صليحة من أهمّ النماذج التي يمكن اعتماد مسيرتها ومدونتها الموسيقية لتحقيق العود على أصول الموسيقى التونسية
ورشات ومعرض لوحات بصرية مستلهمة من أعمال صليحة، وندوة علمية: «التراث الموسيقي التونسي بين التهذيب والحفاظ على الهوية التونسية» في البرنامج
وتبقى صليحة رمزا للمرأة الفنانة التي تجاوزت القيود والظروف لتخلّد اسمها في تاريخ الموسيقى التونسية
تحتضن مدينة الكاف بداية من اليوم 26 إلى يوم 28 ديسمبر الجاري فعاليات مهرجان «صليحة للموسيقى التونسية»، الذي تنظمه المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بالكاف، في تظاهرة ثقافية تسعى إلى إبراز التراث الموسيقي التونسي والتعريف بمختلف مكوناته من خلال برنامج يجمع بين الورشات التكوينية، الإقامات الفنية، الندوات، المعارض والعروض الموسيقية. ويأتي مهرجان «صليحة للموسيقى التونسية» ليعزّز حضور الموسيقى التونسية في المشهد الثقافي الجهوي، وليوفّر فضاء للتكوين والعرض والتبادل بين الفنانين والباحثين والجمهور، في موعد سنوي يسعى إلى تثبيت مكانته ضمن التظاهرات الثقافية الوطنية.
كما يأتي تنظيمه في إطار الحرص على الحفاظ على الهوية الموسيقية التونسية والعودة إلى رموزها البارزة، وفي مقدمتها المطربة صليحة التي ارتبط اسمها بتاريخ الغناء التونسي وأسهمت في ترسيخ عدد من القوالب والألوان الموسيقية التي ما تزال حاضرة في الذاكرة الجماعية. ويهدف المهرجان، وفق ما تعكسه برمجته، إلى إعادة الاعتبار للطابع التونسي في الموسيقى ونقله إلى الأجيال الجديدة عبر مقاربة تجمع بين التكوين النظري والتطبيقي.
ويشارك في تنظيم هذه التظاهرة عدد من الهياكل الثقافية والمؤسسات العمومية، من بينها المعهد العمومي للموسيقى والرقص بالكاف، وبإشراف المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بالكاف.
وقد أكّد المندوب الجهوي وليد المسعودي في تقديمه للتظاهرة أنّه «في إطار الحفاظ على الهوية الوطنية والرجوع إلى منابت الثقافة التونسية ولاسيما الموسيقية منها، ارتأينا تنظيم المهرجان من 26 إلى 28 ديسمبر 2025 كمنصة فنية لإعادة الاعتبار للطبوع التونسية واستعادة الذائقة الفنية الوطنية أمام الأنماط الموسيقية الوافدة، والتي من منطلق انفتاحنا على ثقافات العالم أصبحت تأخذ حيّزا هاما من إنتاجنا الفني. وإن كان ذلك أمرا حتميا أمام التطورات التكنولوجية والاتصالية التي يشهدها العالم، فإنه من الضروري المحافظة على طبوعنا ومميزاتنا الجمالية والحضارية، خاصة من خلال العمل على نشر وتعليم الموسيقى التونسية الأصلية».
وأضاف: «ولعل اسم الفنانة صليحة من أهمّ النماذج التي يمكن اعتماد مسيرتها ومدونتها الموسيقية نقطة ارتكاز لتحقيق هذا العود على أصول الموسيقى التونسية ومساحة التثقيف الفني الوطني، لا في إطار اجترار الماضي بقدر ما هو استلهام من هذا الموروث الأصيل نحو قراءة موسيقية معاصرة للطبوع التونسية والاشتغال على مسار إبداعي ينبني على ثوابت التجربة التونسية..»
وتنطلق فعاليات اليوم الأول ببرنامج صباحي يتمثل في افتتاح الإقامة الفنية «الفوندو في الموسيقى التونسية»، إلى جانب انطلاق ورشات فنية بالمعهد العمومي للموسيقى والرقص بالكاف، تشمل ورشة الأداء في الطبوع التونسية، ورشة الإيقاعات، وورشة العزف على آلة العود، وهي ورشات موجهة إلى الطلبة والهواة والمهتمين بالموسيقى التونسية. وفي الفترة المسائية يُفتتح معرض وثائقي ونقاشي يتعلّق بحياة المطربة «صليحة»، ويقدّم مسيرتها الفنية ويعرّف بأهم محطات تجربتها، قبل أن يُختتم اليوم بعرض موسيقي مُستلهم من رصيدها الغنائي.
ويتواصل المهرجان يوم السبت 27 ديسمبر بتنظيم – صباحا – الورشات الفنية بالمركز الثقافي الصحبي المسراطي وبالمعهد العمومي للموسيقى والرقص بالكاف، إلى جانب افتتاح معرض تشكيلي للفنان عمار بالغيث بعنوان «صور تجسيد أغاني صليحة»، وهو معرض يترجم الأغنية التونسية إلى لوحات بصرية مستلهمة من أعمال المطربة الراحلة. كما تنطلق خلال اليوم نفسه ندوة علمية بعنوان «التراث الموسيقي التونسي بين التهذيب والحفاظ على الهوية التونسية»، بمشاركة عدد من المختصين والباحثين، تتناول واقع الموسيقى التونسية وإشكاليات المحافظة على خصوصياتها. ويُختتم برنامج اليوم بعرض موسيقي بعنوان «دار العود التونسي» لزياد مهدي، يسلّط الضوء على دور آلة العود في الموسيقى التونسية.
أما يوم الأحد 28 ديسمبر، فيُخصّص لمواصلة الأنشطة التكوينية، حيث تتواصل الورشات الفنية صباحا بدار الثقافة «صليحة» بنبر، قبل أن يُقدَّم في المساء عرضا موسيقي بعنوان «وصلة من الموسيقى التونسية»، يجمع عددا من الأعمال المستوحاة من التراث الغنائي التونسي. ويتضمن برنامج اليوم الختامي تنظيم مسابقة في الأداء والعزف، تُتوَّج بحفل توزيع الجوائز على المشاركين، إلى جانب تكريم المنتفعين بالورشات والإقامات الفنية، في خطوة تهدف إلى تشجيع المواهب الشابة وتحفيزها على مواصلة الاهتمام بالموسيقى التونسية. وتُعدّ الفنانة «صليحة»، واسمها الحقيقي صلّوحة بنت إبراهيم بن عبد الحفيظ، إحدى أبرز الأصوات التي صنعت وجدان الأغنية التونسية في القرن العشرين، إذ وُلدت سنة 1914 بجهة الكاف، وانطلقت من بيئة بدوية لتتحوّل بصوتها العميق والشجي إلى أيقونة للأصالة الموسيقية. امتزج في أدائها الحسّ البدوي بالصياغة الحضرية، فصنعت لنفسها فرادة جعلتها تُلقّب بـ»كوكب الشرق التونسية» و»كوكب المغرب العربي»، وارتبط اسمها بمدرسة الرشيدية وتعاونت مع كبار ملحّنيها، من بينهم خميس ترنان ومحمد التريكي، مقدّمة رصيدا غنائيا ما يزال حيّا في الذاكرة الجماعية.
من أشهر أغاني صليحة «فراق غزالي» و»خلّي بدلني» و»عرضوني زوز صبايا». وقد رحلت الفنانة الكبيرة في 26 نوفمبر سنة 1958 عن عمر ناهز 44 عاما بعد صراع مع المرض، في نهاية موجعة زادتها حضورا رمزيا، إذ توفيت وهي تؤدي آخر أغانيها «مريض فاني» على كرسي متحرك في حفل بالمسرح البلدي. وقد شيّعها آلاف التونسيين، فرحلت تاركة أثرا فنيا عميقا جعلها رمزا للمرأة الفنانة التي تجاوزت القيود والظروف لتخلّد اسمها في تاريخ الموسيقى التونسية.
إيمان عبد اللطيف
صليحة من أهمّ النماذج التي يمكن اعتماد مسيرتها ومدونتها الموسيقية لتحقيق العود على أصول الموسيقى التونسية
ورشات ومعرض لوحات بصرية مستلهمة من أعمال صليحة، وندوة علمية: «التراث الموسيقي التونسي بين التهذيب والحفاظ على الهوية التونسية» في البرنامج
وتبقى صليحة رمزا للمرأة الفنانة التي تجاوزت القيود والظروف لتخلّد اسمها في تاريخ الموسيقى التونسية
تحتضن مدينة الكاف بداية من اليوم 26 إلى يوم 28 ديسمبر الجاري فعاليات مهرجان «صليحة للموسيقى التونسية»، الذي تنظمه المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بالكاف، في تظاهرة ثقافية تسعى إلى إبراز التراث الموسيقي التونسي والتعريف بمختلف مكوناته من خلال برنامج يجمع بين الورشات التكوينية، الإقامات الفنية، الندوات، المعارض والعروض الموسيقية. ويأتي مهرجان «صليحة للموسيقى التونسية» ليعزّز حضور الموسيقى التونسية في المشهد الثقافي الجهوي، وليوفّر فضاء للتكوين والعرض والتبادل بين الفنانين والباحثين والجمهور، في موعد سنوي يسعى إلى تثبيت مكانته ضمن التظاهرات الثقافية الوطنية.
كما يأتي تنظيمه في إطار الحرص على الحفاظ على الهوية الموسيقية التونسية والعودة إلى رموزها البارزة، وفي مقدمتها المطربة صليحة التي ارتبط اسمها بتاريخ الغناء التونسي وأسهمت في ترسيخ عدد من القوالب والألوان الموسيقية التي ما تزال حاضرة في الذاكرة الجماعية. ويهدف المهرجان، وفق ما تعكسه برمجته، إلى إعادة الاعتبار للطابع التونسي في الموسيقى ونقله إلى الأجيال الجديدة عبر مقاربة تجمع بين التكوين النظري والتطبيقي.
ويشارك في تنظيم هذه التظاهرة عدد من الهياكل الثقافية والمؤسسات العمومية، من بينها المعهد العمومي للموسيقى والرقص بالكاف، وبإشراف المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بالكاف.
وقد أكّد المندوب الجهوي وليد المسعودي في تقديمه للتظاهرة أنّه «في إطار الحفاظ على الهوية الوطنية والرجوع إلى منابت الثقافة التونسية ولاسيما الموسيقية منها، ارتأينا تنظيم المهرجان من 26 إلى 28 ديسمبر 2025 كمنصة فنية لإعادة الاعتبار للطبوع التونسية واستعادة الذائقة الفنية الوطنية أمام الأنماط الموسيقية الوافدة، والتي من منطلق انفتاحنا على ثقافات العالم أصبحت تأخذ حيّزا هاما من إنتاجنا الفني. وإن كان ذلك أمرا حتميا أمام التطورات التكنولوجية والاتصالية التي يشهدها العالم، فإنه من الضروري المحافظة على طبوعنا ومميزاتنا الجمالية والحضارية، خاصة من خلال العمل على نشر وتعليم الموسيقى التونسية الأصلية».
وأضاف: «ولعل اسم الفنانة صليحة من أهمّ النماذج التي يمكن اعتماد مسيرتها ومدونتها الموسيقية نقطة ارتكاز لتحقيق هذا العود على أصول الموسيقى التونسية ومساحة التثقيف الفني الوطني، لا في إطار اجترار الماضي بقدر ما هو استلهام من هذا الموروث الأصيل نحو قراءة موسيقية معاصرة للطبوع التونسية والاشتغال على مسار إبداعي ينبني على ثوابت التجربة التونسية..»
وتنطلق فعاليات اليوم الأول ببرنامج صباحي يتمثل في افتتاح الإقامة الفنية «الفوندو في الموسيقى التونسية»، إلى جانب انطلاق ورشات فنية بالمعهد العمومي للموسيقى والرقص بالكاف، تشمل ورشة الأداء في الطبوع التونسية، ورشة الإيقاعات، وورشة العزف على آلة العود، وهي ورشات موجهة إلى الطلبة والهواة والمهتمين بالموسيقى التونسية. وفي الفترة المسائية يُفتتح معرض وثائقي ونقاشي يتعلّق بحياة المطربة «صليحة»، ويقدّم مسيرتها الفنية ويعرّف بأهم محطات تجربتها، قبل أن يُختتم اليوم بعرض موسيقي مُستلهم من رصيدها الغنائي.
ويتواصل المهرجان يوم السبت 27 ديسمبر بتنظيم – صباحا – الورشات الفنية بالمركز الثقافي الصحبي المسراطي وبالمعهد العمومي للموسيقى والرقص بالكاف، إلى جانب افتتاح معرض تشكيلي للفنان عمار بالغيث بعنوان «صور تجسيد أغاني صليحة»، وهو معرض يترجم الأغنية التونسية إلى لوحات بصرية مستلهمة من أعمال المطربة الراحلة. كما تنطلق خلال اليوم نفسه ندوة علمية بعنوان «التراث الموسيقي التونسي بين التهذيب والحفاظ على الهوية التونسية»، بمشاركة عدد من المختصين والباحثين، تتناول واقع الموسيقى التونسية وإشكاليات المحافظة على خصوصياتها. ويُختتم برنامج اليوم بعرض موسيقي بعنوان «دار العود التونسي» لزياد مهدي، يسلّط الضوء على دور آلة العود في الموسيقى التونسية.
أما يوم الأحد 28 ديسمبر، فيُخصّص لمواصلة الأنشطة التكوينية، حيث تتواصل الورشات الفنية صباحا بدار الثقافة «صليحة» بنبر، قبل أن يُقدَّم في المساء عرضا موسيقي بعنوان «وصلة من الموسيقى التونسية»، يجمع عددا من الأعمال المستوحاة من التراث الغنائي التونسي. ويتضمن برنامج اليوم الختامي تنظيم مسابقة في الأداء والعزف، تُتوَّج بحفل توزيع الجوائز على المشاركين، إلى جانب تكريم المنتفعين بالورشات والإقامات الفنية، في خطوة تهدف إلى تشجيع المواهب الشابة وتحفيزها على مواصلة الاهتمام بالموسيقى التونسية. وتُعدّ الفنانة «صليحة»، واسمها الحقيقي صلّوحة بنت إبراهيم بن عبد الحفيظ، إحدى أبرز الأصوات التي صنعت وجدان الأغنية التونسية في القرن العشرين، إذ وُلدت سنة 1914 بجهة الكاف، وانطلقت من بيئة بدوية لتتحوّل بصوتها العميق والشجي إلى أيقونة للأصالة الموسيقية. امتزج في أدائها الحسّ البدوي بالصياغة الحضرية، فصنعت لنفسها فرادة جعلتها تُلقّب بـ»كوكب الشرق التونسية» و»كوكب المغرب العربي»، وارتبط اسمها بمدرسة الرشيدية وتعاونت مع كبار ملحّنيها، من بينهم خميس ترنان ومحمد التريكي، مقدّمة رصيدا غنائيا ما يزال حيّا في الذاكرة الجماعية.
من أشهر أغاني صليحة «فراق غزالي» و»خلّي بدلني» و»عرضوني زوز صبايا». وقد رحلت الفنانة الكبيرة في 26 نوفمبر سنة 1958 عن عمر ناهز 44 عاما بعد صراع مع المرض، في نهاية موجعة زادتها حضورا رمزيا، إذ توفيت وهي تؤدي آخر أغانيها «مريض فاني» على كرسي متحرك في حفل بالمسرح البلدي. وقد شيّعها آلاف التونسيين، فرحلت تاركة أثرا فنيا عميقا جعلها رمزا للمرأة الفنانة التي تجاوزت القيود والظروف لتخلّد اسمها في تاريخ الموسيقى التونسية.