هل النص الجامع أو النص العابر للأجناس الأدبية اليوم هو نتيجة طبيعية لتطور العصر وتغيير احتياجات القارئ؟
القصة القصيرة جدًا وجدت أرضية خصبة للنمو بشكل لافت في غفلة من النقاد
الشاعر سوف عبيد: «أشعار الشابي النثرية ديوانه الثاني»
مثّل اللقاء الأدبي الذي احتضنه فضاء «راعي النجوم» بيت الرواية في مدينة الثقافة «الشاذلي القليبي» مؤخرًا، حدثًا إبداعيًا فريدًا من خلال استضافة جمعية ابن عرفة الثقافية بإدارة وتسيير الشاعر سوف عبيد التي نظمت تظاهرة «المِيعاد» تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية. وخصصت الجلسة الأدبية لمناقشة ودراسة «تعالق السرد والشعر»، وأثّثها عدد من الكتّاب الذين قدموا شهاداتهم في علاقة بإبداعهم الشعري والسردي.
وبيّن الشاعر عادل الجريدي، في مداخلته «ومضة الشعر وزمن القصة»، أن الكتابة هي التي فكّت العزلة عن حركة الأزمنة وخلّدت الإنسان بما هو تدوينة حيّة إلى الأبد، وهي الجامعة لكل الأجناس الأدبية التي وإن اختلفت في مقوّماتها، إلا أنها تنساق في تعبيراتها إلى وحدة حيّة ومستمرة، تنهل من وجدان الإنسان وتعيد تشكيل وجوده في اللغة. ومن هنا يمكننا الحديث عن التجنيس الأدبي وتبيين حدوده بوصفه محاولة لتنظيم الفوضى الإبداعية التي تنبثق من الكتابة ذاتها.
ويرى المحاضر أن الحديث عن التجنيس الأدبي هو حديث عن دينامكيّة الأدب، إذ باتت الحدود الفاصلة بين الأشكال الأدبية تتلاشى أمام موجة التجريب والانفتاح واحتياجات القارئ التي تغيرت بحكم نسق العصر وإيقاعه اليومي. ومن هذا المنطلق نتحدث عن علاقة الشعر بالسرد، وفق ما أكد عليه الشاعر والكاتب عادل الجريدي، كما يتجلى ذلك في انفتاح الرواية العربية على أشكال تعبيرية أخرى مثل تقنية تعدد الرواة والكولاج وفن الحركة السينمائية وتوظيف الشعر وإدراج اللهجة العامية والمونولوج وغيرها، إلى أن انتهينا إلى ما يسمى بالنص الجامع أو النص العابر للأجناس الأدبية الذي وضعه الناقد، لا يعيش إلا بنفس قارئ يحييه بالفهم والتأويل.
وخلص عادل الجريدي في هذا المجال إلى أن قصيدة الومضة نص تتفتح فيه اللغة على النثر دون أن تفقد جوهرها الشعري، وتعتمد على الاختزال والمفارقة، وتعتبر من أهم إشراقات قصيدة النثر. في حين تعتمد الومضة الشعرية على الصورة المركبة – الانزياح اللغوي – والتكثيف مع إيقاع متحرر من الأوزان التقليدية، وتعتمد بالأخص حضور الذات وتهويم المعنى الذي يجانب عن عي مقومات الحكاية. أما القصة القصيرة جدًا، التي وجدت أرضية خصبة في روح المتلقي للنمو بشكل لافت في غفلة من النقاد، فهي نفس سردي يقوم على الاقتصاد في اللغة، والتكثيف الدلالي، والمفارقة، والدهشة، والمخاتلة، والنهاية الصادمة.
وتوقف الشاعر سوف عبيد في مداخلته عند ما اعتبره ديوان الشابي الثاني بعد «أغاني الحياة»، وعنوانه ـ «صفحات من كتاب الوجود» ـ وهو خاص بأشعار الشابي النثرية، وهو من اقتراح الشابي نفسه، فقد ذكره في الرسالة الثالثة التي أرسلها إلى صديقه محمد الحليوي، ولم يتسنّ للشاعر أن يجمعها وأن يصدرها في حياته، فظلّت مبثوثة في مصادر مختلفة. وهو يقول حول ذلك: لقد توصلت إليها بعد أن اطلعت على ما قرأته من آثار الشابي، فوجدتها منشورة مع غيرها من مختلف نصوصه الأخرى في غير ديوانه «أغاني الحياة»، وقد أشار إلى بعضها دارسون مختصون مثل أبي القاسم محمد كرو وتوفيق بكار وأبو زيان السعدي.
وأكد سوف عبيد أن الغرض من نشر هذه القصائد هو التعريف بها وذكر مصادرها، وهي التي ظلت مجهولة ومطموسة سنوات طويلة. وأضاف: لقد حاولت التمهيد لكل قصيدة بما يناسبها من التقديم، ولم يكن هدفي البتة دراستها، وعسى أن تنهض العزائم لذلك. وقد كانت منشورة بدون أي اعتبار لجماليتها الفنية، وعندما رجعت إلى بعض المسودات والمخطوطات لدى الشابي لاحظت أنه كتب الكثير من الأسطر منها كما نشرتها، فاتّبعت نفس المنهج الذي أراده الشاعر، وبذلك حققت أمنيته بإصدار ديوانه الثاني تحت إشراف بيت الحكمة.
وختم بالتأكيد على أن الاهتمام بكتابات الشابي لا يمكن أن يتوقف، موجّهًا انتقاده إلى الجامعيين الذين لم يتحرك أحد منهم لإعداد أطروحة دكتوراه تتناول آثار الشابي، وهي عديدة وكثيرة.
ومن ناحيتها، عادت الروائية حبيبة المحرزي في مداخلتها «من القصيدة إلى القصة القصيرة والرواية» إلى بداية العلاقة مع الكتابة التي كانت من خلال الشعر، حيث رأت في القصيدة أنها كانت لغة الانفعال الأول. إذ وجدت في الشعر بيتًا صغيرًا من الضوء، منه أطلت على عالم لا يحده الواقع، عالم يخصها وحدها، تصوغ فيه مشاعرها وأحاسيسها كما تُصاغ الأحلام. فكانت لغتها مزيجًا من الهمس والغياب. إلا أنه انتابها، وفق قولها، شعور بضيق هذا العالم، فكانت ثمة حكايات تختنق داخل جسد الصورة الواحدة، فازدادت الرغبة في الغوص في تجربة الشخصيات التي تموت في أسطر قليلة داخل القصيدة، فكان قرار الانتقال إلى القصة القصيرة في مسار إبداعي يعكس تطور الوعي الجمالي والبحث عن المعنى العميق المتنوع، عبر الأشكال المختلفة. وبعد أن نشرت مجموعتين قصصيتين «قرار أخرس» و»شيطان وحجاب»، اكتشفت أن القصة القصيرة لا تشبع رغبتها في الامتداد والغوص أكثر في الزمن والمصائر والطبقات النفسية للشخصيات التي تعيش تصدعات ومشاحنات مع الآخرين أو مع الذات. فكانت الرواية هي الملاذ الأخير لزمن الوعي وامتحان اللغة المؤدية للمعنى. الرواية، والكلام لحبيبة المحرزي، كانت المحطة الكبرى لها. وتضيف في السياق: «لم أعد أكتب عن الانفعال وإنما عن الوعي، لم أعد أصف اللحظة، بل أعيش التجربة وفق الأزمنة الممتدة الملائمة، أشكلها كما أشاء. فكتبت «الوزر» و»سبع لفتات» و»كفارة» و»قلت كل شيء» و»حلم في جسد»، لتتواصل الرحلة.»
وتناولت الكاتبة مسعودة بوبكر في شهادتها بعنوان «نفح الشّعر في باقة النّثر في بين الأطلسين» القصائد التي وردت بكتابها «بين الأطلسين» الصادر سنة 2025. والكتاب عبارة عن يوميات رحلتها إلى المغرب. وقد توقفت في مداخلتها عند حضور الشعر في الكتاب المذكور، ومنها قصيد للشاعر المغربي عبد الرفيع الجواهري يتغنى فيه بوادي أبي رقراق الذي ينحدر من جبال الأطلس حتى يلتقي بالمحيط الأطلسي.
هذا القصيد الرائع لحنه وغناه بصوته الفنان المغربي الكبير عبد الهادي بلخياط، وهو تحت عنوان «القمر الأحمر»، ومما جاء فيه:
خجولا أطلّ وراء الجبال
وجفنُ الدّجى حوله يسهر..
ورقراقُ ذاك العظيمُ...
على شاطئيه ارتمى اللحنُ والمِزهر...
وفي موجهِ يستحمّ الخلودُ
وفي غورِه ترسبُ الأعصرُ»
كما ذكرت قصيدًا يتغنّى بالشاي وطقوسه، ومنه:
لم يدر ما لذة الدنيا وبهجتَها
من لم يكن من كؤوس الشاي قد شربا
فهي المريحة للأحزان قاطبةً
ناهيك إذ لونها قد شاكل الذهبا
ووجهت الكاتبة زهرة حواشي اهتمامها في مداخلتها إلى الأغاني والأشعار الشعبية التي حفلت بها روايتها «ابن العاقر». وقد استعرضتها بشكل لافت ومشوق على اعتبار أن الأغنية الشعبية تعبر عن الهوية والمناسبات والتقاليد من خلال الألحان والكلمات البسيطة التي تنتقل عبر الأجيال، بينما تركز الرواية على سرد قصص أكثر تعقيدًا، سواء كانت أدبًا شعبيًا تقليديًا أو أدبًا مدونًا. وتُستخدم الأغاني الشعبية أيضًا في الروايات كأداة لإبراز صوت المهمشين أو لربط الأحداث بالسياق الاجتماعي، كما يمكن أن تُعد الأغاني الشعبية نفسها نوعًا من السرد القصصي الشعبي أو الملحمي.
وختم الكاتب المختار بن إسماعيل بمداخلة «التحول من الشعر إلى السرد»، فبين أنه بدأ مسيرته الإبداعية شاعرًا قبل أن يتحول إلى عالم الرواية، حيث اتجه اهتمامه إلى مدينته تستور ذات الأصول الأندلسية. من أبرز رواياته: “رواسب»، «قهوة البرني»، «قناديل الحارة»، و»حبيبة بنت الرحِيبة».
وبيّن أن الرواية عنده تمثل وسيلة لاستعادة التراث الحضاري والتاريخي للمدينة، حيث يدمج بين الحس العلمي بوصفه طبيبًا والعاطفة الأدبية الشاعرية، فهو يعتبر أن الرواية عبارة عن وثيقة تاريخية اجتماعية شاملة، ففيها عادات أهالي تستور من المهد إلى اللحد، وفق وصفه.
وتخللت هذه الشهادات قراءات شعرية وقصصية، ومعزوفات على آلة الناي للعازف رشيد بن جوهرة، الذي استحضر أغنيات خالدة من الموروث التونسي الأصيل للفنانة صليحة بدرجة أولى، ومن الموشحات الأندلسية.
محسن بن أحمد
هل النص الجامع أو النص العابر للأجناس الأدبية اليوم هو نتيجة طبيعية لتطور العصر وتغيير احتياجات القارئ؟
القصة القصيرة جدًا وجدت أرضية خصبة للنمو بشكل لافت في غفلة من النقاد
الشاعر سوف عبيد: «أشعار الشابي النثرية ديوانه الثاني»
مثّل اللقاء الأدبي الذي احتضنه فضاء «راعي النجوم» بيت الرواية في مدينة الثقافة «الشاذلي القليبي» مؤخرًا، حدثًا إبداعيًا فريدًا من خلال استضافة جمعية ابن عرفة الثقافية بإدارة وتسيير الشاعر سوف عبيد التي نظمت تظاهرة «المِيعاد» تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية. وخصصت الجلسة الأدبية لمناقشة ودراسة «تعالق السرد والشعر»، وأثّثها عدد من الكتّاب الذين قدموا شهاداتهم في علاقة بإبداعهم الشعري والسردي.
وبيّن الشاعر عادل الجريدي، في مداخلته «ومضة الشعر وزمن القصة»، أن الكتابة هي التي فكّت العزلة عن حركة الأزمنة وخلّدت الإنسان بما هو تدوينة حيّة إلى الأبد، وهي الجامعة لكل الأجناس الأدبية التي وإن اختلفت في مقوّماتها، إلا أنها تنساق في تعبيراتها إلى وحدة حيّة ومستمرة، تنهل من وجدان الإنسان وتعيد تشكيل وجوده في اللغة. ومن هنا يمكننا الحديث عن التجنيس الأدبي وتبيين حدوده بوصفه محاولة لتنظيم الفوضى الإبداعية التي تنبثق من الكتابة ذاتها.
ويرى المحاضر أن الحديث عن التجنيس الأدبي هو حديث عن دينامكيّة الأدب، إذ باتت الحدود الفاصلة بين الأشكال الأدبية تتلاشى أمام موجة التجريب والانفتاح واحتياجات القارئ التي تغيرت بحكم نسق العصر وإيقاعه اليومي. ومن هذا المنطلق نتحدث عن علاقة الشعر بالسرد، وفق ما أكد عليه الشاعر والكاتب عادل الجريدي، كما يتجلى ذلك في انفتاح الرواية العربية على أشكال تعبيرية أخرى مثل تقنية تعدد الرواة والكولاج وفن الحركة السينمائية وتوظيف الشعر وإدراج اللهجة العامية والمونولوج وغيرها، إلى أن انتهينا إلى ما يسمى بالنص الجامع أو النص العابر للأجناس الأدبية الذي وضعه الناقد، لا يعيش إلا بنفس قارئ يحييه بالفهم والتأويل.
وخلص عادل الجريدي في هذا المجال إلى أن قصيدة الومضة نص تتفتح فيه اللغة على النثر دون أن تفقد جوهرها الشعري، وتعتمد على الاختزال والمفارقة، وتعتبر من أهم إشراقات قصيدة النثر. في حين تعتمد الومضة الشعرية على الصورة المركبة – الانزياح اللغوي – والتكثيف مع إيقاع متحرر من الأوزان التقليدية، وتعتمد بالأخص حضور الذات وتهويم المعنى الذي يجانب عن عي مقومات الحكاية. أما القصة القصيرة جدًا، التي وجدت أرضية خصبة في روح المتلقي للنمو بشكل لافت في غفلة من النقاد، فهي نفس سردي يقوم على الاقتصاد في اللغة، والتكثيف الدلالي، والمفارقة، والدهشة، والمخاتلة، والنهاية الصادمة.
وتوقف الشاعر سوف عبيد في مداخلته عند ما اعتبره ديوان الشابي الثاني بعد «أغاني الحياة»، وعنوانه ـ «صفحات من كتاب الوجود» ـ وهو خاص بأشعار الشابي النثرية، وهو من اقتراح الشابي نفسه، فقد ذكره في الرسالة الثالثة التي أرسلها إلى صديقه محمد الحليوي، ولم يتسنّ للشاعر أن يجمعها وأن يصدرها في حياته، فظلّت مبثوثة في مصادر مختلفة. وهو يقول حول ذلك: لقد توصلت إليها بعد أن اطلعت على ما قرأته من آثار الشابي، فوجدتها منشورة مع غيرها من مختلف نصوصه الأخرى في غير ديوانه «أغاني الحياة»، وقد أشار إلى بعضها دارسون مختصون مثل أبي القاسم محمد كرو وتوفيق بكار وأبو زيان السعدي.
وأكد سوف عبيد أن الغرض من نشر هذه القصائد هو التعريف بها وذكر مصادرها، وهي التي ظلت مجهولة ومطموسة سنوات طويلة. وأضاف: لقد حاولت التمهيد لكل قصيدة بما يناسبها من التقديم، ولم يكن هدفي البتة دراستها، وعسى أن تنهض العزائم لذلك. وقد كانت منشورة بدون أي اعتبار لجماليتها الفنية، وعندما رجعت إلى بعض المسودات والمخطوطات لدى الشابي لاحظت أنه كتب الكثير من الأسطر منها كما نشرتها، فاتّبعت نفس المنهج الذي أراده الشاعر، وبذلك حققت أمنيته بإصدار ديوانه الثاني تحت إشراف بيت الحكمة.
وختم بالتأكيد على أن الاهتمام بكتابات الشابي لا يمكن أن يتوقف، موجّهًا انتقاده إلى الجامعيين الذين لم يتحرك أحد منهم لإعداد أطروحة دكتوراه تتناول آثار الشابي، وهي عديدة وكثيرة.
ومن ناحيتها، عادت الروائية حبيبة المحرزي في مداخلتها «من القصيدة إلى القصة القصيرة والرواية» إلى بداية العلاقة مع الكتابة التي كانت من خلال الشعر، حيث رأت في القصيدة أنها كانت لغة الانفعال الأول. إذ وجدت في الشعر بيتًا صغيرًا من الضوء، منه أطلت على عالم لا يحده الواقع، عالم يخصها وحدها، تصوغ فيه مشاعرها وأحاسيسها كما تُصاغ الأحلام. فكانت لغتها مزيجًا من الهمس والغياب. إلا أنه انتابها، وفق قولها، شعور بضيق هذا العالم، فكانت ثمة حكايات تختنق داخل جسد الصورة الواحدة، فازدادت الرغبة في الغوص في تجربة الشخصيات التي تموت في أسطر قليلة داخل القصيدة، فكان قرار الانتقال إلى القصة القصيرة في مسار إبداعي يعكس تطور الوعي الجمالي والبحث عن المعنى العميق المتنوع، عبر الأشكال المختلفة. وبعد أن نشرت مجموعتين قصصيتين «قرار أخرس» و»شيطان وحجاب»، اكتشفت أن القصة القصيرة لا تشبع رغبتها في الامتداد والغوص أكثر في الزمن والمصائر والطبقات النفسية للشخصيات التي تعيش تصدعات ومشاحنات مع الآخرين أو مع الذات. فكانت الرواية هي الملاذ الأخير لزمن الوعي وامتحان اللغة المؤدية للمعنى. الرواية، والكلام لحبيبة المحرزي، كانت المحطة الكبرى لها. وتضيف في السياق: «لم أعد أكتب عن الانفعال وإنما عن الوعي، لم أعد أصف اللحظة، بل أعيش التجربة وفق الأزمنة الممتدة الملائمة، أشكلها كما أشاء. فكتبت «الوزر» و»سبع لفتات» و»كفارة» و»قلت كل شيء» و»حلم في جسد»، لتتواصل الرحلة.»
وتناولت الكاتبة مسعودة بوبكر في شهادتها بعنوان «نفح الشّعر في باقة النّثر في بين الأطلسين» القصائد التي وردت بكتابها «بين الأطلسين» الصادر سنة 2025. والكتاب عبارة عن يوميات رحلتها إلى المغرب. وقد توقفت في مداخلتها عند حضور الشعر في الكتاب المذكور، ومنها قصيد للشاعر المغربي عبد الرفيع الجواهري يتغنى فيه بوادي أبي رقراق الذي ينحدر من جبال الأطلس حتى يلتقي بالمحيط الأطلسي.
هذا القصيد الرائع لحنه وغناه بصوته الفنان المغربي الكبير عبد الهادي بلخياط، وهو تحت عنوان «القمر الأحمر»، ومما جاء فيه:
خجولا أطلّ وراء الجبال
وجفنُ الدّجى حوله يسهر..
ورقراقُ ذاك العظيمُ...
على شاطئيه ارتمى اللحنُ والمِزهر...
وفي موجهِ يستحمّ الخلودُ
وفي غورِه ترسبُ الأعصرُ»
كما ذكرت قصيدًا يتغنّى بالشاي وطقوسه، ومنه:
لم يدر ما لذة الدنيا وبهجتَها
من لم يكن من كؤوس الشاي قد شربا
فهي المريحة للأحزان قاطبةً
ناهيك إذ لونها قد شاكل الذهبا
ووجهت الكاتبة زهرة حواشي اهتمامها في مداخلتها إلى الأغاني والأشعار الشعبية التي حفلت بها روايتها «ابن العاقر». وقد استعرضتها بشكل لافت ومشوق على اعتبار أن الأغنية الشعبية تعبر عن الهوية والمناسبات والتقاليد من خلال الألحان والكلمات البسيطة التي تنتقل عبر الأجيال، بينما تركز الرواية على سرد قصص أكثر تعقيدًا، سواء كانت أدبًا شعبيًا تقليديًا أو أدبًا مدونًا. وتُستخدم الأغاني الشعبية أيضًا في الروايات كأداة لإبراز صوت المهمشين أو لربط الأحداث بالسياق الاجتماعي، كما يمكن أن تُعد الأغاني الشعبية نفسها نوعًا من السرد القصصي الشعبي أو الملحمي.
وختم الكاتب المختار بن إسماعيل بمداخلة «التحول من الشعر إلى السرد»، فبين أنه بدأ مسيرته الإبداعية شاعرًا قبل أن يتحول إلى عالم الرواية، حيث اتجه اهتمامه إلى مدينته تستور ذات الأصول الأندلسية. من أبرز رواياته: “رواسب»، «قهوة البرني»، «قناديل الحارة»، و»حبيبة بنت الرحِيبة».
وبيّن أن الرواية عنده تمثل وسيلة لاستعادة التراث الحضاري والتاريخي للمدينة، حيث يدمج بين الحس العلمي بوصفه طبيبًا والعاطفة الأدبية الشاعرية، فهو يعتبر أن الرواية عبارة عن وثيقة تاريخية اجتماعية شاملة، ففيها عادات أهالي تستور من المهد إلى اللحد، وفق وصفه.
وتخللت هذه الشهادات قراءات شعرية وقصصية، ومعزوفات على آلة الناي للعازف رشيد بن جوهرة، الذي استحضر أغنيات خالدة من الموروث التونسي الأصيل للفنانة صليحة بدرجة أولى، ومن الموشحات الأندلسية.