إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

يطبق منذ أكثر من 50 سنة.. هل أصبحت مراجعة سياسة التنظيم العائلي ضرورة ملحة؟

شدّد وزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر أمام نواب البرلمان على ضرورة العمل على تجديد التركيبة المجتمعية من خلال المساعدة على التكفل بالأبناء حتى سن 18 دون شرط، وضمان حق المرأة وخاصة العاملة، واعتبار فترة الولادة مدة عمل فعلي لا تؤثر على مسارها المهني، وتمكينها من منحة بعنوان بدل الأجر تعادل على الأقل جزءًا كبيرًا من الأجر.

كما دعا إلى ضرورة الترفيع في المنحة العائلية المسندة من الصناديق الاجتماعية لضمان تجديد التركيبة المجتمعية بصفة منتظمة ومتوازنة، مؤكدًا أن السبعة دنانير التي يتم صرفها بعنوان المنحة العائلية كانت مبنية على منظومة تقر تحديد النسل، قائلًا: «هل ما زلنا مطالبين اليوم بتنفيذ سياسة التنظيم العائلي؟»

كثيرون يعتبرون كلام وزير الشؤون الاجتماعية في صلب التحديات والملفات الهامة التي تواجه الدولة على ضوء التغيرات المتسارعة التي تستوجب اليوم تغيير العديد من السياسات والخيارات المتبعة التي لم تعد صالحة للوقت الراهن. لعل ملف سياسة أو منظومة التنظيم العائلي أهمها.

نتائج 50 سنة

في قراءة لنتائج التعداد العام للسكان والسكنى 2024، إبان الكشف عنها في مارس الفارط، أكد المهندس العام بالمعهد الوطني للإحصاء والمدير الفني عبد القادر الطلحاوي أن «نسبة الشيخوخة (أكثر من 60 سنة) تضاعفت في الـ10 سنوات الأخيرة، أما النمو الديموغرافي فهو في حدود
0.87 %، يعني أن على كل 100 ساكن يُضاف 0.87 ساكن». وقال إن «مؤشر النمو الديموغرافي سنة 1956 كان في حدود 1.59 % ثم بلغ 2.48 % لينخفض إلى أقل من 1 % في 2024 بسبب سياسات تحديد النسل والتنظيم العائلي، وهو أدنى مستوى منذ الاستقلال».

مضيفًا أن «معدل الخصوبة، أي عدد الأطفال لكل امرأة، تراجع إلى 1.7 طفل، ولضمان تجدد الأجيال يجب أن يكون المعدل في مستوى
2.1 %، ونحن اليوم تحت المعدل. وهنا يجب إعادة مراجعة السياسات الديموغرافية في تونس، وهذا دور المتخصصين في علم الاجتماع».

وتطبق البلاد منذ أكثر من 50 عامًا سياسة التنظيم العائلي التي تشجع على تقليص الإنجاب والتباعد بين الولادات. حيث تفيد مصادر الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري أن البرنامج الوطني لتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية انقسم إلى «أربع مراحل أساسية بدأت من سنة 1964، وكانت العشر سنوات الأولى مخصصة بحملات تحديد النسل لتنطلق بداية من 1974 مرحلة ثانية كان هدفها المباعدة بين الولادات، وانتهت سنة 1984، حيث انطلقت مرحلة الصحة العائلية في رؤية مندمجة للتنظيم العائلي ولصحة الأم والطفل. وبدأت منذ 1994 مرحلة إشعاع البرنامج وطنيًا ودوليًا لتلحق خلال العشر سنوات الأخيرة، وبداية من 2004، بمرحلة دعم المكاسب وتحسين نوعية الحياة وضمان جودة الخدمات».

تداعيات وتحديات

كانت لهذه السياسة تداعيات ديموغرافية وسكانية واقتصادية بالضرورة، إذ أن تونس عرفت منذ سنة 1966 نسق تراجع سريع للخصوبة، ووصلت حاليًا إلى نسبة 1.7 طفل لكل امرأة على المستوى الوطني، ولهذا تأثير على عدد السكان العاملين والقوى النشيطة في سوق الشغل، وبالتالي على النمو الاقتصادي.

وتؤكد الإحصائيات الرسمية أن عدد الأطفال الذين يمكن أن تنجبهم امرأة طيلة حياتها عرف انخفاضًا من 7 أطفال لكل امرأة سنة 1966 إلى 1.8 طفل سنة 2021 بفوارق جهوية تصل إلى 2.6 في الوسط الشرقي و2.4 في الجنوب الغربي و2.3 في الشمال الغربي.

ووفق المختصين، لا تسمح هذه المؤشرات بتجدد الأجيال في المستقبل، وستتقلص تباعًا قاعدة الهرم السكاني بتقلص الشريحة العمرية بين 15 و60 سنة (الفئة الناشطة) مع ارتفاع الفئة العمرية فوق 60 سنة. ويؤثر تغيير بنية المجتمع بالضرورة على المشاركة الاقتصادية والاجتماعية.

وتعالت منذ فترة طويلة الأصوات المطالبة بضرورة تدخل مؤسسات الدولة على مستويات عدة للحد من التغير الجذري الذي يشهده المجتمع التونسي في السنوات الأخيرة.

تجدر الإشارة إلى أن وزير الاقتصاد والتخطيط سمير عبد الحفيظ، وبمناسبة الإعلان عن نتائج التعداد العام للسكان لعام 2024، كان قد أشار إلى أن «التعداد يعطي قاعدة إحصائية وقاعدة معطيات كبيرة تتعلق بالمعطيات الديموغرافية والاجتماعية والصحية والاقتصادية التي تُبنى عليها السياسات العمومية. والتعداد يصادف الشروع في مخطط 2026-2030، وهذه البيانات سيقع الاعتماد عليها في رسم السياسات المستقبلية»، مضيفًا أن «هرم السكان المرتكز على الشباب والأطفال مختلف عن الهرم الذي يرتكز على الكهول والشيوخ، والسياسات ستتأقلم مع الوضع الديموغرافي الجديد».

◗ م.ي

يطبق منذ أكثر من 50 سنة..   هل أصبحت مراجعة سياسة التنظيم العائلي ضرورة ملحة؟

شدّد وزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر أمام نواب البرلمان على ضرورة العمل على تجديد التركيبة المجتمعية من خلال المساعدة على التكفل بالأبناء حتى سن 18 دون شرط، وضمان حق المرأة وخاصة العاملة، واعتبار فترة الولادة مدة عمل فعلي لا تؤثر على مسارها المهني، وتمكينها من منحة بعنوان بدل الأجر تعادل على الأقل جزءًا كبيرًا من الأجر.

كما دعا إلى ضرورة الترفيع في المنحة العائلية المسندة من الصناديق الاجتماعية لضمان تجديد التركيبة المجتمعية بصفة منتظمة ومتوازنة، مؤكدًا أن السبعة دنانير التي يتم صرفها بعنوان المنحة العائلية كانت مبنية على منظومة تقر تحديد النسل، قائلًا: «هل ما زلنا مطالبين اليوم بتنفيذ سياسة التنظيم العائلي؟»

كثيرون يعتبرون كلام وزير الشؤون الاجتماعية في صلب التحديات والملفات الهامة التي تواجه الدولة على ضوء التغيرات المتسارعة التي تستوجب اليوم تغيير العديد من السياسات والخيارات المتبعة التي لم تعد صالحة للوقت الراهن. لعل ملف سياسة أو منظومة التنظيم العائلي أهمها.

نتائج 50 سنة

في قراءة لنتائج التعداد العام للسكان والسكنى 2024، إبان الكشف عنها في مارس الفارط، أكد المهندس العام بالمعهد الوطني للإحصاء والمدير الفني عبد القادر الطلحاوي أن «نسبة الشيخوخة (أكثر من 60 سنة) تضاعفت في الـ10 سنوات الأخيرة، أما النمو الديموغرافي فهو في حدود
0.87 %، يعني أن على كل 100 ساكن يُضاف 0.87 ساكن». وقال إن «مؤشر النمو الديموغرافي سنة 1956 كان في حدود 1.59 % ثم بلغ 2.48 % لينخفض إلى أقل من 1 % في 2024 بسبب سياسات تحديد النسل والتنظيم العائلي، وهو أدنى مستوى منذ الاستقلال».

مضيفًا أن «معدل الخصوبة، أي عدد الأطفال لكل امرأة، تراجع إلى 1.7 طفل، ولضمان تجدد الأجيال يجب أن يكون المعدل في مستوى
2.1 %، ونحن اليوم تحت المعدل. وهنا يجب إعادة مراجعة السياسات الديموغرافية في تونس، وهذا دور المتخصصين في علم الاجتماع».

وتطبق البلاد منذ أكثر من 50 عامًا سياسة التنظيم العائلي التي تشجع على تقليص الإنجاب والتباعد بين الولادات. حيث تفيد مصادر الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري أن البرنامج الوطني لتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية انقسم إلى «أربع مراحل أساسية بدأت من سنة 1964، وكانت العشر سنوات الأولى مخصصة بحملات تحديد النسل لتنطلق بداية من 1974 مرحلة ثانية كان هدفها المباعدة بين الولادات، وانتهت سنة 1984، حيث انطلقت مرحلة الصحة العائلية في رؤية مندمجة للتنظيم العائلي ولصحة الأم والطفل. وبدأت منذ 1994 مرحلة إشعاع البرنامج وطنيًا ودوليًا لتلحق خلال العشر سنوات الأخيرة، وبداية من 2004، بمرحلة دعم المكاسب وتحسين نوعية الحياة وضمان جودة الخدمات».

تداعيات وتحديات

كانت لهذه السياسة تداعيات ديموغرافية وسكانية واقتصادية بالضرورة، إذ أن تونس عرفت منذ سنة 1966 نسق تراجع سريع للخصوبة، ووصلت حاليًا إلى نسبة 1.7 طفل لكل امرأة على المستوى الوطني، ولهذا تأثير على عدد السكان العاملين والقوى النشيطة في سوق الشغل، وبالتالي على النمو الاقتصادي.

وتؤكد الإحصائيات الرسمية أن عدد الأطفال الذين يمكن أن تنجبهم امرأة طيلة حياتها عرف انخفاضًا من 7 أطفال لكل امرأة سنة 1966 إلى 1.8 طفل سنة 2021 بفوارق جهوية تصل إلى 2.6 في الوسط الشرقي و2.4 في الجنوب الغربي و2.3 في الشمال الغربي.

ووفق المختصين، لا تسمح هذه المؤشرات بتجدد الأجيال في المستقبل، وستتقلص تباعًا قاعدة الهرم السكاني بتقلص الشريحة العمرية بين 15 و60 سنة (الفئة الناشطة) مع ارتفاع الفئة العمرية فوق 60 سنة. ويؤثر تغيير بنية المجتمع بالضرورة على المشاركة الاقتصادية والاجتماعية.

وتعالت منذ فترة طويلة الأصوات المطالبة بضرورة تدخل مؤسسات الدولة على مستويات عدة للحد من التغير الجذري الذي يشهده المجتمع التونسي في السنوات الأخيرة.

تجدر الإشارة إلى أن وزير الاقتصاد والتخطيط سمير عبد الحفيظ، وبمناسبة الإعلان عن نتائج التعداد العام للسكان لعام 2024، كان قد أشار إلى أن «التعداد يعطي قاعدة إحصائية وقاعدة معطيات كبيرة تتعلق بالمعطيات الديموغرافية والاجتماعية والصحية والاقتصادية التي تُبنى عليها السياسات العمومية. والتعداد يصادف الشروع في مخطط 2026-2030، وهذه البيانات سيقع الاعتماد عليها في رسم السياسات المستقبلية»، مضيفًا أن «هرم السكان المرتكز على الشباب والأطفال مختلف عن الهرم الذي يرتكز على الكهول والشيوخ، والسياسات ستتأقلم مع الوضع الديموغرافي الجديد».

◗ م.ي