عادت مؤخرا العلاقات التونسية – الأمريكية إلى واجهة الأحداث، وهو ما ترجمته سلسلة من اللقاءات المكثفة التي عقدها السفير الأمريكي بتونس، بيل بازي، مع عدد من أعضاء الحكومة، شملت وزارات الدفاع، والنقل، والصحة.
ويعكس هذا الحراك الدبلوماسي توجها واضحا نحو إعادة هندسة التعاون التونسي - الأمريكي على أسس أكثر شمولية، تتجاوز المقاربات الكلاسيكية، وتؤسس لشراكة متعددة الأبعاد تراهن على الاستقرار ودفع مسارات التنمية.
في هذا الخصوص، جدير بالذكر أن التعاون الأمني والعسكري ظل لعقود العنوان الأبرز في مسار التعاون بين تونس وواشنطن، وذلك بحكم التحديات الإقليمية والدور الجيوسياسي لتونس في محيط متوسطي وإفريقي دقيق. غير أن اللافت اليوم هو اتساع دائرة الاهتمام والانتقال نحو مقاربة أوسع في التعاون، لتشمل قطاعات تمس جوهر الحياة اليومية للمواطن، على غرار الصحة والنقل، بما يؤشر إلى تحوّل تدريجي من شراكة يغلب عليها البعد الأمني إلى مقاربة أكثر توازنا تراعي متطلبات الدولة الحديثة وأولوياتها الاجتماعية والاقتصادية.
نحو تعاون متكامل
في هذا الاتجاه، عكست اللقاءات التي جمعت السفير الأمريكي مؤخرا بكل من وزراء الصحة، والنقل، والدفاع اتساع أفق التعاون الثنائي وتحوّله نحو مقاربة متكاملة تقوم على تصور يعيد ترتيب الأولويات ويمنح القطاعات الحيوية موقعا مركزيا في مسار الشراكة بين البلدين. وضمن هذه المقاربة يتجلى انفتاح التعاون على قطاع الصحة كمحطة هامة، على اعتبار أن الصحة اليوم أصبحت مؤشرا على مدى نجاعة الدولة وقدرتها على حماية مواطنيها وضمان العدالة الاجتماعية.
ومن هنا برز الاهتمام بدعم مسار تحديث المنظومة الصحية وتطوير قدراتها على مجابهة التحديات المستقبلية، على غرار التحول الرقمي في الصحة والوقاية.
إدراج هذا القطاع الاستراتيجي ضمن أجندة التعاون الثنائي بين البلدين يعكس وعيا وإدراكا بطبيعة التحديات المعاصرة، حيث تتقاطع الأوبئة، والتحولات الرقمية، والبحث العلمي، مع مفاهيم السيادة والأمن القومي.
كما يحمل مجال النقل بدوره دلالات استراتيجية لا تقل أهمية عن القطاع الصحي، بالنظر إلى أن هذا المجال لا يمثل فقط بنية تحتية أو خدمات لوجستية، وإنما هو شريان أساسي للتنمية الاقتصادية ورافعة للاستثمار وتنشيط المبادلات التجارية والسياحية.
والاهتمام الأمريكي بهذا القطاع، بمختلف أنماطه، يندرج ضمن رؤية واسعة تعتبر أن تحديث منظومات النقل وتعزيز السلامة والأمن فيها، وتطوير الربط الجوي والبحري، كلها عناصر تساهم في إدماج تونس بشكل أعمق في سلاسل القيمة الإقليمية والدولية.
ولا يمكن في المقابل التغافل عن أهمية البعد الدفاعي الذي يظل ركنا ثابتا في مسار العلاقات بين البلدين. فاللقاءات بين الجانبين في هذا المجال تؤكد استمرارية التعاون العسكري وتطويره، خاصة في ظل التحديات الراهنة التي تواجهها المنطقة من إرهاب، وجريمة منظمة، وهجرة غير نظامية.
وفي هذا الجانب، وفي قراءة لهذه اللقاءات في سياقها الأوسع، جدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد اليوم دبلوماسية عملية في علاقتها مع تونس، تقوم على الاستثمار في القطاعات القادرة على إحداث أثر يلمسه المواطن في تفاصيل حياته اليومية.
في المقابل، تبدو تونس حريصة على توظيف هذا الزخم الدبلوماسي لخدمة أولوياتها الوطنية، من خلال الدفع نحو مشاريع عملية، وتسريع الإصلاحات، واستقطاب الاستثمار، خاصة في القطاعات الحيوية.
حرص على تنويع الشراكات
كما تعكس هذه الديناميكية حرصا تونسيا على تنويع أدوات الشراكة وآلياتها، وعدم حصر العلاقات الدولية في بعدها السياسي أو الأمني فقط، بل توسيعها لتشمل التكنولوجيا، والابتكار، وتنمية الموارد البشرية. وهو ما يمنح هذه العلاقة بعدا أكثر انسجاما مع الواقع الراهن ويحدّ من اختزالها في منطق التعاون الكلاسيكي أو الدعم الظرفي.
في هذا الخضم، لا تكمن أهمية هذه اللقاءات التي عقدها مؤخرا السفير الأمريكي في عددها أو في طبيعة الملفات التي تناولتها فحسب، وإنما في التحوّل الذي تعكسه، والذي يقوم على شراكة متعددة الأبعاد تتجاوز طابعها الكلاسيكي لتطال مجالات جديدة تتقاطع فيها السيادة مع التنمية.
في المقابل، تبدو تونس حريصة على توظيف هذا الزخم الدبلوماسي لخدمة أولوياتها الوطنية، من خلال الدفع نحو مشاريع عملية، وتسريع الإصلاحات، واستقطاب الاستثمار، خاصة في القطاعات الحيوية. ويأتي هذا التوجه منسجما مع رؤية الدولة التي تراهن على النجاعة، وتسريع وتيرة الإنجاز، والانتقال من منطق التشخيص إلى منطق الفعل، في إطار احترام السيادة الوطنية وتحديد الأولويات وفق المصلحة العامة.
وعليه، يمكن القول إن ما تشهده العلاقات التونسية – الأمريكية اليوم هو إعادة تموقع متبادل، يسعى فيه كل طرف إلى بناء شراكة أكثر توازنا وواقعية. شراكة تعترف بمحدودية المقاربات الأحادية، وتؤمن بأن التحديات المعاصرة تتطلب حلولا متكاملة، تجمع بين الأمن، والتنمية، والخدمات الأساسية.
في المحصلة، لا تكمن أهمية هذه اللقاءات في عددها أو توقيتها فحسب، بل في الرسائل التي تحملها وفي الأفق الذي تفتحه. فهي تؤشر إلى مرحلة جديدة من التعاون، عنوانها العريض الانتقال من التعاون الظرفي إلى الشراكة المستدامة، ومن التركيز على الملفات التقليدية إلى الانفتاح على قطاعات المستقبل. وهي، في الآن ذاته، اختبار حقيقي لقدرة الطرفين على تحويل النوايا المعلنة إلى برامج عملية، ومشاريع ملموسة، تعود بالنفع على الشعبين وتكرّس علاقة قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
منال الحرزي
عادت مؤخرا العلاقات التونسية – الأمريكية إلى واجهة الأحداث، وهو ما ترجمته سلسلة من اللقاءات المكثفة التي عقدها السفير الأمريكي بتونس، بيل بازي، مع عدد من أعضاء الحكومة، شملت وزارات الدفاع، والنقل، والصحة.
ويعكس هذا الحراك الدبلوماسي توجها واضحا نحو إعادة هندسة التعاون التونسي - الأمريكي على أسس أكثر شمولية، تتجاوز المقاربات الكلاسيكية، وتؤسس لشراكة متعددة الأبعاد تراهن على الاستقرار ودفع مسارات التنمية.
في هذا الخصوص، جدير بالذكر أن التعاون الأمني والعسكري ظل لعقود العنوان الأبرز في مسار التعاون بين تونس وواشنطن، وذلك بحكم التحديات الإقليمية والدور الجيوسياسي لتونس في محيط متوسطي وإفريقي دقيق. غير أن اللافت اليوم هو اتساع دائرة الاهتمام والانتقال نحو مقاربة أوسع في التعاون، لتشمل قطاعات تمس جوهر الحياة اليومية للمواطن، على غرار الصحة والنقل، بما يؤشر إلى تحوّل تدريجي من شراكة يغلب عليها البعد الأمني إلى مقاربة أكثر توازنا تراعي متطلبات الدولة الحديثة وأولوياتها الاجتماعية والاقتصادية.
نحو تعاون متكامل
في هذا الاتجاه، عكست اللقاءات التي جمعت السفير الأمريكي مؤخرا بكل من وزراء الصحة، والنقل، والدفاع اتساع أفق التعاون الثنائي وتحوّله نحو مقاربة متكاملة تقوم على تصور يعيد ترتيب الأولويات ويمنح القطاعات الحيوية موقعا مركزيا في مسار الشراكة بين البلدين. وضمن هذه المقاربة يتجلى انفتاح التعاون على قطاع الصحة كمحطة هامة، على اعتبار أن الصحة اليوم أصبحت مؤشرا على مدى نجاعة الدولة وقدرتها على حماية مواطنيها وضمان العدالة الاجتماعية.
ومن هنا برز الاهتمام بدعم مسار تحديث المنظومة الصحية وتطوير قدراتها على مجابهة التحديات المستقبلية، على غرار التحول الرقمي في الصحة والوقاية.
إدراج هذا القطاع الاستراتيجي ضمن أجندة التعاون الثنائي بين البلدين يعكس وعيا وإدراكا بطبيعة التحديات المعاصرة، حيث تتقاطع الأوبئة، والتحولات الرقمية، والبحث العلمي، مع مفاهيم السيادة والأمن القومي.
كما يحمل مجال النقل بدوره دلالات استراتيجية لا تقل أهمية عن القطاع الصحي، بالنظر إلى أن هذا المجال لا يمثل فقط بنية تحتية أو خدمات لوجستية، وإنما هو شريان أساسي للتنمية الاقتصادية ورافعة للاستثمار وتنشيط المبادلات التجارية والسياحية.
والاهتمام الأمريكي بهذا القطاع، بمختلف أنماطه، يندرج ضمن رؤية واسعة تعتبر أن تحديث منظومات النقل وتعزيز السلامة والأمن فيها، وتطوير الربط الجوي والبحري، كلها عناصر تساهم في إدماج تونس بشكل أعمق في سلاسل القيمة الإقليمية والدولية.
ولا يمكن في المقابل التغافل عن أهمية البعد الدفاعي الذي يظل ركنا ثابتا في مسار العلاقات بين البلدين. فاللقاءات بين الجانبين في هذا المجال تؤكد استمرارية التعاون العسكري وتطويره، خاصة في ظل التحديات الراهنة التي تواجهها المنطقة من إرهاب، وجريمة منظمة، وهجرة غير نظامية.
وفي هذا الجانب، وفي قراءة لهذه اللقاءات في سياقها الأوسع، جدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد اليوم دبلوماسية عملية في علاقتها مع تونس، تقوم على الاستثمار في القطاعات القادرة على إحداث أثر يلمسه المواطن في تفاصيل حياته اليومية.
في المقابل، تبدو تونس حريصة على توظيف هذا الزخم الدبلوماسي لخدمة أولوياتها الوطنية، من خلال الدفع نحو مشاريع عملية، وتسريع الإصلاحات، واستقطاب الاستثمار، خاصة في القطاعات الحيوية.
حرص على تنويع الشراكات
كما تعكس هذه الديناميكية حرصا تونسيا على تنويع أدوات الشراكة وآلياتها، وعدم حصر العلاقات الدولية في بعدها السياسي أو الأمني فقط، بل توسيعها لتشمل التكنولوجيا، والابتكار، وتنمية الموارد البشرية. وهو ما يمنح هذه العلاقة بعدا أكثر انسجاما مع الواقع الراهن ويحدّ من اختزالها في منطق التعاون الكلاسيكي أو الدعم الظرفي.
في هذا الخضم، لا تكمن أهمية هذه اللقاءات التي عقدها مؤخرا السفير الأمريكي في عددها أو في طبيعة الملفات التي تناولتها فحسب، وإنما في التحوّل الذي تعكسه، والذي يقوم على شراكة متعددة الأبعاد تتجاوز طابعها الكلاسيكي لتطال مجالات جديدة تتقاطع فيها السيادة مع التنمية.
في المقابل، تبدو تونس حريصة على توظيف هذا الزخم الدبلوماسي لخدمة أولوياتها الوطنية، من خلال الدفع نحو مشاريع عملية، وتسريع الإصلاحات، واستقطاب الاستثمار، خاصة في القطاعات الحيوية. ويأتي هذا التوجه منسجما مع رؤية الدولة التي تراهن على النجاعة، وتسريع وتيرة الإنجاز، والانتقال من منطق التشخيص إلى منطق الفعل، في إطار احترام السيادة الوطنية وتحديد الأولويات وفق المصلحة العامة.
وعليه، يمكن القول إن ما تشهده العلاقات التونسية – الأمريكية اليوم هو إعادة تموقع متبادل، يسعى فيه كل طرف إلى بناء شراكة أكثر توازنا وواقعية. شراكة تعترف بمحدودية المقاربات الأحادية، وتؤمن بأن التحديات المعاصرة تتطلب حلولا متكاملة، تجمع بين الأمن، والتنمية، والخدمات الأساسية.
في المحصلة، لا تكمن أهمية هذه اللقاءات في عددها أو توقيتها فحسب، بل في الرسائل التي تحملها وفي الأفق الذي تفتحه. فهي تؤشر إلى مرحلة جديدة من التعاون، عنوانها العريض الانتقال من التعاون الظرفي إلى الشراكة المستدامة، ومن التركيز على الملفات التقليدية إلى الانفتاح على قطاعات المستقبل. وهي، في الآن ذاته، اختبار حقيقي لقدرة الطرفين على تحويل النوايا المعلنة إلى برامج عملية، ومشاريع ملموسة، تعود بالنفع على الشعبين وتكرّس علاقة قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.