محطة أساسية لفهم تطور قرطاج خلال الفترة الرومانية المتأخرة والفترة المسيحية المبكرة
برنامج لإعادة فتح كل المتاحف المغلقة بكامل ولايات البلاد
افتُتح مساء الأربعاء 3 ديسمبر الجاري المتحفُ الروماني والمسيحي المبكّر بقرطاج درمش بعد أشغال تجديد واسعة انطلقت منذ أفريل 2024، وذلك بحضور وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي وعدد من الإطارات العلمية بالمعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، إلى جانب الخبراء الذين ساهموا في إعادة إعداد المتحف وممثلين عن عدد من السفارات الأجنبية ببلادنا. وجاء هذا الافتتاح ليعيد الحياة إلى واحد من أهمّ فضاءات البحث الأثري في البلاد، وليتوج مسارا مؤسساتيا متكاملا جمع بين الهياكل المعنية بالتراث ضمن رؤية موحّدة لصون الموروث الوطني وتحديث أساليب عرضه.
وأكدت وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي في تصريح إعلامي أن إعادة افتتاح هذا الصرح يمثل دعما لمسار تثمين التراث، معتبرة أن المتحف صغير في حجمه لكن كبير في قيمة بحوثه وما يحتويه من شواهد حضارية. وأشارت إلى أن الوزارة تعمل على إعادة فتح المتاحف المغلقة في مختلف الولايات وتعزيز التعاون مع وزارة السياحة للترويج للسياحة الثقافية وإدراج التراث ضمن المناهج التعليمية.
ويمثل المتحفُ الروماني والمسيحي المبكّر في صيغته الجديدة محطة أساسية لفهم تطور قرطاج خلال الفترة الرومانية المتأخرة والفترة المسيحية المبكرة؛ فالمعروضات التي يحتضنها ترتبط بعمارة الكنائس الأولى، وبالممارسات الروحية، وبالنسيج العمراني للمدينة خلال أربعة قرون تمتدّ من نهاية القرن الرابع إلى القرن السابع ميلادي. ويكتسب المتحف خصوصيته من كونه «متحف موقع»، أي أن محتوياته ترتبط مباشرة بالمكان الذي يوجد فيه - قرطاج درمش - الذي يعدّ أحد أغنى المواقع الأثرية بالطبقات المتراكمة التي تعكس تواصل الاستيطان منذ الفترة البونية حتى الفتح العربي.
تاريخيا، يعود تأسيس المتحف إلى سنة 1984 في سياق الحملة الدولية لإنقاذ موقع قرطاج التي أطلقتها اليونسكو، وقد أغلق في مناسبات مختلفة للتهيئة والصيانة، أبرزها في 2010 و2013، ثم أُعيد فتحه في جوان 2021 بعد استرجاع تمثال «ڨانيماد» الشهير الذي وضع في مكان قريب من صهريج الماء في إشارة إلى موقع اكتشافه الأول، والذي كان قد سُرق عام 2013 قبل العثور عليه سنة 2017.
وفي مارس 2024 أُغلق من جديد لإخضاعه لأشغال ترميم شملت إعادة تهيئة المخزن ومكتب المحافظ في أكتوبر من العام نفسه، ثم تبليط الرصيف الخارجي خلال نوفمبر 2024، بكلفة جملية بلغت 304 آلاف دينار، قبل أن تستكمل مرحلة العرض المتحفي الجديد سنة 2025. فيما بلغت الكلفة الجملية لإعادة التهيئة نحو 600 ألف دينار، وفق ما أكده المدير العام للمعهد الوطني للتراث طارق البكوش.
وفي نسخته المحدثة، يقترح المتحف مسار زيارة مُحكم البناء. فأول ما يواجه الزائر الكنيسة البيزنطية الكبرى الممتدة على أكثر من 36 مترا طولا و25.5 مترا عرضا، وهي كنيسة ذات خمس بلاطات وثماني حنايا، تكشف أرضياتها الفسيفسائية - المنفذة جزئيا في القسطنطينية - عن مستوى رفيع من التبادل الفني والرمزي في ذلك العصر. وقد بُنيت هذه الكنيسة فوق مبنى ديني قديم يعود إلى نهاية القرن الرابع، وهو ما تظهره طبقات الردم والعناصر المعمارية المكتشفة خلال حملات التنقيب. ومن أبرز المنشآت المعروضة حوض المعمودية الفريد بتخطيطه المربع ونواته المثمنة وحوضه المركزي على شكل صليب، والمحيط برواق دائري وأعمدة لولبية من رخام «شمتو».
هذا الحوض، وفق الفريق العلمي، يعكس المكانة المحورية لطقس العماد في المسيحية المبكرة. ويكشف المسار المتحفي أيضا عن مجمع كنسي متكامل اكتُشف بين 1976 و1984، يضم غرفا سكنية وورشات وصهاريج وآبارا وممرات، ويؤكد استمرارية الاستعمال البشري للموقع حتى ما بعد الفتح العربي.
ويحتضن المتحف قطعتين فسيفسائيتين نادرتين للطاووس، اكتُشفت الأولى بين 1970 و1971 والثانية سنة 1984، وهما من أجمل الشواهد الرمزية في الفن المسيحي، إذ يرمز الطاووس إلى الخلود والانبعاث. كما يعرض المتحف مجموعة واسعة من الفخار، من بينها فخار الموانئ البونية وفخار درمش الذي عُثر عليه بالموقع نفسه، إضافة إلى قطع معدنية وبرونزية ونقود قديمة من بينها عملة بونية تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد وتحمل رمز الحصان الشهير.
ويجد الزائر أيضا تمثال «ڨانيماد» المختطف من «زوس» المعاد تركيبه بعد العثور عليه مكسّرا إلى 17 قطعة، وقد وُضع في مكان قريب من صهريج الماء البوني الموجود تحت المتحف، في إشارة إلى موقع اكتشافه الأصلي في صهريج آخر بالمكان ذاته.
ولا يقتصر التجديد على المجموعات الأثرية، بل يشمل أيضا البنية التحتية للموقع والتقنيات المعتمدة في العرض المتحفي. فقد أُنجزت عملية إعداد النسخة الجديدة من العرض بالتعاون بين وزارة الشؤون الثقافية ومختلف مؤسساتها المختصة بالتراث، مع دعم علمي من مختصين تونسيين وأجانب. وشملت الأعمال تنظيف محيط الموقع والمسارات المؤدية إليه، وإعادة تبليط الممر الرئيسي من باب الموقع إلى المدخل، وتركيز كاميرات مراقبة جديدة، وتحديث تجهيزات الاستقبال بما يضمن جودة أفضل لتجربة الزائر. كما ساهم الباحث الأمريكي جون همفري الذي اشتغل منذ سبعينات القرن الماضي على حفريات قرطاج في دعم المشروع.
وفي ذات السياق، أكدت الدكتورة في التاريخ القديم وعضو الفريق العلمي للمتحف سهام علوي في تصريح إعلامي أن عدد القطع المسترجعة يتراوح بين 350 و400 قطعة أثرية، وتتنوع بين الفخاريات، والمعادن، والفسيفساء، والبرونز. وقد تم تخصيص واجهة عرض كاملة لفخار الموانئ البونية المستخرج من المنشآت المينائية القديمة، وهي سابقة من نوعها، إلى جانب واجهة ثانية مخصّصة لفخار موقع درمش، تم تنظيمها في وحدات عرض حسب أصناف الاستعمال: فخار التخزين، والأواني، والطبخ، والتزيين، والديكور، وغيرها.
ويمثل الافتتاح، وفق المشرفين، خطوة جديدة في إعادة تموقع متحف قرطاج درمش كمرجع علمي وثقافي يعيد بناء سردية أكثر دقة حول تاريخ قرطاج المسيحية القديمة، ويسهم في تعزيز حضور التراث التونسي في شبكات البحث العالمية، وفي تحسين جاذبية المنتوج الثقافي الوطني في مسارات السياحة الثقافية.
ووفقا لذلك، قالت المديرة العامة لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية ربيعة بلفقيرة إن المتاحف التونسية تُدرج ضمن المسالك السياحية بالتعاون مع وزارة السياحة، حيث تتولى الوكالة الجانب العلمي، بينما تشرف وزارة السياحة على الاستغلال والتثمين والترويج. وأوضحت أن الوكالة نظّمت خلال الفترة الماضية عديد التظاهرات لتشهد مداخيل زيارة المتاحف خلال الثلاثي الأخير ارتفاعا ملحوظا يُعدّ من بين الأعلى منذ إحداث الوكالة.
وأضافت أنه سنة 2024 سجّلت زيارة نحو مليون زائر من التونسيين والأجانب، مع توقّع بلوغ مليون وخمسمائة ألف زائر سنة 2025، معتبرة أن هذا الرقم، رغم أهميته، لا يزال دون الإمكانات الحقيقية للقطاع، خاصة إذا ما قورن بعدد السياح الوافدين على تونس الذي يتجاوز 11 مليون سائح سنويا.
وأشارت إلى أن جزءا كبيرا من هؤلاء لا يزورون المواقع الأثرية والمتاحف، بل يقتصرون على الفضاءات الترفيهية والمطاعم، وهو ما يستوجب، بحسب قولها، بلورة برنامج مشترك بين وكالة التراث ووزارة السياحة لتمكين الزائر من ملامسة التراث التونسي، وتعزيز الاعتزاز الوطني به.
وشددت بلفقيرة على أن جهود التثمين والترويج يجب أن تتعزّز أكثر، إلى جانب تطوير الاستراتيجية الاتصالية، مبيّنة أن الوكالة أطلقت صفقة لإعداد استراتيجية وطنية للاتصال في مجال التراث، لا تخص الوكالة وحدها بل تشمل كامل القطاع، إضافة إلى ضرورة تكثيف العمل في مجال التسويق الثقافي ووضع أهداف كمية دقيقة.
وفي هذا السياق، كشفت المديرة العامة لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية عن مشروع إضاءة فنية متكاملة للمسرح الأثري بالجم، على غرار ما هو معمول به في روما وعدد من الدول المتقدمة، حيث سيتم تركيز منظومة إضاءة تمتد من المسلك السياحي وصولا إلى داخل المعلم، مع توظيف تقنيات لونية تبرز الخصوصية المعمارية والجمالية للمسرح. وبيّنت أن السائح لم يكن في السابق قادرا على رؤية مدينة الجم ليلا في حلّتها الجمالية الكاملة، كما لم يكن هناك عرض متكامل يعكس القيمة الكبرى للتراث التونسي من خلال هذا الصرح.
إيمان عبد اللطيف
محطة أساسية لفهم تطور قرطاج خلال الفترة الرومانية المتأخرة والفترة المسيحية المبكرة
برنامج لإعادة فتح كل المتاحف المغلقة بكامل ولايات البلاد
افتُتح مساء الأربعاء 3 ديسمبر الجاري المتحفُ الروماني والمسيحي المبكّر بقرطاج درمش بعد أشغال تجديد واسعة انطلقت منذ أفريل 2024، وذلك بحضور وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي وعدد من الإطارات العلمية بالمعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، إلى جانب الخبراء الذين ساهموا في إعادة إعداد المتحف وممثلين عن عدد من السفارات الأجنبية ببلادنا. وجاء هذا الافتتاح ليعيد الحياة إلى واحد من أهمّ فضاءات البحث الأثري في البلاد، وليتوج مسارا مؤسساتيا متكاملا جمع بين الهياكل المعنية بالتراث ضمن رؤية موحّدة لصون الموروث الوطني وتحديث أساليب عرضه.
وأكدت وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي في تصريح إعلامي أن إعادة افتتاح هذا الصرح يمثل دعما لمسار تثمين التراث، معتبرة أن المتحف صغير في حجمه لكن كبير في قيمة بحوثه وما يحتويه من شواهد حضارية. وأشارت إلى أن الوزارة تعمل على إعادة فتح المتاحف المغلقة في مختلف الولايات وتعزيز التعاون مع وزارة السياحة للترويج للسياحة الثقافية وإدراج التراث ضمن المناهج التعليمية.
ويمثل المتحفُ الروماني والمسيحي المبكّر في صيغته الجديدة محطة أساسية لفهم تطور قرطاج خلال الفترة الرومانية المتأخرة والفترة المسيحية المبكرة؛ فالمعروضات التي يحتضنها ترتبط بعمارة الكنائس الأولى، وبالممارسات الروحية، وبالنسيج العمراني للمدينة خلال أربعة قرون تمتدّ من نهاية القرن الرابع إلى القرن السابع ميلادي. ويكتسب المتحف خصوصيته من كونه «متحف موقع»، أي أن محتوياته ترتبط مباشرة بالمكان الذي يوجد فيه - قرطاج درمش - الذي يعدّ أحد أغنى المواقع الأثرية بالطبقات المتراكمة التي تعكس تواصل الاستيطان منذ الفترة البونية حتى الفتح العربي.
تاريخيا، يعود تأسيس المتحف إلى سنة 1984 في سياق الحملة الدولية لإنقاذ موقع قرطاج التي أطلقتها اليونسكو، وقد أغلق في مناسبات مختلفة للتهيئة والصيانة، أبرزها في 2010 و2013، ثم أُعيد فتحه في جوان 2021 بعد استرجاع تمثال «ڨانيماد» الشهير الذي وضع في مكان قريب من صهريج الماء في إشارة إلى موقع اكتشافه الأول، والذي كان قد سُرق عام 2013 قبل العثور عليه سنة 2017.
وفي مارس 2024 أُغلق من جديد لإخضاعه لأشغال ترميم شملت إعادة تهيئة المخزن ومكتب المحافظ في أكتوبر من العام نفسه، ثم تبليط الرصيف الخارجي خلال نوفمبر 2024، بكلفة جملية بلغت 304 آلاف دينار، قبل أن تستكمل مرحلة العرض المتحفي الجديد سنة 2025. فيما بلغت الكلفة الجملية لإعادة التهيئة نحو 600 ألف دينار، وفق ما أكده المدير العام للمعهد الوطني للتراث طارق البكوش.
وفي نسخته المحدثة، يقترح المتحف مسار زيارة مُحكم البناء. فأول ما يواجه الزائر الكنيسة البيزنطية الكبرى الممتدة على أكثر من 36 مترا طولا و25.5 مترا عرضا، وهي كنيسة ذات خمس بلاطات وثماني حنايا، تكشف أرضياتها الفسيفسائية - المنفذة جزئيا في القسطنطينية - عن مستوى رفيع من التبادل الفني والرمزي في ذلك العصر. وقد بُنيت هذه الكنيسة فوق مبنى ديني قديم يعود إلى نهاية القرن الرابع، وهو ما تظهره طبقات الردم والعناصر المعمارية المكتشفة خلال حملات التنقيب. ومن أبرز المنشآت المعروضة حوض المعمودية الفريد بتخطيطه المربع ونواته المثمنة وحوضه المركزي على شكل صليب، والمحيط برواق دائري وأعمدة لولبية من رخام «شمتو».
هذا الحوض، وفق الفريق العلمي، يعكس المكانة المحورية لطقس العماد في المسيحية المبكرة. ويكشف المسار المتحفي أيضا عن مجمع كنسي متكامل اكتُشف بين 1976 و1984، يضم غرفا سكنية وورشات وصهاريج وآبارا وممرات، ويؤكد استمرارية الاستعمال البشري للموقع حتى ما بعد الفتح العربي.
ويحتضن المتحف قطعتين فسيفسائيتين نادرتين للطاووس، اكتُشفت الأولى بين 1970 و1971 والثانية سنة 1984، وهما من أجمل الشواهد الرمزية في الفن المسيحي، إذ يرمز الطاووس إلى الخلود والانبعاث. كما يعرض المتحف مجموعة واسعة من الفخار، من بينها فخار الموانئ البونية وفخار درمش الذي عُثر عليه بالموقع نفسه، إضافة إلى قطع معدنية وبرونزية ونقود قديمة من بينها عملة بونية تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد وتحمل رمز الحصان الشهير.
ويجد الزائر أيضا تمثال «ڨانيماد» المختطف من «زوس» المعاد تركيبه بعد العثور عليه مكسّرا إلى 17 قطعة، وقد وُضع في مكان قريب من صهريج الماء البوني الموجود تحت المتحف، في إشارة إلى موقع اكتشافه الأصلي في صهريج آخر بالمكان ذاته.
ولا يقتصر التجديد على المجموعات الأثرية، بل يشمل أيضا البنية التحتية للموقع والتقنيات المعتمدة في العرض المتحفي. فقد أُنجزت عملية إعداد النسخة الجديدة من العرض بالتعاون بين وزارة الشؤون الثقافية ومختلف مؤسساتها المختصة بالتراث، مع دعم علمي من مختصين تونسيين وأجانب. وشملت الأعمال تنظيف محيط الموقع والمسارات المؤدية إليه، وإعادة تبليط الممر الرئيسي من باب الموقع إلى المدخل، وتركيز كاميرات مراقبة جديدة، وتحديث تجهيزات الاستقبال بما يضمن جودة أفضل لتجربة الزائر. كما ساهم الباحث الأمريكي جون همفري الذي اشتغل منذ سبعينات القرن الماضي على حفريات قرطاج في دعم المشروع.
وفي ذات السياق، أكدت الدكتورة في التاريخ القديم وعضو الفريق العلمي للمتحف سهام علوي في تصريح إعلامي أن عدد القطع المسترجعة يتراوح بين 350 و400 قطعة أثرية، وتتنوع بين الفخاريات، والمعادن، والفسيفساء، والبرونز. وقد تم تخصيص واجهة عرض كاملة لفخار الموانئ البونية المستخرج من المنشآت المينائية القديمة، وهي سابقة من نوعها، إلى جانب واجهة ثانية مخصّصة لفخار موقع درمش، تم تنظيمها في وحدات عرض حسب أصناف الاستعمال: فخار التخزين، والأواني، والطبخ، والتزيين، والديكور، وغيرها.
ويمثل الافتتاح، وفق المشرفين، خطوة جديدة في إعادة تموقع متحف قرطاج درمش كمرجع علمي وثقافي يعيد بناء سردية أكثر دقة حول تاريخ قرطاج المسيحية القديمة، ويسهم في تعزيز حضور التراث التونسي في شبكات البحث العالمية، وفي تحسين جاذبية المنتوج الثقافي الوطني في مسارات السياحة الثقافية.
ووفقا لذلك، قالت المديرة العامة لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية ربيعة بلفقيرة إن المتاحف التونسية تُدرج ضمن المسالك السياحية بالتعاون مع وزارة السياحة، حيث تتولى الوكالة الجانب العلمي، بينما تشرف وزارة السياحة على الاستغلال والتثمين والترويج. وأوضحت أن الوكالة نظّمت خلال الفترة الماضية عديد التظاهرات لتشهد مداخيل زيارة المتاحف خلال الثلاثي الأخير ارتفاعا ملحوظا يُعدّ من بين الأعلى منذ إحداث الوكالة.
وأضافت أنه سنة 2024 سجّلت زيارة نحو مليون زائر من التونسيين والأجانب، مع توقّع بلوغ مليون وخمسمائة ألف زائر سنة 2025، معتبرة أن هذا الرقم، رغم أهميته، لا يزال دون الإمكانات الحقيقية للقطاع، خاصة إذا ما قورن بعدد السياح الوافدين على تونس الذي يتجاوز 11 مليون سائح سنويا.
وأشارت إلى أن جزءا كبيرا من هؤلاء لا يزورون المواقع الأثرية والمتاحف، بل يقتصرون على الفضاءات الترفيهية والمطاعم، وهو ما يستوجب، بحسب قولها، بلورة برنامج مشترك بين وكالة التراث ووزارة السياحة لتمكين الزائر من ملامسة التراث التونسي، وتعزيز الاعتزاز الوطني به.
وشددت بلفقيرة على أن جهود التثمين والترويج يجب أن تتعزّز أكثر، إلى جانب تطوير الاستراتيجية الاتصالية، مبيّنة أن الوكالة أطلقت صفقة لإعداد استراتيجية وطنية للاتصال في مجال التراث، لا تخص الوكالة وحدها بل تشمل كامل القطاع، إضافة إلى ضرورة تكثيف العمل في مجال التسويق الثقافي ووضع أهداف كمية دقيقة.
وفي هذا السياق، كشفت المديرة العامة لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية عن مشروع إضاءة فنية متكاملة للمسرح الأثري بالجم، على غرار ما هو معمول به في روما وعدد من الدول المتقدمة، حيث سيتم تركيز منظومة إضاءة تمتد من المسلك السياحي وصولا إلى داخل المعلم، مع توظيف تقنيات لونية تبرز الخصوصية المعمارية والجمالية للمسرح. وبيّنت أن السائح لم يكن في السابق قادرا على رؤية مدينة الجم ليلا في حلّتها الجمالية الكاملة، كما لم يكن هناك عرض متكامل يعكس القيمة الكبرى للتراث التونسي من خلال هذا الصرح.