-وزير الخارجية: الدول الإفريقية مدعوة إلى التمسك بالقانون الدولي حتى تكون المرأة شريكة فاعلة في صنع السلام
-وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن: المنتدى الإفريقي يشكّل منصة قارية هامة لتثمين الإرث الجماعي ومراكمة الجهود المبذولة
على وقع أنغام النشيدين الوطني والإفريقي، ارتفع صباح أمس بمقر الأكاديمية الدبلوماسية الدولية صوت تونس المتجذرة في عمقها الإفريقي والمعتزة بانتمائها للقارة السمراء، وهي تؤكد حضورها الرائد كأرض للتلاقي والحوار والسلام، مرسخة دورها المتنامي في تعزيز السلم والأمن وصياغة مستقبل قاري مشترك.
وذلك من خلال إعطاء إشارة انطلاق أشغال الدورة السادسة للمنتدى الإفريقي رفيع المستوى حول المرأة والسلم والأمن الذي انطلقت فعالياته أمس وتتواصل اليوم، تحت شعار: «25 سنة على قرار مجلس الأمن رقم 1325: تعزيز الدبلوماسية متعددة الأطراف لترسيخ أجندة المرأة والسلم والأمن في إفريقيا في ظل نظام عالمي متغير».
يعقد هذا المنتدى لأول مرة خارج مقر المنظمة الإفريقية، ليعكس المكانة التي تحتلها تونس داخل الفضاء الإفريقي ودورها المتصاعد في تعزيز الدبلوماسية متعددة الأطراف ودعم أجندة المرأة في سياق دولي يتغير إيقاعه بسرعة لافتة.
حضر المنتدى كل من وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، محمد علي النفطي، ووزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، أسماء الجابري، إلى جانب وفود رفيعة المستوى على غرار المبعوثة الخاصة للاتحاد الإفريقي للمرأة والسلم والأمن، ليبيراتا مولا مولا، والرئيسة السابقة لإثيوبيا، سهلورق زودي، والرئيسة السابقة لجمهورية مالاوي، جويس باندا، فضلا عن مختلف ممثلي البعثات الدبلوماسية في بلادنا.
هذا المنتدى، الذي يعقد في تونس لأول مرة، لا يحتفي فقط بمرور ربع قرن على صدور القرار 1325، بل يستعيد روح هذا القرار ليعيد طرح الأسئلة الجوهرية حول موقع المرأة في إدارة الأزمات، وفي صناعة السلام، وفي جعل الدبلوماسية متعددة الأطراف أكثر فعالية وقدرة على مواجهة عالم يتغيّر بوتيرة غير مسبوقة. وقد عكست جملة المداخلات الطابع العفوي للمتدخلين الأفارقة، لتنساب العبارات تلقائية وصادقة، مؤكدة في جوهرها على أهمية التزام إفريقيا بالمرأة والسلم والأمن في عالم يشهد تحولات عميقة.
تونس.. أرض التلاقي
هذا المنتدى الذي أتاح لتونس أن تتحول إلى منصة للنقاش الاستراتيجي وصياغة رؤى جديدة لأجندة المرأة في سياقات السلم والأمن، تولى افتتاح أشغاله وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي، الذي أشار في معرض مداخلته إلى أنه باسم الحكومة التونسية، يثمن عاليا مبادرة الاتحاد الإفريقي ومكتب المبعوثة الخاصة للاتحاد الإفريقي للمرأة والسلم والأمن في تنظيم هذه الدورة على أرض تونس: أرض التلاقي والحضارات، وعقدها لأول مرة خارج مقر المنظمة الإفريقية، قائلا: «يشرفني أن أخاطب هذا الحشد الكريم من ممثلي الدول والمنظمات الإفريقية في وقت تحرص فيه الدولة التونسية بقيادة رئيس الجمهورية قيس سعيّد على إضفاء بعد جديد على علاقات الأخوة والتعاون القائمة مع سائر الدول الإفريقية الشقيقة بناء على إرث نضالي تاريخي مجيد، ومصير مشترك».
وأضاف أن تونس، التي أهدت لإفريقيا اسمها وانخرطت مع أشقائها في مسار مقاومة الاستعمار والتمييز العنصري، وفي جهود دعم السلم والأمن والاستقرار، عازمة اليوم وأكثر من أي وقت مضى على مواصلة العمل بالتعاون والتنسيق مع الدول الإفريقية الشقيقة على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف، للإسهام مع أشقائها الأفارقة في رفع التحديات المتعددة التي تواجهها القارة على مختلف الأصعدة، انطلاقا من قناعة عميقة بوجاهة العمل المشترك على الصعيد الإفريقي وبالشراكة مع سائر المنظمات الدولية والإقليمية المختصة والدول.
وأضاف وزير الخارجية أن هذا اللقاء يندرج في إطار إحياء ذكرى اعتماد القرار 1325 لمجلس الأمن الدولي حول المرأة والسلم والأمن، الذي شكل، عند اعتماده، لحظة تاريخية فتحت آفاقًا جديدة أمام دعم مشاركة المرأة في منظومة السلم والأمن الدوليين ولتجديد التزام القارة بالتعاطي الأمثل مع مجمل قضاياها.
لكن الوزير استدرك ليوضح أن هذا اللقاء يلتئم في ظرف دولي حرج تتقاطع فيه الأزمات ويشهد فيه العالم والقارة بالخصوص مؤشرات مقلقة أمام تنامي بؤر التوتر والنزاعات التي تكون النساء والفتيات أغلب ضحاياها، إلى جانب تراجع الجهود الدولية الرامية للقضاء على الفقر والبرامج الداعمة لحقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية في ظل بروز تحديات وتهديدات جديدة لحقوق المرأة ومكاسبها كالفجوة الرقمية والعنف السيبراني.
وأوضح أن ما نعيشه اليوم في العالم وفي إفريقيا هو اختبار حقيقي لمدى التزامنا بالقرار 1325، والقرارات المكملة له التي تؤكد على حظر استخدام العنف ضد النساء كأداة حرب.
وأضاف وزير الخارجية أننا مدعوون اليوم لتجديد تمسكنا بمقتضيات القانون الدولي والدعوة إلى ضمان احترامه، من خلال تضافر الجهود الخيّرة من أجل أن تكون المرأة شريكا فاعلا في صنع السلام، لا مجرد ضحية للحروب، موضحا أن تحقيق السلم والأمن يتطلب توخي مقاربة استباقية تقوم أساسا على الوقاية، عبر معالجة الأسباب الجذرية مثل عدم المساواة، ومظاهر الفقر التي تولد الإقصاء، فضلا عن تداعيات التغيرات المناخية.
مشددا على أن القرار 1325 ليس مجرد وثيقة دولية ذات طابع دبلوماسي متعدد الأطراف فحسب، بل هو التزام دولي وأممي أخلاقي وإنساني تجاه النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، وخاصة في مناطق النزاع. يتعين متابعة تنفيذه على أرض الواقع وإعطائه ما يستحقه من عناية.
من جانب آخر، أشار وزير الخارجية إلى أن تونس شكّلت منذ استقلالها نموذجا عربيا وإسلاميا وإفريقيا ومتوسطيا متميزا نفتخر به في النهوض بحقوق المرأة، من خلال ما تضمنته مجلة الأحوال الشخصية لسنة 1956 وما تلاها من إصلاحات دستورية وتشريعية ومؤسساتية، وصولا إلى دستور 2022 الذي نصّ بوضوح على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذي أتاح ولأول مرة في تاريخ البلاد وفي منطقتنا تعيين امرأة على رأس الحكومة التونسية، إلى جانب تولي عدد هام من الحقائب الهامة، علاوة على دعم تواجد المرأة في مناصب القرار.
وأضاف أن تونس التي دأبت على المشاركة في عمليات حفظ السلام في العالم وفي إفريقيا منذ سنوات القرن الماضي، تفتخر بالمساهمة القيّمة للمرأة التونسية في هذا الجهد، والتي حظيت بإشادة وتكريم من قبل منظمة الأمم المتحدة.
مبينا أن استضافة أشغال المنتدى اليوم هي مناسبة لتجديد التزام بلادنا بالمضي قدما في تنفيذ القرار 1325 والقرارات التي تلته على المستويين الوطني والدولي، إيمانا منها بحق النساء في الحماية، والوقاية، والمشاركة، والمساءلة، والتعافي في أوقات النزاع، واعترافا بأهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به المرأة في بناء السلم والأمن.
وختم وزير الخارجية كلمته بتوجيه تحية تقدير وإجلال إلى نساء تونس وإفريقيا، وخاصة الكادحات والناشطات في مجال السلم والأمن والتنمية، مثمنا دورهن في تعزيز ركائز استقرار قارتنا إفريقيا، مرددا: «إفريقيا التي نريد، إفريقيا الصامدة، إفريقيا الذكية وإفريقيا التي تتطلّع إلى تحقيق مستقبل أفضل لأبنائها وبناتها».
منصة قارية هامة
من جانب آخر، وخلال كلمتها التي ألقتها بالمناسبة، أشارت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، أسماء الجابري، إلى أن هذا المنتدى الإفريقي يشكّل منصة قارية هامة لتثمين الإرث الجماعي ومراكمة الجهود المبذولة خلال العقدين الماضيين لفائدة المرأة الإفريقية، ومحطّة أساسية للتقييم الموضوعي والنقد البناء، بما يسمح بإعادة النظر في الأدوات والمقاربات وتطويرها باعتماد آليات مبتكرة تُسهم في مزيد النهوض بواقع النساء والفتيات، لا سيّما أمام ما يواجهه العالم والمنطقة من تحديات ورهانات جديدة، ومستجدات على غرار تداعيات التحول الرقمي، والتغيرات المناخية، وتنامي أوجه العنف والتطرف.
تونس انتصرت لنسائها
وأضافت الوزيرة أن نساء تونس ساهمن في بناء دولة الاستقلال ولازلن فاعلات إلى اليوم في مسيرة البناء والتشييد، وتونس انتصرت دائما لنسائها، لا كمحور للسياسات العمومية فحسب، وإنما كشريكات في صناعة الحاضر ورسم المستقبل. وتونس هي موطن لريادة الفعل النسائي على اختلاف تمظهراته وفضاءاته في الريف وفي المدن، وفي جميع المجالات دون استثناء أو تمييز.
وذلك تأكيدا لما يُولِيهِ رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، من حرص على إعلاء مكانة المرأة وضمان حقوقها الدستورية وتأكيد مواقف تونس الثابتة إزاء كل القضايا الإنسانية العادلة، وفي مقدمتها انتصارها المبدئي لقيم العدل والسلام والأمن والمساواة.
فإن تونس تمضي قدما في تنفيذ مضامين القرار 1325، الذي مثّل منذ اعتماده سنة 2000، نقطة تحول في الاعتراف الدولي بالدور الهام للنساء في مسارات الوقاية من النزاعات وتسوية الأزمات وإعادة الإعمار وتعزيز الأمن بمختلف أبعاده.
وقد اعتمدت تونس الخطة الوطنية الأولى للفترة الممتدة بين 2018 و2022، وفق مقاربة تشاركية جمعت مختلف الهياكل الحكومية والجمعيات ذات العلاقة، وانبثقت عنها أربع عشرة خطة قطاعية شملت قطاعات استراتيجية في مجال الدفاع والأمن والدبلوماسية والتربية والصحة.. وشكّل هذا الجهد خطوة هامة على درب مزيد ترسيخ دور النساء التونسيات في مجالات الأمن والسلم.
تطوير الخطة الوطنية الثانية
وأضافت الوزيرة أنه بالاستناد إلى نتائج تقييم الخطة الأولى، فقد تم الانطلاق في إعداد الخطة الوطنية الثانية باعتماد منهجية تشاركية مع مختلف الهياكل الحكومية والجمعيات ذات العلاقة، وحرصنا على تكييف الخطة الجديدة مع التحولات على المستوى الوطني والدولي.
وتهدف الخطة الوطنية الثانية إلى تعزيز المشاركة الفاعلة للمرأة التونسية في القطاعات الأمنية والعسكرية والدبلوماسية والديوانية، ومزيد دعم المشاركة السياسية والعامة للنساء، ودعم صمودهن وأدوارهن في بناء مقومات السلم، وتطوير قدراتهن الوقائية، فضلا عن تعزيز الآليات المؤسسية الداعمة للمساواة والدافعة بدور المرأة في الأمن والسلم والوقاية والحماية من العنف والتمييز وضمان النفاذ إلى العدالة.
الاستدامة الحقيقية للقرار 1325
إن الاستدامة الحقيقية للقرار 1325 لن تتحقق إلا من خلال القيادة المشتركة، والتضامن بين الدول الإفريقية، وتبادل الخبرات، وتوظيف النجاح كرافعة للتقدم الجماعي. وإن تنفيذ القرار 1325 هو خيار استراتيجي يعكس رؤية تشاركية متكاملة لبناء مجتمع أكثر عدلا وشمولا وإنصافا.
وقالت في هذا الشأن: «نحن نؤمن أن السلام يبدأ من الاعتراف بقدرة النساء على التغيير، ومن تعزيز مشاركتهن، ومن حماية حقوقهن، ومن الاستثمار في إمكانياتهن. وكلنا قناعة بأن إفريقيا بكل تنوعها وثرواتها البشرية، قادرة على أن تقدم للعالم نموذجا جديدا للسلام، قائما على الشراكة والعدالة والكرامة الإنسانية.»
لتخلص الوزيرة إلى القول إنه انطلاقا من هذه القناعة الثابتة، يكون التزامنا بأجندة «المرأة والسلام والأمن» التزاما ثابتا ومتواصلا ومرتكزا لجسور جديدة من التعاون والتضامن من أجل إفريقيا أكثر عدالة وإنصافا وإنسانية.
اللقاء كان امتدادا لمداخلات رفيعة المستوى ثمّنت في جوهرها الدور المحوري لتونس في احتضان هذا المنتدى، الذي يجمع بين تعزيز السلم ودعم حضور المرأة في صنع القرار، ويؤكد التزام القارة بإرساء سياسات شاملة تقوم على الشراكة والمساواة والعدالة.
وفي هذا الخصوص، ثمنت المبعوثة الخاصة للاتحاد الإفريقي للمرأة والأمن والسلم، ليبيراتا مولا مولا، خلال كلمتها التي ألقتها بالمناسبة، انعقاد هذا المنتدى بتونس، إلى جانب التزام بلادنا الثابت بتطوير أجندة المرأة والسلم والأمن في إفريقيا، والذي يحظى بتقدير عميق.
وأشارت في الإطار نفسه إلى أن قوة إفريقيا تكمن في التضامن والعمل الجماعي، على اعتبار أن مختلف المؤسسات الإقليمية، والشبكات، وشبكات القائدات النسائية، توفر الأطر والديناميكية اللازمة لضمان أن تستمر أصوات النساء، من المجتمعات المحلية إلى المنصات القارية، في التأثير على السياسات، واتخاذ القرارات، ودفع تنفيذ أجندة المرأة والسلم والأمن.
وجددت المبعوثة الخاصة للاتحاد الإفريقي للمرأة والأمن والسلم ثقتها في أن هذا المنتدى سيحقق نتائج ستكون قابلة للتطبيق، كما سيضع أجندة متجددة للمضي قدما من أجل المرأة والسلم والأمن عبر قارتنا.
أما الرئيسة السابقة لإثيوبيا، سهلورق زودي، فقد أشارت في مداخلتها إلى أنها، بوصفها تعرف تونس جيدا، تعتبرها بمثابة شاهدة على تطور هذا البلد، وخصوصا فيما يتعلق بحقوق المرأة، مشيرة إلى أن تونس تعتبر بلدا رائدا في ظل وجود امرأة على رأس الحكومة.
وفي تصريح للإعلاميين، ثمن المدير الإقليمي بهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية، معز دريد، أهمية هذا المنتدى رفيع المستوى، موضحا أن تونس لها دور رائد وسباق في تمكين المرأة وتفعيل أجندة المرأة والأمن والسلام.
وأكد أن ذلك ينسجم مع تاريخ تونس على المستوى الوطني كدولة ومجتمع وثقافة رائدة في تمكين المرأة، مضيفا «نعتبر تونس رائدة وسباقة وأيضا نموذجا يحتذى به في سائر المنطقة العربية، وسائر القارة الإفريقية والدول النامية بشأن التقدم في حقوق المرأة وتمكينها ومشاركتها المتساوية مع الرجل».
منال حرزي
-وزير الخارجية: الدول الإفريقية مدعوة إلى التمسك بالقانون الدولي حتى تكون المرأة شريكة فاعلة في صنع السلام
-وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن: المنتدى الإفريقي يشكّل منصة قارية هامة لتثمين الإرث الجماعي ومراكمة الجهود المبذولة
على وقع أنغام النشيدين الوطني والإفريقي، ارتفع صباح أمس بمقر الأكاديمية الدبلوماسية الدولية صوت تونس المتجذرة في عمقها الإفريقي والمعتزة بانتمائها للقارة السمراء، وهي تؤكد حضورها الرائد كأرض للتلاقي والحوار والسلام، مرسخة دورها المتنامي في تعزيز السلم والأمن وصياغة مستقبل قاري مشترك.
وذلك من خلال إعطاء إشارة انطلاق أشغال الدورة السادسة للمنتدى الإفريقي رفيع المستوى حول المرأة والسلم والأمن الذي انطلقت فعالياته أمس وتتواصل اليوم، تحت شعار: «25 سنة على قرار مجلس الأمن رقم 1325: تعزيز الدبلوماسية متعددة الأطراف لترسيخ أجندة المرأة والسلم والأمن في إفريقيا في ظل نظام عالمي متغير».
يعقد هذا المنتدى لأول مرة خارج مقر المنظمة الإفريقية، ليعكس المكانة التي تحتلها تونس داخل الفضاء الإفريقي ودورها المتصاعد في تعزيز الدبلوماسية متعددة الأطراف ودعم أجندة المرأة في سياق دولي يتغير إيقاعه بسرعة لافتة.
حضر المنتدى كل من وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، محمد علي النفطي، ووزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، أسماء الجابري، إلى جانب وفود رفيعة المستوى على غرار المبعوثة الخاصة للاتحاد الإفريقي للمرأة والسلم والأمن، ليبيراتا مولا مولا، والرئيسة السابقة لإثيوبيا، سهلورق زودي، والرئيسة السابقة لجمهورية مالاوي، جويس باندا، فضلا عن مختلف ممثلي البعثات الدبلوماسية في بلادنا.
هذا المنتدى، الذي يعقد في تونس لأول مرة، لا يحتفي فقط بمرور ربع قرن على صدور القرار 1325، بل يستعيد روح هذا القرار ليعيد طرح الأسئلة الجوهرية حول موقع المرأة في إدارة الأزمات، وفي صناعة السلام، وفي جعل الدبلوماسية متعددة الأطراف أكثر فعالية وقدرة على مواجهة عالم يتغيّر بوتيرة غير مسبوقة. وقد عكست جملة المداخلات الطابع العفوي للمتدخلين الأفارقة، لتنساب العبارات تلقائية وصادقة، مؤكدة في جوهرها على أهمية التزام إفريقيا بالمرأة والسلم والأمن في عالم يشهد تحولات عميقة.
تونس.. أرض التلاقي
هذا المنتدى الذي أتاح لتونس أن تتحول إلى منصة للنقاش الاستراتيجي وصياغة رؤى جديدة لأجندة المرأة في سياقات السلم والأمن، تولى افتتاح أشغاله وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي، الذي أشار في معرض مداخلته إلى أنه باسم الحكومة التونسية، يثمن عاليا مبادرة الاتحاد الإفريقي ومكتب المبعوثة الخاصة للاتحاد الإفريقي للمرأة والسلم والأمن في تنظيم هذه الدورة على أرض تونس: أرض التلاقي والحضارات، وعقدها لأول مرة خارج مقر المنظمة الإفريقية، قائلا: «يشرفني أن أخاطب هذا الحشد الكريم من ممثلي الدول والمنظمات الإفريقية في وقت تحرص فيه الدولة التونسية بقيادة رئيس الجمهورية قيس سعيّد على إضفاء بعد جديد على علاقات الأخوة والتعاون القائمة مع سائر الدول الإفريقية الشقيقة بناء على إرث نضالي تاريخي مجيد، ومصير مشترك».
وأضاف أن تونس، التي أهدت لإفريقيا اسمها وانخرطت مع أشقائها في مسار مقاومة الاستعمار والتمييز العنصري، وفي جهود دعم السلم والأمن والاستقرار، عازمة اليوم وأكثر من أي وقت مضى على مواصلة العمل بالتعاون والتنسيق مع الدول الإفريقية الشقيقة على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف، للإسهام مع أشقائها الأفارقة في رفع التحديات المتعددة التي تواجهها القارة على مختلف الأصعدة، انطلاقا من قناعة عميقة بوجاهة العمل المشترك على الصعيد الإفريقي وبالشراكة مع سائر المنظمات الدولية والإقليمية المختصة والدول.
وأضاف وزير الخارجية أن هذا اللقاء يندرج في إطار إحياء ذكرى اعتماد القرار 1325 لمجلس الأمن الدولي حول المرأة والسلم والأمن، الذي شكل، عند اعتماده، لحظة تاريخية فتحت آفاقًا جديدة أمام دعم مشاركة المرأة في منظومة السلم والأمن الدوليين ولتجديد التزام القارة بالتعاطي الأمثل مع مجمل قضاياها.
لكن الوزير استدرك ليوضح أن هذا اللقاء يلتئم في ظرف دولي حرج تتقاطع فيه الأزمات ويشهد فيه العالم والقارة بالخصوص مؤشرات مقلقة أمام تنامي بؤر التوتر والنزاعات التي تكون النساء والفتيات أغلب ضحاياها، إلى جانب تراجع الجهود الدولية الرامية للقضاء على الفقر والبرامج الداعمة لحقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية في ظل بروز تحديات وتهديدات جديدة لحقوق المرأة ومكاسبها كالفجوة الرقمية والعنف السيبراني.
وأوضح أن ما نعيشه اليوم في العالم وفي إفريقيا هو اختبار حقيقي لمدى التزامنا بالقرار 1325، والقرارات المكملة له التي تؤكد على حظر استخدام العنف ضد النساء كأداة حرب.
وأضاف وزير الخارجية أننا مدعوون اليوم لتجديد تمسكنا بمقتضيات القانون الدولي والدعوة إلى ضمان احترامه، من خلال تضافر الجهود الخيّرة من أجل أن تكون المرأة شريكا فاعلا في صنع السلام، لا مجرد ضحية للحروب، موضحا أن تحقيق السلم والأمن يتطلب توخي مقاربة استباقية تقوم أساسا على الوقاية، عبر معالجة الأسباب الجذرية مثل عدم المساواة، ومظاهر الفقر التي تولد الإقصاء، فضلا عن تداعيات التغيرات المناخية.
مشددا على أن القرار 1325 ليس مجرد وثيقة دولية ذات طابع دبلوماسي متعدد الأطراف فحسب، بل هو التزام دولي وأممي أخلاقي وإنساني تجاه النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، وخاصة في مناطق النزاع. يتعين متابعة تنفيذه على أرض الواقع وإعطائه ما يستحقه من عناية.
من جانب آخر، أشار وزير الخارجية إلى أن تونس شكّلت منذ استقلالها نموذجا عربيا وإسلاميا وإفريقيا ومتوسطيا متميزا نفتخر به في النهوض بحقوق المرأة، من خلال ما تضمنته مجلة الأحوال الشخصية لسنة 1956 وما تلاها من إصلاحات دستورية وتشريعية ومؤسساتية، وصولا إلى دستور 2022 الذي نصّ بوضوح على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذي أتاح ولأول مرة في تاريخ البلاد وفي منطقتنا تعيين امرأة على رأس الحكومة التونسية، إلى جانب تولي عدد هام من الحقائب الهامة، علاوة على دعم تواجد المرأة في مناصب القرار.
وأضاف أن تونس التي دأبت على المشاركة في عمليات حفظ السلام في العالم وفي إفريقيا منذ سنوات القرن الماضي، تفتخر بالمساهمة القيّمة للمرأة التونسية في هذا الجهد، والتي حظيت بإشادة وتكريم من قبل منظمة الأمم المتحدة.
مبينا أن استضافة أشغال المنتدى اليوم هي مناسبة لتجديد التزام بلادنا بالمضي قدما في تنفيذ القرار 1325 والقرارات التي تلته على المستويين الوطني والدولي، إيمانا منها بحق النساء في الحماية، والوقاية، والمشاركة، والمساءلة، والتعافي في أوقات النزاع، واعترافا بأهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به المرأة في بناء السلم والأمن.
وختم وزير الخارجية كلمته بتوجيه تحية تقدير وإجلال إلى نساء تونس وإفريقيا، وخاصة الكادحات والناشطات في مجال السلم والأمن والتنمية، مثمنا دورهن في تعزيز ركائز استقرار قارتنا إفريقيا، مرددا: «إفريقيا التي نريد، إفريقيا الصامدة، إفريقيا الذكية وإفريقيا التي تتطلّع إلى تحقيق مستقبل أفضل لأبنائها وبناتها».
منصة قارية هامة
من جانب آخر، وخلال كلمتها التي ألقتها بالمناسبة، أشارت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، أسماء الجابري، إلى أن هذا المنتدى الإفريقي يشكّل منصة قارية هامة لتثمين الإرث الجماعي ومراكمة الجهود المبذولة خلال العقدين الماضيين لفائدة المرأة الإفريقية، ومحطّة أساسية للتقييم الموضوعي والنقد البناء، بما يسمح بإعادة النظر في الأدوات والمقاربات وتطويرها باعتماد آليات مبتكرة تُسهم في مزيد النهوض بواقع النساء والفتيات، لا سيّما أمام ما يواجهه العالم والمنطقة من تحديات ورهانات جديدة، ومستجدات على غرار تداعيات التحول الرقمي، والتغيرات المناخية، وتنامي أوجه العنف والتطرف.
تونس انتصرت لنسائها
وأضافت الوزيرة أن نساء تونس ساهمن في بناء دولة الاستقلال ولازلن فاعلات إلى اليوم في مسيرة البناء والتشييد، وتونس انتصرت دائما لنسائها، لا كمحور للسياسات العمومية فحسب، وإنما كشريكات في صناعة الحاضر ورسم المستقبل. وتونس هي موطن لريادة الفعل النسائي على اختلاف تمظهراته وفضاءاته في الريف وفي المدن، وفي جميع المجالات دون استثناء أو تمييز.
وذلك تأكيدا لما يُولِيهِ رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، من حرص على إعلاء مكانة المرأة وضمان حقوقها الدستورية وتأكيد مواقف تونس الثابتة إزاء كل القضايا الإنسانية العادلة، وفي مقدمتها انتصارها المبدئي لقيم العدل والسلام والأمن والمساواة.
فإن تونس تمضي قدما في تنفيذ مضامين القرار 1325، الذي مثّل منذ اعتماده سنة 2000، نقطة تحول في الاعتراف الدولي بالدور الهام للنساء في مسارات الوقاية من النزاعات وتسوية الأزمات وإعادة الإعمار وتعزيز الأمن بمختلف أبعاده.
وقد اعتمدت تونس الخطة الوطنية الأولى للفترة الممتدة بين 2018 و2022، وفق مقاربة تشاركية جمعت مختلف الهياكل الحكومية والجمعيات ذات العلاقة، وانبثقت عنها أربع عشرة خطة قطاعية شملت قطاعات استراتيجية في مجال الدفاع والأمن والدبلوماسية والتربية والصحة.. وشكّل هذا الجهد خطوة هامة على درب مزيد ترسيخ دور النساء التونسيات في مجالات الأمن والسلم.
تطوير الخطة الوطنية الثانية
وأضافت الوزيرة أنه بالاستناد إلى نتائج تقييم الخطة الأولى، فقد تم الانطلاق في إعداد الخطة الوطنية الثانية باعتماد منهجية تشاركية مع مختلف الهياكل الحكومية والجمعيات ذات العلاقة، وحرصنا على تكييف الخطة الجديدة مع التحولات على المستوى الوطني والدولي.
وتهدف الخطة الوطنية الثانية إلى تعزيز المشاركة الفاعلة للمرأة التونسية في القطاعات الأمنية والعسكرية والدبلوماسية والديوانية، ومزيد دعم المشاركة السياسية والعامة للنساء، ودعم صمودهن وأدوارهن في بناء مقومات السلم، وتطوير قدراتهن الوقائية، فضلا عن تعزيز الآليات المؤسسية الداعمة للمساواة والدافعة بدور المرأة في الأمن والسلم والوقاية والحماية من العنف والتمييز وضمان النفاذ إلى العدالة.
الاستدامة الحقيقية للقرار 1325
إن الاستدامة الحقيقية للقرار 1325 لن تتحقق إلا من خلال القيادة المشتركة، والتضامن بين الدول الإفريقية، وتبادل الخبرات، وتوظيف النجاح كرافعة للتقدم الجماعي. وإن تنفيذ القرار 1325 هو خيار استراتيجي يعكس رؤية تشاركية متكاملة لبناء مجتمع أكثر عدلا وشمولا وإنصافا.
وقالت في هذا الشأن: «نحن نؤمن أن السلام يبدأ من الاعتراف بقدرة النساء على التغيير، ومن تعزيز مشاركتهن، ومن حماية حقوقهن، ومن الاستثمار في إمكانياتهن. وكلنا قناعة بأن إفريقيا بكل تنوعها وثرواتها البشرية، قادرة على أن تقدم للعالم نموذجا جديدا للسلام، قائما على الشراكة والعدالة والكرامة الإنسانية.»
لتخلص الوزيرة إلى القول إنه انطلاقا من هذه القناعة الثابتة، يكون التزامنا بأجندة «المرأة والسلام والأمن» التزاما ثابتا ومتواصلا ومرتكزا لجسور جديدة من التعاون والتضامن من أجل إفريقيا أكثر عدالة وإنصافا وإنسانية.
اللقاء كان امتدادا لمداخلات رفيعة المستوى ثمّنت في جوهرها الدور المحوري لتونس في احتضان هذا المنتدى، الذي يجمع بين تعزيز السلم ودعم حضور المرأة في صنع القرار، ويؤكد التزام القارة بإرساء سياسات شاملة تقوم على الشراكة والمساواة والعدالة.
وفي هذا الخصوص، ثمنت المبعوثة الخاصة للاتحاد الإفريقي للمرأة والأمن والسلم، ليبيراتا مولا مولا، خلال كلمتها التي ألقتها بالمناسبة، انعقاد هذا المنتدى بتونس، إلى جانب التزام بلادنا الثابت بتطوير أجندة المرأة والسلم والأمن في إفريقيا، والذي يحظى بتقدير عميق.
وأشارت في الإطار نفسه إلى أن قوة إفريقيا تكمن في التضامن والعمل الجماعي، على اعتبار أن مختلف المؤسسات الإقليمية، والشبكات، وشبكات القائدات النسائية، توفر الأطر والديناميكية اللازمة لضمان أن تستمر أصوات النساء، من المجتمعات المحلية إلى المنصات القارية، في التأثير على السياسات، واتخاذ القرارات، ودفع تنفيذ أجندة المرأة والسلم والأمن.
وجددت المبعوثة الخاصة للاتحاد الإفريقي للمرأة والأمن والسلم ثقتها في أن هذا المنتدى سيحقق نتائج ستكون قابلة للتطبيق، كما سيضع أجندة متجددة للمضي قدما من أجل المرأة والسلم والأمن عبر قارتنا.
أما الرئيسة السابقة لإثيوبيا، سهلورق زودي، فقد أشارت في مداخلتها إلى أنها، بوصفها تعرف تونس جيدا، تعتبرها بمثابة شاهدة على تطور هذا البلد، وخصوصا فيما يتعلق بحقوق المرأة، مشيرة إلى أن تونس تعتبر بلدا رائدا في ظل وجود امرأة على رأس الحكومة.
وفي تصريح للإعلاميين، ثمن المدير الإقليمي بهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية، معز دريد، أهمية هذا المنتدى رفيع المستوى، موضحا أن تونس لها دور رائد وسباق في تمكين المرأة وتفعيل أجندة المرأة والأمن والسلام.
وأكد أن ذلك ينسجم مع تاريخ تونس على المستوى الوطني كدولة ومجتمع وثقافة رائدة في تمكين المرأة، مضيفا «نعتبر تونس رائدة وسباقة وأيضا نموذجا يحتذى به في سائر المنطقة العربية، وسائر القارة الإفريقية والدول النامية بشأن التقدم في حقوق المرأة وتمكينها ومشاركتها المتساوية مع الرجل».