إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

3 % فقط من التونسيين يمارسون الرياضة.. أسعار القاعات الرياضية باهظة.. ودعوة الى تكثيف النشاط البدني

عبر «وسام»، شاب في الثلاثينات من عمره، عن امتعاضه من الأسعار المرتفعة التي تعتمدها قاعات الرياضة في تونس الكبرى، ويرى أنها غير مشجعة على اعتماد نمط حياة سليم يشكل النشاط الرياضي جزءا منه. وأفاد في حديثه لـ»الصباح»، أنه يخصص شهريا نسبة 7 % من راتبه من أجل تغطية كلفة اشتراكه في قاعة رياضة تنتمي إلى المستوى المتوسط، تتوفر على الأجهزة الأساسية، وتشكو من نقص في التهوية وتعرف في نهاية الأسبوع اكتظاظا كبيرا.

وأشار محدثنا إلى أنه قام بجولة في عدد كبير من القاعات الرياضية الخاصة في تونس العاصمة واختار السعر الأدنى فيها، وهو 90 دينارا شهريا، في حين أن هناك قاعات يصل سعر الاشتراك الشهري فيها إلى 300 دينار.

بدورها، تكشف «إيمان»، التي تعاني نسبيا من زيادة في الوزن، أنها خلال الخمس سنوات الماضية، وسعيا إلى إنقاص وزنها، اتجهت إلى قاعات الرياضة المختصة في التخسيس، وأوضحت أنها تضع أسعارا مرتفعة، حيث يبلغ سعر الحصة الأسبوعية التي مدتها 20 دقيقة حوالي 60 دينارا. وقالت مازحة: «أنا بصدد إنفاق نصف راتبي تقريبا على قاعات الرياضة، وإلى غاية الآن لم أحقق الهدف ولم أفقد الوزن المطلوب».

ورغم أن تونس كانت من الدول التي اتجهت إلى التفكير في إدراج النشاط البدني ضمن وصفات العلاج التي يصفها الأطباء، ورفع مستوى التوقي من الأمراض عبر الرياضة والأنشطة البدنية التي تتلاءم مع الوضع الصحي للمرضى، فقد قامت وزارة الشباب والرياضة منذ سنة 2019 بتوقيع اتفاقية مع وزارة الصحة لتفعيل منظومة الوصفة الرياضية على أن يتم تفعيلها بداية من سنة 2020، بعد إتمام الدراسات اللازمة لتهيئة الأرضية وتوفير الإطار الرياضي اللازم الذي سيطبق الوصفات الطبية التي تنصح بالنشاط البدني للمرضى، ليصبح بإمكان الطبيب تقديم وصفة رياضية لممارسة رياضة معينة تتماشى مع كل مرض للموظفين والعمال بدل تناول الأدوية.

وحسب تصريحات سابقة لمسؤول في وزارة الشباب والرياضة، فإن الاستثمار في الرياضة والأنشطة البدنية من شأنه أن يخفض كلفة العلاج التي تتحملها المجموعة الوطنية بدرجة كبيرة، مؤكدا أن استثمار كل دولار في الرياضة يمكن من توفير نحو 5 دولارات في كلفة العلاج والدواء بحسب دراسات لمنظمة الصحة العالمية.

الوعي بأهمية النشاط البدني

قال رئيس جمعية الطب العائلي، محمد الطاهر مرابط، إن الوعي بأهمية النشاط البدني يمكن من التوقي ومقاومة العديد من الأمراض، ومنها خاصة السمنة والإصابات بالسكري وأمراض القلب والشرايين وضغط الدم، وتشنج العضلات والمفاصل. وهذه أمراض منتشرة لدى التونسيين، على سبيل المثال، هناك واحد من كل ثلاثة تونسيين مصاب بالسكري، وهو من الأمراض المزمنة التي لا تُعالج إلا بالرياضة.

وعن واقع ممارسة الرياضة في تونس اليوم، تكشف معطيات رسمية صادرة عن وزارة الشباب والرياضة أن 3 % فقط من التونسيين يمارسون الرياضة، في حين تطمح الوزارة إلى بلوغ رقم 3 مليون ممارس للرياضة من بين 11 مليون تونسي.

وللاستئناس، تكشف الجمعية التونسية لأمراض وجراحة القلب والأوعية، أن أمراض القلب والشرايين تتسبب في 30 % من الوفيات سنويا في تونس. كما تبين أن الإصابة بأمراض القلب والشرايين أصبحت تشمل فئة الشباب بين 25 و30 سنة، بسبب الذبحة الصدرية والجلطات القلبية الناتجة عن التدخين واتباع نمط غذائي غير سليم وعدم ممارسة الرياضة والنشاط البدني، إلى جانب تلوث البيئة والمحيط.

ويشير الدكتور مرابط إلى أن الوقت قد حان اليوم لتراهن تونس على الاستثمار في «العقل السليم والجسم السليم» في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها النمط المعيشي في تونس، حيث لم تعد الرياضة مجرد ترف أو نشاط ترفيهي، بل تحولت إلى رهان وطني استراتيجي يمس الصحة العامة والتماسك الاجتماعي. ومع صعود مؤشرات الأمراض المزمنة، على الدولة التونسية تكثيف جهودها لجعل النشاط البدني ثقافة يومية ترافق المواطن من الطفولة إلى سن الشيخوخة.

وتتوزع استراتيجية «الرياضة للجميع»، التي يقترحها محمد الطاهر مرابط، على ثلاث ركائز أساسية تراعي الخصوصيات البيولوجية والاجتماعية لكل مرحلة عمرية.

وبالنسبة للأطفال والناشئة، تعتبر الرياضة المدرسية والنوادي الصغيرة الحصن الأول ضد السمنة المفرطة وإدمان الشاشات. فهي تغرس في الطفل قيم الانضباط، والروح الرياضية، والقدرة على العمل الجماعي، مما ينعكس إيجابا على تحصيله العلمي وتوازنه النفسي.

أما بالنسبة للكهول والشباب، فالرياضة تشكل درعا وقائيا بالنسبة للفاعلين في الدورة الاقتصادية، فممارسة النشاط البدني تعد الوسيلة الأنجع لمقاومة ضغوط العمل والتوتر. كما تؤكد التقارير الطبية التونسية أن الرياضة المنتظمة تساهم بشكل مباشر في خفض نسبة الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والشرايين، مما يخفف العبء المالي على الصناديق الاجتماعية للدولة.

وبخصوص كبار السن، فإن ممارسة الرياضة تضمن شيخوخة نشطة واستقلالية دائمة، ويشير مرابط إلى أنه في تونس، يتزايد الوعي بأهمية «الرياضة اللينة» للمسنين. فالمشي السريع، السباحة، والجمباز الخفيف لا تحافظ فقط على توازن الجسم ومنع السقوط، بل تلعب دورا حاسما في محاربة العزلة الاجتماعية والحفاظ على القدرات الإدراكية والذهنية.

استثمار في صحة التونسيين

ويعتبر محمد الطاهر مرابط أن التحدي القادم يكمن في تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتوفير فضاءات مجهزة بأحدث التقنيات وبأسعار تفاضلية. فالاستثمار في الرياضة اليوم هو في الحقيقة استثمار في صحة التونسيين، وهو ما سيوفر على الدولة ميزانيات ضخمة كانت ستنفق على العلاج والأدوية.

وأشار محدثنا إلى أنه تتوفر في معظم المدن التونسية مسالك صحية مجانية (مثل مسلك قمرت، المنزه، رادس، أو شواطئ حمام الأنف، سوسة والمنستير). ويكفي المشي السريع لمدة 30 دقيقة يوميا لإحداث فارق صحي كبير.

كما أن النوادي ودور الشباب تقدم اشتراكات رمزية في رياضات مثل الكاراتيه، الجمباز، وتنس الطاولة، وهي فضاءات آمنة ومؤطرة للأطفال والشباب.

وتعد التطبيقات الرياضية بالنسبة للنساء والكهول الذين يفضلون الخصوصية، حلا لهم لممارسة بعض الأنشطة الرياضية في البيت، وذلك من خلال تحويل ركن في المنزل إلى قاعة رياضة صغيرة باستخدام تطبيقات مجانية لتمارين «الهيت» (HIIT) أو «اليوغا».

ريم سوودي

3 % فقط من التونسيين يمارسون الرياضة..   أسعار القاعات الرياضية باهظة..   ودعوة الى تكثيف  النشاط البدني

عبر «وسام»، شاب في الثلاثينات من عمره، عن امتعاضه من الأسعار المرتفعة التي تعتمدها قاعات الرياضة في تونس الكبرى، ويرى أنها غير مشجعة على اعتماد نمط حياة سليم يشكل النشاط الرياضي جزءا منه. وأفاد في حديثه لـ»الصباح»، أنه يخصص شهريا نسبة 7 % من راتبه من أجل تغطية كلفة اشتراكه في قاعة رياضة تنتمي إلى المستوى المتوسط، تتوفر على الأجهزة الأساسية، وتشكو من نقص في التهوية وتعرف في نهاية الأسبوع اكتظاظا كبيرا.

وأشار محدثنا إلى أنه قام بجولة في عدد كبير من القاعات الرياضية الخاصة في تونس العاصمة واختار السعر الأدنى فيها، وهو 90 دينارا شهريا، في حين أن هناك قاعات يصل سعر الاشتراك الشهري فيها إلى 300 دينار.

بدورها، تكشف «إيمان»، التي تعاني نسبيا من زيادة في الوزن، أنها خلال الخمس سنوات الماضية، وسعيا إلى إنقاص وزنها، اتجهت إلى قاعات الرياضة المختصة في التخسيس، وأوضحت أنها تضع أسعارا مرتفعة، حيث يبلغ سعر الحصة الأسبوعية التي مدتها 20 دقيقة حوالي 60 دينارا. وقالت مازحة: «أنا بصدد إنفاق نصف راتبي تقريبا على قاعات الرياضة، وإلى غاية الآن لم أحقق الهدف ولم أفقد الوزن المطلوب».

ورغم أن تونس كانت من الدول التي اتجهت إلى التفكير في إدراج النشاط البدني ضمن وصفات العلاج التي يصفها الأطباء، ورفع مستوى التوقي من الأمراض عبر الرياضة والأنشطة البدنية التي تتلاءم مع الوضع الصحي للمرضى، فقد قامت وزارة الشباب والرياضة منذ سنة 2019 بتوقيع اتفاقية مع وزارة الصحة لتفعيل منظومة الوصفة الرياضية على أن يتم تفعيلها بداية من سنة 2020، بعد إتمام الدراسات اللازمة لتهيئة الأرضية وتوفير الإطار الرياضي اللازم الذي سيطبق الوصفات الطبية التي تنصح بالنشاط البدني للمرضى، ليصبح بإمكان الطبيب تقديم وصفة رياضية لممارسة رياضة معينة تتماشى مع كل مرض للموظفين والعمال بدل تناول الأدوية.

وحسب تصريحات سابقة لمسؤول في وزارة الشباب والرياضة، فإن الاستثمار في الرياضة والأنشطة البدنية من شأنه أن يخفض كلفة العلاج التي تتحملها المجموعة الوطنية بدرجة كبيرة، مؤكدا أن استثمار كل دولار في الرياضة يمكن من توفير نحو 5 دولارات في كلفة العلاج والدواء بحسب دراسات لمنظمة الصحة العالمية.

الوعي بأهمية النشاط البدني

قال رئيس جمعية الطب العائلي، محمد الطاهر مرابط، إن الوعي بأهمية النشاط البدني يمكن من التوقي ومقاومة العديد من الأمراض، ومنها خاصة السمنة والإصابات بالسكري وأمراض القلب والشرايين وضغط الدم، وتشنج العضلات والمفاصل. وهذه أمراض منتشرة لدى التونسيين، على سبيل المثال، هناك واحد من كل ثلاثة تونسيين مصاب بالسكري، وهو من الأمراض المزمنة التي لا تُعالج إلا بالرياضة.

وعن واقع ممارسة الرياضة في تونس اليوم، تكشف معطيات رسمية صادرة عن وزارة الشباب والرياضة أن 3 % فقط من التونسيين يمارسون الرياضة، في حين تطمح الوزارة إلى بلوغ رقم 3 مليون ممارس للرياضة من بين 11 مليون تونسي.

وللاستئناس، تكشف الجمعية التونسية لأمراض وجراحة القلب والأوعية، أن أمراض القلب والشرايين تتسبب في 30 % من الوفيات سنويا في تونس. كما تبين أن الإصابة بأمراض القلب والشرايين أصبحت تشمل فئة الشباب بين 25 و30 سنة، بسبب الذبحة الصدرية والجلطات القلبية الناتجة عن التدخين واتباع نمط غذائي غير سليم وعدم ممارسة الرياضة والنشاط البدني، إلى جانب تلوث البيئة والمحيط.

ويشير الدكتور مرابط إلى أن الوقت قد حان اليوم لتراهن تونس على الاستثمار في «العقل السليم والجسم السليم» في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها النمط المعيشي في تونس، حيث لم تعد الرياضة مجرد ترف أو نشاط ترفيهي، بل تحولت إلى رهان وطني استراتيجي يمس الصحة العامة والتماسك الاجتماعي. ومع صعود مؤشرات الأمراض المزمنة، على الدولة التونسية تكثيف جهودها لجعل النشاط البدني ثقافة يومية ترافق المواطن من الطفولة إلى سن الشيخوخة.

وتتوزع استراتيجية «الرياضة للجميع»، التي يقترحها محمد الطاهر مرابط، على ثلاث ركائز أساسية تراعي الخصوصيات البيولوجية والاجتماعية لكل مرحلة عمرية.

وبالنسبة للأطفال والناشئة، تعتبر الرياضة المدرسية والنوادي الصغيرة الحصن الأول ضد السمنة المفرطة وإدمان الشاشات. فهي تغرس في الطفل قيم الانضباط، والروح الرياضية، والقدرة على العمل الجماعي، مما ينعكس إيجابا على تحصيله العلمي وتوازنه النفسي.

أما بالنسبة للكهول والشباب، فالرياضة تشكل درعا وقائيا بالنسبة للفاعلين في الدورة الاقتصادية، فممارسة النشاط البدني تعد الوسيلة الأنجع لمقاومة ضغوط العمل والتوتر. كما تؤكد التقارير الطبية التونسية أن الرياضة المنتظمة تساهم بشكل مباشر في خفض نسبة الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والشرايين، مما يخفف العبء المالي على الصناديق الاجتماعية للدولة.

وبخصوص كبار السن، فإن ممارسة الرياضة تضمن شيخوخة نشطة واستقلالية دائمة، ويشير مرابط إلى أنه في تونس، يتزايد الوعي بأهمية «الرياضة اللينة» للمسنين. فالمشي السريع، السباحة، والجمباز الخفيف لا تحافظ فقط على توازن الجسم ومنع السقوط، بل تلعب دورا حاسما في محاربة العزلة الاجتماعية والحفاظ على القدرات الإدراكية والذهنية.

استثمار في صحة التونسيين

ويعتبر محمد الطاهر مرابط أن التحدي القادم يكمن في تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتوفير فضاءات مجهزة بأحدث التقنيات وبأسعار تفاضلية. فالاستثمار في الرياضة اليوم هو في الحقيقة استثمار في صحة التونسيين، وهو ما سيوفر على الدولة ميزانيات ضخمة كانت ستنفق على العلاج والأدوية.

وأشار محدثنا إلى أنه تتوفر في معظم المدن التونسية مسالك صحية مجانية (مثل مسلك قمرت، المنزه، رادس، أو شواطئ حمام الأنف، سوسة والمنستير). ويكفي المشي السريع لمدة 30 دقيقة يوميا لإحداث فارق صحي كبير.

كما أن النوادي ودور الشباب تقدم اشتراكات رمزية في رياضات مثل الكاراتيه، الجمباز، وتنس الطاولة، وهي فضاءات آمنة ومؤطرة للأطفال والشباب.

وتعد التطبيقات الرياضية بالنسبة للنساء والكهول الذين يفضلون الخصوصية، حلا لهم لممارسة بعض الأنشطة الرياضية في البيت، وذلك من خلال تحويل ركن في المنزل إلى قاعة رياضة صغيرة باستخدام تطبيقات مجانية لتمارين «الهيت» (HIIT) أو «اليوغا».

ريم سوودي