إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الروائية المصرية كاميليا عبد الفتاح الحائزة على جائزة أبو القاسم الشابي للرواية لـ «الصباح»: المسابقات الأدبية بمعايير صارمة ولجنة تحكيم جادة تسهم في دفع مسيرة المبدع

-الرواية لها القدرة على إعادة تمثيل تجارب الحياة وتجسيد كيفية اشتباك الذات مع الواقع المجتمعي والإنساني

-التجريب في الرواية العربية ليس غاية الإبداع الفني لكنه يمنح الأديب والفنان مساحة من الحرية للتعبير عن رؤاه

-تونس اليوم تتوفر على أصوات سردية متميزة لها وضعيتها وقيمتها الفنية المؤثرة

 

أصيلة مدينة الإسكندرية المصرية الدكتورة كاميليا عبد الفتاح اختصت في الأدب ومتابعته ونقده من خلال دراسات ومؤلفات متنوعة لها أهميتها في المشهد الأدبي العربي، منها على سبيل الذكر لا الحصر: «مقومات السرد في الشعر الحِكائي»، و»خصائصُ التشكيلِ الفنّي في القصيدة العربية المعاصرة»، و»الشعر العربي القديم. دراسة تحليلية نقدية في ظاهرة الاغترابِ (أبو العلاء المعري نموذجًا)». ولها إصدارات قصصية، وتمثل «أن يتأرجح بك» أول رواية في رصيدها، رواية قادتها إلى التتويج بجائزة أبو القاسم الشابي للبنك التونسي المخصصة للرواية هذا العام. تتويج له نكهة خاصة وهو ما عبّرت عنه في هذا الحوار مع «الصباح»، والذي توقفت فيه أيضًا عند عديد المفاهيم التي لها علاقة بالكتابة السردية اليوم:

*لو نعود إلى بداية العلاقة بالكتابة ماذا نجد في ذاكرتك؟

- حين أعود إلى تلك البدايات أجدُ حلمًا بكتابة لم أطلق سراح حروفها بعد، حلمًا يؤكد لي شعوره بالإجهاد من طول انتظار تحقّقِه.

*جمعتِ في الكتابة بين الشعر والنقد لتكون الرواية محطة جديدة في هذه المسيرة، هل قدر الكاتب البحث دوما عن فضاء يراه المناسب لرسالته الإبداعية؟

-الكاتب يحمل للعالم كلمةً بين جنبيه، تؤرقه حتمية وصولها إليه، فتمضي حياتُه على شاكلة رحلة للبحث عن كيفية التعبير الفني القادرة على خروج هذه الكلمة في هيئة تشبه صورة خلقها الأول كان في ضميره. وحين يكون الأديب ناقدًا في الوقت ذاته فإنه يكون قد حاز على كيفيتين لتوصيل رسالته للعالم: إبداع نصه، ونقد نصوص الآخرين.

*»أن يتأرجح بك» روايتك الطويلة الأولى، هل كان من الضروري الانتظار مدة طويلة لاقتحام عالم السرد؟

-سيندهش القارئُ حين يعرفُ أنّ رحلتي في القراءة بدأت بالروايات العالمية المترجمة، وأنا في المرحلة الإعدادية، بعد انتهاء مرحلة التعلّق بمجلّات ميكي ماوس وألغاز المغامرين الخمسة وغيرها، وكانت هذه القراءة تتسم بالعشوائية والغزارة والاستمرارية دون انقطاع. أما الشعر فقد بدأتُ قراءته في مكتبة مدرستي الثانوية للبنات. ومن المدهش أيضًا أني بدأتُ كتابة القصة القصيرة والشعر في وقت واحد، فنشر لي الأستاذ الشاعر محسن الخياط قصيدتي الأولى «وانتهينا في سكون» في جريدة الجمهورية، ونشر لي الأستاذ محمد جبريل قصتي القصيرة الأولى «سور البترول» في جريدة «المساء».

من ناحية أخرى، أرى كثيرًا من قصائدي، إن لم يكن جميعها، تنتمي إلى «القصة القصيدة». فإذا أضفنا إلى كل ذلك انشغالي الدائم بكتابة السيرة الذاتية، والفن السينمائي، سنرى أن شغفي بالسرد راسخ في ضميري الأدبي، لكنه أعلن عن نفسه بصورة غير مواربة في مجموعتي القصصية «جبال الكحل»، وروايتي للناشئة «العصا السحرية»، ثم في روايتي “أنْ يتأرجح بك».

لقد شغلني النقد، وألقى بغوايته كاملة أمامي إلى حد جعل الوقت غير كافٍ إلا لممارسته، خاصة مع اضطلاعي بتدريسه وتحليل النصوص الأدبية تحليلا جماليا في عدة جامعات في المملكة العربية السعودية.

*كيف جاءت فكرة الترشح لجائزة الشابي بأول رواية لك؟

-أعلن الشاعر الكبير الدكتور المنصف الوهايبي في صفحته عن بدء الترشح لجائزة الشابي للبنك التونسي أكثر من مرة. قرأت التفاصيل في إحداها وفوجئتُ أنها تخص الرواية في هذه الدورة. شعرت برغبة قوية في الترشح، خاصة وأن اسم الدكتور المنصف الوهايبي له تقديره واحترامه في المشهد الثقافي العربي، بما يحتّم الوثوق في رئاسته للجنة التحكيم والاطمئنان إلى نتيجة الترشح أيا كانت. من هنا بدأت تفاصيل الرحلة التي مرّت بكثير من العقبات حتى ظننتُ أنّ المدى الزمني المسموح به سيمضي دون مشاركتي. لكن الله أسعدني رغم كل ذلك بفوز روايتي الأولى بهذه الجائزة التي تستأثر بمكانة وقيمة عربية كبيرة. وهي أول جائزة عربية أحصل عليها، كما أن زيارتي لتونس التي أدهشني جمالها هي أيضًا زيارتي الأولى، من خلال فوزي بجائزة الشابي.

*ماذا يعني التتويج بجائزة الشابي وأي تأثير لذلك على مسيرتك الإبداعية؟

-التتويج يعني في المقام الأول اعترافًا نقديًا رصينًا بتميز الرواية من قبل لجنة تحكيم أكاديمية لها خبرتها وتمرسها في عالم السرد تنظيرًا وتحليلا. فوز الرواية بالجائزة يعني أنها استطاعت أن تثبت أنها صوت إبداعي له نبرته الخاصة ورؤيته وإيقاعه الجمالي. هذه هي الرسالة الكامنة في حدث التتويج، وهي الوقود الذي يمد الكاتب بالقدرة على المضي في أحراش الكتابة بحثًا عن وعول الرؤية.

وأرى في هذه الجائزة محطة مهمة في مسيرتي الأدبية، فهي أول جائزة عربية أفوز بها، بعد أن حصلت على جائزتين مصريتين: جائزة عبد الرحمن الأبنودي لشعر العامية والدراسات النقدية التي تقيمها مكتبة الإسكندرية، عن كتاب «مقومات السرد في الشعر الحِكائي. أحمد سماعين للأبنودي نموذجًا»، الدورة الثانية أفريل 2020.

*إلى أي حد يمكن القول إن المسابقات الأدبية تساهم في تطوير تجربة المبدع؟

-المسابقات الأدبية التي ترتكز إلى معايير صارمة ولجنة تحكيم جادة يمكنها أن تُسهم في دفع مسيرة المبدع إلى المزيد من التميز والحبكة الفنية، لأنها تضعه في مضمار التنافس مع مستويات متباينة من الكتّاب والنصوص، وتجبره من خلال انحيازها للنصوص المتفردة على الارتقاء بأساليبه الجمالية إلى فضاءات مغايرة. المسابقات الجادة أسواق أدبية في صورة جديدة، تلتقي فيها النصوص ببعضها البعض نيابة عن كُتّابها، ويعود كل منها إلى صاحبه بعد أن ينفض الجمعُ محمّلا بخبرة الرحلة، بما يدفع المشهد الأدبي كله، لا تجربة المبدع وحدها، إلى التجدد الدائب.

*كيف بدت لك الرواية في أول لقاء لك بها من خلال «أن يتأرجح بك»؟

-إن الرواية هي الجنس الأدبي الذي يمنح الذات الفردية والمجتمعية أو القومية إمكانية البحث في الهوية والمصير، وإمكانية قراءة تاريخها وتأمل أطوارها الفكرية والروحية، وذلك لامتلاك الرواية القدرة على إعادة تمثيل تجارب الحياة وتجسيد كيفية اشتباك الذات مع الواقع المجتمعي والإنساني عبر طرق فنية وجمالية خاصة بما يمكنها من أن تحمل نبض العصر. وهي من جانب آخر تحقق مبدأ التطهير النفسي من جهة تصويرها للتجربة الإنسانية في بنية معمارية يطالع فيها الفرد حياة تشبه حياته من زاوية ما، وآمالا وآلاما يتماسان بدرجة ما مع ما مر به من هذه المشاعر.

*كأني بك تشيرين إلى أن حضور الذات في النص السردي اليوم ضرورة حتمية؟

-في الرواية يعبر كل منا عن ذاته من خلال التشابه أو الاختلاف مع شخصياتها، ويرى كل منا ما يشبه تجربته الحياتية، ويمتلك فرصة إدراكها على نحو جديد وفرصة القبض على حكمة ما كامنة فيها، من خلال ما يطالع من التجارب الحياتية للشخصيات وما تمر به هذه الشخصيات من أطوار شعورية وفكرية.

*كيف هي الرواية العربية في اللحظة الراهنة، وإلى أي مدى يمكن القول إنها كسبت رهان التأسيس لذائقة جمالية جديدة مبنى ومعنى؟

-الرواية العربية في لحظتنا الراهنة تعبر عن افتقاد الذات الإنسانية لليقين، ومكابدتها لألوان من الاغتراب والتصدع النفسي والفكري، وافتقارها للوحدة الداخلية. وقد عبّرت الرواية عن هذه السمات بتأسيس ذائقة جمالية جديدة، اعتمدت فيها على هجر الحكمة القديمة، وتغيير المنطق التقليدي للحبكة التي كانت تقوم على التراكم والصعود المطّرد للأحداث، فضلًا عن التداخل في مفردات الفضاءين الزماني والمكاني، وتعدد مستويات اللغة، والجرأة في استعمال التراكيب، والتمرد على مبدأ الوضوح تعللا بغموض الذات الإنسانية وغموض العالم ذاته، وغير ذلك من سمات حصرتها في هذا اللقاء.

*إنه عصر التجريب في الرواية العربية، أليس كذلك؟

-التجريب في الرواية العربية اليوم ليس غاية الإبداع الفني، لكنه يمنح الأديب والفنان مساحة من الحرية تسمح لرؤاه أن تظهر بالصورة التي وُلِدت بها من زخم الفكر والشعور.

*ماذا تعرفين عن الكتابة الروائية في تونس؟

-لا أخفي سرًا إذا قلت إن الرواية التونسية المعاصرة استطاعت أن تستقل بشخصيتها الفنية، وأن تحظى بنصيب سخي في قائمة أفضل مائة رواية عربية بدءًا من النصف الأخير من القرن العشرين. من ذلك رباعية «العابرون» للبشير بن سلامة، و»التوت المر» لمحمد العروسي المطوي، و»حدث أبوهريرة قال» لمحمود المسعدي، و»الدقلة في عراجينها» للبشير خريف، و»ليلة السنوات العشر» لمحمد صالح الجابري، وغيرها من أصوات سردية رفيعة توالت على المشهد الراهن، ومنها على سبيل الإشارة لا الحصر: حسونة المصباحي، شكري المبخوت، الحبيب السالمي، آمنة الرميلي، أميرة غنيم، سفيان رجب، شفيق الطارقي، وغير هؤلاء أصوات سردية متميزة لها وضعيتها وقيمتها الفنية المؤثرة.

أجرى الحوار: محسن بن أحمد

 

الروائية المصرية كاميليا عبد الفتاح الحائزة على جائزة أبو القاسم الشابي للرواية لـ «الصباح»:    المسابقات الأدبية بمعايير صارمة ولجنة تحكيم جادة تسهم في دفع مسيرة المبدع

-الرواية لها القدرة على إعادة تمثيل تجارب الحياة وتجسيد كيفية اشتباك الذات مع الواقع المجتمعي والإنساني

-التجريب في الرواية العربية ليس غاية الإبداع الفني لكنه يمنح الأديب والفنان مساحة من الحرية للتعبير عن رؤاه

-تونس اليوم تتوفر على أصوات سردية متميزة لها وضعيتها وقيمتها الفنية المؤثرة

 

أصيلة مدينة الإسكندرية المصرية الدكتورة كاميليا عبد الفتاح اختصت في الأدب ومتابعته ونقده من خلال دراسات ومؤلفات متنوعة لها أهميتها في المشهد الأدبي العربي، منها على سبيل الذكر لا الحصر: «مقومات السرد في الشعر الحِكائي»، و»خصائصُ التشكيلِ الفنّي في القصيدة العربية المعاصرة»، و»الشعر العربي القديم. دراسة تحليلية نقدية في ظاهرة الاغترابِ (أبو العلاء المعري نموذجًا)». ولها إصدارات قصصية، وتمثل «أن يتأرجح بك» أول رواية في رصيدها، رواية قادتها إلى التتويج بجائزة أبو القاسم الشابي للبنك التونسي المخصصة للرواية هذا العام. تتويج له نكهة خاصة وهو ما عبّرت عنه في هذا الحوار مع «الصباح»، والذي توقفت فيه أيضًا عند عديد المفاهيم التي لها علاقة بالكتابة السردية اليوم:

*لو نعود إلى بداية العلاقة بالكتابة ماذا نجد في ذاكرتك؟

- حين أعود إلى تلك البدايات أجدُ حلمًا بكتابة لم أطلق سراح حروفها بعد، حلمًا يؤكد لي شعوره بالإجهاد من طول انتظار تحقّقِه.

*جمعتِ في الكتابة بين الشعر والنقد لتكون الرواية محطة جديدة في هذه المسيرة، هل قدر الكاتب البحث دوما عن فضاء يراه المناسب لرسالته الإبداعية؟

-الكاتب يحمل للعالم كلمةً بين جنبيه، تؤرقه حتمية وصولها إليه، فتمضي حياتُه على شاكلة رحلة للبحث عن كيفية التعبير الفني القادرة على خروج هذه الكلمة في هيئة تشبه صورة خلقها الأول كان في ضميره. وحين يكون الأديب ناقدًا في الوقت ذاته فإنه يكون قد حاز على كيفيتين لتوصيل رسالته للعالم: إبداع نصه، ونقد نصوص الآخرين.

*»أن يتأرجح بك» روايتك الطويلة الأولى، هل كان من الضروري الانتظار مدة طويلة لاقتحام عالم السرد؟

-سيندهش القارئُ حين يعرفُ أنّ رحلتي في القراءة بدأت بالروايات العالمية المترجمة، وأنا في المرحلة الإعدادية، بعد انتهاء مرحلة التعلّق بمجلّات ميكي ماوس وألغاز المغامرين الخمسة وغيرها، وكانت هذه القراءة تتسم بالعشوائية والغزارة والاستمرارية دون انقطاع. أما الشعر فقد بدأتُ قراءته في مكتبة مدرستي الثانوية للبنات. ومن المدهش أيضًا أني بدأتُ كتابة القصة القصيرة والشعر في وقت واحد، فنشر لي الأستاذ الشاعر محسن الخياط قصيدتي الأولى «وانتهينا في سكون» في جريدة الجمهورية، ونشر لي الأستاذ محمد جبريل قصتي القصيرة الأولى «سور البترول» في جريدة «المساء».

من ناحية أخرى، أرى كثيرًا من قصائدي، إن لم يكن جميعها، تنتمي إلى «القصة القصيدة». فإذا أضفنا إلى كل ذلك انشغالي الدائم بكتابة السيرة الذاتية، والفن السينمائي، سنرى أن شغفي بالسرد راسخ في ضميري الأدبي، لكنه أعلن عن نفسه بصورة غير مواربة في مجموعتي القصصية «جبال الكحل»، وروايتي للناشئة «العصا السحرية»، ثم في روايتي “أنْ يتأرجح بك».

لقد شغلني النقد، وألقى بغوايته كاملة أمامي إلى حد جعل الوقت غير كافٍ إلا لممارسته، خاصة مع اضطلاعي بتدريسه وتحليل النصوص الأدبية تحليلا جماليا في عدة جامعات في المملكة العربية السعودية.

*كيف جاءت فكرة الترشح لجائزة الشابي بأول رواية لك؟

-أعلن الشاعر الكبير الدكتور المنصف الوهايبي في صفحته عن بدء الترشح لجائزة الشابي للبنك التونسي أكثر من مرة. قرأت التفاصيل في إحداها وفوجئتُ أنها تخص الرواية في هذه الدورة. شعرت برغبة قوية في الترشح، خاصة وأن اسم الدكتور المنصف الوهايبي له تقديره واحترامه في المشهد الثقافي العربي، بما يحتّم الوثوق في رئاسته للجنة التحكيم والاطمئنان إلى نتيجة الترشح أيا كانت. من هنا بدأت تفاصيل الرحلة التي مرّت بكثير من العقبات حتى ظننتُ أنّ المدى الزمني المسموح به سيمضي دون مشاركتي. لكن الله أسعدني رغم كل ذلك بفوز روايتي الأولى بهذه الجائزة التي تستأثر بمكانة وقيمة عربية كبيرة. وهي أول جائزة عربية أحصل عليها، كما أن زيارتي لتونس التي أدهشني جمالها هي أيضًا زيارتي الأولى، من خلال فوزي بجائزة الشابي.

*ماذا يعني التتويج بجائزة الشابي وأي تأثير لذلك على مسيرتك الإبداعية؟

-التتويج يعني في المقام الأول اعترافًا نقديًا رصينًا بتميز الرواية من قبل لجنة تحكيم أكاديمية لها خبرتها وتمرسها في عالم السرد تنظيرًا وتحليلا. فوز الرواية بالجائزة يعني أنها استطاعت أن تثبت أنها صوت إبداعي له نبرته الخاصة ورؤيته وإيقاعه الجمالي. هذه هي الرسالة الكامنة في حدث التتويج، وهي الوقود الذي يمد الكاتب بالقدرة على المضي في أحراش الكتابة بحثًا عن وعول الرؤية.

وأرى في هذه الجائزة محطة مهمة في مسيرتي الأدبية، فهي أول جائزة عربية أفوز بها، بعد أن حصلت على جائزتين مصريتين: جائزة عبد الرحمن الأبنودي لشعر العامية والدراسات النقدية التي تقيمها مكتبة الإسكندرية، عن كتاب «مقومات السرد في الشعر الحِكائي. أحمد سماعين للأبنودي نموذجًا»، الدورة الثانية أفريل 2020.

*إلى أي حد يمكن القول إن المسابقات الأدبية تساهم في تطوير تجربة المبدع؟

-المسابقات الأدبية التي ترتكز إلى معايير صارمة ولجنة تحكيم جادة يمكنها أن تُسهم في دفع مسيرة المبدع إلى المزيد من التميز والحبكة الفنية، لأنها تضعه في مضمار التنافس مع مستويات متباينة من الكتّاب والنصوص، وتجبره من خلال انحيازها للنصوص المتفردة على الارتقاء بأساليبه الجمالية إلى فضاءات مغايرة. المسابقات الجادة أسواق أدبية في صورة جديدة، تلتقي فيها النصوص ببعضها البعض نيابة عن كُتّابها، ويعود كل منها إلى صاحبه بعد أن ينفض الجمعُ محمّلا بخبرة الرحلة، بما يدفع المشهد الأدبي كله، لا تجربة المبدع وحدها، إلى التجدد الدائب.

*كيف بدت لك الرواية في أول لقاء لك بها من خلال «أن يتأرجح بك»؟

-إن الرواية هي الجنس الأدبي الذي يمنح الذات الفردية والمجتمعية أو القومية إمكانية البحث في الهوية والمصير، وإمكانية قراءة تاريخها وتأمل أطوارها الفكرية والروحية، وذلك لامتلاك الرواية القدرة على إعادة تمثيل تجارب الحياة وتجسيد كيفية اشتباك الذات مع الواقع المجتمعي والإنساني عبر طرق فنية وجمالية خاصة بما يمكنها من أن تحمل نبض العصر. وهي من جانب آخر تحقق مبدأ التطهير النفسي من جهة تصويرها للتجربة الإنسانية في بنية معمارية يطالع فيها الفرد حياة تشبه حياته من زاوية ما، وآمالا وآلاما يتماسان بدرجة ما مع ما مر به من هذه المشاعر.

*كأني بك تشيرين إلى أن حضور الذات في النص السردي اليوم ضرورة حتمية؟

-في الرواية يعبر كل منا عن ذاته من خلال التشابه أو الاختلاف مع شخصياتها، ويرى كل منا ما يشبه تجربته الحياتية، ويمتلك فرصة إدراكها على نحو جديد وفرصة القبض على حكمة ما كامنة فيها، من خلال ما يطالع من التجارب الحياتية للشخصيات وما تمر به هذه الشخصيات من أطوار شعورية وفكرية.

*كيف هي الرواية العربية في اللحظة الراهنة، وإلى أي مدى يمكن القول إنها كسبت رهان التأسيس لذائقة جمالية جديدة مبنى ومعنى؟

-الرواية العربية في لحظتنا الراهنة تعبر عن افتقاد الذات الإنسانية لليقين، ومكابدتها لألوان من الاغتراب والتصدع النفسي والفكري، وافتقارها للوحدة الداخلية. وقد عبّرت الرواية عن هذه السمات بتأسيس ذائقة جمالية جديدة، اعتمدت فيها على هجر الحكمة القديمة، وتغيير المنطق التقليدي للحبكة التي كانت تقوم على التراكم والصعود المطّرد للأحداث، فضلًا عن التداخل في مفردات الفضاءين الزماني والمكاني، وتعدد مستويات اللغة، والجرأة في استعمال التراكيب، والتمرد على مبدأ الوضوح تعللا بغموض الذات الإنسانية وغموض العالم ذاته، وغير ذلك من سمات حصرتها في هذا اللقاء.

*إنه عصر التجريب في الرواية العربية، أليس كذلك؟

-التجريب في الرواية العربية اليوم ليس غاية الإبداع الفني، لكنه يمنح الأديب والفنان مساحة من الحرية تسمح لرؤاه أن تظهر بالصورة التي وُلِدت بها من زخم الفكر والشعور.

*ماذا تعرفين عن الكتابة الروائية في تونس؟

-لا أخفي سرًا إذا قلت إن الرواية التونسية المعاصرة استطاعت أن تستقل بشخصيتها الفنية، وأن تحظى بنصيب سخي في قائمة أفضل مائة رواية عربية بدءًا من النصف الأخير من القرن العشرين. من ذلك رباعية «العابرون» للبشير بن سلامة، و»التوت المر» لمحمد العروسي المطوي، و»حدث أبوهريرة قال» لمحمود المسعدي، و»الدقلة في عراجينها» للبشير خريف، و»ليلة السنوات العشر» لمحمد صالح الجابري، وغيرها من أصوات سردية رفيعة توالت على المشهد الراهن، ومنها على سبيل الإشارة لا الحصر: حسونة المصباحي، شكري المبخوت، الحبيب السالمي، آمنة الرميلي، أميرة غنيم، سفيان رجب، شفيق الطارقي، وغير هؤلاء أصوات سردية متميزة لها وضعيتها وقيمتها الفنية المؤثرة.

أجرى الحوار: محسن بن أحمد