إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

لمعالجة مشاكل النظافة والخدمات الأساسية.. ضرورة تحمل المسؤولية وإحياء ثقافة المبادرة داخل المؤسسات العمومية

في الوقت الذي يتطلع فيه الجميع إلى أداء ناجع للمرفق العمومي يلمسه المواطن في تفاصيل حياته اليومية، ومع تصاعد النقاش حول مدى قدرة الهياكل الجهوية على الاستجابة السريعة لمشاغل المواطنين، جاء لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد بوزير الداخلية خالد النوري ليضع مجددا النقاط على الحروف فيما يتعلق بدواليب إدارة المرفق العام، حيث بدا واضحا من خلال توجيهات رئيس الدولة قيس سعيّد أن الإشكال يتجاوز في جوهره ندرة الإمكانيات أو تشتت المسؤوليات، وإنما يتعلق بخلل أعمق يتعلق بطريقة تسيير الشأن العام وبمدى التزام المسؤولين بمقتضيات الواجب المهني، خاصة وأن رئيس الجمهورية قيس سعيّد قد تساءل عن السر الذي يجعل التعقيدات تتلاشى فور دعوة المسؤولين لتحمّل مسؤولياتهم، بما يكشف جانبا من البيروقراطية التي تستنفذ الكثير من جهود الدولة دون نتائج ملموسة، ويعيد طرح مسألة النجاعة الإدارية باعتبارها شرطا أساسيا لاستعادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة وهياكلها.

من هذا المنطلق، تحول الحديث عن النظافة والتطهير والإنارة إلى مدخل لتشخيص حالة الإدارة وطرح أسئلة جوهرية حول أولويات الدولة وقدرتها على ضمان استمرارية خدماتها اليومية.

وفي ظل هذا التمشي، تطرق رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال لقائه بوزير الداخلية إلى نقطة هامة مفادها أنه ليس من الطبيعي أن يُطلب من رئيس الجمهورية التدخل لربط منزل بشبكة التطهير، أو إنارة طريق، أو إصلاح جزء من مسلك أو طريق هو محل استياء من قبل المواطنين. فهذه المهام، وفق ما شدد عليه رئيس الدولة قيس سعيّد، هي من صميم عمل المسؤولين الجهويين والمحليين، وهي من البديهيات التي لا ينبغي أن تنتظر تعليمات وتوجيهات مركزية لاتخاذ قرار بشأنها.

وجدير بالذكر أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد عندما تعرض إلى تفاصيل من قبيل الإنارة وطريق مهمل، فقد وضع الإصبع على الداء باعتبار تسيير الإدارة نفسها. إذ لم يعد مسموحا – من وجهة نظره – أن ينتظر المواطن تدخل أعلى هرم الدولة ليعالج ملفًا كان يفترض أن تتم تسويته على مستوى محلي أو جهوي.

خلل لا يعبر فقط عن ضعف في الأداء، بل عن انقطاع في حلقة المسؤولية، وعن غياب ثقافة المبادرة والتدخل الناجع التي كان من الضروري أن تكون حاضرة في ذهن كل مسؤول يتولى خدمة الصالح العام. وهنا تتحول الأمثلة البسيطة التي أشار إليها رئيس الدولة قيس سعيّد إلى مرآة تعكس عمق المعضلة: معضلة إدارة تعتمد على الحملات الظرفية بدل الاستمرارية في القيام بالواجب.

عقلية الاستمرارية

ومن بين الرسائل الجوهرية التي حملها لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد بوزير الداخلية خالد النوري هو أداء المرفق العمومي على مستوى الجهات، باعتبار أن الخوض في «عمليات النظافة» لا يمثل مجرد نقد لواقع النظافة على مستوى عدد من المدن، وإنما هو إشارة إلى ما هو أعمق: وهو ضرورة الانتقال من عقلية الحملات الظرفية المناسباتية إلى عقلية الاستمرارية في الأداء والعطاء خدمة للصالح العام.

فالحملات الظرفية مهما كانت رمزيتها، تظل محدودة زمنيا، بينما يشدد رئيس الدولة قيس سعيّد على رؤية مختلفة تعتبر النظافة والإنارة والتطهير والخدمات الأساسية جزءا من سيرورة عمل دؤوب لا ينقطع.

وهذا الطرح يحمل في طياته نقدا مباشرا لنمط تسيير وإخلالات في إدارة الشأن العام تراكمت على مدار عقود، حيث ترتبط جودة الخدمات العمومية بالمبادرات الظرفية أو بزيارات رسمية مناسباتية، لا بالعمل المؤسساتي الدائم. وهو ما يؤشر إلى طرح جملة من الأسئلة الحارقة على غرار هيكلة البلديات، وأهمية تفعيل آليات متابعة مستمرة مع تفعيل الرقابة اليومية على أشغال المرفق العمومي.

من جهة أخرى، أثار رئيس الدولة قيس سعيّد عبر هذا اللقاء مسألة تعتبر بمثابة الداء العضال الذي تعاني منه مختلف المؤسسات والإدارات العمومية، وهي الذريعة المتكررة التي يرفعها عدد من المسؤولين، من قبيل «كثرة الإجراءات» أو «قلة الإمكانيات»، ليفند رئيس الدولة كل هذه التبريرات متسائلا: «لماذا تختفي التعقيدات وتظهر الإمكانيات فور تدخل رئاسة الجمهورية أو دعوة المسؤولين لتحمّل مسؤولياتهم؟»

وهذا السؤال الجوهري يعيد مجددا فتح ملف البيروقراطية التي تشكّل أحد أكبر التحديات اليوم أمام الجهود التي تبذلها الدولة على مستوى تحسين الخدمات العامة.

فالعجز الإداري لم يعد يتمظهر فقط في كثرة الإجراءات أو في تعطّل نسق المشاريع، بل أصبح يتجلى في أبسط الخدمات التي يفترض أنها لا تحتاج إلا متابعة وتنسيقا وسرعة في اتخاذ القرار في الوقت المناسب.

تونس.. العنوان

فالإشكالية لم تعد مرتبطة فقط بنقص في الموارد والإمكانيات، بل هي تقترن، وفقا لما يستشف من تصريحات رئيس الدولة قيس سعيّد، بمدى وجود إرادة لدى المسؤولين وصناع القرار على المسك فعليا بزمام الأمور من خلال القدرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب، وتطبيق القانون بكل حزم، وتوفير الخدمات الأساسية 

التي لا تحتاج ضرورة إلى ميزانية كبيرة مقابل أثرها المباشر والايجابي على الحياة اليومية للمواطن.

ومن هنا جاءت دعوة رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى ضرورة إعادة ضبط بوصلة المسؤولين حول عنوان واحد: تونس.

وهذه الجملة تتجاوز طابعها الوجداني، لتحمل في عمقها رؤية واضحة لما يجب أن تكون عليه الإدارة. فالعنوان هنا ليس مجرد انتماء جغرافي، بل إنه معيار للأداء واتخاذ القرار، ومرجع لمحاسبة الذات قبل محاسبة الآخر. ومن يخطئ هذا العنوان، وفق تعبير رئيس الجمهورية قيس سعيّد، فهو يخطئ جوهر توجهات الدولة وخياراتها في هذه المرحلة، لأن المسؤول الذي ينشغل بتبرير التأخير بدل تداركه، أو بتكديس الملفات عوض حلّها، لن يكون جزءا من مسار الدولة الجديد الذي يضع الإنجاز والمساءلة في صلب الأولويات.

الشباب قادم..

وليس من قبيل الصدفة أن يربط رئيس الدولة بين هذا العنوان وبين الشباب حين قال: «من أخطأ العنوان أو تشابهت عليه الأسماء فليعلم أن الشباب قادم ولن يخطئ الهدف كما لن يخطئ العنوان». فالشباب، في نظره، ليس مجرد فئة عمرية، بل قوة اقتراح وتغيير قادمة، ونبض مجتمع لم يعد يقبل الأعذار القديمة، ولم يعد مستعدًا لغضّ الطرف عن استهتار إداري أو تبريرات لا تستقيم. وبالتالي تكون المراهنة على الشباب كخيار استراتيجي تتبناه الدولة في أعلى هرمها لإعطاء نفس جديد في مواقع القرار، بما يجعل الأداء الوظيفي اليوم – لا الوعود المتكررة – المعيار الوحيد للبقاء في مواقع المسؤولية والقرار.

فالدولة التي تفتح اليوم واجهة إصلاحات اقتصادية كبرى أو مشاريع وطنية ضخمة، يتعين عليها أن تبدأ أولا بترميم ثقة المواطن في قدراتها على إنجاز الأساسيات والبديهيات. فمن دون إنارة طريق، أو تنظيف حي، أو تبسيط إجراء إداري، لا يمكن إقناع المواطن بأن الدولة قادرة على إدارة مشاريع ضخمة أو دفع عجلة الاستثمار.

وبهذا بدا خطاب رئيس الدولة قيس سعيّد في لقائه بوزير الداخلية كدعوة لإعادة ترتيب الأولويات: فالإصلاح يبدأ من الميدان، من الشارع، من التفاصيل التي يلمسها المواطن في حياته اليومية والتي تُعتبر مقياسًا لمصداقية الدولة.

فاللقاء لم يكن مجرد متابعة تقنية لحملات النظافة أو لطبيعة البنية التحتية، بل كان موعدا لطرح سؤال أساسي: كيف يمكن للدولة أن تستعيد فاعليتها؟ والإجابة التي حملها خطاب رئيس الدولة لم تذهب نحو مزيد من النصوص أو القوانين، بل نحو مساءلة العقليات ومراجعة أساليب العمل وإحياء ثقافة المبادرة داخل الهياكل والمؤسسات العمومية. فالإدارة لا تُقاس بعدد الملفات التي هي قيد الدرس، وإنما بعدد الملفات المنجزة وعدد القرارات المتخذة.

جودة المرفق العمومي تبدأ من الشارع، من الحي، ومن خدمة بسيطة كانت ينبغي أن تُقدّم دون انتظار تعليمات. ومع كل توجيه يصدر من قصر قرطاج، تتكرس قناعة راسخة بأن تونس ليست فقط العنوان الصحيح، بل الوجهة التي يجب ألا يخطئها أي مسؤول بعد اليوم.

منال حرزي

 

لمعالجة مشاكل النظافة والخدمات الأساسية..     ضرورة تحمل المسؤولية وإحياء ثقافة المبادرة داخل المؤسسات العمومية

في الوقت الذي يتطلع فيه الجميع إلى أداء ناجع للمرفق العمومي يلمسه المواطن في تفاصيل حياته اليومية، ومع تصاعد النقاش حول مدى قدرة الهياكل الجهوية على الاستجابة السريعة لمشاغل المواطنين، جاء لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد بوزير الداخلية خالد النوري ليضع مجددا النقاط على الحروف فيما يتعلق بدواليب إدارة المرفق العام، حيث بدا واضحا من خلال توجيهات رئيس الدولة قيس سعيّد أن الإشكال يتجاوز في جوهره ندرة الإمكانيات أو تشتت المسؤوليات، وإنما يتعلق بخلل أعمق يتعلق بطريقة تسيير الشأن العام وبمدى التزام المسؤولين بمقتضيات الواجب المهني، خاصة وأن رئيس الجمهورية قيس سعيّد قد تساءل عن السر الذي يجعل التعقيدات تتلاشى فور دعوة المسؤولين لتحمّل مسؤولياتهم، بما يكشف جانبا من البيروقراطية التي تستنفذ الكثير من جهود الدولة دون نتائج ملموسة، ويعيد طرح مسألة النجاعة الإدارية باعتبارها شرطا أساسيا لاستعادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة وهياكلها.

من هذا المنطلق، تحول الحديث عن النظافة والتطهير والإنارة إلى مدخل لتشخيص حالة الإدارة وطرح أسئلة جوهرية حول أولويات الدولة وقدرتها على ضمان استمرارية خدماتها اليومية.

وفي ظل هذا التمشي، تطرق رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال لقائه بوزير الداخلية إلى نقطة هامة مفادها أنه ليس من الطبيعي أن يُطلب من رئيس الجمهورية التدخل لربط منزل بشبكة التطهير، أو إنارة طريق، أو إصلاح جزء من مسلك أو طريق هو محل استياء من قبل المواطنين. فهذه المهام، وفق ما شدد عليه رئيس الدولة قيس سعيّد، هي من صميم عمل المسؤولين الجهويين والمحليين، وهي من البديهيات التي لا ينبغي أن تنتظر تعليمات وتوجيهات مركزية لاتخاذ قرار بشأنها.

وجدير بالذكر أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد عندما تعرض إلى تفاصيل من قبيل الإنارة وطريق مهمل، فقد وضع الإصبع على الداء باعتبار تسيير الإدارة نفسها. إذ لم يعد مسموحا – من وجهة نظره – أن ينتظر المواطن تدخل أعلى هرم الدولة ليعالج ملفًا كان يفترض أن تتم تسويته على مستوى محلي أو جهوي.

خلل لا يعبر فقط عن ضعف في الأداء، بل عن انقطاع في حلقة المسؤولية، وعن غياب ثقافة المبادرة والتدخل الناجع التي كان من الضروري أن تكون حاضرة في ذهن كل مسؤول يتولى خدمة الصالح العام. وهنا تتحول الأمثلة البسيطة التي أشار إليها رئيس الدولة قيس سعيّد إلى مرآة تعكس عمق المعضلة: معضلة إدارة تعتمد على الحملات الظرفية بدل الاستمرارية في القيام بالواجب.

عقلية الاستمرارية

ومن بين الرسائل الجوهرية التي حملها لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد بوزير الداخلية خالد النوري هو أداء المرفق العمومي على مستوى الجهات، باعتبار أن الخوض في «عمليات النظافة» لا يمثل مجرد نقد لواقع النظافة على مستوى عدد من المدن، وإنما هو إشارة إلى ما هو أعمق: وهو ضرورة الانتقال من عقلية الحملات الظرفية المناسباتية إلى عقلية الاستمرارية في الأداء والعطاء خدمة للصالح العام.

فالحملات الظرفية مهما كانت رمزيتها، تظل محدودة زمنيا، بينما يشدد رئيس الدولة قيس سعيّد على رؤية مختلفة تعتبر النظافة والإنارة والتطهير والخدمات الأساسية جزءا من سيرورة عمل دؤوب لا ينقطع.

وهذا الطرح يحمل في طياته نقدا مباشرا لنمط تسيير وإخلالات في إدارة الشأن العام تراكمت على مدار عقود، حيث ترتبط جودة الخدمات العمومية بالمبادرات الظرفية أو بزيارات رسمية مناسباتية، لا بالعمل المؤسساتي الدائم. وهو ما يؤشر إلى طرح جملة من الأسئلة الحارقة على غرار هيكلة البلديات، وأهمية تفعيل آليات متابعة مستمرة مع تفعيل الرقابة اليومية على أشغال المرفق العمومي.

من جهة أخرى، أثار رئيس الدولة قيس سعيّد عبر هذا اللقاء مسألة تعتبر بمثابة الداء العضال الذي تعاني منه مختلف المؤسسات والإدارات العمومية، وهي الذريعة المتكررة التي يرفعها عدد من المسؤولين، من قبيل «كثرة الإجراءات» أو «قلة الإمكانيات»، ليفند رئيس الدولة كل هذه التبريرات متسائلا: «لماذا تختفي التعقيدات وتظهر الإمكانيات فور تدخل رئاسة الجمهورية أو دعوة المسؤولين لتحمّل مسؤولياتهم؟»

وهذا السؤال الجوهري يعيد مجددا فتح ملف البيروقراطية التي تشكّل أحد أكبر التحديات اليوم أمام الجهود التي تبذلها الدولة على مستوى تحسين الخدمات العامة.

فالعجز الإداري لم يعد يتمظهر فقط في كثرة الإجراءات أو في تعطّل نسق المشاريع، بل أصبح يتجلى في أبسط الخدمات التي يفترض أنها لا تحتاج إلا متابعة وتنسيقا وسرعة في اتخاذ القرار في الوقت المناسب.

تونس.. العنوان

فالإشكالية لم تعد مرتبطة فقط بنقص في الموارد والإمكانيات، بل هي تقترن، وفقا لما يستشف من تصريحات رئيس الدولة قيس سعيّد، بمدى وجود إرادة لدى المسؤولين وصناع القرار على المسك فعليا بزمام الأمور من خلال القدرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب، وتطبيق القانون بكل حزم، وتوفير الخدمات الأساسية 

التي لا تحتاج ضرورة إلى ميزانية كبيرة مقابل أثرها المباشر والايجابي على الحياة اليومية للمواطن.

ومن هنا جاءت دعوة رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى ضرورة إعادة ضبط بوصلة المسؤولين حول عنوان واحد: تونس.

وهذه الجملة تتجاوز طابعها الوجداني، لتحمل في عمقها رؤية واضحة لما يجب أن تكون عليه الإدارة. فالعنوان هنا ليس مجرد انتماء جغرافي، بل إنه معيار للأداء واتخاذ القرار، ومرجع لمحاسبة الذات قبل محاسبة الآخر. ومن يخطئ هذا العنوان، وفق تعبير رئيس الجمهورية قيس سعيّد، فهو يخطئ جوهر توجهات الدولة وخياراتها في هذه المرحلة، لأن المسؤول الذي ينشغل بتبرير التأخير بدل تداركه، أو بتكديس الملفات عوض حلّها، لن يكون جزءا من مسار الدولة الجديد الذي يضع الإنجاز والمساءلة في صلب الأولويات.

الشباب قادم..

وليس من قبيل الصدفة أن يربط رئيس الدولة بين هذا العنوان وبين الشباب حين قال: «من أخطأ العنوان أو تشابهت عليه الأسماء فليعلم أن الشباب قادم ولن يخطئ الهدف كما لن يخطئ العنوان». فالشباب، في نظره، ليس مجرد فئة عمرية، بل قوة اقتراح وتغيير قادمة، ونبض مجتمع لم يعد يقبل الأعذار القديمة، ولم يعد مستعدًا لغضّ الطرف عن استهتار إداري أو تبريرات لا تستقيم. وبالتالي تكون المراهنة على الشباب كخيار استراتيجي تتبناه الدولة في أعلى هرمها لإعطاء نفس جديد في مواقع القرار، بما يجعل الأداء الوظيفي اليوم – لا الوعود المتكررة – المعيار الوحيد للبقاء في مواقع المسؤولية والقرار.

فالدولة التي تفتح اليوم واجهة إصلاحات اقتصادية كبرى أو مشاريع وطنية ضخمة، يتعين عليها أن تبدأ أولا بترميم ثقة المواطن في قدراتها على إنجاز الأساسيات والبديهيات. فمن دون إنارة طريق، أو تنظيف حي، أو تبسيط إجراء إداري، لا يمكن إقناع المواطن بأن الدولة قادرة على إدارة مشاريع ضخمة أو دفع عجلة الاستثمار.

وبهذا بدا خطاب رئيس الدولة قيس سعيّد في لقائه بوزير الداخلية كدعوة لإعادة ترتيب الأولويات: فالإصلاح يبدأ من الميدان، من الشارع، من التفاصيل التي يلمسها المواطن في حياته اليومية والتي تُعتبر مقياسًا لمصداقية الدولة.

فاللقاء لم يكن مجرد متابعة تقنية لحملات النظافة أو لطبيعة البنية التحتية، بل كان موعدا لطرح سؤال أساسي: كيف يمكن للدولة أن تستعيد فاعليتها؟ والإجابة التي حملها خطاب رئيس الدولة لم تذهب نحو مزيد من النصوص أو القوانين، بل نحو مساءلة العقليات ومراجعة أساليب العمل وإحياء ثقافة المبادرة داخل الهياكل والمؤسسات العمومية. فالإدارة لا تُقاس بعدد الملفات التي هي قيد الدرس، وإنما بعدد الملفات المنجزة وعدد القرارات المتخذة.

جودة المرفق العمومي تبدأ من الشارع، من الحي، ومن خدمة بسيطة كانت ينبغي أن تُقدّم دون انتظار تعليمات. ومع كل توجيه يصدر من قصر قرطاج، تتكرس قناعة راسخة بأن تونس ليست فقط العنوان الصحيح، بل الوجهة التي يجب ألا يخطئها أي مسؤول بعد اليوم.

منال حرزي