد بلـغ مسـتوى العجـز المالي لديهـا 830 مليون دينار.

تواجه بدورها الشركة التونسية للكهرباء والغاز صعوبات مالية ناتجة أساسا من عدم تغطية أسعار التعريفـات للكلفـة الحقيقيـة للكهربـاء والغـاز حيـث بلغـت نسـبة العجـز فـي تغطيـة التعريفـة للكلفـة سـنة 2019 حوالي 24 % بالنسبة للكهرباء و41 % بالنسبة للغاز، هذا بالإضافة إلى أنها لا تزال تسجل ارتفاعا في المستحقات خاصـة بعنـوان استهلاك الكهربـاء والغـاز، حيـث بلغـت المستحقات مـا قيمتـه 2020 مليون دينار سـنة 2020 ،منهـا 1099 مليون دينار لـدى الخـواص و921 مليون دينار لـدى الدولـة والمنشآت العموميـة مجتمعيـن، وتـم تسـجيل ذلـك بالرغـم مـن تسـوية 150 مليون دينار سنة 2020 من طرف وزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار بعنوان مستحقات الدولة. وقد نتج عن هـذه الوضعيـة عـدم قـدرة الشـركة علـى خـاص مسـتحقات مـزودي الغـاز خاصـة شـركة سـونتراك الجزائريـة التـي توفر أكثر من نصف الاستهلاك الوطني.

كما أن عدم توفر الموارد المالية الضرورية للشركة الوطنية لتوزيع البترول لخلاص مستحقات الشركة التونسية لصناعات التكرير كان بسبب عدم حصولها على مستحقاتها تجاه حرفائها من القطاع العام والبالغة في موفى جويلية 2021 ما قيمته 583 مليون دينار، تتوزع بين شركات النقل العمومي بما قدره 308 مليون دينار والوزارات بمبلغ 151 مليون دينار ومؤسسات عمومية أخرى بمبلغ 124 مليون دينار .

وفيما يتعلق بصناديـق الضمـان الاجتماعي، فـإن تطور رصيد مسـتحقات الصنـدوق الوطنـي للتأميـن علـى المرض تجـاه الصنـدوق الوطنـي للتقاعـد والحيطـة الاجتماعية والصنـدوق الوطنـي للضمـان الاجتماعي كان بسـبب تخصيـص مـوارد الصندوقيـن لتسـديد جرايـات المتقاعدين وكذلـك بسـبب تطـور مسـتحقاتهما تجـاه القطـاع العـام والخـاص وقـد أفضت هـذه الوضعيـة إلى تطـور متخلداته تجـاه الصيدليـة المركزية حيـث بلغـت 390 مليون دينار فـي موفـى 2020 والتـي بدورهـا أصبحـت هـذه الأخيرة تواجـه صعوبـات لتوفيـر الموارد المالية اللازمة لتوريـد المنتجات الدوائيـة.

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews