إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تشمل إعادة هيكلة المؤسسات وسنّ التشريعات.. 2026.. سنة الحسم في الإصلاحات الكبرى

مع بدء العدّ التنازلي لسنة 2026، تتقدم الدولة نحو مرحلة جديدة تبدو أكثر حسما في تفعيل جملة الإصلاحات الكبرى والمواصلة على نفس الدرب في سنّ تشريعات ترتقي إلى متطلبات الدولة الحديثة. فالمؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تعكس أن السنة القادمة ستكون محطة مفصلية لتفعيل واستئناف مسارات الإصلاحات الكبرى التي وضعها رئيس الجمهورية قيس سعيّد كإطار لإعادة ترتيب أولويات الدولة وإعادة بناء منظوماتها المؤسساتية.

فبحلول سنة 2026، يُتوقع أن يتقدم تنفيذ هذه الإصلاحات لتشكّل ما يشبه عقدا اجتماعيا جديدا، حيث يتقاطع السياسي بالاقتصادي، والتشريعي بالمؤسساتي، في إطار مشروع شامل يرمي إلى إعادة تأسيس الدولة على قواعد أكثر صلابة وفاعلية وعدالة. فالمرحلة الراهنة هي بمثابة ورشة إعادة بناء تتجسّد في مسارات متوازية، ستنطلق بإعادة هيكلة المؤسسات العمومية التي مثّلت لسنوات عبئا على المالية العمومية. ولا تتوقف المسارات عند حدود بلورة رؤية سياسية جديدة عبر الانتخابات البلدية والجهوية، وإنما ستطال أيضا إصلاح قطاعات جوهرية على غرار إصلاح التربية والتعليم والإدارة ومنظومات الإنتاج.

ويأتي هذا المسار متناغما في جوهره مع رؤية رئيس الجمهورية قيس سعيّد التي أشار إليها في عديد المحطات والتي تقوم على استعادة دور الدولة في القطاعات السيادية، وضمان جودة واستدامة المرافق الكبرى التي تمسّ مباشرة حياة المواطن اليومية. وفي هذا الخصوص، أعلنت مؤخرا رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري أنّ الحكومة ستعمل على تنفيذ برنامج إعادة هيكلة المنشآت العمومية. واعتبرت في كلمتها خلال جلسة عامة مشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم – لعرض ومناقشة مشروع قانون المالية ومشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2026 – أنه أصبح من الضروري التقليص في عدد من المؤسسات والهياكل العمومية التي استنزفت أموال المجموعة الوطنية دون جدوى من وجودها، معتبرة أن دمجها أصبح ضرورة. ويؤشر ذلك إلى أن الدولة تتجه نحو معالجة ملف ظلّ لسنوات مؤجّلًا على اعتبار أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد لطالما شدد في عديد المناسبات على ضرورة إعادة ترميم العمود الفقري للاقتصاد التونسي، في إشارة إلى المرفق العمومي، حتى يتحول من عبء إلى عنصر قوة وفاعلية.

وإذا كان إصلاح المؤسسات يمثل المدخل الحقيقي لإعادة إنعاش الاقتصاد واستعادة توازناته، فإنه أيضا يمثل بوابة لإطلاق إصلاحات أخرى تقترن به مباشرة على غرار تحسين مناخ الحوكمة واستعادة قدرة الدولة على إدارة قطاعاتها الحيوية، وهو ما يجعل هذه الخطوة جزءا من بناء منظومة اقتصادية تستعيد روح المبادرة والنجاعة.

ومن جانب آخر، ولأن الإصلاح الاقتصادي لا يكتمل دون مراجعة الإطار القانوني، فإن توجه الدولة في المرحلة القادمة يرتكز على بعد آخر لا يقل أهمية يتمثل في الإصلاح التشريعي الذي يعتبر حجر الأساس في توجه رئيس الدولة قيس سعيّد.

بناء إطار قانوني

فالبرلمان، وعلى مدار الأشهر الأخيرة، كان في قلب عملية إعادة تأسيس تشريعي تتقاطع مع رؤية رئيس الجمهورية التي شددت دائما على أن الدولة لا يمكن أن تتقدم بقوانين بالية وتشريعات لا تستجيب للتحولات الاقتصادية والاجتماعية، ولاسيما فيما يتعلق بتجسيم مبدأ العدالة الاجتماعية.

ومن هذا المنطلق، أصبحت المشاريع المصادق عليها أو المطروحة للنقاش مستقبلا موجّهة إلى إعادة تنظيم الشأن السياسي، وهيكلة الإدارة، وتحسين مناخ الاستثمار، وتطوير آليات الرقابة، وبناء قواعد حكم جديدة تقوم على الشفافية والمساءلة. وهكذا بات التشريع امتدادا طبيعيا لباقي الإصلاحات، فكل خطوة في إعادة هيكلة المؤسسات أو إصلاح التعليم أو تطوير منظومة الإنتاج تحتاج إطارا قانونيا يجعلها قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

ومن المتوقع أن تكون سنة 2026 امتدادا طبيعيا للمسار التشريعي الذي انطلق خلال السنتين الماضيتين، حيث ستتقدم الدولة نحو مراجعة عدد من القوانين الأساسية التي تشكّل الإطار المنظم للحياة العامة. فالرؤية التي يشدد عليها رئيس الجمهورية قيس سعيّد تقوم على ضرورة تحديث المنظومة التشريعية حتى تنسجم مع المرحلة الجديدة، عبر وضع أطر قانونية قادرة على مواكبة جملة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. وهكذا تتحول السنة القادمة إلى محطة مفصلية لترسيخ الترسانة القانونية والتشريعية للدولة، بما يضمن انسجام النصوص مع التوجهات الكبرى للإصلاح.

الإصلاح التربوي… حجر الأساس

ومع المواصلة في استكمال المسار التشريعي، ينفتح المجال لورشة أخرى تعتبر حجر الأساس والمفتاح الرئيسي لأي عملية بناء، ورشة محورية تتجاوز مراجعة البرامج والهياكل لتلامس هيكلا هاما يعتبر استثمارا مباشرا في الأجيال القادمة. وفي هذا الخضم يكتسي تركيز المجلس الأعلى للتربية أهمية خاصة، باعتباره المشروع الذي أقره رئيس الدولة قيس سعيّد والإطار الوطني الذي سيشرف على صياغة الخيارات الكبرى وضبط توجهات إصلاح المدرسة التونسية، وضمان استدامة السياسات التربوية بعيدًا عن أي تجاذبات سياسية.

ويعد ملف الإصلاح التربوي من بين الملفات التي يراهن عليها رئيس الجمهورية قيس سعيّد، فلدى استقباله عديد المرات وزير التربية أو رئيسة الحكومة يشدد رئيس الدولة على الدور الريادي للتعليم بوصفه البوابة الأولى لبناء مجتمع قوي وقادر على مواجهة تحديات المستقبل. ولهذا، فإن إصلاح المنظومة التربوية لا يندرج في سياق ظرفي أو استجابة لأزمة قطاعية، بل كجزء من رؤية الدولة في أعلى هرمها، التي تعتبر أن المدرسة ليست فقط فضاء للتدريس، بل مؤسسة لإعادة تشكيل الوعي الوطني وإنتاج المعرفة والكفاءة.

وفي ظل هذا التمشي، تتجه الإصلاحات إلى إعادة النظر في البرامج والمحتويات، وتطوير أساليب التدريس، ورقمنة الإدارة، فضلا عن إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية، وربط التعليم بسوق الشغل وبحاجيات الاقتصاد الجديد.

إصلاح منظومات الإنتاج

ومن الرهان على المدرسة العمومية في نحت جيل الغد إلى المصانع والحقول والأسواق، يصبح إصلاح منظومات الإنتاج ضرورة ملحّة لاستعادة التوازن الاقتصادي. فمنذ سنوات، عانت تونس من ضعف القدرة الإنتاجية ومن تراجع تنافسية القطاعات التقليدية. وبالتالي، فإن توجه الدولة اليوم يقوم على إعادة تحرير طاقات الإنتاج عبر إصلاحات عميقة تشمل الفلاحة والصناعة والخدمات.

ولا يمكن فصل هذا التوجه عن إعادة هيكلة المؤسسات أو الإصلاح التشريعي، فكلها حلقات مترابطة تعيد للدولة قدرتها على التخطيط، وللاقتصاد فعاليته، وللمواطن ثقته في مستقبل أفضل.

المعركة ضد البيروقراطية

ولأن كل هذه الجهود لن تأتي أكلها دون إدارة سريعة، عصرية وحديثة، باعتبارها الآلية التي من شأنها ترجمة السياسات على أرض الواقع، فقد أصبح إصلاح الإدارة اليوم ضرورة ملحة لتعزيز النجاعة، وتبسيط الإجراءات، وتمكين الدولة من تنفيذ رؤيتها الإصلاحية دون تعثّر.

وفي هذا الاتجاه أكد رئيس الجمهورية قيس سعيّد في عديد المناسبات أن الإدارة يجب أن تكون في خدمة المواطن، وأن البيروقراطية تظل أحد أكبر الأسباب المعطلة لسير الإصلاحات. ولهذا، فإن إصلاح الإدارة يمثل اليوم معركة حقيقية لا تقل أهمية عن إصلاح الاقتصاد أو التعليم.

ويقوم التوجه الراهن للإصلاح الإداري على تعميم الرقمنة وتبسيط الإجراءات، والقضاء على كل الإجراءات المكبلة والتعقيدات الإدارية التي عطّلت الاستثمار، بما يجعل الإدارة شريكًا في الإصلاح وليس جزءًا من الأزمة.

وفي انتظار تفعيل هذا المسار الإصلاحي المتكامل، تبرز محطة حاسمة تتمثل في تنظيم الانتخابات البلدية والجهوية القادمة. فالمحطة الانتخابية القادمة لا تمثل مجرد استحقاق دوري، بل هي حلقة مفصلية في استكمال المشروع السياسي للدولة في أعلى هرمها، والذي يقوم على نقل القرار إلى المواطن، وتوزيع السلطة على الجهات، وإرساء مجالس محلية وجهوية تمثل ركائز الحكم الجديد.

وبذلك تتقاطع الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية مع هندسة سياسية جديدة تمنح المواطن دورا مركزيا في الرقابة وصنع القرار.

سنة الإصلاحات الكبرى

وتبدو سنة 2026 سنة الإصلاحات الكبرى، وسنة القرارات التي لن يكون تأثيرها ظرفيا، وإنما سيحدد توجه الدولة في السنوات القادمة. فإعادة هيكلة المؤسسات، والمواصلة في تجديد المنظومة التشريعية، وإصلاح المدرسة والإدارة وتنظيم الانتخابات المحلية والجهوية ليست ملفات منفصلة أو مبادرات متفرقة، بل حلقات مترابطة تُجسّد في جوهرها رؤية رئيس الجمهورية لإرساء دولة ترتكز إلى آليات العدالة الاجتماعية، وقادرة على مواجهة التحديات، لتكون بذلك سنة 2026 سنة تثبيت وصياغة مسار إصلاحي شامل.

منال حرزي

 تشمل إعادة هيكلة المؤسسات وسنّ التشريعات..   2026.. سنة الحسم في الإصلاحات الكبرى

مع بدء العدّ التنازلي لسنة 2026، تتقدم الدولة نحو مرحلة جديدة تبدو أكثر حسما في تفعيل جملة الإصلاحات الكبرى والمواصلة على نفس الدرب في سنّ تشريعات ترتقي إلى متطلبات الدولة الحديثة. فالمؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تعكس أن السنة القادمة ستكون محطة مفصلية لتفعيل واستئناف مسارات الإصلاحات الكبرى التي وضعها رئيس الجمهورية قيس سعيّد كإطار لإعادة ترتيب أولويات الدولة وإعادة بناء منظوماتها المؤسساتية.

فبحلول سنة 2026، يُتوقع أن يتقدم تنفيذ هذه الإصلاحات لتشكّل ما يشبه عقدا اجتماعيا جديدا، حيث يتقاطع السياسي بالاقتصادي، والتشريعي بالمؤسساتي، في إطار مشروع شامل يرمي إلى إعادة تأسيس الدولة على قواعد أكثر صلابة وفاعلية وعدالة. فالمرحلة الراهنة هي بمثابة ورشة إعادة بناء تتجسّد في مسارات متوازية، ستنطلق بإعادة هيكلة المؤسسات العمومية التي مثّلت لسنوات عبئا على المالية العمومية. ولا تتوقف المسارات عند حدود بلورة رؤية سياسية جديدة عبر الانتخابات البلدية والجهوية، وإنما ستطال أيضا إصلاح قطاعات جوهرية على غرار إصلاح التربية والتعليم والإدارة ومنظومات الإنتاج.

ويأتي هذا المسار متناغما في جوهره مع رؤية رئيس الجمهورية قيس سعيّد التي أشار إليها في عديد المحطات والتي تقوم على استعادة دور الدولة في القطاعات السيادية، وضمان جودة واستدامة المرافق الكبرى التي تمسّ مباشرة حياة المواطن اليومية. وفي هذا الخصوص، أعلنت مؤخرا رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري أنّ الحكومة ستعمل على تنفيذ برنامج إعادة هيكلة المنشآت العمومية. واعتبرت في كلمتها خلال جلسة عامة مشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم – لعرض ومناقشة مشروع قانون المالية ومشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2026 – أنه أصبح من الضروري التقليص في عدد من المؤسسات والهياكل العمومية التي استنزفت أموال المجموعة الوطنية دون جدوى من وجودها، معتبرة أن دمجها أصبح ضرورة. ويؤشر ذلك إلى أن الدولة تتجه نحو معالجة ملف ظلّ لسنوات مؤجّلًا على اعتبار أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد لطالما شدد في عديد المناسبات على ضرورة إعادة ترميم العمود الفقري للاقتصاد التونسي، في إشارة إلى المرفق العمومي، حتى يتحول من عبء إلى عنصر قوة وفاعلية.

وإذا كان إصلاح المؤسسات يمثل المدخل الحقيقي لإعادة إنعاش الاقتصاد واستعادة توازناته، فإنه أيضا يمثل بوابة لإطلاق إصلاحات أخرى تقترن به مباشرة على غرار تحسين مناخ الحوكمة واستعادة قدرة الدولة على إدارة قطاعاتها الحيوية، وهو ما يجعل هذه الخطوة جزءا من بناء منظومة اقتصادية تستعيد روح المبادرة والنجاعة.

ومن جانب آخر، ولأن الإصلاح الاقتصادي لا يكتمل دون مراجعة الإطار القانوني، فإن توجه الدولة في المرحلة القادمة يرتكز على بعد آخر لا يقل أهمية يتمثل في الإصلاح التشريعي الذي يعتبر حجر الأساس في توجه رئيس الدولة قيس سعيّد.

بناء إطار قانوني

فالبرلمان، وعلى مدار الأشهر الأخيرة، كان في قلب عملية إعادة تأسيس تشريعي تتقاطع مع رؤية رئيس الجمهورية التي شددت دائما على أن الدولة لا يمكن أن تتقدم بقوانين بالية وتشريعات لا تستجيب للتحولات الاقتصادية والاجتماعية، ولاسيما فيما يتعلق بتجسيم مبدأ العدالة الاجتماعية.

ومن هذا المنطلق، أصبحت المشاريع المصادق عليها أو المطروحة للنقاش مستقبلا موجّهة إلى إعادة تنظيم الشأن السياسي، وهيكلة الإدارة، وتحسين مناخ الاستثمار، وتطوير آليات الرقابة، وبناء قواعد حكم جديدة تقوم على الشفافية والمساءلة. وهكذا بات التشريع امتدادا طبيعيا لباقي الإصلاحات، فكل خطوة في إعادة هيكلة المؤسسات أو إصلاح التعليم أو تطوير منظومة الإنتاج تحتاج إطارا قانونيا يجعلها قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

ومن المتوقع أن تكون سنة 2026 امتدادا طبيعيا للمسار التشريعي الذي انطلق خلال السنتين الماضيتين، حيث ستتقدم الدولة نحو مراجعة عدد من القوانين الأساسية التي تشكّل الإطار المنظم للحياة العامة. فالرؤية التي يشدد عليها رئيس الجمهورية قيس سعيّد تقوم على ضرورة تحديث المنظومة التشريعية حتى تنسجم مع المرحلة الجديدة، عبر وضع أطر قانونية قادرة على مواكبة جملة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. وهكذا تتحول السنة القادمة إلى محطة مفصلية لترسيخ الترسانة القانونية والتشريعية للدولة، بما يضمن انسجام النصوص مع التوجهات الكبرى للإصلاح.

الإصلاح التربوي… حجر الأساس

ومع المواصلة في استكمال المسار التشريعي، ينفتح المجال لورشة أخرى تعتبر حجر الأساس والمفتاح الرئيسي لأي عملية بناء، ورشة محورية تتجاوز مراجعة البرامج والهياكل لتلامس هيكلا هاما يعتبر استثمارا مباشرا في الأجيال القادمة. وفي هذا الخضم يكتسي تركيز المجلس الأعلى للتربية أهمية خاصة، باعتباره المشروع الذي أقره رئيس الدولة قيس سعيّد والإطار الوطني الذي سيشرف على صياغة الخيارات الكبرى وضبط توجهات إصلاح المدرسة التونسية، وضمان استدامة السياسات التربوية بعيدًا عن أي تجاذبات سياسية.

ويعد ملف الإصلاح التربوي من بين الملفات التي يراهن عليها رئيس الجمهورية قيس سعيّد، فلدى استقباله عديد المرات وزير التربية أو رئيسة الحكومة يشدد رئيس الدولة على الدور الريادي للتعليم بوصفه البوابة الأولى لبناء مجتمع قوي وقادر على مواجهة تحديات المستقبل. ولهذا، فإن إصلاح المنظومة التربوية لا يندرج في سياق ظرفي أو استجابة لأزمة قطاعية، بل كجزء من رؤية الدولة في أعلى هرمها، التي تعتبر أن المدرسة ليست فقط فضاء للتدريس، بل مؤسسة لإعادة تشكيل الوعي الوطني وإنتاج المعرفة والكفاءة.

وفي ظل هذا التمشي، تتجه الإصلاحات إلى إعادة النظر في البرامج والمحتويات، وتطوير أساليب التدريس، ورقمنة الإدارة، فضلا عن إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية، وربط التعليم بسوق الشغل وبحاجيات الاقتصاد الجديد.

إصلاح منظومات الإنتاج

ومن الرهان على المدرسة العمومية في نحت جيل الغد إلى المصانع والحقول والأسواق، يصبح إصلاح منظومات الإنتاج ضرورة ملحّة لاستعادة التوازن الاقتصادي. فمنذ سنوات، عانت تونس من ضعف القدرة الإنتاجية ومن تراجع تنافسية القطاعات التقليدية. وبالتالي، فإن توجه الدولة اليوم يقوم على إعادة تحرير طاقات الإنتاج عبر إصلاحات عميقة تشمل الفلاحة والصناعة والخدمات.

ولا يمكن فصل هذا التوجه عن إعادة هيكلة المؤسسات أو الإصلاح التشريعي، فكلها حلقات مترابطة تعيد للدولة قدرتها على التخطيط، وللاقتصاد فعاليته، وللمواطن ثقته في مستقبل أفضل.

المعركة ضد البيروقراطية

ولأن كل هذه الجهود لن تأتي أكلها دون إدارة سريعة، عصرية وحديثة، باعتبارها الآلية التي من شأنها ترجمة السياسات على أرض الواقع، فقد أصبح إصلاح الإدارة اليوم ضرورة ملحة لتعزيز النجاعة، وتبسيط الإجراءات، وتمكين الدولة من تنفيذ رؤيتها الإصلاحية دون تعثّر.

وفي هذا الاتجاه أكد رئيس الجمهورية قيس سعيّد في عديد المناسبات أن الإدارة يجب أن تكون في خدمة المواطن، وأن البيروقراطية تظل أحد أكبر الأسباب المعطلة لسير الإصلاحات. ولهذا، فإن إصلاح الإدارة يمثل اليوم معركة حقيقية لا تقل أهمية عن إصلاح الاقتصاد أو التعليم.

ويقوم التوجه الراهن للإصلاح الإداري على تعميم الرقمنة وتبسيط الإجراءات، والقضاء على كل الإجراءات المكبلة والتعقيدات الإدارية التي عطّلت الاستثمار، بما يجعل الإدارة شريكًا في الإصلاح وليس جزءًا من الأزمة.

وفي انتظار تفعيل هذا المسار الإصلاحي المتكامل، تبرز محطة حاسمة تتمثل في تنظيم الانتخابات البلدية والجهوية القادمة. فالمحطة الانتخابية القادمة لا تمثل مجرد استحقاق دوري، بل هي حلقة مفصلية في استكمال المشروع السياسي للدولة في أعلى هرمها، والذي يقوم على نقل القرار إلى المواطن، وتوزيع السلطة على الجهات، وإرساء مجالس محلية وجهوية تمثل ركائز الحكم الجديد.

وبذلك تتقاطع الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية مع هندسة سياسية جديدة تمنح المواطن دورا مركزيا في الرقابة وصنع القرار.

سنة الإصلاحات الكبرى

وتبدو سنة 2026 سنة الإصلاحات الكبرى، وسنة القرارات التي لن يكون تأثيرها ظرفيا، وإنما سيحدد توجه الدولة في السنوات القادمة. فإعادة هيكلة المؤسسات، والمواصلة في تجديد المنظومة التشريعية، وإصلاح المدرسة والإدارة وتنظيم الانتخابات المحلية والجهوية ليست ملفات منفصلة أو مبادرات متفرقة، بل حلقات مترابطة تُجسّد في جوهرها رؤية رئيس الجمهورية لإرساء دولة ترتكز إلى آليات العدالة الاجتماعية، وقادرة على مواجهة التحديات، لتكون بذلك سنة 2026 سنة تثبيت وصياغة مسار إصلاحي شامل.

منال حرزي