إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المدير العام لبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة لـ «الصباح»: نحو 67 % من تدخلات البنك التمويلية موجهة مباشرة لدعم المشاريع في مناطق التنمية الجهوية

يدخل بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة منعطفا استراتيجيا جديدا، عنوانه التحول العميق في طرق العمل وأدوات التسيير، وذلك من خلال إطلاق مشروع منظومة معلوماتية حديثة تُعدّ حجر الأساس في مسار تحديث البنك وتعزيز دوره التنموي، هذا ما أكده مدير عام بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وجيه حسين، قائلا إن «الأمر لا يتعلق بمشروع تقني معزول أو بتحديث أدوات رقمية فحسب، بل بخيار مؤسساتي شامل يهمّ هوية البنك، وطريقة اشتغاله، ومستقبله في محيط اقتصادي ومالي سريع التحول.»

وأضاف مدير عام البنك أمس، خلال أشغال اليوم الإعلامي للإعلان عن انطلاق تركيز المنظومة المعلوماتية الجديدة الخاصة بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة، والتي يسيرها بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، أن هذا التوجه يأتي في سياق عام يشهد تغيّرات متسارعة، حيث لم يعد بالإمكان مواصلة العمل بالأساليب التقليدية التي كانت سائدة في السابق، ليس لأنها كانت غير ناجعة، بل لأن السياق تغيّر جذريا. فالقطاع البنكي يعرف تحولات عميقة، وتطلعات الدولة تطورت، كما ازدادت متطلبات الشركاء، وتغيّرت بشكل خاص انتظارات المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي يضطلع البنك بمرافقتها وتمويلها. وهو ما يفرض اليوم اعتماد مقاربات جديدة أكثر سرعة ووضوحا ونجاعة.

وقال وجيه حسين في كلمته التي ألقاها أمام عدد من الحضور، إن المنظومة المعلوماتية الجديدة تُعدّ قلب هذا التحول، إذ من المنتظر أن تساهم في تسريع اتخاذ القرار، وتبسيط الإجراءات، وتعزيز دقة المتابعة والرقابة، فضلا عن دعم قدرة البنك على خلق قيمة مضافة أكبر لفائدة الدولة والاقتصاد الوطني. كما ستمكّن من تحسين استغلال المعطيات، عبر تقليص الوقت المهدور في البحث عن المعلومات، وتوجيه الجهود نحو تحليلها وتوظيفها بشكل أفضل في خدمة المشاريع والمؤسسات.

ويكتسي هذا المشروع أهمية خاصة بالنظر إلى طبيعة بنك عمومي للتنمية، ولا يمكن تحقيق النجاعة المطلوبة إلا بالاعتماد على منظومة معلوماتية موثوقة، منسجمة، ومشتركة بين جميع المتدخلين، بما يعزز الحوكمة والشفافية ويحدّ من التعقيدات.

وأشار وجيه حسين إلى أن أهمية هذا المشروع تبرز أكثر عند النظر إلى خصوصية بنوك التنمية، التي تتحمل مسؤوليات مضاعفة، إذ يتعيّن عليها الالتزام بقواعد صارمة، وتقديم الحسابات، وفي الوقت ذاته الحفاظ على السرعة والفاعلية. وفي هذا الإطار، يتحول النظام المعلوماتي غير الملائم إلى عبء يعرقل العمل ويولّد الإحباط، في حين يساهم النظام المصمم بعناية في تحرير طاقات الفرق، وتبسيط الإجراءات، وتأمين المعاملات، بما يسمح بالتركيز على الجوهر: مرافقة المشاريع، دعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وخدمة الاقتصاد الوطني. مضيفا أن التجارب الدولية، خاصة داخل البنوك العمومية للتنمية، تؤكد أن نجاح مثل هذه المشاريع لا يرتبط بالتكنولوجيا وحدها، بل بالعنصر البشري والتنظيمي والثقافي. فقد أظهرت هذه التجارب أن الإخفاقات تظهر حين يُنظر إلى المشروع على أنه شأن تقني يهم فئة محدودة، لا مشروعا جماعيا تتقاسمه كل مكونات المؤسسة. فالنساء والرجال هم من يصنعون النجاح، وليس الأدوات فقط، وهي رسالة أساسية يفترض استحضارها طوال مراحل إنجاز هذا المشروع.

وقال مدير عام البنك إنه تم اختيار شركة متخصصة في المنظومات المعلوماتية للمؤسسات المالية كشريك في هذا المسار، على أساس رؤية مشتركة وخيار مدروس، مع التأكيد على أن الشراكة، مهما بلغت كفاءتها، لا يمكن أن تعوّض المسؤولية الجماعية داخل المؤسسة. فنجاح المشروع يبقى رهين العمل المشترك، والتنسيق بين الإدارات، والتبليغ المبكر عن الصعوبات، والبحث عن الحلول بدل تبادل الاتهامات. ورغم ما يتطلبه المشروع من وقت وصبر وقرارات صعبة أحيانًا، فإنه يفتح آفاقا حقيقية لبناء بنك أكثر حداثة وصلابة ومصداقية.

وفي نفس السياق قال وجيه حسين إن المنظومة المعلوماتية الجديدة لا تقتصر أهميتها على الحاضر، بل تمتد إلى المستقبل، إذ تم تصميمها كقاعدة تطورية قابلة للتوسّع، تُبنى عليها لاحقا أدوات ووحدات إضافية، وصولا إلى إدماج حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي. فالذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد مفهوم نظري أو شعار، بل أصبح واقعا، ويكمن التحدي الحقيقي في القدرة على العمل معه بذكاء. وهو ما يقتضي توفر معطيات دقيقة، وإجراءات واضحة، ونظام معلوماتي متين، وهي الأسس التي يسعى البنك إلى إرسائها اليوم.

ويشكّل هذا المشروع، حسب وجيه حسين، فرصة نادرة لإحداث تحول عميق داخل بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، لكنه في الوقت ذاته مشروع يتطلب التزاما جماعيا حقيقيا. فهو لن ينجح لمجرد إدراجه في مخطط زمني أو توفير التمويل اللازم له، بل بنجاح كل فرد في الانخراط فيه بجدية ونزاهة وروح فريق، بما يمكّن البنك من تعزيز دوره التنموي ومواصلة مرافقة المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس على أسس أكثر صلابة ونجاعة.

إسناد خدمات التمويل والمرافقة لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة

وفي تصريح لـ«الصباح»، أكد المدير العام لبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وجيه حسين، أن الدور الأساسي للبنك يتمثل في إسناد خدمات التمويل والمرافقة لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة، باعتبارها ركيزة محورية للاقتصاد الوطني. وأوضح أن البنك، الذي تم إحداثه سنة 2005، لم يكن يتوفر في بداياته على نظام معلوماتي خاص به، حيث تم الاعتماد آنذاك على نظام معلوماتي تابع لبنك آخر، وهو ما استمر العمل به قرابة عشرين سنة. وبيّن أن هذا النظام أصبح اليوم محدود الإمكانيات وغير قادر على مواكبة المتطلبات الحالية، مما دفع إدارة البنك إلى التعامل مع هذا الملف بجدية تامة في إطار رؤية تهدف إلى تحقيق استدامة المؤسسة وتعزيز قدرتها على أداء دورها التنموي، مشددا في ختام تصريحه على أن البنك بات في حاجة ملحّة إلى نظام معلوماتي خاص به، حديث وملائم لطبيعة مهامه وتحديات المرحلة المقبلة.

وفي سياق تصريحه، أفاد وجيه حسين أن نحو 67 بالمائة من تدخلات البنك التمويلية موجهة مباشرة لدعم المشاريع في مناطق التنمية الجهوية، في خطوة تؤكد التزامه بالمساهمة في تعزيز التنمية الاقتصادية المتوازنة على مستوى جميع جهات البلاد.

وأوضح أنه في سنة 2018 تم، بمجهود جماعي، مراجعة سياسة التصرّف الحذر وسياسة الإقراض المعتمدة، وهو ما أفضى إلى تحسين ملحوظ في جودة محفظة المشاريع الممولة. وأضاف أن نسبة المشاريع التي تواجه صعوبات لا تتجاوز اليوم 25 بالمائة، وهي نسبة اعتبرها مهمة وإيجابية مقارنة بالسابق، مبرزا أن بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يُعدّ المؤسسة البنكية الوحيدة على المستوى البنكي التي تحقق هذه النتائج في هذا المجال، بما يعكس نجاعة الخيارات المعتمدة ودور البنك في دعم الاستثمار والتنمية الجهوية.

ترسيخ معاملات البنك على أسس من الوضوح والمصداقية

وقال إن البنك يعمل على ترسيخ معاملاته مع المؤسسات الصغرى والمتوسطة على أسس من الوضوح والمصداقية، بما يساهم في تعزيز الثقة المتبادلة وتوطيد علاقة الشراكة مع الحرفاء. وأوضح أن إطلاق المنظومة المعلوماتية الجديدة للبنك يندرج ضمن رؤية استراتيجية تقوم على ثلاثة أبعاد أساسية؛ يتمثل البعد الأول في معالجة النقائص الهيكلية القديمة التي حدّت سابقا من نجاعة الأداء، بينما يهدف البعد الثاني إلى إصلاح الوضع القائم وتحقيق نقلة نوعية في مستوى الخدمات المقدمة، سواء على مستوى السرعة أو الجودة أو المتابعة. أما البعد الثالث، فيتعلق برؤية البنك المستقبلية، حيث تمثل هذه المنظومة المعلوماتية قاعدة أساسية لما يطمح إليه بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة من تطور، وحداثة، وقدرة أكبر على مواكبة حاجيات المؤسسات ودعم استدامتها ونموها على المدى المتوسط والبعيد.

كما أفاد وجيه حسين، بأن البنك شرع رسميا في تركيز منظومة معلوماتية جديدة، في إطار مشروع استراتيجي يهدف إلى تحديث آليات العمل والارتقاء بجودة الخدمات المسداة. وأوضح أن هذا المشروع يحظى بتمويل قدره 400 ألف دولار في شكل هبة مقدّمة من الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، على أن يتم استكمال مخطط التمويل بدعم من عدد من هياكل الدولة. وأكد أن هذه المبادرة تندرج ضمن رؤية شاملة لتعزيز الحوكمة والشفافية وتحسين الإحاطة والتمويل لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة، بما يدعم استدامة البنك وقدرته على أداء دوره التنموي على المدى المتوسط والبعيد.

المنظومة المعلوماتية الجديدة للبنك تدخل حيّز الاستغلال في غضون سنة واحدة

وأوضح المدير العام لبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، أن المنظومة المعلوماتية الجديدة للبنك من المنتظر أن تدخل حيّز الاستغلال في غضون سنة واحدة، وفق مخطط زمني دقيق ينقسم إلى مرحلتين أساسيتين. وأفاد أن المرحلة الأولى، التي تمتد على مدى ستة أشهر، ستُخصّص لمعالجة الإشكاليات التقليدية المرتبطة بالأنظمة المعمول بها حاليا، بما يشمل تبسيط الإجراءات، وتحسين مسارات العمل، ومعالجة النقائص التقنية والتنظيمية المتراكمة. وأضاف أن المرحلة الثانية، والتي تمتد بدورها على ستة أشهر، ستُعنى بتركيز المنظومة المعلوماتية الجديدة فعليا، إلى جانب عملية ترحيل البيانات بشكل آمن ومنظّم، بما يضمن استمرارية العمل ودقة المعطيات. وأكد المدير العام أن البنك سيعمل، في مرحلة لاحقة، على معالجة خصوصيات بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، نظرا لطبيعة مهامه التنموية ودوره في الإحاطة والتمويل، مشددا على أن هذا المسار يتطلب حيزا زمنيا هاما لضمان جودة التنفيذ ونجاعة النتائج المرجوة، وتحقيق منظومة معلوماتية متكاملة قادرة على دعم استدامة البنك وتطوير خدماته على المدى الطويل.

كما أكد أن المنظومة المعلوماتية الجديدة التي شرع البنك في تركيزها تمثل «قاطرة أساسية» لمختلف المشاريع الرقمية التي يعتزم البنك إطلاقها خلال المرحلة المقبلة. وأوضح أن هذه المنظومة ستشكّل الحلقة المركزية التي ستربط بين بقية المنظومات والتطبيقات التي سيتم اعتمادها لاحقا، على غرار منظومة تقييم ودراسة ملفات القروض، والتي سيتم تطويرها بالاعتماد على آليات الذكاء الاصطناعي. وبيّن أن هذا التوجه سيمكن من تحسين جودة تحليل الملفات، ودعم اتخاذ القرار، وتسريع آجال معالجة مطالب التمويل، مع تعزيز الشفافية والموضوعية في تقييم المشاريع. وأضاف أن الاستثمار في هذه المنظومة لا يقتصر على الجانب التقني فحسب، بل يندرج ضمن رؤية استراتيجية تهدف إلى إرساء بنك عصري وقادر على مواكبة التطورات التكنولوجية، بما يخدم بشكل أفضل المؤسسات الصغرى والمتوسطة ويدعم دورها في دفع النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل.

المنظومة المعلوماتية الجديدة لدعم الشركات الصغرى والمتوسطة والناشئة

من جانبه أفاد خالد تريكي، مدير عام شركة متخصصة في المنظومات المعلوماتية للمؤسسات المالية، في تصريح لـ«الصباح» أن شركته تمتلك منظومة معلوماتية متطورة تعمل حاليا مع البريد التونسي، الذي يحتل المرتبة الـ46 عالميا من بين 196 دولة، والأولى عربيا وإفريقيا. وأوضح أن هذا النجاح يعود بالأساس إلى كفاءة المسؤولين والعاملين في البريد التونسي، حيث تمكنت المنظومة المعلوماتية من إدارة جميع العمليات البنكية تقريبا باستثناء قروض التمويل. وأضاف تريكي أن شركته طورت أيضا منظومة معلوماتية مع بنك التضامن التونسي، وأنها تعمل حاليا على مشروع جديد مع بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، في إطار جهودها لدعم تحديث الأنظمة البنكية وتعزيز نجاعة الخدمات المالية المقدمة للمؤسسات والعملاء.

وأكد خالد تريكي أن مشروع المنظومة المعلوماتية الجديدة مع بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يهدف بالأساس إلى دعم الشركات الصغرى والمتوسطة والناشئة، من خلال تحسين جودة الخدمات وتسريع وتيرة التمويل والإحاطة بالمشاريع. وأضاف أن الالتزام الزمني لتنفيذ هذا المشروع سيكون خلال سنة واحدة، مؤكدا أن نجاح هذا المسار سيكون خطوة مهمة نحو تحديث البنك وتعزيز قدرته على مواكبة حاجيات المؤسسات الصغرى والمتوسطة بكفاءة أكبر، بما يسهم في دعم الابتكار والنمو الاقتصادي في تونس.

وللتذكير، تلعب المؤسسات الصغرى والمتوسطة دورا مهما في الاقتصاد التونسي حيث تمثل حوالي 90 بالمائة من النسيج الاقتصادي وتوفر حوالي 80 بالمائة من فرص العمل، ومع ذلك فهي تواجه مجموعة من التحديات تتعلق أهمها بالنفاذ إلى التمويل.

جهاد الكلبوسي 

 المدير العام لبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة لـ «الصباح»: نحو 67 % من تدخلات البنك التمويلية موجهة مباشرة لدعم المشاريع في مناطق التنمية الجهوية

يدخل بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة منعطفا استراتيجيا جديدا، عنوانه التحول العميق في طرق العمل وأدوات التسيير، وذلك من خلال إطلاق مشروع منظومة معلوماتية حديثة تُعدّ حجر الأساس في مسار تحديث البنك وتعزيز دوره التنموي، هذا ما أكده مدير عام بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وجيه حسين، قائلا إن «الأمر لا يتعلق بمشروع تقني معزول أو بتحديث أدوات رقمية فحسب، بل بخيار مؤسساتي شامل يهمّ هوية البنك، وطريقة اشتغاله، ومستقبله في محيط اقتصادي ومالي سريع التحول.»

وأضاف مدير عام البنك أمس، خلال أشغال اليوم الإعلامي للإعلان عن انطلاق تركيز المنظومة المعلوماتية الجديدة الخاصة بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة، والتي يسيرها بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، أن هذا التوجه يأتي في سياق عام يشهد تغيّرات متسارعة، حيث لم يعد بالإمكان مواصلة العمل بالأساليب التقليدية التي كانت سائدة في السابق، ليس لأنها كانت غير ناجعة، بل لأن السياق تغيّر جذريا. فالقطاع البنكي يعرف تحولات عميقة، وتطلعات الدولة تطورت، كما ازدادت متطلبات الشركاء، وتغيّرت بشكل خاص انتظارات المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي يضطلع البنك بمرافقتها وتمويلها. وهو ما يفرض اليوم اعتماد مقاربات جديدة أكثر سرعة ووضوحا ونجاعة.

وقال وجيه حسين في كلمته التي ألقاها أمام عدد من الحضور، إن المنظومة المعلوماتية الجديدة تُعدّ قلب هذا التحول، إذ من المنتظر أن تساهم في تسريع اتخاذ القرار، وتبسيط الإجراءات، وتعزيز دقة المتابعة والرقابة، فضلا عن دعم قدرة البنك على خلق قيمة مضافة أكبر لفائدة الدولة والاقتصاد الوطني. كما ستمكّن من تحسين استغلال المعطيات، عبر تقليص الوقت المهدور في البحث عن المعلومات، وتوجيه الجهود نحو تحليلها وتوظيفها بشكل أفضل في خدمة المشاريع والمؤسسات.

ويكتسي هذا المشروع أهمية خاصة بالنظر إلى طبيعة بنك عمومي للتنمية، ولا يمكن تحقيق النجاعة المطلوبة إلا بالاعتماد على منظومة معلوماتية موثوقة، منسجمة، ومشتركة بين جميع المتدخلين، بما يعزز الحوكمة والشفافية ويحدّ من التعقيدات.

وأشار وجيه حسين إلى أن أهمية هذا المشروع تبرز أكثر عند النظر إلى خصوصية بنوك التنمية، التي تتحمل مسؤوليات مضاعفة، إذ يتعيّن عليها الالتزام بقواعد صارمة، وتقديم الحسابات، وفي الوقت ذاته الحفاظ على السرعة والفاعلية. وفي هذا الإطار، يتحول النظام المعلوماتي غير الملائم إلى عبء يعرقل العمل ويولّد الإحباط، في حين يساهم النظام المصمم بعناية في تحرير طاقات الفرق، وتبسيط الإجراءات، وتأمين المعاملات، بما يسمح بالتركيز على الجوهر: مرافقة المشاريع، دعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وخدمة الاقتصاد الوطني. مضيفا أن التجارب الدولية، خاصة داخل البنوك العمومية للتنمية، تؤكد أن نجاح مثل هذه المشاريع لا يرتبط بالتكنولوجيا وحدها، بل بالعنصر البشري والتنظيمي والثقافي. فقد أظهرت هذه التجارب أن الإخفاقات تظهر حين يُنظر إلى المشروع على أنه شأن تقني يهم فئة محدودة، لا مشروعا جماعيا تتقاسمه كل مكونات المؤسسة. فالنساء والرجال هم من يصنعون النجاح، وليس الأدوات فقط، وهي رسالة أساسية يفترض استحضارها طوال مراحل إنجاز هذا المشروع.

وقال مدير عام البنك إنه تم اختيار شركة متخصصة في المنظومات المعلوماتية للمؤسسات المالية كشريك في هذا المسار، على أساس رؤية مشتركة وخيار مدروس، مع التأكيد على أن الشراكة، مهما بلغت كفاءتها، لا يمكن أن تعوّض المسؤولية الجماعية داخل المؤسسة. فنجاح المشروع يبقى رهين العمل المشترك، والتنسيق بين الإدارات، والتبليغ المبكر عن الصعوبات، والبحث عن الحلول بدل تبادل الاتهامات. ورغم ما يتطلبه المشروع من وقت وصبر وقرارات صعبة أحيانًا، فإنه يفتح آفاقا حقيقية لبناء بنك أكثر حداثة وصلابة ومصداقية.

وفي نفس السياق قال وجيه حسين إن المنظومة المعلوماتية الجديدة لا تقتصر أهميتها على الحاضر، بل تمتد إلى المستقبل، إذ تم تصميمها كقاعدة تطورية قابلة للتوسّع، تُبنى عليها لاحقا أدوات ووحدات إضافية، وصولا إلى إدماج حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي. فالذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد مفهوم نظري أو شعار، بل أصبح واقعا، ويكمن التحدي الحقيقي في القدرة على العمل معه بذكاء. وهو ما يقتضي توفر معطيات دقيقة، وإجراءات واضحة، ونظام معلوماتي متين، وهي الأسس التي يسعى البنك إلى إرسائها اليوم.

ويشكّل هذا المشروع، حسب وجيه حسين، فرصة نادرة لإحداث تحول عميق داخل بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، لكنه في الوقت ذاته مشروع يتطلب التزاما جماعيا حقيقيا. فهو لن ينجح لمجرد إدراجه في مخطط زمني أو توفير التمويل اللازم له، بل بنجاح كل فرد في الانخراط فيه بجدية ونزاهة وروح فريق، بما يمكّن البنك من تعزيز دوره التنموي ومواصلة مرافقة المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس على أسس أكثر صلابة ونجاعة.

إسناد خدمات التمويل والمرافقة لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة

وفي تصريح لـ«الصباح»، أكد المدير العام لبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وجيه حسين، أن الدور الأساسي للبنك يتمثل في إسناد خدمات التمويل والمرافقة لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة، باعتبارها ركيزة محورية للاقتصاد الوطني. وأوضح أن البنك، الذي تم إحداثه سنة 2005، لم يكن يتوفر في بداياته على نظام معلوماتي خاص به، حيث تم الاعتماد آنذاك على نظام معلوماتي تابع لبنك آخر، وهو ما استمر العمل به قرابة عشرين سنة. وبيّن أن هذا النظام أصبح اليوم محدود الإمكانيات وغير قادر على مواكبة المتطلبات الحالية، مما دفع إدارة البنك إلى التعامل مع هذا الملف بجدية تامة في إطار رؤية تهدف إلى تحقيق استدامة المؤسسة وتعزيز قدرتها على أداء دورها التنموي، مشددا في ختام تصريحه على أن البنك بات في حاجة ملحّة إلى نظام معلوماتي خاص به، حديث وملائم لطبيعة مهامه وتحديات المرحلة المقبلة.

وفي سياق تصريحه، أفاد وجيه حسين أن نحو 67 بالمائة من تدخلات البنك التمويلية موجهة مباشرة لدعم المشاريع في مناطق التنمية الجهوية، في خطوة تؤكد التزامه بالمساهمة في تعزيز التنمية الاقتصادية المتوازنة على مستوى جميع جهات البلاد.

وأوضح أنه في سنة 2018 تم، بمجهود جماعي، مراجعة سياسة التصرّف الحذر وسياسة الإقراض المعتمدة، وهو ما أفضى إلى تحسين ملحوظ في جودة محفظة المشاريع الممولة. وأضاف أن نسبة المشاريع التي تواجه صعوبات لا تتجاوز اليوم 25 بالمائة، وهي نسبة اعتبرها مهمة وإيجابية مقارنة بالسابق، مبرزا أن بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يُعدّ المؤسسة البنكية الوحيدة على المستوى البنكي التي تحقق هذه النتائج في هذا المجال، بما يعكس نجاعة الخيارات المعتمدة ودور البنك في دعم الاستثمار والتنمية الجهوية.

ترسيخ معاملات البنك على أسس من الوضوح والمصداقية

وقال إن البنك يعمل على ترسيخ معاملاته مع المؤسسات الصغرى والمتوسطة على أسس من الوضوح والمصداقية، بما يساهم في تعزيز الثقة المتبادلة وتوطيد علاقة الشراكة مع الحرفاء. وأوضح أن إطلاق المنظومة المعلوماتية الجديدة للبنك يندرج ضمن رؤية استراتيجية تقوم على ثلاثة أبعاد أساسية؛ يتمثل البعد الأول في معالجة النقائص الهيكلية القديمة التي حدّت سابقا من نجاعة الأداء، بينما يهدف البعد الثاني إلى إصلاح الوضع القائم وتحقيق نقلة نوعية في مستوى الخدمات المقدمة، سواء على مستوى السرعة أو الجودة أو المتابعة. أما البعد الثالث، فيتعلق برؤية البنك المستقبلية، حيث تمثل هذه المنظومة المعلوماتية قاعدة أساسية لما يطمح إليه بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة من تطور، وحداثة، وقدرة أكبر على مواكبة حاجيات المؤسسات ودعم استدامتها ونموها على المدى المتوسط والبعيد.

كما أفاد وجيه حسين، بأن البنك شرع رسميا في تركيز منظومة معلوماتية جديدة، في إطار مشروع استراتيجي يهدف إلى تحديث آليات العمل والارتقاء بجودة الخدمات المسداة. وأوضح أن هذا المشروع يحظى بتمويل قدره 400 ألف دولار في شكل هبة مقدّمة من الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، على أن يتم استكمال مخطط التمويل بدعم من عدد من هياكل الدولة. وأكد أن هذه المبادرة تندرج ضمن رؤية شاملة لتعزيز الحوكمة والشفافية وتحسين الإحاطة والتمويل لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة، بما يدعم استدامة البنك وقدرته على أداء دوره التنموي على المدى المتوسط والبعيد.

المنظومة المعلوماتية الجديدة للبنك تدخل حيّز الاستغلال في غضون سنة واحدة

وأوضح المدير العام لبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، أن المنظومة المعلوماتية الجديدة للبنك من المنتظر أن تدخل حيّز الاستغلال في غضون سنة واحدة، وفق مخطط زمني دقيق ينقسم إلى مرحلتين أساسيتين. وأفاد أن المرحلة الأولى، التي تمتد على مدى ستة أشهر، ستُخصّص لمعالجة الإشكاليات التقليدية المرتبطة بالأنظمة المعمول بها حاليا، بما يشمل تبسيط الإجراءات، وتحسين مسارات العمل، ومعالجة النقائص التقنية والتنظيمية المتراكمة. وأضاف أن المرحلة الثانية، والتي تمتد بدورها على ستة أشهر، ستُعنى بتركيز المنظومة المعلوماتية الجديدة فعليا، إلى جانب عملية ترحيل البيانات بشكل آمن ومنظّم، بما يضمن استمرارية العمل ودقة المعطيات. وأكد المدير العام أن البنك سيعمل، في مرحلة لاحقة، على معالجة خصوصيات بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، نظرا لطبيعة مهامه التنموية ودوره في الإحاطة والتمويل، مشددا على أن هذا المسار يتطلب حيزا زمنيا هاما لضمان جودة التنفيذ ونجاعة النتائج المرجوة، وتحقيق منظومة معلوماتية متكاملة قادرة على دعم استدامة البنك وتطوير خدماته على المدى الطويل.

كما أكد أن المنظومة المعلوماتية الجديدة التي شرع البنك في تركيزها تمثل «قاطرة أساسية» لمختلف المشاريع الرقمية التي يعتزم البنك إطلاقها خلال المرحلة المقبلة. وأوضح أن هذه المنظومة ستشكّل الحلقة المركزية التي ستربط بين بقية المنظومات والتطبيقات التي سيتم اعتمادها لاحقا، على غرار منظومة تقييم ودراسة ملفات القروض، والتي سيتم تطويرها بالاعتماد على آليات الذكاء الاصطناعي. وبيّن أن هذا التوجه سيمكن من تحسين جودة تحليل الملفات، ودعم اتخاذ القرار، وتسريع آجال معالجة مطالب التمويل، مع تعزيز الشفافية والموضوعية في تقييم المشاريع. وأضاف أن الاستثمار في هذه المنظومة لا يقتصر على الجانب التقني فحسب، بل يندرج ضمن رؤية استراتيجية تهدف إلى إرساء بنك عصري وقادر على مواكبة التطورات التكنولوجية، بما يخدم بشكل أفضل المؤسسات الصغرى والمتوسطة ويدعم دورها في دفع النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل.

المنظومة المعلوماتية الجديدة لدعم الشركات الصغرى والمتوسطة والناشئة

من جانبه أفاد خالد تريكي، مدير عام شركة متخصصة في المنظومات المعلوماتية للمؤسسات المالية، في تصريح لـ«الصباح» أن شركته تمتلك منظومة معلوماتية متطورة تعمل حاليا مع البريد التونسي، الذي يحتل المرتبة الـ46 عالميا من بين 196 دولة، والأولى عربيا وإفريقيا. وأوضح أن هذا النجاح يعود بالأساس إلى كفاءة المسؤولين والعاملين في البريد التونسي، حيث تمكنت المنظومة المعلوماتية من إدارة جميع العمليات البنكية تقريبا باستثناء قروض التمويل. وأضاف تريكي أن شركته طورت أيضا منظومة معلوماتية مع بنك التضامن التونسي، وأنها تعمل حاليا على مشروع جديد مع بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، في إطار جهودها لدعم تحديث الأنظمة البنكية وتعزيز نجاعة الخدمات المالية المقدمة للمؤسسات والعملاء.

وأكد خالد تريكي أن مشروع المنظومة المعلوماتية الجديدة مع بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يهدف بالأساس إلى دعم الشركات الصغرى والمتوسطة والناشئة، من خلال تحسين جودة الخدمات وتسريع وتيرة التمويل والإحاطة بالمشاريع. وأضاف أن الالتزام الزمني لتنفيذ هذا المشروع سيكون خلال سنة واحدة، مؤكدا أن نجاح هذا المسار سيكون خطوة مهمة نحو تحديث البنك وتعزيز قدرته على مواكبة حاجيات المؤسسات الصغرى والمتوسطة بكفاءة أكبر، بما يسهم في دعم الابتكار والنمو الاقتصادي في تونس.

وللتذكير، تلعب المؤسسات الصغرى والمتوسطة دورا مهما في الاقتصاد التونسي حيث تمثل حوالي 90 بالمائة من النسيج الاقتصادي وتوفر حوالي 80 بالمائة من فرص العمل، ومع ذلك فهي تواجه مجموعة من التحديات تتعلق أهمها بالنفاذ إلى التمويل.

جهاد الكلبوسي