إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

سجل زيادة بنسبة 19 %.. تفشّي العنف في المؤسسات التربوية ومحيطها.. والمطلوب قاعدة بيانات وطنية للتبليغ

يشهد الفضاء التربوي ومؤسساته انتشارا واسعا للاعتداءات والعنف اللذين يستهدفان التلميذ والمربي، بشكل تحوّل معه العنف إلى أبرز التحديات التي تواجه المنظومة التربوية. ورغم الجهود المبذولة لمقاومة الظاهرة منذ سنوات، ما يزال الوسط المدرسي يعيش على وقع العنف بمختلف أشكاله اللفظي والمادي والتحرّش والتنمّر وسوء المعاملة، وتزداد الظاهرة حدّة كلما تراجع الدور الوقائي للمؤسسات وضعفت قدرة الهياكل على التبليغ والمتابعة.

وفي تشخيص للظاهرة، تكشف آخر الأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية ارتفاعا واضحا لمنسوب العنف في المحيط المدرسي. إذ أفادت رئيسة الإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية بإدارة الشرطة العدلية ورئيسة فريق العمل المكلّف بإعداد وإنجاز ورشة مكافحة العنف في الفضاءات المدرسية وفي محيط المؤسسات التربوية، فاتن المطوسي، أن 550 طفلا كانوا ضحايا لأعمال عنف داخل الفضاء التربوي أو في محيطه على مستوى ولايات تونس الكبرى، مقابل 230 طفلا قاموا بممارسة العنف.

كما تشير الأرقام المسجّلة خلال سنة 2023 على مستوى ولايات تونس الكبرى أيضا، إلى أن 549 طفلا كانوا ضحايا للعنف (236 تلميذا قاموا بأعمال العنف)، مقابل 550 طفلا كانوا ضحايا لهذا العنف (244 تلميذا مارسوا العنف).

وتحتل ولايات تونس الكبرى المرتبة الأولى على المستوى الوطني بنسبة 20 % من حيث المتضرّرين و14 % من حيث القائمين بأعمال العنف داخل المؤسسات التربوية أو في محيطها.

وتقول الدراسة نفسها إن حالات العنف بالوسط المدرسي قد سجّلت ارتفاعا بـ19 % بين سنتي 2023 و2024، وتعتبر أن هذه الظاهرة تهدّد المنظومة التربوية والمجتمع ككل.

فالعنف لا يعدّ فقط «حادثا فرديا»، حسب الباحثة في علم الاجتماع نجاة عرعاري، بل هو مؤشر اجتماعي يدل على توتر شامل في علاقة المجتمع بالمدرسة، ومنه يتم إعادة إنتاج علاقات الهيمنة بين المربي والتلميذ، العائلة والمدرسة، الولي والتلميذ.

وحسب علم الاجتماع، يمكن تفسير الظاهرة من أكثر من زاوية؛ فتدهور الوضع الاجتماعي للأسر وارتفاع الضغوط الاقتصادية يمكن أن ينعكس مباشرة على سلوك التلاميذ. كما أن انتشار العنف الرقمي من شأنه أن يغذّي التنمّر ويضاعف آثاره خارج أسوار المدرسة.

وترى محدثتنا أن ضعف ثقافة الحوار داخل الفضاءات المدرسية يشكل مصدرا لمضاعفة الإحساس المتزايد بانعدام الثقة بين التلاميذ والأسر من جهة، وبين الإطار التربوي والوزارة من جهة أخرى.

وتُظهر التجارب الميدانية أن ضعف المتابعة بعد التبليغ هو أحد أهم أسباب استمرار العنف، إذ غالبا ما تُغلق الملفات دون تقييم أو دون عودة إلى المدرسة للمراقبة. ولا تتوفر بالمؤسسات التربوية منظومة واضحة من حيث المبدأ للتبليغ والحماية موجّهة بالأساس للتلاميذ.

كما أن التواصل بين المدرسة ومندوبية حماية الطفولة في حاجة إلى التطوير لتوفير المعلومات بين الهياكل.

في المقابل، يمتلك الإطار التربوي المباشر (الأستاذ/المربي/المدير) آلية تشكّي وعقابية واضحة تتمثل في تحرير محاضر أو تقارير داخلية أو إحالة على مجالس التأديب وتوجيه الملف إلى مندوبية التربية والتدخل القضائي إذا كان هناك عنف جسدي أو تهديد.

ولا تتوفر قاعدة بيانات وطنية تجمع المعطيات حول حالات العنف وأماكنها باستمرار. كما تسجّل المؤسسات التربوية نقصا في الإطارات النفسية والاجتماعية، فأغلب المدارس لا تحتوي على أخصائي نفسي قار، وتعاني من محدودية الموارد البشرية المكلّفة بالإحاطة النفسية والاجتماعية.

وتواجه المنظومة التربوية نقائص في التشريعات، مع غياب بروتوكولات حماية موحّدة تُطبّق في كل المدارس بالطريقة نفسها.

ومن أبرز التوصيات التي وجهتها الباحثة في علم الاجتماع إرساء وحدات مدرسية قارة للإحاطة النفسية والاجتماعية، وإطلاق منصة وطنية للتبليغ والمتابعة تمكّن من تتبّع الملفات بانتظام، وتدريب المربين على آليات فضّ النزاعات ومنع العنف، وتعزيز الشراكات بين المدرسة والجمعيات المختصة في حماية الأطفال. فضلًا عن تطوير برامج للوقاية الأولية (نوادٍ، مسرح، رياضة، إعلام تفاعلي، تربية على استعمال الفضاء الرقمي)، وذلك بالتوازي مع إشراك الأسرة في كل مراحل المتابعة وتوفير جلسات دعم وتوجيه.

ريم سوّودي

سجل زيادة بنسبة 19 %..   تفشّي العنف في المؤسسات التربوية ومحيطها.. والمطلوب قاعدة بيانات وطنية للتبليغ

يشهد الفضاء التربوي ومؤسساته انتشارا واسعا للاعتداءات والعنف اللذين يستهدفان التلميذ والمربي، بشكل تحوّل معه العنف إلى أبرز التحديات التي تواجه المنظومة التربوية. ورغم الجهود المبذولة لمقاومة الظاهرة منذ سنوات، ما يزال الوسط المدرسي يعيش على وقع العنف بمختلف أشكاله اللفظي والمادي والتحرّش والتنمّر وسوء المعاملة، وتزداد الظاهرة حدّة كلما تراجع الدور الوقائي للمؤسسات وضعفت قدرة الهياكل على التبليغ والمتابعة.

وفي تشخيص للظاهرة، تكشف آخر الأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية ارتفاعا واضحا لمنسوب العنف في المحيط المدرسي. إذ أفادت رئيسة الإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية بإدارة الشرطة العدلية ورئيسة فريق العمل المكلّف بإعداد وإنجاز ورشة مكافحة العنف في الفضاءات المدرسية وفي محيط المؤسسات التربوية، فاتن المطوسي، أن 550 طفلا كانوا ضحايا لأعمال عنف داخل الفضاء التربوي أو في محيطه على مستوى ولايات تونس الكبرى، مقابل 230 طفلا قاموا بممارسة العنف.

كما تشير الأرقام المسجّلة خلال سنة 2023 على مستوى ولايات تونس الكبرى أيضا، إلى أن 549 طفلا كانوا ضحايا للعنف (236 تلميذا قاموا بأعمال العنف)، مقابل 550 طفلا كانوا ضحايا لهذا العنف (244 تلميذا مارسوا العنف).

وتحتل ولايات تونس الكبرى المرتبة الأولى على المستوى الوطني بنسبة 20 % من حيث المتضرّرين و14 % من حيث القائمين بأعمال العنف داخل المؤسسات التربوية أو في محيطها.

وتقول الدراسة نفسها إن حالات العنف بالوسط المدرسي قد سجّلت ارتفاعا بـ19 % بين سنتي 2023 و2024، وتعتبر أن هذه الظاهرة تهدّد المنظومة التربوية والمجتمع ككل.

فالعنف لا يعدّ فقط «حادثا فرديا»، حسب الباحثة في علم الاجتماع نجاة عرعاري، بل هو مؤشر اجتماعي يدل على توتر شامل في علاقة المجتمع بالمدرسة، ومنه يتم إعادة إنتاج علاقات الهيمنة بين المربي والتلميذ، العائلة والمدرسة، الولي والتلميذ.

وحسب علم الاجتماع، يمكن تفسير الظاهرة من أكثر من زاوية؛ فتدهور الوضع الاجتماعي للأسر وارتفاع الضغوط الاقتصادية يمكن أن ينعكس مباشرة على سلوك التلاميذ. كما أن انتشار العنف الرقمي من شأنه أن يغذّي التنمّر ويضاعف آثاره خارج أسوار المدرسة.

وترى محدثتنا أن ضعف ثقافة الحوار داخل الفضاءات المدرسية يشكل مصدرا لمضاعفة الإحساس المتزايد بانعدام الثقة بين التلاميذ والأسر من جهة، وبين الإطار التربوي والوزارة من جهة أخرى.

وتُظهر التجارب الميدانية أن ضعف المتابعة بعد التبليغ هو أحد أهم أسباب استمرار العنف، إذ غالبا ما تُغلق الملفات دون تقييم أو دون عودة إلى المدرسة للمراقبة. ولا تتوفر بالمؤسسات التربوية منظومة واضحة من حيث المبدأ للتبليغ والحماية موجّهة بالأساس للتلاميذ.

كما أن التواصل بين المدرسة ومندوبية حماية الطفولة في حاجة إلى التطوير لتوفير المعلومات بين الهياكل.

في المقابل، يمتلك الإطار التربوي المباشر (الأستاذ/المربي/المدير) آلية تشكّي وعقابية واضحة تتمثل في تحرير محاضر أو تقارير داخلية أو إحالة على مجالس التأديب وتوجيه الملف إلى مندوبية التربية والتدخل القضائي إذا كان هناك عنف جسدي أو تهديد.

ولا تتوفر قاعدة بيانات وطنية تجمع المعطيات حول حالات العنف وأماكنها باستمرار. كما تسجّل المؤسسات التربوية نقصا في الإطارات النفسية والاجتماعية، فأغلب المدارس لا تحتوي على أخصائي نفسي قار، وتعاني من محدودية الموارد البشرية المكلّفة بالإحاطة النفسية والاجتماعية.

وتواجه المنظومة التربوية نقائص في التشريعات، مع غياب بروتوكولات حماية موحّدة تُطبّق في كل المدارس بالطريقة نفسها.

ومن أبرز التوصيات التي وجهتها الباحثة في علم الاجتماع إرساء وحدات مدرسية قارة للإحاطة النفسية والاجتماعية، وإطلاق منصة وطنية للتبليغ والمتابعة تمكّن من تتبّع الملفات بانتظام، وتدريب المربين على آليات فضّ النزاعات ومنع العنف، وتعزيز الشراكات بين المدرسة والجمعيات المختصة في حماية الأطفال. فضلًا عن تطوير برامج للوقاية الأولية (نوادٍ، مسرح، رياضة، إعلام تفاعلي، تربية على استعمال الفضاء الرقمي)، وذلك بالتوازي مع إشراك الأسرة في كل مراحل المتابعة وتوفير جلسات دعم وتوجيه.

ريم سوّودي