- تبني خطاب يقوم على التكامل لا المقارنة لكي لا يظهر في “منافسة” لحقوق النساء
- على المدرسة لعب دور في تنمية الذكورة الإيجابية
يُعتبر اليوم العالمي للرجل، الموافق لـ19 نوفمبر من كل عام، مناسبة عالمية تهدف إلى إبراز الدور الإيجابي الذي يضطلع به الرجل داخل المجتمع، وتسليط الضوء على التحديات الصحية والنفسية والاجتماعية التي قد يواجهها. وقد أُطلق هذا اليوم ليكون مساحة للتفكير في صورة الرجل في العالم المعاصر، ولتعزيز ثقافة الاحترام المتبادل بين الجنسين، والدفع نحو فهم أعمق للضغوط والمسؤوليات التي يتحمّلها الرجال في مسارات حياتهم المختلفة. كما يسعى هذا اليوم إلى دعم نماذج الرجولة الإيجابية التي تقوم على المسؤولية والتعاطف والعمل البنّاء، بعيدا عن التمثلات التقليدية الضيقة.
وفي الفضاء التونسي، يأخذ الاحتفال باليوم العالمي للرجل أبعادا متفرّدة تعكس خصوصية المجتمع وثقافته. فقد شهدت تونس خلال العقود الأخيرة تحولات اجتماعية وقيمية مهمّة أثّرت على أدوار كل من الرجل والمرأة داخل الأسرة ومحيط العمل والمجتمع المدني.
وفي خضم هذه التحولات، يواجه الرجل التونسي تحديات متنوعة، من بينها التوفيق بين الالتزامات المهنية والواجبات الأسرية، والتعامل مع الضغوط الاقتصادية المتزايدة، إضافة إلى ضرورة الانخراط في نموذج جديد للرجولة يقوم على الشراكة والاحترام والدعم المتبادل.
ويُسجَّل في تونس اهتمام متنام بقضايا الصحة النفسية والبدنية للرجال، خاصة مع ارتفاع الوعي بأهمية العناية بالذات ومكافحة السلوكيات الخطرة التي قد ترتبط بالصورة النمطية للرجولة التقليدية. كما تساهم مؤسسات المجتمع المدني، والهيئات الشبابية، ومبادرات التوعية في إعادة تشكيل الحوار حول دور الرجل التونسي في بناء مجتمع متوازن يقوم على العدالة والمساواة.
ولا يُعدّ الاحتفال باليوم العالمي للرجل في تونس مجرّد مناسبة رمزية، بل هو دعوة للتأمل في واقع الرجال وتطلعاتهم، وفرصة لتعزيز دورهم كفاعلين أساسيين في مسيرة التقدم والتنمية، وكشركاء حقيقيين في ترسيخ قيم الإنسانية، والاحترام، والتعايش داخل المجتمع التونسي.
وفي هذا السياق، قال ممدوح عز الدين، مختص في علم الاجتماع، في تصريح لـ»الصباح»:»اليوم العالمي للرجال مناسبة مهمة لإعادة التفكير في موقع الرجل داخل مجتمع يتغير بسرعة ويواجه أزمات متعددة، فبين ضغط الواقع الاقتصادي، وسيولة القيم، وتراجع مؤسسات التنشئة، يجد الرجال أنفسهم أمام وضع جديد يفرض إعادة تشكيل هوياتهم وأدوارهم. وفي تونس، حيث يتقاطع الاجتماعي بالاقتصادي والسياسي، يصبح هذا اليوم فرصة لفهم قضايا ظلت طويلًا خارج النقاش العام».
تغيّر الهوية الذكورية في مجتمع متحوّل
وأضاف محدثنا أن الذكورة في تونس لم تعد ثابتة كما كانت في الماضي. فالأدوار التقليدية التي كانت تمنح الرجل مكانة واضحة كمُعيل، وصاحب سلطة ومرجعية في الأسرة، تراجعت بفعل التحولات الاقتصادية والثقافية.
كما يعتبر أن البطالة وضعف الدخل أثّرا بشكل مباشر على قدرة الرجل على أداء دوره التاريخي، وهو ما ولّد شعورًا بالانكسار وفقدان اليقين. وأضاف: «وهذا التحول لا يعني اختفاء الأدوار التقليدية، بل أصبح الرجل عالقًا بين نموذجين: نموذج قديم لم يعد قابلًا للتحقيق، ونموذج جديد لم يُستوعَب بعد بشكل كامل».
تحديات تعكس أزمة أعمق في المعنى
وواصل المختص في علم الاجتماع التوضيح بأن «الرجل اليوم يعيش تحت ضغط متزايد ناتج عن توقعات اجتماعية عالية يقابلها واقع هش. فهم مطالبون بالنجاح، والقوة، وتحمل المسؤولية، في وقت تتراجع فيه مؤسسات الدعم الاجتماعي مثل الأسرة والمدرسة وسوق الشغل، كما تفرض الثقافة المعاصرة، وخاصة النيوليبرالية، نموذجا مبنيا على الأداء والفردانية والتنافس، ما يجعل الرجل في سباق دائم لإثبات ذاته».
معتبرًا أن هذا الضغط يؤدي إلى مستويات أكبر من التوتر، والاكتئاب، والعزلة، وهي مشكلات ما تزال أقل اعترافا بها مقارنة بما يواجهه النساء.
تمثلات المجتمع للرجل.. بين الاعتراف والإنكار
ويضيف محدثنا بأن «التمثلات الاجتماعية التونسية تعكس صورًا متناقضة للرجل، فهو يُرى أحيانا باعتباره قويا ومسيطرا، وأحيانا أخرى بوصفه هشّا ومقهورا، خاصة في ظل الصعوبات الاقتصادية. فكثير من الرجال يشعرون بأن المجتمع لا يمنحهم اعترافا بمعاناتهم، وأن الحديث عن قضاياهم يُقابل أحيانا بالسخرية أو الرفض. في المقابل، ترتفع أصوات أخرى ترى أن فتح نقاش حول قضايا الرجال ليس تهديدا لحقوق النساء، بل خطوة لفهم توازن الأدوار داخل الأسرة والمجتمع في مرحلة انتقالية حرجة».
وفي إجابة على تساؤل «الصباح» حول طريقة مناقشة قضايا الرجال دون الوقوع في صراع جندري، أوضح محدثنا أنه «لكي لا يظهر اليوم العالمي للرجال كمناسبة “منافسة” لحقوق النساء، يجب تبني خطاب يقوم على التكامل لا المقارنة، فما يعانيه الرجال في الصحة النفسية أو العلاقات أو سوق العمل هو نتيجة تحولات اجتماعية شاملة تؤثر على الجميع».
ويذهب المختص في علم الاجتماع إلى أن دعم الرجال لا يعني العودة للهيمنة الذكورية، بل يعني مساعدتهم على التكيف مع عالم جديد يحتاج لنماذج أكثر إنسانية في الذكورة، قائمة على المشاركة، والحوار، والانفتاح. من هنا، يصبح هذا اليوم فرصة لطرح أسئلة حول الأبوة الحديثة، والتربية العاطفية، وكيفية بناء رجولة غير قائمة على العنف أو الضغط الداخلي.
توصيات عملية لفهم ومعالجة قضايا الرجال
وفي ختام تصريحه قدم محدثنا توصيات حيث أفاد أن الأوضاع الحالية تستدعي مقاربات جديدة تدمج البعد النفسي والاجتماعي، كما يمكن للدولة دعم برامج للصحة النفسية تستهدف الرجال بشكل خاص، إضافة إلى سياسات لمساندة الشباب العاطلين وتوفير آليات دمج اقتصادي تساهم في إعادة بناء تقدير الذات. كما يجب على المدرسة لعب دور أكبر في تنمية الذكورة الإيجابية وتوفير أنشطة تساعد التلاميذ على التعبير وإدارة الانفعالات.
أما الإعلام والمجتمع المدني، فبإمكانهما تفكيك الصور النمطية للرجولة وإطلاق مبادرات تسلّط الضوء على قصص رجال استطاعوا التكيف مع التحولات وابتكار أدوار جديدة وفق تصريحه.
وفي ختام تصريحه قال محدثنا إن اليوم العالمي للرجال ليس احتفالا رمزيا فحسب، بل نافذة لفهم واقع اجتماعي معقد يعيش فيه الرجال والنساء على حد سواء أزمة معنى.. وفي تونس، حيث تتشابك الأزمات الاقتصادية والثقافية، يصبح الحديث عن الرجل ضرورة لفهم المجتمع برمّته. فمقاربة قضايا الرجال بجدية لا تهدف لإحياء نماذج قديمة، بل لبناء توازن اجتماعي جديد أكثر عدلا واعترافا وإنصافا، يضع الإنسان في مركز الاهتمام بعيدا عن الصراع الجندري.
أميرة الدريدي
- تبني خطاب يقوم على التكامل لا المقارنة لكي لا يظهر في “منافسة” لحقوق النساء
- على المدرسة لعب دور في تنمية الذكورة الإيجابية
يُعتبر اليوم العالمي للرجل، الموافق لـ19 نوفمبر من كل عام، مناسبة عالمية تهدف إلى إبراز الدور الإيجابي الذي يضطلع به الرجل داخل المجتمع، وتسليط الضوء على التحديات الصحية والنفسية والاجتماعية التي قد يواجهها. وقد أُطلق هذا اليوم ليكون مساحة للتفكير في صورة الرجل في العالم المعاصر، ولتعزيز ثقافة الاحترام المتبادل بين الجنسين، والدفع نحو فهم أعمق للضغوط والمسؤوليات التي يتحمّلها الرجال في مسارات حياتهم المختلفة. كما يسعى هذا اليوم إلى دعم نماذج الرجولة الإيجابية التي تقوم على المسؤولية والتعاطف والعمل البنّاء، بعيدا عن التمثلات التقليدية الضيقة.
وفي الفضاء التونسي، يأخذ الاحتفال باليوم العالمي للرجل أبعادا متفرّدة تعكس خصوصية المجتمع وثقافته. فقد شهدت تونس خلال العقود الأخيرة تحولات اجتماعية وقيمية مهمّة أثّرت على أدوار كل من الرجل والمرأة داخل الأسرة ومحيط العمل والمجتمع المدني.
وفي خضم هذه التحولات، يواجه الرجل التونسي تحديات متنوعة، من بينها التوفيق بين الالتزامات المهنية والواجبات الأسرية، والتعامل مع الضغوط الاقتصادية المتزايدة، إضافة إلى ضرورة الانخراط في نموذج جديد للرجولة يقوم على الشراكة والاحترام والدعم المتبادل.
ويُسجَّل في تونس اهتمام متنام بقضايا الصحة النفسية والبدنية للرجال، خاصة مع ارتفاع الوعي بأهمية العناية بالذات ومكافحة السلوكيات الخطرة التي قد ترتبط بالصورة النمطية للرجولة التقليدية. كما تساهم مؤسسات المجتمع المدني، والهيئات الشبابية، ومبادرات التوعية في إعادة تشكيل الحوار حول دور الرجل التونسي في بناء مجتمع متوازن يقوم على العدالة والمساواة.
ولا يُعدّ الاحتفال باليوم العالمي للرجل في تونس مجرّد مناسبة رمزية، بل هو دعوة للتأمل في واقع الرجال وتطلعاتهم، وفرصة لتعزيز دورهم كفاعلين أساسيين في مسيرة التقدم والتنمية، وكشركاء حقيقيين في ترسيخ قيم الإنسانية، والاحترام، والتعايش داخل المجتمع التونسي.
وفي هذا السياق، قال ممدوح عز الدين، مختص في علم الاجتماع، في تصريح لـ»الصباح»:»اليوم العالمي للرجال مناسبة مهمة لإعادة التفكير في موقع الرجل داخل مجتمع يتغير بسرعة ويواجه أزمات متعددة، فبين ضغط الواقع الاقتصادي، وسيولة القيم، وتراجع مؤسسات التنشئة، يجد الرجال أنفسهم أمام وضع جديد يفرض إعادة تشكيل هوياتهم وأدوارهم. وفي تونس، حيث يتقاطع الاجتماعي بالاقتصادي والسياسي، يصبح هذا اليوم فرصة لفهم قضايا ظلت طويلًا خارج النقاش العام».
تغيّر الهوية الذكورية في مجتمع متحوّل
وأضاف محدثنا أن الذكورة في تونس لم تعد ثابتة كما كانت في الماضي. فالأدوار التقليدية التي كانت تمنح الرجل مكانة واضحة كمُعيل، وصاحب سلطة ومرجعية في الأسرة، تراجعت بفعل التحولات الاقتصادية والثقافية.
كما يعتبر أن البطالة وضعف الدخل أثّرا بشكل مباشر على قدرة الرجل على أداء دوره التاريخي، وهو ما ولّد شعورًا بالانكسار وفقدان اليقين. وأضاف: «وهذا التحول لا يعني اختفاء الأدوار التقليدية، بل أصبح الرجل عالقًا بين نموذجين: نموذج قديم لم يعد قابلًا للتحقيق، ونموذج جديد لم يُستوعَب بعد بشكل كامل».
تحديات تعكس أزمة أعمق في المعنى
وواصل المختص في علم الاجتماع التوضيح بأن «الرجل اليوم يعيش تحت ضغط متزايد ناتج عن توقعات اجتماعية عالية يقابلها واقع هش. فهم مطالبون بالنجاح، والقوة، وتحمل المسؤولية، في وقت تتراجع فيه مؤسسات الدعم الاجتماعي مثل الأسرة والمدرسة وسوق الشغل، كما تفرض الثقافة المعاصرة، وخاصة النيوليبرالية، نموذجا مبنيا على الأداء والفردانية والتنافس، ما يجعل الرجل في سباق دائم لإثبات ذاته».
معتبرًا أن هذا الضغط يؤدي إلى مستويات أكبر من التوتر، والاكتئاب، والعزلة، وهي مشكلات ما تزال أقل اعترافا بها مقارنة بما يواجهه النساء.
تمثلات المجتمع للرجل.. بين الاعتراف والإنكار
ويضيف محدثنا بأن «التمثلات الاجتماعية التونسية تعكس صورًا متناقضة للرجل، فهو يُرى أحيانا باعتباره قويا ومسيطرا، وأحيانا أخرى بوصفه هشّا ومقهورا، خاصة في ظل الصعوبات الاقتصادية. فكثير من الرجال يشعرون بأن المجتمع لا يمنحهم اعترافا بمعاناتهم، وأن الحديث عن قضاياهم يُقابل أحيانا بالسخرية أو الرفض. في المقابل، ترتفع أصوات أخرى ترى أن فتح نقاش حول قضايا الرجال ليس تهديدا لحقوق النساء، بل خطوة لفهم توازن الأدوار داخل الأسرة والمجتمع في مرحلة انتقالية حرجة».
وفي إجابة على تساؤل «الصباح» حول طريقة مناقشة قضايا الرجال دون الوقوع في صراع جندري، أوضح محدثنا أنه «لكي لا يظهر اليوم العالمي للرجال كمناسبة “منافسة” لحقوق النساء، يجب تبني خطاب يقوم على التكامل لا المقارنة، فما يعانيه الرجال في الصحة النفسية أو العلاقات أو سوق العمل هو نتيجة تحولات اجتماعية شاملة تؤثر على الجميع».
ويذهب المختص في علم الاجتماع إلى أن دعم الرجال لا يعني العودة للهيمنة الذكورية، بل يعني مساعدتهم على التكيف مع عالم جديد يحتاج لنماذج أكثر إنسانية في الذكورة، قائمة على المشاركة، والحوار، والانفتاح. من هنا، يصبح هذا اليوم فرصة لطرح أسئلة حول الأبوة الحديثة، والتربية العاطفية، وكيفية بناء رجولة غير قائمة على العنف أو الضغط الداخلي.
توصيات عملية لفهم ومعالجة قضايا الرجال
وفي ختام تصريحه قدم محدثنا توصيات حيث أفاد أن الأوضاع الحالية تستدعي مقاربات جديدة تدمج البعد النفسي والاجتماعي، كما يمكن للدولة دعم برامج للصحة النفسية تستهدف الرجال بشكل خاص، إضافة إلى سياسات لمساندة الشباب العاطلين وتوفير آليات دمج اقتصادي تساهم في إعادة بناء تقدير الذات. كما يجب على المدرسة لعب دور أكبر في تنمية الذكورة الإيجابية وتوفير أنشطة تساعد التلاميذ على التعبير وإدارة الانفعالات.
أما الإعلام والمجتمع المدني، فبإمكانهما تفكيك الصور النمطية للرجولة وإطلاق مبادرات تسلّط الضوء على قصص رجال استطاعوا التكيف مع التحولات وابتكار أدوار جديدة وفق تصريحه.
وفي ختام تصريحه قال محدثنا إن اليوم العالمي للرجال ليس احتفالا رمزيا فحسب، بل نافذة لفهم واقع اجتماعي معقد يعيش فيه الرجال والنساء على حد سواء أزمة معنى.. وفي تونس، حيث تتشابك الأزمات الاقتصادية والثقافية، يصبح الحديث عن الرجل ضرورة لفهم المجتمع برمّته. فمقاربة قضايا الرجال بجدية لا تهدف لإحياء نماذج قديمة، بل لبناء توازن اجتماعي جديد أكثر عدلا واعترافا وإنصافا، يضع الإنسان في مركز الاهتمام بعيدا عن الصراع الجندري.