الثقافة والفنون تفقد توهجها في زمن تضيق فيه المساحات الخضراء
أيام قرطاج المسرحية تأسست وحافظت على ديمومتها في زمن صعب اضمحلت فيه العديد من التظاهرات المسرحية، وأنا فخور بأنني عشت زمن هذا الصرح العريق.
الفاضل الجعايبي خارطة عالمية ممتدة أضاءت وأضافت فكرا رائدا ومتفردا للمسرح العربي فكانت جائزة القصب له.
المسرح العراقي اليوم يمتلك طاقات شبابية طموحة تعمل باجتهاد على تأسيس أطلس مسرحي متميز في خطابه وقراءاته المتعددة.
منذ تأسيس أيام قرطاج المسرحية سنة 1983 ارتبط الكاتب والمخرج المسرحي العراقي الكبير الدكتور صلاح القصب بعلاقة استثنائية مع هذه التظاهرة العربية الإفريقية، مُنظِّرا ومخرجا ومشاركا في الأنشطة الفكرية، ومُسهما بمقترحاته وآرائه ومواقفه لأجل كسب المزيد من الإشعاع لأيام قرطاج المسرحية في زمن تقلّصت فيه التظاهرات المسرحية العربية والدولية. أهدى هذا المبدع الاستثنائي تونس جائزة القصب للإبداع المسرحي إضافة للجوائز التقليدية للتظاهرة، واعترافا منه وتقديرا لدورها الكبير والشامخ في المدونة المسرحية العربية والإفريقية. هو الدكتور صلاح القصب، العراقي المولد والنشأة والعربي الانتماء، الذي أعلن اعتزازه وفخره بالانتماء لزمن قرطاج منذ سنوات التأسيس الأولى في حواره مع «الصباح»، وهذه تفاصيله:
*يرتبط الدكتور صلاح القصب مع أيام قرطاج المسرحية بعلاقة متينة ثابتة على امتداد أكثر من أربعين سنة. بماذا يحتفظ في ذاكرته بخصوص هذه العلاقة؟
- تمتد علاقتي مع الفضاء العربي والثقافي قرطاج إلى أكثر من أربعة عقود. كان الزمن الأول مع الراحل المنصف السويسي الذي شكّل هذه الخارطة الثقافية، قرطاج التي جعل منها واحة يتجول في فضاءاتها مثقفو المسرح والفنون الأخرى.. يتجول في هذه الفضاءات كل من يعشق الحضارة ويعشق الحرية.
قرطاج كان ومازال الجغرافيا التي أسست هذه الخارطة، والتي أنتجها فنانون تونسيون كالمنصف السويسي والمنجي بن إبراهيم ومحمد إدريس وآخرون.
أتمنى أن يبقى هذا الصرح المسرحي العربي والإفريقي شامخا ليس فقط بدعم وزارة الثقافة، بل أن يحظى أيضا بدعم الجامعة العربية ومنظمة «اليونسكو» لأنها قرطاج الوهج الحضاري والعربي.
ما نعيشه اليوم هو زمن اقتصادي. ثقافة هذا العصر هي ثقافة اقتصادية جعلت الثقافة والفنون تفقد رويدا رويدا توهجها في زمن تضيق فيه كل المساحات الخضراء ويبدأ يشكل خطرا على بيئة الإنسان الثقافية.
أقول رغم كل ذلك إن قرطاج مستمر لأن الإنسان مستمر، ولا يمكن أن تمحو ثقافة العصر الاقتصادية مجد الإنسان.
*رفعت الدورة 26 لأيام قرطاج المسرحية شعار «المسرح وعي وتغيير». كرجل مسرح، ما هي قراءتك له؟
- صُنّاع قرطاج يمثلون وعيا ثقافيا متميزا، ومن هنا أقول إن صياغة شعار هذا المحفل الجمالي الكبير شعار منتمٍ لكل العصور... شعار أممي لأن الحس الجمالي والفكري واحد، هو شعار لخارطة جديدة أسوة بشعار الألعاب الأولمبية بقاراتها الخمس.
*من رحم أيام قرطاج المسرحية ومنذ سنتين تم الإعلان عن تأسيس جائزة صلاح القصب للمسرح.. كيف تقدم هذه الجائزة؟
- جائزة صلاح القصب للمسرح العربي مؤسسة يدعمها مجلس الوزراء العراقي، وتُمنح لمبدع له منجز مضيء، حركي وحر، في العملية الإبداعية المسرحية العربية. وأن تكون انطلاقتها من رحم قرطاج فهذا تأكيد على مكانة وأهمية وإشعاع المهرجان في الخارطة المسرحية العربية.
*أهديت قرطاج جائزة القصب من خلال المسرحي الفاضل الجعايبي حتى وأنت في بغداد... كانت الجائزة تونسية؟
- تعتمد اللجنة في مقاييس إسناد الجائزة على مسيرة المكرّم وتاريخه وومضاته المشعة في ذلك، وقد اختارت اللجنة تتويج المسرحي التونسي الفاضل الجعايبي بها في هذه الدورة اعتبارا لتاريخه المسرحي الكبير والاستثنائي. إنه خارطة عالمية ممتدة أضاءت وأضافت فكرا رائدا ومتفردا لتلك المؤسسة وهي المسرح منذ عهد المؤسسين الأوائل اليونانيين.
لقد أثْرى الفاضل الجعايبي الخارطة المسرحية ووهبها توهجا استثنائيا حتى العصر الحالي الذي يعيش اضطرابات ودمارا وحروبا وطغيانا، ولكن يبقى التاريخ المسرحي شامخا كالجبال يصعب الوصول إليها.
*برزت في مسيرتك المسرحية بتأسيس ما أطلقت عليه مسرح الصورة... كيف تحدد هذه الخصوصيات التي سعيت إلى إرسائها في العملية الإبداعية المسرحية؟
- مسرح الصورة يتكون من شبكات وتركيبات بصرية، يعتمد على الفن التشكيلي كمنطلق وعلى موجات فيزياء بصرية. مسرح الصورة يعتمد على منطلق الجمال، هو مسرح ليس أرضيا بل مركب فكري وفيزيائي أشبه بمركبات وجسيمات تسبح في فضاءات هذا الكون لا نراها ولكن نحس بها. الصورة لا تُرى ولكن نحس بوجهتها الفكرية. إنه مسرح العصر. لقد اعتمدت الصورة على سرد الشعر وابتعدت عن المركب اللغوي المقروء. إنها فضاءات لا تستطيع الإمساك بها ولكننا نحسها بعمق.
*إلى حد غير بعيد يعد النص ركيزة أساسية لكل عمل مسرحي ولا مجال لإقصائه أو تهميشه. وفي مسرح الصورة تغيرت المعادلة فكان التهميش للنص. فهل يمكن القول إن عهد النص ولى دون رجعة في المسرح؟
- النص كثافة لغوية تشبه الحكايات، لذا حاولت وتحاول الصورة الارتقاء بالنص ومسحه من حكاياته المعروفة إلى الدلالة والرمز. ونحن اليوم ننتمي إلى عصر الصورة، نحاول أن نفك شفرات النص السردية وصولا إلى العمق الزمني الذي يشكل النص.
*ماذا عن المسرح العراقي اليوم بعد 2003؟
- تأسس المسرح العراقي من خلال مهندسين لثقافة متقدمة، فهو يمتلك عمقا تاريخيا، ومن هنا لا يمكن أن نغير تاريخا عميقا أسسه مبدعون كبار على غرار قاسم محمد وإبراهيم جلال وغيرهما كثير. ومن هذا المنطلق لا يمكن أن يغيب هذا الصرح أو أن تؤثر فيه الصراعات الدولية وما نعيشه من صراعات اقتصادية.
المسرح العراقي اليوم يمتلك طاقات شبابية طموحة تعمل بجد واجتهاد على تأسيس أطلس مسرحي متميز في خطابه وقراءاته المتعددة للمسرح.
جيل الشباب المسرحي العراقي اليوم هو جيل المستقبل، ولكن المعضلة في الجانب المادي التي تؤثر سلبا عليه وتحد من مغامراته الإبداعية. العراق بلد السيّاب والبياتي يمتلك عمقا إنسانيا رغم كل العراقيل والصعوبات، فهو قادر على إنجاز أعمال مسرحية معاصرة يخلدها التاريخ على غرار مسرحية «الباب» لقاسم محمد.
*كيف بدت لك تونس اليوم من خلال أيام قرطاج المسرحية؟
- أحب تونس كما أحب العراق. تونس تمتلك مسرحا كبيرا وعقلية متطورة بطابعها الإنساني العميق.. التونسي يمتلك حسا لتأسيس مدن جديدة للسلام والمحبة. يكفي تونس فخرا واعتزازا بامتدادها العربي والإفريقي والمتوسطي أنها أسست أيام قرطاج المسرحية في هذا الزمن الصعب، وحافظت على ديمومته في زمن شهد اضمحلال واندثار العديد من المهرجانات المسرحية الأخرى.
وهنا أقول إنه رغم كل الظروف يبقى المسرح التونسي أهم مسرح عربي على مستوى التجارب، ويبقى قرطاج هو النبض الشامخ بتاريخه. قرطاج سيكون مستقبله أكثر إشراقا وتوهجا أكثر من كل العصور الأخرى، وأنا سعيد بكوني أنتمي وعشت زمن قرطاج.
أجري الحوار: محسن بن أحمد
الثقافة والفنون تفقد توهجها في زمن تضيق فيه المساحات الخضراء
أيام قرطاج المسرحية تأسست وحافظت على ديمومتها في زمن صعب اضمحلت فيه العديد من التظاهرات المسرحية، وأنا فخور بأنني عشت زمن هذا الصرح العريق.
الفاضل الجعايبي خارطة عالمية ممتدة أضاءت وأضافت فكرا رائدا ومتفردا للمسرح العربي فكانت جائزة القصب له.
المسرح العراقي اليوم يمتلك طاقات شبابية طموحة تعمل باجتهاد على تأسيس أطلس مسرحي متميز في خطابه وقراءاته المتعددة.
منذ تأسيس أيام قرطاج المسرحية سنة 1983 ارتبط الكاتب والمخرج المسرحي العراقي الكبير الدكتور صلاح القصب بعلاقة استثنائية مع هذه التظاهرة العربية الإفريقية، مُنظِّرا ومخرجا ومشاركا في الأنشطة الفكرية، ومُسهما بمقترحاته وآرائه ومواقفه لأجل كسب المزيد من الإشعاع لأيام قرطاج المسرحية في زمن تقلّصت فيه التظاهرات المسرحية العربية والدولية. أهدى هذا المبدع الاستثنائي تونس جائزة القصب للإبداع المسرحي إضافة للجوائز التقليدية للتظاهرة، واعترافا منه وتقديرا لدورها الكبير والشامخ في المدونة المسرحية العربية والإفريقية. هو الدكتور صلاح القصب، العراقي المولد والنشأة والعربي الانتماء، الذي أعلن اعتزازه وفخره بالانتماء لزمن قرطاج منذ سنوات التأسيس الأولى في حواره مع «الصباح»، وهذه تفاصيله:
*يرتبط الدكتور صلاح القصب مع أيام قرطاج المسرحية بعلاقة متينة ثابتة على امتداد أكثر من أربعين سنة. بماذا يحتفظ في ذاكرته بخصوص هذه العلاقة؟
- تمتد علاقتي مع الفضاء العربي والثقافي قرطاج إلى أكثر من أربعة عقود. كان الزمن الأول مع الراحل المنصف السويسي الذي شكّل هذه الخارطة الثقافية، قرطاج التي جعل منها واحة يتجول في فضاءاتها مثقفو المسرح والفنون الأخرى.. يتجول في هذه الفضاءات كل من يعشق الحضارة ويعشق الحرية.
قرطاج كان ومازال الجغرافيا التي أسست هذه الخارطة، والتي أنتجها فنانون تونسيون كالمنصف السويسي والمنجي بن إبراهيم ومحمد إدريس وآخرون.
أتمنى أن يبقى هذا الصرح المسرحي العربي والإفريقي شامخا ليس فقط بدعم وزارة الثقافة، بل أن يحظى أيضا بدعم الجامعة العربية ومنظمة «اليونسكو» لأنها قرطاج الوهج الحضاري والعربي.
ما نعيشه اليوم هو زمن اقتصادي. ثقافة هذا العصر هي ثقافة اقتصادية جعلت الثقافة والفنون تفقد رويدا رويدا توهجها في زمن تضيق فيه كل المساحات الخضراء ويبدأ يشكل خطرا على بيئة الإنسان الثقافية.
أقول رغم كل ذلك إن قرطاج مستمر لأن الإنسان مستمر، ولا يمكن أن تمحو ثقافة العصر الاقتصادية مجد الإنسان.
*رفعت الدورة 26 لأيام قرطاج المسرحية شعار «المسرح وعي وتغيير». كرجل مسرح، ما هي قراءتك له؟
- صُنّاع قرطاج يمثلون وعيا ثقافيا متميزا، ومن هنا أقول إن صياغة شعار هذا المحفل الجمالي الكبير شعار منتمٍ لكل العصور... شعار أممي لأن الحس الجمالي والفكري واحد، هو شعار لخارطة جديدة أسوة بشعار الألعاب الأولمبية بقاراتها الخمس.
*من رحم أيام قرطاج المسرحية ومنذ سنتين تم الإعلان عن تأسيس جائزة صلاح القصب للمسرح.. كيف تقدم هذه الجائزة؟
- جائزة صلاح القصب للمسرح العربي مؤسسة يدعمها مجلس الوزراء العراقي، وتُمنح لمبدع له منجز مضيء، حركي وحر، في العملية الإبداعية المسرحية العربية. وأن تكون انطلاقتها من رحم قرطاج فهذا تأكيد على مكانة وأهمية وإشعاع المهرجان في الخارطة المسرحية العربية.
*أهديت قرطاج جائزة القصب من خلال المسرحي الفاضل الجعايبي حتى وأنت في بغداد... كانت الجائزة تونسية؟
- تعتمد اللجنة في مقاييس إسناد الجائزة على مسيرة المكرّم وتاريخه وومضاته المشعة في ذلك، وقد اختارت اللجنة تتويج المسرحي التونسي الفاضل الجعايبي بها في هذه الدورة اعتبارا لتاريخه المسرحي الكبير والاستثنائي. إنه خارطة عالمية ممتدة أضاءت وأضافت فكرا رائدا ومتفردا لتلك المؤسسة وهي المسرح منذ عهد المؤسسين الأوائل اليونانيين.
لقد أثْرى الفاضل الجعايبي الخارطة المسرحية ووهبها توهجا استثنائيا حتى العصر الحالي الذي يعيش اضطرابات ودمارا وحروبا وطغيانا، ولكن يبقى التاريخ المسرحي شامخا كالجبال يصعب الوصول إليها.
*برزت في مسيرتك المسرحية بتأسيس ما أطلقت عليه مسرح الصورة... كيف تحدد هذه الخصوصيات التي سعيت إلى إرسائها في العملية الإبداعية المسرحية؟
- مسرح الصورة يتكون من شبكات وتركيبات بصرية، يعتمد على الفن التشكيلي كمنطلق وعلى موجات فيزياء بصرية. مسرح الصورة يعتمد على منطلق الجمال، هو مسرح ليس أرضيا بل مركب فكري وفيزيائي أشبه بمركبات وجسيمات تسبح في فضاءات هذا الكون لا نراها ولكن نحس بها. الصورة لا تُرى ولكن نحس بوجهتها الفكرية. إنه مسرح العصر. لقد اعتمدت الصورة على سرد الشعر وابتعدت عن المركب اللغوي المقروء. إنها فضاءات لا تستطيع الإمساك بها ولكننا نحسها بعمق.
*إلى حد غير بعيد يعد النص ركيزة أساسية لكل عمل مسرحي ولا مجال لإقصائه أو تهميشه. وفي مسرح الصورة تغيرت المعادلة فكان التهميش للنص. فهل يمكن القول إن عهد النص ولى دون رجعة في المسرح؟
- النص كثافة لغوية تشبه الحكايات، لذا حاولت وتحاول الصورة الارتقاء بالنص ومسحه من حكاياته المعروفة إلى الدلالة والرمز. ونحن اليوم ننتمي إلى عصر الصورة، نحاول أن نفك شفرات النص السردية وصولا إلى العمق الزمني الذي يشكل النص.
*ماذا عن المسرح العراقي اليوم بعد 2003؟
- تأسس المسرح العراقي من خلال مهندسين لثقافة متقدمة، فهو يمتلك عمقا تاريخيا، ومن هنا لا يمكن أن نغير تاريخا عميقا أسسه مبدعون كبار على غرار قاسم محمد وإبراهيم جلال وغيرهما كثير. ومن هذا المنطلق لا يمكن أن يغيب هذا الصرح أو أن تؤثر فيه الصراعات الدولية وما نعيشه من صراعات اقتصادية.
المسرح العراقي اليوم يمتلك طاقات شبابية طموحة تعمل بجد واجتهاد على تأسيس أطلس مسرحي متميز في خطابه وقراءاته المتعددة للمسرح.
جيل الشباب المسرحي العراقي اليوم هو جيل المستقبل، ولكن المعضلة في الجانب المادي التي تؤثر سلبا عليه وتحد من مغامراته الإبداعية. العراق بلد السيّاب والبياتي يمتلك عمقا إنسانيا رغم كل العراقيل والصعوبات، فهو قادر على إنجاز أعمال مسرحية معاصرة يخلدها التاريخ على غرار مسرحية «الباب» لقاسم محمد.
*كيف بدت لك تونس اليوم من خلال أيام قرطاج المسرحية؟
- أحب تونس كما أحب العراق. تونس تمتلك مسرحا كبيرا وعقلية متطورة بطابعها الإنساني العميق.. التونسي يمتلك حسا لتأسيس مدن جديدة للسلام والمحبة. يكفي تونس فخرا واعتزازا بامتدادها العربي والإفريقي والمتوسطي أنها أسست أيام قرطاج المسرحية في هذا الزمن الصعب، وحافظت على ديمومته في زمن شهد اضمحلال واندثار العديد من المهرجانات المسرحية الأخرى.
وهنا أقول إنه رغم كل الظروف يبقى المسرح التونسي أهم مسرح عربي على مستوى التجارب، ويبقى قرطاج هو النبض الشامخ بتاريخه. قرطاج سيكون مستقبله أكثر إشراقا وتوهجا أكثر من كل العصور الأخرى، وأنا سعيد بكوني أنتمي وعشت زمن قرطاج.