إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تغير في طرق عرضها «المبهر».. فضاءات كبرى لبيع «الفريب الرفيع» استحوذت على حرفاء الملابس الجاهزة

تشهد تونس في السنوات الأخيرة انتشارا متزايدا لفضاءات تجارية كبرى مخصصة لبيع الملابس والأحذية والحقائب المستعملة ذات العلامات العالمية وذات الجودة العالية. هذه الفضاءات، التي تسوّق نفسها باعتبارها وجهة للحصول على منتجات شبه جديدة وبأسعار تُعد لدى البعض «فرصة»، باتت تستقطب شريحة واسعة من المستهلكين الباحثين عن مزيج من الجودة و»التمظهر» بارتداء ماركات عالمية من جهة، والتكلفة المناسبة من جهة أخرى، في ظل ضغوط اقتصادية واجتماعية متواصلة وتراجع القدرة الشرائية لدى التونسيين.

غير أن هذه «الظاهرة» التي استقطبت التونسيين بمختلف شرائحهم، خلقت في المقابل جدلًا بين بعض القطاعات المتداخلة، وخاصة فيما يتعلق بالوضع القانوني لهذه النوعية من التجارة الجديدة نسبيًا، وحول ما إذا كانت هذه البضائع تندرج فعلاً ضمن مفهوم «الفريب» كما تشير تسميتها، أم أنها تمثل منافسة مباشرة لتجار الملابس الجاهزة وتخضع لقواعد مختلفة تمامًا.

تحولات في سوق الفريب

لا شك أن الفريب في تونس يعد من القطاعات القديمة، وهو متجذر اجتماعيا واقتصاديا، وقد شكّل لعقود متنفسا مهما لمحدودي الدخل ورافدا لسوق الملابس المحلية. غير أن هذا النشاط تطوّر؛ فلم تعد البضاعة المستعملة المعروضة في السوق تقتصر على الملابس المستعملة القديمة منخفضة الجودة، بل أصبحت تشمل أصنافا عالية الجودة وفائض مخزون لعلامات عالمية، وأحيانا قطعا جديدة لم يتم استعمالها بل تم تصفيتها من مخازن ومصانع أوروبية.

كما ساهم التحسّن النسبي في طرق العرض والتسويق داخل هذه الفضاءات، التي يمسح بعضها مئات الأمتار المربعة وينشط بعضها ضمن فضاءات ذات طوابق، في تغيير الصورة التقليدية لـ»الفريب» ليظهر في شكل أقرب إلى متاجر الموضة الحديثة، مع ترتيب وإنارة وتصنيفات حسب الماركات والأسعار. كل ذلك خلق غموضا وأثار نقاط استفهام حول المرجعية القانونية التي يحتكم إليها هذا النشاط، ومصادره الحقيقية ومسالك التوزيع والبيع.

منافسة غير مشروعة لسوق الملابس الجاهزة

حول هذه التساؤلات والتحوّل الذي طرأ على سوق «الفريب» وانتشار الفضاءات الراقية لبيع «الملابس المستعملة»، صرّح رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس الجاهزة والأقمشة، محسن بن ساسي، لـ«الصباح» أن ما يتم عرضه في عدد من هذه الفضاءات لا يمكن اعتباره «فريبا» بالمعنى الحقيقي المتعارف عليه في الأوساط التونسية. وأضاف قائلًا: «الأصل في «الفريب» هو بيع الملابس المستعملة فعليا وبأسعار ملائمة للفئات محدودة الدخل، بينما ما يحدث اليوم يقترب من نشاط بيع الملابس الجديدة ذات العلامات العالمية ولكن خارج الضوابط والأطر القانونية التي يخضع لها تجار الملابس الجاهزة.»

واستغرب بن ساسي من غزو الفضاءات الراقية لبيع «الملابس المستعملة» أنحاء البلاد، وهي التي لا تستند إلى قوانين ولا تخضع لنفس الأداءات الديوانية عند التوريد ولا حتى لنفس التصاريح المالية لدى القباضات التي يخضع إليها تجار الملابس الجاهزة، مبينًا أن قطاع «الفريب» حاد عن مساره الطبيعي والمتعارف عليه، مما يتطلب ضرورة تقنينه.

وأكد بن ساسي أن محلات «الفريب» أصبحت تبيع المنتجات المصنفة قانونيا من قبل على أنها ممنوع بيعها في هذه الفضاءات، على غرار الأحذية والملابس الداخلية وملابس الجلد والأحزمة الجلدية، معتبرا أن ذلك يعد تجاوزا كبيرا في نشاط هذا القطاع.

ودعا رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس الجاهزة والأقمشة، في السياق نفسه، إلى المزيد من الرقابة على مصادر هذه السلع ومدى احترامها للتراتيب الجبائية والتجارية، فضلًا عن»أهمية التعريف الحقيقي لهذا القطاع الذي أصبح غامضًا وغير مفهوم، خاصة لدى مهنيي قطاع الملابس الجاهزة»، حسب تعبيره.

واعتبر بن ساسي أن هذا الانتشار الواسع للفضاءات الجديدة للفريب الرفيع بشكل غير مقنن أثّر سلبا على قطاع الملابس الجاهزة الذي يشهد أزمة تلو الأخرى ويعيش منذ سنوات تراجعا في المبيعات. ويرى أن ذلك يعود جزئيا إلى بروز قنوات تجارية موازية تستفيد من ثغرات قانونية وتؤثر على المنافسة العادلة في السوق.

وفي هذا الإطار، أكد بن ساسي أن عدد المحلات الناشطة في الملابس الجاهزة تقلّص بشكل ملحوظ بسبب المزاحمة غير القانونية، مشيرا إلى أن العديد من التجار في القطاع خيّروا تغيير نشاطهم بسبب تراجع مبيعاتهم، فضلا عن فقدان العديد من مواطن الشغل في قطاع النسيج عموما من 220 ألفا إلى 150 ألفا حاليًا، حسب بن ساسي.

في المقابل، يؤكد رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس المستعملة، الصحبي المعلاوي، أن بروز الفريب الراقي يمثل بالفعل تحديا للقطاع التقليدي، لكنه في الوقت نفسه يكشف ضرورة إصلاح المنظومة القانونية الحالية، حسب رأيه.

ويرى المعلاوي أن التشريعات المنظمة لـ«الفريب» لم تعد تستجيب للواقع الاقتصادي والاجتماعي المتغير، ويدعو إلى مراجعتها بما يضمن وضوح المعايير التي يتم اعتمادها للتمييز بين الملابس المستعملة وتلك التي تمثل فائض مخزون أو قطعا شبه جديدة.

المستهلك بين الرغبة في الجودة وارتفاع الأسعار

بالنسبة للمستهلك، تمثل هذه الفضاءات خيارا مغريا يجمع بين الجودة والسعر المناسب مقارنة بالسعر الحقيقي للبضاعة في أوروبا خاصة، فالعديد من الحرفاء يبحثون في «الفريب» الراقي أو الشعبي عن السلع الحاملة لاسم ماركات عالمية معروفة حتى لو كانت أسعارها مرتفعة. في المقابل، يظل خطر غياب الشفافية قائمًا، سواء على مستوى مصدر السلع، كونها أصلية أم مقلدة، وحتى كونها جديدة أم مستعملة، خاصة في غياب نظام واضح للضمان أو حق الاسترجاع.

ويشير خبراء في حماية المستهلك إلى ضرورة الإعلان بوضوح عن طبيعة البضاعة: هل هي مستعملة أم جديدة أم فائض مخزون؟ كما يدعون إلى وضع معايير معلنة لتصنيف الجودة.

ويبدو واضحا أن هذا الجدل يثبت أن التشريعات الحالية لم تعد كافية لضبط سوق بات متعدد الفئات والممارسات. فوجود سلع ذات علامات عالمية تُباع داخل فضاءات فريب يفرض وجود آليات رقابة نوعية وشفافية في المعاملات الديوانية والجبائية وحماية الملكية الفكرية، كما يفترض وضع تعريفات قانونية دقيقة لكل صنف من السلع لتفادي الالتباس الذي قد يضرّ بقطاعين حيويين هما الملابس الجاهزة و»الفريب» التقليدي.

فالفضاءات الكبرى لـ«الفريب» الراقي لم تعد مجرد ظاهرة تجارية عابرة، بل هي ظاهرة تجارية افتكت مكانها وسحبت نسبة هامة من حرفاء «الفريب» وحرفاء تجارة الملابس الجاهزة، وباتت انعكاسا لوضع اقتصادي واجتماعي يدفع المستهلك للبحث عن بدائل. غير أن التحدي المطروح اليوم هو الوصول إلى تنظيم يضمن توازن السوق ويحمي المصالح المختلفة دون التضييق على المبادرات التي توفر حلولًا استهلاكية جديدة.

وفي انتظار مراجعة القوانين وضبط آليات الرقابة، سيظل الجدل قائمًا حول طبيعة هذه الفضاءات ومكانها الحقيقي في المشهد التجاري التونسي، بين من يرى فيها تطويرا لقطاع قائم، وهو قطاع «الفريب»، ومن يعتبرها منافسة غير نزيهة لقطاع الملابس الجاهزة تتطلب تدخلا عاجلا.

وفاء بن محمد

تغير في طرق عرضها «المبهر»..   فضاءات كبرى لبيع «الفريب الرفيع» استحوذت على حرفاء الملابس الجاهزة

تشهد تونس في السنوات الأخيرة انتشارا متزايدا لفضاءات تجارية كبرى مخصصة لبيع الملابس والأحذية والحقائب المستعملة ذات العلامات العالمية وذات الجودة العالية. هذه الفضاءات، التي تسوّق نفسها باعتبارها وجهة للحصول على منتجات شبه جديدة وبأسعار تُعد لدى البعض «فرصة»، باتت تستقطب شريحة واسعة من المستهلكين الباحثين عن مزيج من الجودة و»التمظهر» بارتداء ماركات عالمية من جهة، والتكلفة المناسبة من جهة أخرى، في ظل ضغوط اقتصادية واجتماعية متواصلة وتراجع القدرة الشرائية لدى التونسيين.

غير أن هذه «الظاهرة» التي استقطبت التونسيين بمختلف شرائحهم، خلقت في المقابل جدلًا بين بعض القطاعات المتداخلة، وخاصة فيما يتعلق بالوضع القانوني لهذه النوعية من التجارة الجديدة نسبيًا، وحول ما إذا كانت هذه البضائع تندرج فعلاً ضمن مفهوم «الفريب» كما تشير تسميتها، أم أنها تمثل منافسة مباشرة لتجار الملابس الجاهزة وتخضع لقواعد مختلفة تمامًا.

تحولات في سوق الفريب

لا شك أن الفريب في تونس يعد من القطاعات القديمة، وهو متجذر اجتماعيا واقتصاديا، وقد شكّل لعقود متنفسا مهما لمحدودي الدخل ورافدا لسوق الملابس المحلية. غير أن هذا النشاط تطوّر؛ فلم تعد البضاعة المستعملة المعروضة في السوق تقتصر على الملابس المستعملة القديمة منخفضة الجودة، بل أصبحت تشمل أصنافا عالية الجودة وفائض مخزون لعلامات عالمية، وأحيانا قطعا جديدة لم يتم استعمالها بل تم تصفيتها من مخازن ومصانع أوروبية.

كما ساهم التحسّن النسبي في طرق العرض والتسويق داخل هذه الفضاءات، التي يمسح بعضها مئات الأمتار المربعة وينشط بعضها ضمن فضاءات ذات طوابق، في تغيير الصورة التقليدية لـ»الفريب» ليظهر في شكل أقرب إلى متاجر الموضة الحديثة، مع ترتيب وإنارة وتصنيفات حسب الماركات والأسعار. كل ذلك خلق غموضا وأثار نقاط استفهام حول المرجعية القانونية التي يحتكم إليها هذا النشاط، ومصادره الحقيقية ومسالك التوزيع والبيع.

منافسة غير مشروعة لسوق الملابس الجاهزة

حول هذه التساؤلات والتحوّل الذي طرأ على سوق «الفريب» وانتشار الفضاءات الراقية لبيع «الملابس المستعملة»، صرّح رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس الجاهزة والأقمشة، محسن بن ساسي، لـ«الصباح» أن ما يتم عرضه في عدد من هذه الفضاءات لا يمكن اعتباره «فريبا» بالمعنى الحقيقي المتعارف عليه في الأوساط التونسية. وأضاف قائلًا: «الأصل في «الفريب» هو بيع الملابس المستعملة فعليا وبأسعار ملائمة للفئات محدودة الدخل، بينما ما يحدث اليوم يقترب من نشاط بيع الملابس الجديدة ذات العلامات العالمية ولكن خارج الضوابط والأطر القانونية التي يخضع لها تجار الملابس الجاهزة.»

واستغرب بن ساسي من غزو الفضاءات الراقية لبيع «الملابس المستعملة» أنحاء البلاد، وهي التي لا تستند إلى قوانين ولا تخضع لنفس الأداءات الديوانية عند التوريد ولا حتى لنفس التصاريح المالية لدى القباضات التي يخضع إليها تجار الملابس الجاهزة، مبينًا أن قطاع «الفريب» حاد عن مساره الطبيعي والمتعارف عليه، مما يتطلب ضرورة تقنينه.

وأكد بن ساسي أن محلات «الفريب» أصبحت تبيع المنتجات المصنفة قانونيا من قبل على أنها ممنوع بيعها في هذه الفضاءات، على غرار الأحذية والملابس الداخلية وملابس الجلد والأحزمة الجلدية، معتبرا أن ذلك يعد تجاوزا كبيرا في نشاط هذا القطاع.

ودعا رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس الجاهزة والأقمشة، في السياق نفسه، إلى المزيد من الرقابة على مصادر هذه السلع ومدى احترامها للتراتيب الجبائية والتجارية، فضلًا عن»أهمية التعريف الحقيقي لهذا القطاع الذي أصبح غامضًا وغير مفهوم، خاصة لدى مهنيي قطاع الملابس الجاهزة»، حسب تعبيره.

واعتبر بن ساسي أن هذا الانتشار الواسع للفضاءات الجديدة للفريب الرفيع بشكل غير مقنن أثّر سلبا على قطاع الملابس الجاهزة الذي يشهد أزمة تلو الأخرى ويعيش منذ سنوات تراجعا في المبيعات. ويرى أن ذلك يعود جزئيا إلى بروز قنوات تجارية موازية تستفيد من ثغرات قانونية وتؤثر على المنافسة العادلة في السوق.

وفي هذا الإطار، أكد بن ساسي أن عدد المحلات الناشطة في الملابس الجاهزة تقلّص بشكل ملحوظ بسبب المزاحمة غير القانونية، مشيرا إلى أن العديد من التجار في القطاع خيّروا تغيير نشاطهم بسبب تراجع مبيعاتهم، فضلا عن فقدان العديد من مواطن الشغل في قطاع النسيج عموما من 220 ألفا إلى 150 ألفا حاليًا، حسب بن ساسي.

في المقابل، يؤكد رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس المستعملة، الصحبي المعلاوي، أن بروز الفريب الراقي يمثل بالفعل تحديا للقطاع التقليدي، لكنه في الوقت نفسه يكشف ضرورة إصلاح المنظومة القانونية الحالية، حسب رأيه.

ويرى المعلاوي أن التشريعات المنظمة لـ«الفريب» لم تعد تستجيب للواقع الاقتصادي والاجتماعي المتغير، ويدعو إلى مراجعتها بما يضمن وضوح المعايير التي يتم اعتمادها للتمييز بين الملابس المستعملة وتلك التي تمثل فائض مخزون أو قطعا شبه جديدة.

المستهلك بين الرغبة في الجودة وارتفاع الأسعار

بالنسبة للمستهلك، تمثل هذه الفضاءات خيارا مغريا يجمع بين الجودة والسعر المناسب مقارنة بالسعر الحقيقي للبضاعة في أوروبا خاصة، فالعديد من الحرفاء يبحثون في «الفريب» الراقي أو الشعبي عن السلع الحاملة لاسم ماركات عالمية معروفة حتى لو كانت أسعارها مرتفعة. في المقابل، يظل خطر غياب الشفافية قائمًا، سواء على مستوى مصدر السلع، كونها أصلية أم مقلدة، وحتى كونها جديدة أم مستعملة، خاصة في غياب نظام واضح للضمان أو حق الاسترجاع.

ويشير خبراء في حماية المستهلك إلى ضرورة الإعلان بوضوح عن طبيعة البضاعة: هل هي مستعملة أم جديدة أم فائض مخزون؟ كما يدعون إلى وضع معايير معلنة لتصنيف الجودة.

ويبدو واضحا أن هذا الجدل يثبت أن التشريعات الحالية لم تعد كافية لضبط سوق بات متعدد الفئات والممارسات. فوجود سلع ذات علامات عالمية تُباع داخل فضاءات فريب يفرض وجود آليات رقابة نوعية وشفافية في المعاملات الديوانية والجبائية وحماية الملكية الفكرية، كما يفترض وضع تعريفات قانونية دقيقة لكل صنف من السلع لتفادي الالتباس الذي قد يضرّ بقطاعين حيويين هما الملابس الجاهزة و»الفريب» التقليدي.

فالفضاءات الكبرى لـ«الفريب» الراقي لم تعد مجرد ظاهرة تجارية عابرة، بل هي ظاهرة تجارية افتكت مكانها وسحبت نسبة هامة من حرفاء «الفريب» وحرفاء تجارة الملابس الجاهزة، وباتت انعكاسا لوضع اقتصادي واجتماعي يدفع المستهلك للبحث عن بدائل. غير أن التحدي المطروح اليوم هو الوصول إلى تنظيم يضمن توازن السوق ويحمي المصالح المختلفة دون التضييق على المبادرات التي توفر حلولًا استهلاكية جديدة.

وفي انتظار مراجعة القوانين وضبط آليات الرقابة، سيظل الجدل قائمًا حول طبيعة هذه الفضاءات ومكانها الحقيقي في المشهد التجاري التونسي، بين من يرى فيها تطويرا لقطاع قائم، وهو قطاع «الفريب»، ومن يعتبرها منافسة غير نزيهة لقطاع الملابس الجاهزة تتطلب تدخلا عاجلا.

وفاء بن محمد