إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مثّلت أحد محاور مشروع مخطّط التنمية للفترة القادمة.. اقتصاد المعرفة يدفع تونس نحو انتقال صناعي أكثر تنافسية

يشهد العالم اليوم تحوّلا عميقا في طرق الإنتاج، حيث بات اقتصاد المعرفة والتكنولوجيات الحديثة والنظيفة حجر الأساس لأي استراتيجية صناعية طموحة. فالدول التي تراهن على الابتكار والرقمنة والطاقات المتجددة أصبحت الأقدر على خلق نمو مستدام واستقطاب الاستثمارات وتحقيق قيمة مضافة عالية. وفي خضم هذا التحوّل، تبرز الحاجة الملحة إلى تحديث البنى الصناعية، وتأهيل الكفاءات، واعتماد حلول ذكية صديقة للبيئة، بما يجعل الاقتصاد قادرا على مواكبة المنافسة العالمية وبناء صناعة جديدة ترتكز على المعرفة أكثر من ارتكازها على الموارد التقليدية.

تدرك تونس اليوم أن بناء نموذج صناعي حديث لن يتحقق دون صياغة معادلة جديدة تقوم على اقتصاد المعرفة والتكنولوجيات الحديثة والنظيفة. فالتوجه العالمي نحو الرقمنة والابتكار والحد من الانبعاثات يفرض على الصناعات الوطنية التحوّل إلى منظومات إنتاج أكثر استدامة.

ولهذا تعمل تونس على تعزيز البحث والتطوير، وتشجيع المؤسسات الناشئة، وتحفيز الاستثمار في الطاقات المتجددة والتقنيات الرقمية، في محاولة لوضع أسس صناعة تنافسية قادرة على الاندماج في سلاسل القيمة العالمية. وتعتبر هذه الخيارات رهانا استراتيجيا لضمان انتقال اقتصادي فعّال يدعم النمو ويخلق فرص عمل. ويؤدي بناء نموذج صناعي حديث إلى تحقيق تنمية سليمة ومستدامة قادرة على مواكبة مختلف التحولات العالمية.

كما تسعى بلادنا إلى التموقع بقوة في سلاسل القيمة العالمية من خلال توفير ميزات تنافسية للاقتصاد التونسي. هذا التوجه يبدو جليا في مشروع مخطّط التنمية 2026-2030، إذ أن من بين محاوره إرساء نموذج صناعي يستند إلى اقتصاد المعرفة والتكنولوجيات الحديثة والنظيفة.

وفي هذا الصدد، أورد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي قيس الفقيه أن مخطّط التنمية 2026-2030 يُمثّل لحظة مفصلية لإعادة صياغة التوجهات الصناعية لتونس، خاصة وأن التحولات العالمية المتسارعة لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي، والطاقات النظيفة، وحماية المعطيات، تفرض الانتقال من نموذج إنتاج تقليدي إلى نموذج يعتمد على المعرفة، الابتكار، حماية الملكية الفكرية، والاستدامة. وهو توجه لا يعزز فقط الاندماج في سلاسل القيمة العالمية، بل يجعل تونس بلدا منتجا للتكنولوجيا والبراءات.

اقتصاد المعرفة محرّك للصناعات الحديثة

واعتبر مُحدثنا في تصريح لـ«الصباح» أن اقتصاد المعرفة يُعدّ المحرك الرئيسي للصناعات الحديثة القادرة على خلق قيمة مضافة عالية، لافتًا إلى أن تونس تمتلك رأس مال بشري مهم في المجالات الهندسية والبحثية، ويمكن توظيفه عبر دعم البحث التطبيقي في الجامعات وربطه مباشرة بحاجيات المؤسسات الصناعية.

تشجيع الشركات ذات الحلول الذكية

وأضاف قيس الفقيه أنه يمكن أيضا استغلال هذا الرأس المال البشري الاستغلال الأمثل من خلال تشجيع الشركات التي تقدم حلولاً ذكية للصناعة (Industrial Startups) في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، النمذجة الرقمية، وتحليل البيانات، علاوة على إنشاء آليات تمويل مخصصة للبحث والتطوير، مع إلزام الشركات الكبرى بنسب دنيا من الاستثمار في الابتكار.

تحويل المعرفة العلمية إلى منتجات وخدمات صناعية

وأكد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي في الاقتصاد أن نجاح هذه الآليات يسمح بتحويل المعرفة العلمية إلى منتجات وخدمات صناعية قابلة للتسويق داخليا وخارجيا.

ولرفع تنافسية القطاع الصناعي، يرى قيس الفقيه أن النسيج الإنتاجي في تونس يحتاج إلى دمج تكنولوجيات متطورة مثل الروبوتيك، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وأنظمة التحكم الذكي، والتحليلات المتقدمة، والمرور إلى آليات من ضمنها رقمنة سلاسل الإنتاج لتخفيض التكلفة وتحسين الجودة وتطوير منصات رقمية لمتابعة الإنتاج، والصيانة التوقعية، وتتبع السلع، إلى جانب تدريب العمال والمهندسين على المهارات الرقمية المطلوبة عالميًا، مع إنشاء مراكز لتحويل المؤسسات نحو الصناعة 4.0 ترافق الشركات الصغيرة والمتوسطة في مسار الترقية التقنية.

وأوضح المُتحدّث ذاته أنه بهذا التحول تصبح المؤسسات التونسية أكثر قدرة على امتلاك التقنيات بدل الاكتفاء بالمناولة.

التكنولوجيات النظيفة جواز عبور إلى الأسواق العالمية

وفي ما يخصّ جانب التكنولوجيات النظيفة، قال قيس الفقيه إن التحول البيئي العالمي لم يعد خيارا بل شرطا للتصدير نحو الأسواق المتقدمة. وبالتالي يجب إدماج الطاقات المتجددة داخل الوحدات الصناعية لتخفيض الكلفة والامتثال للمعايير الدولية، مع ضرورة اعتماد تكنولوجيات الحد من الانبعاثات وتدوير النفايات الصناعية.

كما شدّد على أهمية تشجيع تصنيع مكونات مرتبطة بالطاقات النظيفة.

واعتبر قيس الفقيه أن اعتماد هذا الخيار يضع تونس في موقع متقدم للاستفادة من الطلب العالمي المتزايد على المنتجات الخضراء.

حماية المعطيات الشخصية ضمان الثقة في التحول الرقمي

ومن أجل أن تكون تونس بيئة آمنة للابتكار الرقمي وللاستثمارات عالية التقنية، خاصة مع توسّع الرقمنة في الصناعة، أكد قيس الفقيه أن حماية البيانات باتت شرطا أساسيًا للاستثمار الأجنبي ولثقة الشركاء الدوليين، وبالتالي فإن بلادنا تحتاج إلى تحديث التشريعات المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية لتتوافق مع المعايير الأوروبية (GDPR)، إلى جانب اعتماد نظم أمن معلومات داخل المؤسسات الصناعية.

وذكر مُحدثنا أنه لا يمكن بناء اقتصاد قائم على المعرفة دون منظومة قوية لحماية الملكية الفكرية. ولتطوير هذه المنظومة، لابد من تسريع إجراءات تسجيل العلامات التجارية وبراءات الاختراع، ورقمنة مسار التسجيل بالكامل وإتاحة الخدمات إلكترونيا، بالتوازي مع محاربة جرائم التقليد والغش التجاري لتعزيز ثقة المستثمرين، مُشيرا إلى أن حماية العلامات التجارية والاختراعات يُمثّل ركيزة لاقتصاد الابتكار، وأساس أي بيئة ابتكارية جاذبة.

كما دعا قيس الفقيه إلى توفير محاكم أو دوائر مختصة في النزاعات المتعلقة بالملكية الفكرية لضمان سرعة البتّ.

ويُشكّل التوجه لجعل تونس منتجا للبراءات حجز الأساس لنمو اقتصادي معرفي سليم. وفي هذا السياق قال الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي في الاقتصاد قيس الفقيه إنه لتحقيق leap économique، يجب أن تنتقل تونس من استهلاك التكنولوجيا إلى إنتاجها.

ويمكن بلوغ هذه النقلة عبر إحداث برامج وطنية لتحفيز إنتاج البراءات وتشجيع التعاون بين الباحثين والمؤسسات لتوليد براءات ذات تطبيق صناعي مباشر، إضافة إلى تخصيص خطوط تمويل لتسجيل البراءات دوليا حتى تصبح قابلة للاستثمار التجاري ومنح امتيازات ضريبية للشركات التي تستغل اختراعات تونسية. ويمكن باعتماد هذه الخطوات أن تكون تونس مركزًا إقليميًا لإنتاج المعرفة والابتكار.

الارتقاء في سلاسل القيمة العالمية

وتسعى تونس بخطوات حثيثة للارتقاء في سلاسل القيمة العالمية ولضمان مكانة تنافسية في السوق الدولية. ولتحقيق هذا الهدف الطموح، ذكر قيس الفقيه أنه يجب الانتقال من دور المناولة البسيطة إلى المراحل العليا في السلسلة مثل التصميم والنمذجة والتطوير والهندسة الصناعية، وهو ما يتطلب تطوير مناطق صناعية ذكية متخصصة في التكنولوجيا والطاقات النظيفة والميكاترونيك واستقطاب استثمارات نوعية تعتمد على الكفاءات التونسية لا على التكلفة المنخفضة فقط، وتعزيز الربط بين المصنعين وشركات التكنولوجيا لخلق منظومة إنتاج متكاملة.

نموذج قادر على تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني

من جهته، أورد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي حاتم فتح الله أن إعداد مخطّط التنمية 2030-2026 يعدّ نقلة نوعية في منهجية التخطيط ورسم الأولويات الوطنية، حيث اعتمدت الحكومة مقاربة تصاعدية وتشاركية تُشرك المجالس المحلية والجهوية في تحديد مسارات التنمية.

وقال حاتم فتح الله لـ«الصباح» إنه في ظل التحولات العالمية المتسارعة، تبرز الحاجة الملحة إلى تبنّي نموذج اقتصادي جديد يقوم على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا النظيفة، ويكون بالتالي نموذجًا قادرًا على تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني وتحسين تموقع تونس داخل سلاسل القيمة العالمية.

وأكد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي أن الاقتصاد المعرفي يمثل خيارا استراتيجيا لا يمكن تجاهله في صياغة مستقبل الصناعة والتنمية في تونس خلال السنوات القادمة.

وحسب حاتم فتح الله، فإن هناك جملة من الآليات يُمكن أن تشكّل ركائز أساسية في بناء نموذج صناعي حديث من خلال تكريس اقتصاد معرفي يعتمد بالأساس على البحث

والتطوير والمهارات المتقدمة، مع تعزيز دور المؤسسات التكنولوجية الناشئة كقاطرة للنمو وخلق القيمة المضافة، بعيدًا عن الاقتصاد التقليدي مما من شأنه أن يخلق نموذج تنموي جديد قائم على الابتكار.

نحو إدماج الذكاء الاصطناعي والرقمنة في المنظومات الصناعية

مع تصاعد مجالات تدخّلات الذكاء الاصطناعي، قال الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي إن إدماج هذه التقنية والرقمنة في المنظومات الصناعية لرفع الإنتاجية والجودة، إلى جانب تطوير سلاسل إنتاج تعتمد على الأتمتة والروبوتيك، من شأنه أن يضاعف القدرة على التصدير ويمكن أن يجعل من الصناعة الذكية كرافعة للمنافسة الدولية. واعتبر أن الصناعة الذكية تفرض إدماج الرقمنة والذكاء الاصطناعي في المنظومات الصناعية لرفع الإنتاجية والجودة، إلى جانب تطوير سلاسل إنتاج تعتمد على الأتمتة والروبوتيك بما يُحسن القدرة على التصدير.

وتكتسي التكنولوجيا النظيفة أهمية بالغة في قلب التحول الاقتصادي، ومن هذا المنطلق أفاد حاتم فتح الله أنه يجب توجيه الاستثمار نحو الطاقات المتجددة وتقنيات الحد من الانبعاثات، حفاظا على البيئة، إلى جانب تشجيع المؤسسات على اعتماد الإنتاج النظيف والاقتصاد الدائري.

ويتطلب دعم التموقع داخل سلاسل القيمة العالمية حزمة من الإجراءات. إذ قال حاتم فتح الله إنه يجب الانتقال من دور «المنتج البسيط» إلى «الفاعل المبتكر» داخل سلاسل القيمة، والعمل على توجيه الصناعات نحو الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية مثل التكنولوجيا والطاقات المتجددة والصناعات الميكانيكية.

ودعا مُحدثنا إلى ربط التنمية الصناعية بالتنمية الجهوية من خلال استثمار خصوصيات الجهات لخلق مناطق ابتكار وصناعة متخصصة وتفعيل دور المجالس المحلية والجهوية في تحديد الأولويات الصناعية وفق مقاربة تشاركية.

وفي حديثه لـ«الصباح»، أوضح حاتم فتح الله أنه لابد من الارتقاء بجودة رأس المال البشري، الاستثمار في التعليم العالي والتكوين المهني في مجالات الهندسة والرقمنة والطاقات النظيفة، وتشجيع الشراكات بين الجامعات والمؤسسات لإنتاج معرفة قابلة للاستغلال الاقتصادي.

ويلعب تحسين مناخ الاستثمار دورًا بارزًا في دعم التكنولوجيا والابتكار، حيث قال الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي إنه يجب تبسيط الإجراءات أمام المستثمرين في القطاعات التكنولوجية ووضع حوافز مالية وضريبية لتشجيع المؤسسات الناشئة والمبتكرة، مع تسريع التحول الرقمي للمؤسسات والإدارة، ورقمنة الخدمات العمومية لتسهيل التعامل مع الفاعلين الاقتصاديين.

تعزيز الاستدامة في السياسات العمومية

ولضمان بناء نموذج صناعي حديث يرتكز على اقتصاد المعرفة، يرى حاتم فتح الله أنه يجب إدماج معايير التنمية المستدامة في كل مراحل التخطيط والتنفيذ، وإرساء رؤية وطنية للسيادة التكنولوجية عبر تطوير قدرات محلية في البرمجيات والذكاء الاصطناعي والتصنيع المتقدم والحدّ من التبعية التكنولوجية عبر نقل التكنولوجيا وتشجيع البحث التطبيقي.

 درصاف اللموشي

مثّلت أحد محاور مشروع مخطّط التنمية للفترة القادمة..   اقتصاد المعرفة يدفع تونس نحو انتقال صناعي أكثر تنافسية

يشهد العالم اليوم تحوّلا عميقا في طرق الإنتاج، حيث بات اقتصاد المعرفة والتكنولوجيات الحديثة والنظيفة حجر الأساس لأي استراتيجية صناعية طموحة. فالدول التي تراهن على الابتكار والرقمنة والطاقات المتجددة أصبحت الأقدر على خلق نمو مستدام واستقطاب الاستثمارات وتحقيق قيمة مضافة عالية. وفي خضم هذا التحوّل، تبرز الحاجة الملحة إلى تحديث البنى الصناعية، وتأهيل الكفاءات، واعتماد حلول ذكية صديقة للبيئة، بما يجعل الاقتصاد قادرا على مواكبة المنافسة العالمية وبناء صناعة جديدة ترتكز على المعرفة أكثر من ارتكازها على الموارد التقليدية.

تدرك تونس اليوم أن بناء نموذج صناعي حديث لن يتحقق دون صياغة معادلة جديدة تقوم على اقتصاد المعرفة والتكنولوجيات الحديثة والنظيفة. فالتوجه العالمي نحو الرقمنة والابتكار والحد من الانبعاثات يفرض على الصناعات الوطنية التحوّل إلى منظومات إنتاج أكثر استدامة.

ولهذا تعمل تونس على تعزيز البحث والتطوير، وتشجيع المؤسسات الناشئة، وتحفيز الاستثمار في الطاقات المتجددة والتقنيات الرقمية، في محاولة لوضع أسس صناعة تنافسية قادرة على الاندماج في سلاسل القيمة العالمية. وتعتبر هذه الخيارات رهانا استراتيجيا لضمان انتقال اقتصادي فعّال يدعم النمو ويخلق فرص عمل. ويؤدي بناء نموذج صناعي حديث إلى تحقيق تنمية سليمة ومستدامة قادرة على مواكبة مختلف التحولات العالمية.

كما تسعى بلادنا إلى التموقع بقوة في سلاسل القيمة العالمية من خلال توفير ميزات تنافسية للاقتصاد التونسي. هذا التوجه يبدو جليا في مشروع مخطّط التنمية 2026-2030، إذ أن من بين محاوره إرساء نموذج صناعي يستند إلى اقتصاد المعرفة والتكنولوجيات الحديثة والنظيفة.

وفي هذا الصدد، أورد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي قيس الفقيه أن مخطّط التنمية 2026-2030 يُمثّل لحظة مفصلية لإعادة صياغة التوجهات الصناعية لتونس، خاصة وأن التحولات العالمية المتسارعة لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي، والطاقات النظيفة، وحماية المعطيات، تفرض الانتقال من نموذج إنتاج تقليدي إلى نموذج يعتمد على المعرفة، الابتكار، حماية الملكية الفكرية، والاستدامة. وهو توجه لا يعزز فقط الاندماج في سلاسل القيمة العالمية، بل يجعل تونس بلدا منتجا للتكنولوجيا والبراءات.

اقتصاد المعرفة محرّك للصناعات الحديثة

واعتبر مُحدثنا في تصريح لـ«الصباح» أن اقتصاد المعرفة يُعدّ المحرك الرئيسي للصناعات الحديثة القادرة على خلق قيمة مضافة عالية، لافتًا إلى أن تونس تمتلك رأس مال بشري مهم في المجالات الهندسية والبحثية، ويمكن توظيفه عبر دعم البحث التطبيقي في الجامعات وربطه مباشرة بحاجيات المؤسسات الصناعية.

تشجيع الشركات ذات الحلول الذكية

وأضاف قيس الفقيه أنه يمكن أيضا استغلال هذا الرأس المال البشري الاستغلال الأمثل من خلال تشجيع الشركات التي تقدم حلولاً ذكية للصناعة (Industrial Startups) في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، النمذجة الرقمية، وتحليل البيانات، علاوة على إنشاء آليات تمويل مخصصة للبحث والتطوير، مع إلزام الشركات الكبرى بنسب دنيا من الاستثمار في الابتكار.

تحويل المعرفة العلمية إلى منتجات وخدمات صناعية

وأكد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي في الاقتصاد أن نجاح هذه الآليات يسمح بتحويل المعرفة العلمية إلى منتجات وخدمات صناعية قابلة للتسويق داخليا وخارجيا.

ولرفع تنافسية القطاع الصناعي، يرى قيس الفقيه أن النسيج الإنتاجي في تونس يحتاج إلى دمج تكنولوجيات متطورة مثل الروبوتيك، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وأنظمة التحكم الذكي، والتحليلات المتقدمة، والمرور إلى آليات من ضمنها رقمنة سلاسل الإنتاج لتخفيض التكلفة وتحسين الجودة وتطوير منصات رقمية لمتابعة الإنتاج، والصيانة التوقعية، وتتبع السلع، إلى جانب تدريب العمال والمهندسين على المهارات الرقمية المطلوبة عالميًا، مع إنشاء مراكز لتحويل المؤسسات نحو الصناعة 4.0 ترافق الشركات الصغيرة والمتوسطة في مسار الترقية التقنية.

وأوضح المُتحدّث ذاته أنه بهذا التحول تصبح المؤسسات التونسية أكثر قدرة على امتلاك التقنيات بدل الاكتفاء بالمناولة.

التكنولوجيات النظيفة جواز عبور إلى الأسواق العالمية

وفي ما يخصّ جانب التكنولوجيات النظيفة، قال قيس الفقيه إن التحول البيئي العالمي لم يعد خيارا بل شرطا للتصدير نحو الأسواق المتقدمة. وبالتالي يجب إدماج الطاقات المتجددة داخل الوحدات الصناعية لتخفيض الكلفة والامتثال للمعايير الدولية، مع ضرورة اعتماد تكنولوجيات الحد من الانبعاثات وتدوير النفايات الصناعية.

كما شدّد على أهمية تشجيع تصنيع مكونات مرتبطة بالطاقات النظيفة.

واعتبر قيس الفقيه أن اعتماد هذا الخيار يضع تونس في موقع متقدم للاستفادة من الطلب العالمي المتزايد على المنتجات الخضراء.

حماية المعطيات الشخصية ضمان الثقة في التحول الرقمي

ومن أجل أن تكون تونس بيئة آمنة للابتكار الرقمي وللاستثمارات عالية التقنية، خاصة مع توسّع الرقمنة في الصناعة، أكد قيس الفقيه أن حماية البيانات باتت شرطا أساسيًا للاستثمار الأجنبي ولثقة الشركاء الدوليين، وبالتالي فإن بلادنا تحتاج إلى تحديث التشريعات المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية لتتوافق مع المعايير الأوروبية (GDPR)، إلى جانب اعتماد نظم أمن معلومات داخل المؤسسات الصناعية.

وذكر مُحدثنا أنه لا يمكن بناء اقتصاد قائم على المعرفة دون منظومة قوية لحماية الملكية الفكرية. ولتطوير هذه المنظومة، لابد من تسريع إجراءات تسجيل العلامات التجارية وبراءات الاختراع، ورقمنة مسار التسجيل بالكامل وإتاحة الخدمات إلكترونيا، بالتوازي مع محاربة جرائم التقليد والغش التجاري لتعزيز ثقة المستثمرين، مُشيرا إلى أن حماية العلامات التجارية والاختراعات يُمثّل ركيزة لاقتصاد الابتكار، وأساس أي بيئة ابتكارية جاذبة.

كما دعا قيس الفقيه إلى توفير محاكم أو دوائر مختصة في النزاعات المتعلقة بالملكية الفكرية لضمان سرعة البتّ.

ويُشكّل التوجه لجعل تونس منتجا للبراءات حجز الأساس لنمو اقتصادي معرفي سليم. وفي هذا السياق قال الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي في الاقتصاد قيس الفقيه إنه لتحقيق leap économique، يجب أن تنتقل تونس من استهلاك التكنولوجيا إلى إنتاجها.

ويمكن بلوغ هذه النقلة عبر إحداث برامج وطنية لتحفيز إنتاج البراءات وتشجيع التعاون بين الباحثين والمؤسسات لتوليد براءات ذات تطبيق صناعي مباشر، إضافة إلى تخصيص خطوط تمويل لتسجيل البراءات دوليا حتى تصبح قابلة للاستثمار التجاري ومنح امتيازات ضريبية للشركات التي تستغل اختراعات تونسية. ويمكن باعتماد هذه الخطوات أن تكون تونس مركزًا إقليميًا لإنتاج المعرفة والابتكار.

الارتقاء في سلاسل القيمة العالمية

وتسعى تونس بخطوات حثيثة للارتقاء في سلاسل القيمة العالمية ولضمان مكانة تنافسية في السوق الدولية. ولتحقيق هذا الهدف الطموح، ذكر قيس الفقيه أنه يجب الانتقال من دور المناولة البسيطة إلى المراحل العليا في السلسلة مثل التصميم والنمذجة والتطوير والهندسة الصناعية، وهو ما يتطلب تطوير مناطق صناعية ذكية متخصصة في التكنولوجيا والطاقات النظيفة والميكاترونيك واستقطاب استثمارات نوعية تعتمد على الكفاءات التونسية لا على التكلفة المنخفضة فقط، وتعزيز الربط بين المصنعين وشركات التكنولوجيا لخلق منظومة إنتاج متكاملة.

نموذج قادر على تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني

من جهته، أورد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي حاتم فتح الله أن إعداد مخطّط التنمية 2030-2026 يعدّ نقلة نوعية في منهجية التخطيط ورسم الأولويات الوطنية، حيث اعتمدت الحكومة مقاربة تصاعدية وتشاركية تُشرك المجالس المحلية والجهوية في تحديد مسارات التنمية.

وقال حاتم فتح الله لـ«الصباح» إنه في ظل التحولات العالمية المتسارعة، تبرز الحاجة الملحة إلى تبنّي نموذج اقتصادي جديد يقوم على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا النظيفة، ويكون بالتالي نموذجًا قادرًا على تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني وتحسين تموقع تونس داخل سلاسل القيمة العالمية.

وأكد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي أن الاقتصاد المعرفي يمثل خيارا استراتيجيا لا يمكن تجاهله في صياغة مستقبل الصناعة والتنمية في تونس خلال السنوات القادمة.

وحسب حاتم فتح الله، فإن هناك جملة من الآليات يُمكن أن تشكّل ركائز أساسية في بناء نموذج صناعي حديث من خلال تكريس اقتصاد معرفي يعتمد بالأساس على البحث

والتطوير والمهارات المتقدمة، مع تعزيز دور المؤسسات التكنولوجية الناشئة كقاطرة للنمو وخلق القيمة المضافة، بعيدًا عن الاقتصاد التقليدي مما من شأنه أن يخلق نموذج تنموي جديد قائم على الابتكار.

نحو إدماج الذكاء الاصطناعي والرقمنة في المنظومات الصناعية

مع تصاعد مجالات تدخّلات الذكاء الاصطناعي، قال الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي إن إدماج هذه التقنية والرقمنة في المنظومات الصناعية لرفع الإنتاجية والجودة، إلى جانب تطوير سلاسل إنتاج تعتمد على الأتمتة والروبوتيك، من شأنه أن يضاعف القدرة على التصدير ويمكن أن يجعل من الصناعة الذكية كرافعة للمنافسة الدولية. واعتبر أن الصناعة الذكية تفرض إدماج الرقمنة والذكاء الاصطناعي في المنظومات الصناعية لرفع الإنتاجية والجودة، إلى جانب تطوير سلاسل إنتاج تعتمد على الأتمتة والروبوتيك بما يُحسن القدرة على التصدير.

وتكتسي التكنولوجيا النظيفة أهمية بالغة في قلب التحول الاقتصادي، ومن هذا المنطلق أفاد حاتم فتح الله أنه يجب توجيه الاستثمار نحو الطاقات المتجددة وتقنيات الحد من الانبعاثات، حفاظا على البيئة، إلى جانب تشجيع المؤسسات على اعتماد الإنتاج النظيف والاقتصاد الدائري.

ويتطلب دعم التموقع داخل سلاسل القيمة العالمية حزمة من الإجراءات. إذ قال حاتم فتح الله إنه يجب الانتقال من دور «المنتج البسيط» إلى «الفاعل المبتكر» داخل سلاسل القيمة، والعمل على توجيه الصناعات نحو الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية مثل التكنولوجيا والطاقات المتجددة والصناعات الميكانيكية.

ودعا مُحدثنا إلى ربط التنمية الصناعية بالتنمية الجهوية من خلال استثمار خصوصيات الجهات لخلق مناطق ابتكار وصناعة متخصصة وتفعيل دور المجالس المحلية والجهوية في تحديد الأولويات الصناعية وفق مقاربة تشاركية.

وفي حديثه لـ«الصباح»، أوضح حاتم فتح الله أنه لابد من الارتقاء بجودة رأس المال البشري، الاستثمار في التعليم العالي والتكوين المهني في مجالات الهندسة والرقمنة والطاقات النظيفة، وتشجيع الشراكات بين الجامعات والمؤسسات لإنتاج معرفة قابلة للاستغلال الاقتصادي.

ويلعب تحسين مناخ الاستثمار دورًا بارزًا في دعم التكنولوجيا والابتكار، حيث قال الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي إنه يجب تبسيط الإجراءات أمام المستثمرين في القطاعات التكنولوجية ووضع حوافز مالية وضريبية لتشجيع المؤسسات الناشئة والمبتكرة، مع تسريع التحول الرقمي للمؤسسات والإدارة، ورقمنة الخدمات العمومية لتسهيل التعامل مع الفاعلين الاقتصاديين.

تعزيز الاستدامة في السياسات العمومية

ولضمان بناء نموذج صناعي حديث يرتكز على اقتصاد المعرفة، يرى حاتم فتح الله أنه يجب إدماج معايير التنمية المستدامة في كل مراحل التخطيط والتنفيذ، وإرساء رؤية وطنية للسيادة التكنولوجية عبر تطوير قدرات محلية في البرمجيات والذكاء الاصطناعي والتصنيع المتقدم والحدّ من التبعية التكنولوجية عبر نقل التكنولوجيا وتشجيع البحث التطبيقي.

 درصاف اللموشي