إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

توقيع إصدارين جديدين في الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية.. المهرجانات السينمائية العربية تمنح مساحات متزايدة للكتاب النقدي وتخلق ديناميكية جديدة مشجعة

رئيسة الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي لـ«الصباح» مؤلف «درر السينما العربية» في جوهره مشروع جماعي لفهم التحولات في السينما العربية

سيتم خلال الدورة السادسة والثلاثون من أيام قرطاج السينمائية، المنتظمة من 13 إلى 20 ديسمبر الجاري، توقيع كتابين نقديين يؤكدان من جديد مركزية الكتاب السينمائي في صناعة الوعي بالصورة وتاريخها وتحولاتها. ويتعلق الأمر بكتاب «درر السينما العربية – الجزء الأول / Arab Cinema Gems» الصادر عن الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي، وكتاب «Champ Contrechamp» للباحث والناقد كمال بن وناس.

بعد توقف إصداراتها منذ سنة 2004، ما خلّف فراغاً كبيراً، استأنفت الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي نشاطها في مجال النشر انطلاقا من سنة 2024. ومن بين الكتب التي ستنشرها في الأيام القليلة القادمة الكتاب الجماعي «درر السينما العربية»، والذي يقدّم في جزئه الأول قراءة جديدة في خمسة عشر فيلما من أهم ما أنجزته السينما العربية عبر تاريخها، من خلال زوايا نظر متعددة يقدّمها نقاد تونسيون، في محاولة لإعادة تركيب الذاكرة السينمائية العربية بعيداً عن منطق القوائم الجاهزة أو التصنيفات الترتيبية. ويطرح هذا العمل رهانه الأساسي في الدفاع عن ضرورة العودة إلى الكلاسيكيات، لا باعتبارها تراثاً منتهياً، بل بوصفها مادّة حيّة تسمح بإعادة التفكير في أسئلة الهوية، والتحولات الاجتماعية، وصيغ التعبير الجمالي في السينما العربية.

في هذا السياق، قالت رئيسة الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي، أنس كمون، في تصريح لـ»الصباح»: «في إطار تقديم هذا الكتاب ضمن الدورة الحالية، ارتأينا أن نضعه في سياقه العام، من حيث الفكرة التي انطلق منها، وأسباب نشره. فالجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي، التي ستحتفل في شهر مارس المقبل بمرور أربعين سنة على تأسيسها، عادت لنشر الكتب منذ السنة الماضية».

وأضافت: «كان أول إصدار يهمّ الناقد خميس الخياطي، باعتبار أن الجمعية تُعنى أساساً بالنقد، ولأن تدوين النقد السينمائي في تونس يكتسي أهمية خاصة. ثم أعقب ذلك كتاب ثان حول سينما الهواة، باعتباره من رواد المدرسة الأولى للسينما التونسية، ثم كتاب ثالث حول تجربة الجيلاني السعدي بوصفها تجربة متفرّدة في السينما التونسية».

وأضافت محدثتنا قائلة: «إن التوجه نحو السينما العربية يأتي في ظل التحولات التي نعيشها، وهذا الكتاب هو الإصدار الثالث ضمن سلسلة تُعنى بالنموذج العربي في الصناعة السينمائية. وعندما عدنا إلى نشاط الجمعية سنة 2024، وجدنا أنفسنا أمام واقع مختلف تماماً. وأولى الإشكاليات التي لفتت انتباهنا هي الفراغ الكبير في مجال التكوين النقدي، نتيجة غياب من يكتبون باستمرار، وهو ما انعكس طبيعياً على المشهد».

وهذا المشروع «هو في جوهره مشروع جماعي، يجمع بين أجيال مختلفة، كباراً وصغاراً، لفهم التحولات في السينما العربية، لا سيما وأن السينما العربية شهدت في العشرين سنة الأخيرة قطيعة نسبية بين جيل الرواد وجيل الألفية»، وفق قولها.

وواصلت: «لهذا نرى أن تقديم هذا الكتاب اليوم، في إطار مهرجان يُعنى بالسينما العربية والإفريقية، هو الخيار الأنسب، ولا توجد مناسبة أفضل من هذه. كما أن اهتمام بعض المهرجانات العربية بالكتاب السينمائي يطرح أسئلة حارقة، فقد كنت مثلا في مهرجان بغداد في سبتمبر، حيث تم إنتاج خمسة عشر كتاباً، منها كتب لمؤلّفة تونسية، من بينها لمياء بالقايد التي أصدرت كتاباً حول السينما التونسية».

وقالت: «هذا ما يطرح سؤال التمويل والدعم: لماذا لا نملك نحن الإمكانيات لإصدار هذا النوع من الكتب؟ ومع ذلك، فإن النضال الذي نخوضه في هذا المجال لا يتوقف على التمويل وحده، لأننا مصرّون على مواصلة العمل. ونعتبر أن هذه المرحلة هي مرحلة تثبيت لهذا المسار، ونشكر طارق بن شعبان – مدير المهرجان – الذي يدرك قيمة الكتاب، وساند الجمعية في هذا المشروع».

إلى جانب كتاب «درر السينما العربية – الجزء الأول»، سيتمّ توقيع كتاب «Champ Contrechamp» لكمال بن وناس، وهو عمل نظري وتحليلي معمّق ينطلق من السينما التونسية بوصفها مختبراً نقدياً لفهم علاقة الصورة بالخطاب الثقافي. ففي جزئه الأول، يفكك المؤلف أربعة عقود من تاريخ السينما التونسية (1960 – 2000)، باعتبارها المرحلة التي تشكّلت فيها المضامين الكبرى والاختيارات الجمالية الأولى للسينما الوطنية. ثم ينتقل إلى دراسة العلاقات المركبة بين الأدب والسينما داخل الفيلموغرافيا التونسية، كاشفاً عن منطق التفاعل والتوتّر بين النص المكتوب والصورة، وما يطرحه ذلك من إشكاليات فنية وفكرية.

وفي الجزء الأخير، يذهب بن وناس إلى مساءلة النقد السينمائي نفسه، بين سلطة «النقد الصحفي» من جهة، والانفجار غير المسبوق لردود الفعل النقدية على منصات التواصل الاجتماعي والشبكة الرقمية من جهة أخرى، في محاولة لإعادة تعريف وظيفة الناقد وحدود تدخله في زمن تغيّرت فيه طبيعة الوسيط والمتلقي معاً. ويخلص الكتاب إلى أن «التونسية» في السينما ليست مجرد محتوى أو رسائل مباشرة، بل هي بناء أسلوبي ورؤية شكلية تستند إلى مخزون رمزي وثقافي محلي عميق.

الجدير بالتأكيد أنّ هذا الحدث في أيام قرطاج السينمائية لا يأتي بمعزل عن سياق عربي أوسع يشهد، خلال السنوات الأخيرة، عودة ملحوظة للكتاب السينمائي داخل المهرجانات الكبرى. ففي مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أطلقت إدارة المهرجان خلال دوراته الأخيرة سلسلة كتب توثيقية حول روّاد السينما المصرية والعربية، كما احتضنت توقيع أعمال نقدية حول السينما الواقعية الجديدة والتحولات الرقمية في الصناعة. وفي مهرجان البحر الأحمر السينمائي بالسعودية، أصبح الكتاب النقدي عنصراً ثابتاً ضمن برنامج «مختبر البحر الأحمر»، حيث تُقدَّم إصدارات تبحث في تاريخ السينما العربية والخليجية وعلاقة السينما بالتحولات الاجتماعية.

أما مهرجان مراكش الدولي للفيلم، فقد شهد بدوره احتفاء متزايداً بسلسلة الكتب المخصّصة لنجوم السينما العالمية والعربية المكرّمين، إضافة إلى دراسات نقدية حول تقاطعات السينما الإفريقية والعربية. وفي الجزائر، يرافق مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي منذ سنوات توقيع كتب تؤرخ لتجارب سينمائية عربية كبرى، وتعيد قراءة السينما المغاربية في ضوء التحولات السياسية والثقافية.

هذه الديناميكية العربية ربما تعكس إدراكاً متزايداً بأن المهرجان لم يعد مجرد فضاء للعرض وحصد الجوائز، بل صار منصّة فكرية للنقاش والتأمل والتقعيد النظري. وهو ما تكرّسه أيام قرطاج السينمائية من خلال إدراج توقيعات الكتب ضمن برمجتها الرسمية، في انسجام مع تاريخها كمهرجان ارتبط منذ تأسيسه بأسئلة الهوية والالتزام والنقد.

ويكتسي هذا التوجّه أهمية مضاعفة في السياق التونسي، حيث ظلّ الكتاب السينمائي يعاني طويلاً من محدودية الانتشار وضعف قنوات التوزيع، رغم وجود أسماء نقدية وازنة. ليأتي هذا الحراك الجديد، عبر الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي وغيرها من المبادرات المستقلة، ليعيد الاعتبار لدور النقد بوصفه شريكاً في الفعل الإبداعي، لا مجرد عمل موازٍ له.

وبذلك قد لا يمثّل توقيع مؤلفي «درر السينما العربية» و»Champ Contrechamp» مجرّد نشاط ثقافي جانبي في الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية، بل يظهر بوصفه مؤشراً على عودة الأسئلة الكبرى حول الذاكرة، والتمثيل، والهوية، والنقد، في لحظة عربية تتأرجح فيها السينما بين منطق السوق وضرورات التعبير، وبين الاستهلاك السريع والحاجة العميقة إلى التفكير. يبقى السؤال المطروح: هل سيأتي اليوم الذي تُفكّر فيه إدارة مهرجان أيام قرطاج السينمائية في الإشراف على إنتاج الكتب المتخصصة وإصدارها ونشرها؟

إيمان عبد اللطيف

توقيع إصدارين جديدين في الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية..     المهرجانات السينمائية العربية تمنح مساحات متزايدة للكتاب النقدي وتخلق ديناميكية جديدة مشجعة

رئيسة الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي لـ«الصباح» مؤلف «درر السينما العربية» في جوهره مشروع جماعي لفهم التحولات في السينما العربية

سيتم خلال الدورة السادسة والثلاثون من أيام قرطاج السينمائية، المنتظمة من 13 إلى 20 ديسمبر الجاري، توقيع كتابين نقديين يؤكدان من جديد مركزية الكتاب السينمائي في صناعة الوعي بالصورة وتاريخها وتحولاتها. ويتعلق الأمر بكتاب «درر السينما العربية – الجزء الأول / Arab Cinema Gems» الصادر عن الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي، وكتاب «Champ Contrechamp» للباحث والناقد كمال بن وناس.

بعد توقف إصداراتها منذ سنة 2004، ما خلّف فراغاً كبيراً، استأنفت الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي نشاطها في مجال النشر انطلاقا من سنة 2024. ومن بين الكتب التي ستنشرها في الأيام القليلة القادمة الكتاب الجماعي «درر السينما العربية»، والذي يقدّم في جزئه الأول قراءة جديدة في خمسة عشر فيلما من أهم ما أنجزته السينما العربية عبر تاريخها، من خلال زوايا نظر متعددة يقدّمها نقاد تونسيون، في محاولة لإعادة تركيب الذاكرة السينمائية العربية بعيداً عن منطق القوائم الجاهزة أو التصنيفات الترتيبية. ويطرح هذا العمل رهانه الأساسي في الدفاع عن ضرورة العودة إلى الكلاسيكيات، لا باعتبارها تراثاً منتهياً، بل بوصفها مادّة حيّة تسمح بإعادة التفكير في أسئلة الهوية، والتحولات الاجتماعية، وصيغ التعبير الجمالي في السينما العربية.

في هذا السياق، قالت رئيسة الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي، أنس كمون، في تصريح لـ»الصباح»: «في إطار تقديم هذا الكتاب ضمن الدورة الحالية، ارتأينا أن نضعه في سياقه العام، من حيث الفكرة التي انطلق منها، وأسباب نشره. فالجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي، التي ستحتفل في شهر مارس المقبل بمرور أربعين سنة على تأسيسها، عادت لنشر الكتب منذ السنة الماضية».

وأضافت: «كان أول إصدار يهمّ الناقد خميس الخياطي، باعتبار أن الجمعية تُعنى أساساً بالنقد، ولأن تدوين النقد السينمائي في تونس يكتسي أهمية خاصة. ثم أعقب ذلك كتاب ثان حول سينما الهواة، باعتباره من رواد المدرسة الأولى للسينما التونسية، ثم كتاب ثالث حول تجربة الجيلاني السعدي بوصفها تجربة متفرّدة في السينما التونسية».

وأضافت محدثتنا قائلة: «إن التوجه نحو السينما العربية يأتي في ظل التحولات التي نعيشها، وهذا الكتاب هو الإصدار الثالث ضمن سلسلة تُعنى بالنموذج العربي في الصناعة السينمائية. وعندما عدنا إلى نشاط الجمعية سنة 2024، وجدنا أنفسنا أمام واقع مختلف تماماً. وأولى الإشكاليات التي لفتت انتباهنا هي الفراغ الكبير في مجال التكوين النقدي، نتيجة غياب من يكتبون باستمرار، وهو ما انعكس طبيعياً على المشهد».

وهذا المشروع «هو في جوهره مشروع جماعي، يجمع بين أجيال مختلفة، كباراً وصغاراً، لفهم التحولات في السينما العربية، لا سيما وأن السينما العربية شهدت في العشرين سنة الأخيرة قطيعة نسبية بين جيل الرواد وجيل الألفية»، وفق قولها.

وواصلت: «لهذا نرى أن تقديم هذا الكتاب اليوم، في إطار مهرجان يُعنى بالسينما العربية والإفريقية، هو الخيار الأنسب، ولا توجد مناسبة أفضل من هذه. كما أن اهتمام بعض المهرجانات العربية بالكتاب السينمائي يطرح أسئلة حارقة، فقد كنت مثلا في مهرجان بغداد في سبتمبر، حيث تم إنتاج خمسة عشر كتاباً، منها كتب لمؤلّفة تونسية، من بينها لمياء بالقايد التي أصدرت كتاباً حول السينما التونسية».

وقالت: «هذا ما يطرح سؤال التمويل والدعم: لماذا لا نملك نحن الإمكانيات لإصدار هذا النوع من الكتب؟ ومع ذلك، فإن النضال الذي نخوضه في هذا المجال لا يتوقف على التمويل وحده، لأننا مصرّون على مواصلة العمل. ونعتبر أن هذه المرحلة هي مرحلة تثبيت لهذا المسار، ونشكر طارق بن شعبان – مدير المهرجان – الذي يدرك قيمة الكتاب، وساند الجمعية في هذا المشروع».

إلى جانب كتاب «درر السينما العربية – الجزء الأول»، سيتمّ توقيع كتاب «Champ Contrechamp» لكمال بن وناس، وهو عمل نظري وتحليلي معمّق ينطلق من السينما التونسية بوصفها مختبراً نقدياً لفهم علاقة الصورة بالخطاب الثقافي. ففي جزئه الأول، يفكك المؤلف أربعة عقود من تاريخ السينما التونسية (1960 – 2000)، باعتبارها المرحلة التي تشكّلت فيها المضامين الكبرى والاختيارات الجمالية الأولى للسينما الوطنية. ثم ينتقل إلى دراسة العلاقات المركبة بين الأدب والسينما داخل الفيلموغرافيا التونسية، كاشفاً عن منطق التفاعل والتوتّر بين النص المكتوب والصورة، وما يطرحه ذلك من إشكاليات فنية وفكرية.

وفي الجزء الأخير، يذهب بن وناس إلى مساءلة النقد السينمائي نفسه، بين سلطة «النقد الصحفي» من جهة، والانفجار غير المسبوق لردود الفعل النقدية على منصات التواصل الاجتماعي والشبكة الرقمية من جهة أخرى، في محاولة لإعادة تعريف وظيفة الناقد وحدود تدخله في زمن تغيّرت فيه طبيعة الوسيط والمتلقي معاً. ويخلص الكتاب إلى أن «التونسية» في السينما ليست مجرد محتوى أو رسائل مباشرة، بل هي بناء أسلوبي ورؤية شكلية تستند إلى مخزون رمزي وثقافي محلي عميق.

الجدير بالتأكيد أنّ هذا الحدث في أيام قرطاج السينمائية لا يأتي بمعزل عن سياق عربي أوسع يشهد، خلال السنوات الأخيرة، عودة ملحوظة للكتاب السينمائي داخل المهرجانات الكبرى. ففي مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أطلقت إدارة المهرجان خلال دوراته الأخيرة سلسلة كتب توثيقية حول روّاد السينما المصرية والعربية، كما احتضنت توقيع أعمال نقدية حول السينما الواقعية الجديدة والتحولات الرقمية في الصناعة. وفي مهرجان البحر الأحمر السينمائي بالسعودية، أصبح الكتاب النقدي عنصراً ثابتاً ضمن برنامج «مختبر البحر الأحمر»، حيث تُقدَّم إصدارات تبحث في تاريخ السينما العربية والخليجية وعلاقة السينما بالتحولات الاجتماعية.

أما مهرجان مراكش الدولي للفيلم، فقد شهد بدوره احتفاء متزايداً بسلسلة الكتب المخصّصة لنجوم السينما العالمية والعربية المكرّمين، إضافة إلى دراسات نقدية حول تقاطعات السينما الإفريقية والعربية. وفي الجزائر، يرافق مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي منذ سنوات توقيع كتب تؤرخ لتجارب سينمائية عربية كبرى، وتعيد قراءة السينما المغاربية في ضوء التحولات السياسية والثقافية.

هذه الديناميكية العربية ربما تعكس إدراكاً متزايداً بأن المهرجان لم يعد مجرد فضاء للعرض وحصد الجوائز، بل صار منصّة فكرية للنقاش والتأمل والتقعيد النظري. وهو ما تكرّسه أيام قرطاج السينمائية من خلال إدراج توقيعات الكتب ضمن برمجتها الرسمية، في انسجام مع تاريخها كمهرجان ارتبط منذ تأسيسه بأسئلة الهوية والالتزام والنقد.

ويكتسي هذا التوجّه أهمية مضاعفة في السياق التونسي، حيث ظلّ الكتاب السينمائي يعاني طويلاً من محدودية الانتشار وضعف قنوات التوزيع، رغم وجود أسماء نقدية وازنة. ليأتي هذا الحراك الجديد، عبر الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي وغيرها من المبادرات المستقلة، ليعيد الاعتبار لدور النقد بوصفه شريكاً في الفعل الإبداعي، لا مجرد عمل موازٍ له.

وبذلك قد لا يمثّل توقيع مؤلفي «درر السينما العربية» و»Champ Contrechamp» مجرّد نشاط ثقافي جانبي في الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية، بل يظهر بوصفه مؤشراً على عودة الأسئلة الكبرى حول الذاكرة، والتمثيل، والهوية، والنقد، في لحظة عربية تتأرجح فيها السينما بين منطق السوق وضرورات التعبير، وبين الاستهلاك السريع والحاجة العميقة إلى التفكير. يبقى السؤال المطروح: هل سيأتي اليوم الذي تُفكّر فيه إدارة مهرجان أيام قرطاج السينمائية في الإشراف على إنتاج الكتب المتخصصة وإصدارها ونشرها؟

إيمان عبد اللطيف