إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من وحي اللحظة لو خيرونا بين "كورناي"و"دوستويفكسي"؟

تناقلت الأخبار هذه الأيام أن بلدانا غربية قررت منع تدريس الأدب الروسي في جامعاتها وحتى في مدارسها وذلك احتجاجا منها على الحرب الروسية ضد اوكرانيا الدائرة هذه الايام. 

وإذ أننا نعتبر أن الثقافة كانت دائما في قلب الحروب وأن السلاح الثقافي خطير وأنه يمكن أن يكون أخطر حتى من الرصاص والقنابل، ونفهم بالتالي سبب الرغبة في التعتيم الثقافي على روسيا، فإننا  نشير إلى أن المعركة على هذا المستوى قد تكون أيضا لصالح روسيا. 

أولا، يمكن أن تأتي محاولات المنع والتعتيم في زمن صار فيه تقريبا من المستحيل منع أي شيء، بنتائج عكسية  فيخلق فضولا لدى القراء في الغرب للاطلاع عن الادب الروسي عن قرب. ويمكن طبعا  أن يساعد التلويح بالمنع في خلق دعاية مجانية للأدب الروسي في العالم وأن يزيد في حماسة القراء في البلدان المساندة لروسيا ورئيسها بوتين، ومن بينهم  بلدان عربية، لمزيد التعرف عن الثقافة الروسية وعن ابداعات مشاهير الكتاب في روسيا. 

ثانيا، إن الغرب الأمريكي  والأوروبي بصدد التأكيد على أن ثقافتهم هي ثقافة هشة لأنه من المفروض هم مسلحون ما يكفي بالقيم والأفكار التقديمة التي طالما سوقوها   للعالم في كتاباتهم وفي افلامهم وفي مختلف انشطتهم الفنية والأدبية والفكرية، كي يضمنوا عدم التأثر بالثقافات الاخرى بما في ذلك الثقافة الروسية.  فما لهم اليوم منزعجون من كاتب مثل دوستويفكي الذي وضع على ما يبدو وفق ما نقلته عديد المواقع الاعلامية في الغرب اعلى  لائحة المنع؟  هل هم يستطيعون بذلك أن يقوا انفسهم من تأثير  أفكار الرجل أم هي لحظة انكشفت فيها الحقائق وتبين فيها أن كل ما يروج حول تحصين المجتمعات الغربية ومقدرتها على التفكير المستقل والتمحيص والاختيارات الدقيقة هي مجرد دعاية سقطت مع أول الضربات التي طالت اوكرانيا " البيضاء" ( مقارنة مع البلدان الاخرى والعربية منها بالخصوص  التي تعيش حروبا ولا تحظى بدعم الرأي العام الغربي) وفق وصف  بعض المواقع وبعض الصحافيين ايضا؟ 

إننا وإذ نشير إلى أن اسماء ابداعية كبرى في روسيا على غرار دستويفكسي ( عاش في القرن 19 ) وتولتسوي ( عاش في القرن 19 وفي بدايات القرن العشرين)  وغوركي (عاش بين القرن 19 والقرن العشرين)  وغيرهم  تتمتع بسمعة جيدة  بين القراء في العالم ولا يمكن هكذا  وبجرة قلم، اتخاذ قرار بمنع ترويج اثارها بين القراء،  فإننا نستحضر حادثة طريفة قد يكون من المفيد  نقل شيء عنها. 

فشخصيا، أعتبر أن "كورناي"الكاتب والمؤلف المسرحي الفرنسي ( عاش في القرن 17)  يكتب جيدا عن تلك المفارقة العجيبة التي يعيشها كثيرون وهي كيفية التوفيق بين مشاعر الشخص  وواجبه. 

لكن هناك شيء ما  مزعج في كتابات الرجل وهي تلك الشوفينية التي نراها متواصلة إلى اليوم. كورناي وفي رواية " السيد" مثلا صور العرب وتحديدا عرب الأندلس في صورة جد تعيسة، جبن وخنوع وفشل، في حين صور الاسبان وعلى راسهم بطل المسرحية  القائد المحارب " رودريغ " في صورة القائد المغوار. وهي مسألة نعتقد  أنه لا يمكن بلعها خاصة بالنسبة لقارئ عربي فخور بمجد الاندلس ( العرب ظلوا بإسبانيا 700 سنة). 

نأتي الآن إلى الكاتب الروسي دوستويفكسي الذي نعتقد أنه محبوب جدا لدى القراء العرب. هذا الكاتب الروائي ورغم أنه يغوص في عالم روسيا ويرسم ملامح الشخصيات الروسية  بتفاصيلها المملة أحيانا ويكاد لا يخرج عن المناخ الروسي، إلا أنك تشعر بحس انساني يقوده. فالرجل يعرف كيف يتحدث عن الانسان، ويدرك تماما ماهية الانسان. لذلك نعتقد أنه يصعب مقاومة مبدع ينقل نبض الانسانية وكاتب تخونه شوفينيته ولو كان مبدعا. ولو خيرونا بينهما، نعتقد أن الاختيار لن يكون صعبا خاصة مع انكشاف الحقائق في هذه الحرب الجديدة. 

وللإعلام الغربي  على ما يبدو علاقة قرب مع شيء اسمه الشوفينية ويكفي أن نراقب  طريقة تعامله مع الحرب ضد أوكرانيا حتى ندرك ذلك. 

فالاعلام الغربي مصطف وراء الموقف الأمريكي والأوروبي ولا يقدم إلا وجهة نظر غربية مناهضة لروسيا. صحيح من حقه أن يدين الحرب الروسية على اوكرانيا، فالحرب تبقى مكروهة في المطلق فما بالك بصراع يمكن أن يتحول إلى حرب عالمية، لكن ما ليس من حقه هو  أن يمارس التعتيم والتضليل وهو يشهر شعار الموضوعية والحيادية وهو الذي ما انفك يقدم دورسا حولهما  للآخرين. 

 حياة السايب

من وحي اللحظة  لو خيرونا بين "كورناي"و"دوستويفكسي"؟

تناقلت الأخبار هذه الأيام أن بلدانا غربية قررت منع تدريس الأدب الروسي في جامعاتها وحتى في مدارسها وذلك احتجاجا منها على الحرب الروسية ضد اوكرانيا الدائرة هذه الايام. 

وإذ أننا نعتبر أن الثقافة كانت دائما في قلب الحروب وأن السلاح الثقافي خطير وأنه يمكن أن يكون أخطر حتى من الرصاص والقنابل، ونفهم بالتالي سبب الرغبة في التعتيم الثقافي على روسيا، فإننا  نشير إلى أن المعركة على هذا المستوى قد تكون أيضا لصالح روسيا. 

أولا، يمكن أن تأتي محاولات المنع والتعتيم في زمن صار فيه تقريبا من المستحيل منع أي شيء، بنتائج عكسية  فيخلق فضولا لدى القراء في الغرب للاطلاع عن الادب الروسي عن قرب. ويمكن طبعا  أن يساعد التلويح بالمنع في خلق دعاية مجانية للأدب الروسي في العالم وأن يزيد في حماسة القراء في البلدان المساندة لروسيا ورئيسها بوتين، ومن بينهم  بلدان عربية، لمزيد التعرف عن الثقافة الروسية وعن ابداعات مشاهير الكتاب في روسيا. 

ثانيا، إن الغرب الأمريكي  والأوروبي بصدد التأكيد على أن ثقافتهم هي ثقافة هشة لأنه من المفروض هم مسلحون ما يكفي بالقيم والأفكار التقديمة التي طالما سوقوها   للعالم في كتاباتهم وفي افلامهم وفي مختلف انشطتهم الفنية والأدبية والفكرية، كي يضمنوا عدم التأثر بالثقافات الاخرى بما في ذلك الثقافة الروسية.  فما لهم اليوم منزعجون من كاتب مثل دوستويفكي الذي وضع على ما يبدو وفق ما نقلته عديد المواقع الاعلامية في الغرب اعلى  لائحة المنع؟  هل هم يستطيعون بذلك أن يقوا انفسهم من تأثير  أفكار الرجل أم هي لحظة انكشفت فيها الحقائق وتبين فيها أن كل ما يروج حول تحصين المجتمعات الغربية ومقدرتها على التفكير المستقل والتمحيص والاختيارات الدقيقة هي مجرد دعاية سقطت مع أول الضربات التي طالت اوكرانيا " البيضاء" ( مقارنة مع البلدان الاخرى والعربية منها بالخصوص  التي تعيش حروبا ولا تحظى بدعم الرأي العام الغربي) وفق وصف  بعض المواقع وبعض الصحافيين ايضا؟ 

إننا وإذ نشير إلى أن اسماء ابداعية كبرى في روسيا على غرار دستويفكسي ( عاش في القرن 19 ) وتولتسوي ( عاش في القرن 19 وفي بدايات القرن العشرين)  وغوركي (عاش بين القرن 19 والقرن العشرين)  وغيرهم  تتمتع بسمعة جيدة  بين القراء في العالم ولا يمكن هكذا  وبجرة قلم، اتخاذ قرار بمنع ترويج اثارها بين القراء،  فإننا نستحضر حادثة طريفة قد يكون من المفيد  نقل شيء عنها. 

فشخصيا، أعتبر أن "كورناي"الكاتب والمؤلف المسرحي الفرنسي ( عاش في القرن 17)  يكتب جيدا عن تلك المفارقة العجيبة التي يعيشها كثيرون وهي كيفية التوفيق بين مشاعر الشخص  وواجبه. 

لكن هناك شيء ما  مزعج في كتابات الرجل وهي تلك الشوفينية التي نراها متواصلة إلى اليوم. كورناي وفي رواية " السيد" مثلا صور العرب وتحديدا عرب الأندلس في صورة جد تعيسة، جبن وخنوع وفشل، في حين صور الاسبان وعلى راسهم بطل المسرحية  القائد المحارب " رودريغ " في صورة القائد المغوار. وهي مسألة نعتقد  أنه لا يمكن بلعها خاصة بالنسبة لقارئ عربي فخور بمجد الاندلس ( العرب ظلوا بإسبانيا 700 سنة). 

نأتي الآن إلى الكاتب الروسي دوستويفكسي الذي نعتقد أنه محبوب جدا لدى القراء العرب. هذا الكاتب الروائي ورغم أنه يغوص في عالم روسيا ويرسم ملامح الشخصيات الروسية  بتفاصيلها المملة أحيانا ويكاد لا يخرج عن المناخ الروسي، إلا أنك تشعر بحس انساني يقوده. فالرجل يعرف كيف يتحدث عن الانسان، ويدرك تماما ماهية الانسان. لذلك نعتقد أنه يصعب مقاومة مبدع ينقل نبض الانسانية وكاتب تخونه شوفينيته ولو كان مبدعا. ولو خيرونا بينهما، نعتقد أن الاختيار لن يكون صعبا خاصة مع انكشاف الحقائق في هذه الحرب الجديدة. 

وللإعلام الغربي  على ما يبدو علاقة قرب مع شيء اسمه الشوفينية ويكفي أن نراقب  طريقة تعامله مع الحرب ضد أوكرانيا حتى ندرك ذلك. 

فالاعلام الغربي مصطف وراء الموقف الأمريكي والأوروبي ولا يقدم إلا وجهة نظر غربية مناهضة لروسيا. صحيح من حقه أن يدين الحرب الروسية على اوكرانيا، فالحرب تبقى مكروهة في المطلق فما بالك بصراع يمكن أن يتحول إلى حرب عالمية، لكن ما ليس من حقه هو  أن يمارس التعتيم والتضليل وهو يشهر شعار الموضوعية والحيادية وهو الذي ما انفك يقدم دورسا حولهما  للآخرين. 

 حياة السايب

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews