مع الإعلان عن دخول مصنع جديد تابع للمجمع السويدي المتخصص في مكوّنات السلامة والسيارات حيّز الإنتاج في تونس، يتقدم مسار التعاون التونسي–السويدي خطوة نوعية نحو شراكة أكثر ابتكارا وحداثة، شراكة تنفتح على التكنولوجيا والصناعات الذكية والطاقة النظيفة وتعيد رسم ملامح التعاون الثنائي بين البلدين بما يتماشى مع التحولات العالمية الكبرى في مجالي الطاقة والتكنولوجيا.
في هذا الخصوص، اجتمع بحر الأسبوع الجاري - بحضور وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة الثابت شيبوب - وفد عن المجمع السويدي ليقدم في مقر الوزارة عرضا مفصلا حول نشاط المؤسسة في تونس، والإنجازات التي حققتها خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى برامجها الاستثمارية التي تتجه نحو التشغيل الكامل لمصنع جديد يعتمد تقنيات الصناعة 4.0 ويستخدم الطاقة النظيفة ومادة الماغنيزيوم الخفيفة، ليكون بذلك أول مصنع ذكي من نوعه في إفريقيا في مجال تصنيع مقاود السيارات. ليؤكد هذا الاجتماع أن اعتماد تكنولوجيا متقدمة بهذا المستوى يعكس في جوهره استعداد تونس للاندماج الفعلي في مسار الصناعة الذكية التي تشكّل اليوم رهانا مركزيا لكل دولة لتمكينها من الحفاظ على تنافسيتها في الاقتصاد العالمي.
في هذا الصدد، يتجاوز الإعلان عن إنشاء مصنع جديد حدود قطاع مكوّنات السيارات ليطال صورة تونس كشريك صناعي ذي مصداقية. فالمجمع السويدي، المنتشر في 28 دولة عبر 64 موقع إنتاج ويوفر أكثر من 56 ألف موطن شغل، لم يكن ليختار تونس لاحتضان استثمارات جديدة في حال لم تثبت السنوات الماضية قدرة الموارد البشرية والكفاءات التونسية على إدارة عمليات إنتاج دقيقة، مكّنته من تصنيع أربعة ملايين مقود سيارة سنويا موجّهة بالكامل للأسواق الأوروبية. ويمثّل قرار إحداث وحدة جديدة تعمل بالطاقة النظيفة ترجمة لثقة متواصلة تعكس إيمان المؤسسة بأن تونس قادرة على الانتقال من دور موقع الإنتاج إلى دور الشريك التكنولوجي.
شراكات أكثر تطورا وفاعلية..
من جانب آخر، جدير بالذكر أن هذا المشروع يمثل في جوهره امتدادا للزخم الذي تشهده منذ عقود العلاقات التونسية-السويدية، والتي باتت اليوم تتجه نحو شراكات أكثر تطورا وفاعلية في مجالات التكنولوجيا والصناعة النظيفة.
فقد شهدت العلاقات التونسية-السويدية خلال السنوات الأخيرة حيوية غير مسبوقة مدفوعة بإرادة مشتركة لتعميق التعاون الاقتصادي وتوسيع مجالات الشراكة. فقد أسهم الحضور المتنامي للشركات السويدية في تونس، ونجاحها في مختلف القطاعات، في ترسيخ قناعة بأن البلدين يقفان اليوم على عتبة مرحلة جديدة لبلورة شراكة استراتيجية ناجعة.
ومثلت زيارة وزير الخارجية محمد علي النفطي الى السويد في افريل الماضي مناسبة لتعزز هذا المسار، ولتؤكد من جديد رغبة البلدين في الارتقاء بعلاقاتهما إلى مستوى شراكة أكثر اتساعا وعمقا، موضحة أن التواصل المستمر مع المؤسسات السويدية الرائدة في الابتكار والاستدامة يمثل رافعة أساسية لتعزيز التعاون الثنائي، نظرا لما تمتلكه السويد من خبرات عالمية، وما توفره تونس من موقع جغرافي فريد ينفتح على أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط. كما أن عضوية تونس في تكتلات اقتصادية كبرى مثل الكوميسا ومنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية يمنح الشركاء السويديين منفذا مثاليا نحو أسواق واسعة وواعدة، بما يجعل التعاون بين البلدين مرشحا للتوسع بوتيرة أسرع وأنجع في السنوات المقبلة.
انسجام وتطابق..
وتأتي استثمارات المجمع السويدي اليوم لتعيد تأكيد هذا التوجه، إذ تمثل نموذجا عمليا لما يمكن أن يقدمه التعاون الثنائي عندما يُبنى على الثقة والمبادرات طويلة المدى.
فالتوجه السويدي نحو دعم الصناعات الخضراء يتقاطع مع الخيارات التونسية المتقدمة في مجال الانتقال الطاقي. فاعتماد المصنع الجديد على الطاقة النظيفة يندرج في إطار رؤية شاملة تتقاطع فيها مصلحة المؤسسة مع توجهات سياسات الدولة في مجال الطاقات البديلة. وهذا الانسجام والتطابق في الرؤى بين البلدين يفتح الباب أمام توسيع مجالات التعاون على غرار التكنولوجيا النظيفة، بما يجعل من الشراكة الصناعية بين البلدين مسارا واعدا يتجه نحو آفاق أرحب من التعاون.
ويبدو أن تونس بصدد تحويل موقعها الصناعي إلى رافعة استراتيجية جديدة تتيح لها حضورا أقوى داخل الفضاء الأوروبي والإفريقي. فهذه الخطوة من شأنها أن تعزز الثقة في قدرة تونس على مواكبة التحولات التكنولوجية الكبرى، وتمنحها إشعاعا تنافسيا جديدا في استقطاب استثمارات ذات قيمة مضافة عالية. ويمثل -كذلك- دخول المصنع الجديد حيز الإنتاج محطة من محطات بناء صورة تونس الحديثة: دولة تمتلك من الطاقات البشرية والكفاءات والتجربة الصناعية الرائدة ما يجعلها شريكا حقيقيا في الابتكار.
وهكذا، يُستشف من هذا الاستثمار الجديد أن التعاون التونسي–السويدي بصدد الانتقال إلى مستوى نوعي واستراتيجي، أكثر قوة وفاعلية، أين تتقدم فيه التكنولوجيا الخضراء لتصبح الدعامة الرئيسية للتعاون الثنائي، ويصبح الاقتصاد الصناعي أداة قوة تربط البلدين وتؤسس لشراكة مستقبلية متينة بما يفضي إلى استثمار ذكي يختزل رؤية بلدين يؤمنان بأن الصناعة ليست مجرد آلات ومصانع وخطوط إنتاج، بل مشروع حضاري يقوم على المعرفة والتجديد والقدرة على ابتكار غد أكثر التزاما بالتحول الأخضر وأكثر صداقة للبيئة.
منال حرزي
مع الإعلان عن دخول مصنع جديد تابع للمجمع السويدي المتخصص في مكوّنات السلامة والسيارات حيّز الإنتاج في تونس، يتقدم مسار التعاون التونسي–السويدي خطوة نوعية نحو شراكة أكثر ابتكارا وحداثة، شراكة تنفتح على التكنولوجيا والصناعات الذكية والطاقة النظيفة وتعيد رسم ملامح التعاون الثنائي بين البلدين بما يتماشى مع التحولات العالمية الكبرى في مجالي الطاقة والتكنولوجيا.
في هذا الخصوص، اجتمع بحر الأسبوع الجاري - بحضور وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة الثابت شيبوب - وفد عن المجمع السويدي ليقدم في مقر الوزارة عرضا مفصلا حول نشاط المؤسسة في تونس، والإنجازات التي حققتها خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى برامجها الاستثمارية التي تتجه نحو التشغيل الكامل لمصنع جديد يعتمد تقنيات الصناعة 4.0 ويستخدم الطاقة النظيفة ومادة الماغنيزيوم الخفيفة، ليكون بذلك أول مصنع ذكي من نوعه في إفريقيا في مجال تصنيع مقاود السيارات. ليؤكد هذا الاجتماع أن اعتماد تكنولوجيا متقدمة بهذا المستوى يعكس في جوهره استعداد تونس للاندماج الفعلي في مسار الصناعة الذكية التي تشكّل اليوم رهانا مركزيا لكل دولة لتمكينها من الحفاظ على تنافسيتها في الاقتصاد العالمي.
في هذا الصدد، يتجاوز الإعلان عن إنشاء مصنع جديد حدود قطاع مكوّنات السيارات ليطال صورة تونس كشريك صناعي ذي مصداقية. فالمجمع السويدي، المنتشر في 28 دولة عبر 64 موقع إنتاج ويوفر أكثر من 56 ألف موطن شغل، لم يكن ليختار تونس لاحتضان استثمارات جديدة في حال لم تثبت السنوات الماضية قدرة الموارد البشرية والكفاءات التونسية على إدارة عمليات إنتاج دقيقة، مكّنته من تصنيع أربعة ملايين مقود سيارة سنويا موجّهة بالكامل للأسواق الأوروبية. ويمثّل قرار إحداث وحدة جديدة تعمل بالطاقة النظيفة ترجمة لثقة متواصلة تعكس إيمان المؤسسة بأن تونس قادرة على الانتقال من دور موقع الإنتاج إلى دور الشريك التكنولوجي.
شراكات أكثر تطورا وفاعلية..
من جانب آخر، جدير بالذكر أن هذا المشروع يمثل في جوهره امتدادا للزخم الذي تشهده منذ عقود العلاقات التونسية-السويدية، والتي باتت اليوم تتجه نحو شراكات أكثر تطورا وفاعلية في مجالات التكنولوجيا والصناعة النظيفة.
فقد شهدت العلاقات التونسية-السويدية خلال السنوات الأخيرة حيوية غير مسبوقة مدفوعة بإرادة مشتركة لتعميق التعاون الاقتصادي وتوسيع مجالات الشراكة. فقد أسهم الحضور المتنامي للشركات السويدية في تونس، ونجاحها في مختلف القطاعات، في ترسيخ قناعة بأن البلدين يقفان اليوم على عتبة مرحلة جديدة لبلورة شراكة استراتيجية ناجعة.
ومثلت زيارة وزير الخارجية محمد علي النفطي الى السويد في افريل الماضي مناسبة لتعزز هذا المسار، ولتؤكد من جديد رغبة البلدين في الارتقاء بعلاقاتهما إلى مستوى شراكة أكثر اتساعا وعمقا، موضحة أن التواصل المستمر مع المؤسسات السويدية الرائدة في الابتكار والاستدامة يمثل رافعة أساسية لتعزيز التعاون الثنائي، نظرا لما تمتلكه السويد من خبرات عالمية، وما توفره تونس من موقع جغرافي فريد ينفتح على أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط. كما أن عضوية تونس في تكتلات اقتصادية كبرى مثل الكوميسا ومنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية يمنح الشركاء السويديين منفذا مثاليا نحو أسواق واسعة وواعدة، بما يجعل التعاون بين البلدين مرشحا للتوسع بوتيرة أسرع وأنجع في السنوات المقبلة.
انسجام وتطابق..
وتأتي استثمارات المجمع السويدي اليوم لتعيد تأكيد هذا التوجه، إذ تمثل نموذجا عمليا لما يمكن أن يقدمه التعاون الثنائي عندما يُبنى على الثقة والمبادرات طويلة المدى.
فالتوجه السويدي نحو دعم الصناعات الخضراء يتقاطع مع الخيارات التونسية المتقدمة في مجال الانتقال الطاقي. فاعتماد المصنع الجديد على الطاقة النظيفة يندرج في إطار رؤية شاملة تتقاطع فيها مصلحة المؤسسة مع توجهات سياسات الدولة في مجال الطاقات البديلة. وهذا الانسجام والتطابق في الرؤى بين البلدين يفتح الباب أمام توسيع مجالات التعاون على غرار التكنولوجيا النظيفة، بما يجعل من الشراكة الصناعية بين البلدين مسارا واعدا يتجه نحو آفاق أرحب من التعاون.
ويبدو أن تونس بصدد تحويل موقعها الصناعي إلى رافعة استراتيجية جديدة تتيح لها حضورا أقوى داخل الفضاء الأوروبي والإفريقي. فهذه الخطوة من شأنها أن تعزز الثقة في قدرة تونس على مواكبة التحولات التكنولوجية الكبرى، وتمنحها إشعاعا تنافسيا جديدا في استقطاب استثمارات ذات قيمة مضافة عالية. ويمثل -كذلك- دخول المصنع الجديد حيز الإنتاج محطة من محطات بناء صورة تونس الحديثة: دولة تمتلك من الطاقات البشرية والكفاءات والتجربة الصناعية الرائدة ما يجعلها شريكا حقيقيا في الابتكار.
وهكذا، يُستشف من هذا الاستثمار الجديد أن التعاون التونسي–السويدي بصدد الانتقال إلى مستوى نوعي واستراتيجي، أكثر قوة وفاعلية، أين تتقدم فيه التكنولوجيا الخضراء لتصبح الدعامة الرئيسية للتعاون الثنائي، ويصبح الاقتصاد الصناعي أداة قوة تربط البلدين وتؤسس لشراكة مستقبلية متينة بما يفضي إلى استثمار ذكي يختزل رؤية بلدين يؤمنان بأن الصناعة ليست مجرد آلات ومصانع وخطوط إنتاج، بل مشروع حضاري يقوم على المعرفة والتجديد والقدرة على ابتكار غد أكثر التزاما بالتحول الأخضر وأكثر صداقة للبيئة.