إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تونس على أعتاب 4 ملايين طن واستعادة مكانتها العالمية.. مؤشرات قياسية لإنتاج الفسفاط في 2025 ونحو مضاعفة الصادرات

بعد سنوات من التراجع والركود، تعود آفاق صناعة الفسفاط في تونس إلى الواجهة من جديد، مع توقعات قوية بتجاوز الإنتاج الوطني عتبة 4 ملايين طن من الفسفاط التجاري مع نهاية سنة 2025، وفق ما أكده الرئيس المدير العام لشركة فسفاط قفصة، عبد القادر عميد، مؤخرا في تصريحات إعلامية. هذه المؤشرات الإيجابية تمثل منعطفًا مهمًا في مسار أحد أهم القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد التونسي، الذي شكل لعقود مصدر فخر وازدهار ورافدا أساسيا لخزينة الدولة من العملة الصعبة.

من الركود إلى الانتعاشة.. مؤشرات إيجابية بعد عقد من الصعوبات

شهد قطاع الفسفاط منذ سنة 2011 تراجعا حادا في نسق الإنتاج بسبب عوامل اجتماعية وتعطيلات متكررة في الحوض المنجمي، ما أدى إلى انخفاض الكميات المنتجة من 8 ملايين طن قبل 2010 إلى أقل من 3 ملايين طن في السنوات الأخيرة. هذا التراجع كان له تأثير مباشر على الصادرات والإيرادات، حيث خسرت تونس جزءا هاما من حصتها في الأسواق الدولية لصالح منافسين تقليديين مثل المغرب والأردن.

لكن المؤشرات الأخيرة توحي بتغير المعادلة. فبحسب شركة فسفاط قفصة، يعرف نسق الإنتاج حاليا تحسنا مطردًا بفضل إعادة تأهيل وحدات الإنتاج وتطوير آليات العمل الميداني. ومن المنتظر أن تتجاوز الكميات المنتجة خلال العام الجاري سقف 4 ملايين طن، وهو ما يمثل قفزة نوعية مقارنة بالسنوات الماضية.

دعم أوروبي واستثمارات ضخمة في الأفق

ولتعزيز هذا المسار التصاعدي، تحصّلت شركة فسفاط قفصة على قرض من البنك الأوروبي للاستثمار بقيمة 100 مليون أورو، مخصص لاقتناء معدات وآليات جديدة ستساهم في تحسين المردودية ورفع كفاءة الإنتاج. كما أعلن البنك ذاته في أكتوبر الماضي عن قرض إضافي بقيمة 110 ملايين أورو لتحديث معدات التعدين ودعم البنية التحتية في مواقع الاستخراج.

وأكد عبد القادر عميد أن هذه التمويلات تمثل ركيزة أساسية لخطة تطوير شاملة تمتد من 2025 إلى 2030، وتشمل إطلاق استثمارات كبرى لتحسين القدرات الإنتاجية واللوجستية، مع التركيز على الاستدامة البيئية وتحسين ظروف العمل في الحوض المنجمي.

نحو استعادة المستوى العادي للإنتاج

تهدف الاستراتيجية الجديدة إلى استعادة المعدلات التاريخية للإنتاج التي كانت تبلغ 8 ملايين طن سنويا قبل 2010، والوصول تدريجيا إلى أكثر من 14 مليون طن في أفق سنة 2030. وتأتي هذه الخطة الطموحة في سياق سعي الحكومة إلى إعادة هيكلة القطاع وتعزيز قدرته التنافسية، خاصة مع الارتفاع العالمي في الطلب على مشتقات الفسفاط المستخدمة في إنتاج الأسمدة والمواد الكيميائية والطاقة النظيفة.

ويرى خبراء الاقتصاد أن تجاوز عتبة 4 ملايين طن في 2025 سيكون بمثابة إشارة قوية على عودة القطاع إلى مسار التعافي، وهو ما سيعزز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، ويفتح الباب أمام شراكات جديدة في مجالات التحويل الصناعي والنقل الحديدي والموانئ التصديرية.

الفسفاط.. ثروة وطنية ومحرك للاقتصاد

منذ اكتشافه في أواخر القرن التاسع عشر، شكّل الفسفاط أحد أعمدة الاقتصاد التونسي ومصدرا أساسيا للعائدات. وقد بلغت صادرات تونس من الفسفاط ومشتقاته في فترات الازدهار أكثر من 1.5 مليار دولار سنويا، ما جعلها من بين أكبر خمسة منتجين عالميين.

اليوم، ومع تحسن الإنتاج واستعادة نشاط وحدات التحويل في المجمع الكيميائي التونسي، من المتوقع أن ترتفع العائدات تدريجيًا لتتجاوز ملياري دولار سنويا في أفق 2030، خاصة مع تنويع الأسواق التصديرية نحو آسيا (الهند، باكستان، بنغلادش) وأوروبا (إسبانيا، فرنسا، بولندا)، إلى جانب تعزيز التبادل مع الأسواق الإفريقية الصاعدة مثل السنغال وغانا وأسواق أمريكا اللاتينية مثل البرازيل.

العودة إلى الساحة الدولية.. رهان استراتيجي

تسعى تونس من خلال هذه الاستراتيجية الجديدة إلى استعادة مكانتها التاريخية كأحد أبرز مصدري مشتقات الفسفاط في العالم. فالطلب العالمي على الأسمدة الفوسفاتية يشهد ارتفاعا متسارعا في ظل التحديات الغذائية وتزايد الحاجة إلى تحسين الإنتاج الزراعي. وتعمل شركة فسفاط قفصة بالتنسيق مع المجمع الكيميائي وشركات النقل والموانئ على تحسين سلاسل التوريد وتطوير الموانئ الصناعية، بما يضمن انسيابية التصدير ويحد من كلفة النقل.

وأكدت مصادر حكومية لـ"الصباح"، أن برنامج 2030 لا يقتصر على زيادة الكميات فحسب، بل يشمل أيضا رفع القيمة المضافة للمنتجات التونسية عبر الاستثمار في الصناعات التحويلية مثل إنتاج الحامض الفسفوري والأسمدة المركبة، وهو ما سيمنح تونس ميزة تنافسية إضافية في الأسواق العالمية.

أثر مباشر على الاقتصاد الوطني

تحسن إنتاج الفسفاط لا يقتصر على الأرقام فقط، بل ينعكس مباشرة على مؤشرات الاقتصاد الكلي. فمن المتوقع أن يؤدي تجاوز حاجز 4 ملايين طن في 2025 إلى زيادة في الصادرات بنحو 25 % مقارنة بالسنة الماضية، وتحسين احتياطي البلاد من العملة الصعبة، فضلا عن خلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة في الحوض المنجمي ومناطق التحويل الصناعي.

كما من المنتظر أن تساهم الاستثمارات الأوروبية الجديدة في تحريك الدورة الاقتصادية المحلية، خاصة في ولايات قفصة، صفاقس، قابس، وقفصة الجنوبية، حيث تتركز المنشآت الصناعية الكبرى.

وفي هذا السياق، يرى عدد من الخبراء أن انتعاش قطاع الفسفاط يمكن أن يشكل قاطرة لتعافي الاقتصاد الوطني، خاصة إذا تم ربطه بسياسات حكومية واضحة في مجال البنية التحتية والنقل والطاقة، بما يضمن استدامة النشاط ورفع المردودية.

مسار متجدد لثروة لا تنضب

جدير بالذكر أن فسفاط تونس عرف فترات ذهبية خلال السبعينات والثمانينات حين كان يحتل المرتبة الثالثة عالميا في الإنتاج والتصدير، قبل أن تتراجع مكانته تدريجيا خلال العقد الماضي بسبب الاضطرابات الاجتماعية. واليوم، ومع انطلاق تنفيذ خطة 2030 واسترجاع نسق العمل الطبيعي في مواقع الإنتاج، تبدو تونس على الطريق الصحيح لاستعادة إشعاعها الاقتصادي والتموضع مجددا على خريطة الأسواق العالمية.

كما تجدر الإشارة إلى أن الشركة تعمل حاليا على تحسين الأداء البيئي لمواقعها عبر استعمال معدات جديدة تقلل من الانبعاثات وتحد من استهلاك المياه، في إطار التزاماتها بالمعايير الدولية للتنمية المستدامة.

تونس تستثمر في ثروتها النائمة

وأمام البرامج الثرية التي تعمل الحكومة على تجسيدها على أرض الواقع، أصبح بالإمكان الجزم اليوم أن نسق الإنتاج في تصاعد، التمويلات الخارجية متوفرة، والآفاق التصديرية مفتوحة أمام منتجات الفسفاط التونسي عالية الجودة. ومع اقتراب نهاية سنة 2025، سيكون تجاوز حاجز 4 ملايين طن بمثابة الرمز العملي لعودة الروح إلى قطاع ظل لسنوات عنوانا للأزمة، وها هو اليوم يتحول مجددا إلى رمز للأمل والانتعاش الاقتصادي.

سفيان المهداوي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تونس على أعتاب 4 ملايين طن واستعادة مكانتها العالمية..   مؤشرات قياسية لإنتاج الفسفاط في 2025 ونحو مضاعفة الصادرات

بعد سنوات من التراجع والركود، تعود آفاق صناعة الفسفاط في تونس إلى الواجهة من جديد، مع توقعات قوية بتجاوز الإنتاج الوطني عتبة 4 ملايين طن من الفسفاط التجاري مع نهاية سنة 2025، وفق ما أكده الرئيس المدير العام لشركة فسفاط قفصة، عبد القادر عميد، مؤخرا في تصريحات إعلامية. هذه المؤشرات الإيجابية تمثل منعطفًا مهمًا في مسار أحد أهم القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد التونسي، الذي شكل لعقود مصدر فخر وازدهار ورافدا أساسيا لخزينة الدولة من العملة الصعبة.

من الركود إلى الانتعاشة.. مؤشرات إيجابية بعد عقد من الصعوبات

شهد قطاع الفسفاط منذ سنة 2011 تراجعا حادا في نسق الإنتاج بسبب عوامل اجتماعية وتعطيلات متكررة في الحوض المنجمي، ما أدى إلى انخفاض الكميات المنتجة من 8 ملايين طن قبل 2010 إلى أقل من 3 ملايين طن في السنوات الأخيرة. هذا التراجع كان له تأثير مباشر على الصادرات والإيرادات، حيث خسرت تونس جزءا هاما من حصتها في الأسواق الدولية لصالح منافسين تقليديين مثل المغرب والأردن.

لكن المؤشرات الأخيرة توحي بتغير المعادلة. فبحسب شركة فسفاط قفصة، يعرف نسق الإنتاج حاليا تحسنا مطردًا بفضل إعادة تأهيل وحدات الإنتاج وتطوير آليات العمل الميداني. ومن المنتظر أن تتجاوز الكميات المنتجة خلال العام الجاري سقف 4 ملايين طن، وهو ما يمثل قفزة نوعية مقارنة بالسنوات الماضية.

دعم أوروبي واستثمارات ضخمة في الأفق

ولتعزيز هذا المسار التصاعدي، تحصّلت شركة فسفاط قفصة على قرض من البنك الأوروبي للاستثمار بقيمة 100 مليون أورو، مخصص لاقتناء معدات وآليات جديدة ستساهم في تحسين المردودية ورفع كفاءة الإنتاج. كما أعلن البنك ذاته في أكتوبر الماضي عن قرض إضافي بقيمة 110 ملايين أورو لتحديث معدات التعدين ودعم البنية التحتية في مواقع الاستخراج.

وأكد عبد القادر عميد أن هذه التمويلات تمثل ركيزة أساسية لخطة تطوير شاملة تمتد من 2025 إلى 2030، وتشمل إطلاق استثمارات كبرى لتحسين القدرات الإنتاجية واللوجستية، مع التركيز على الاستدامة البيئية وتحسين ظروف العمل في الحوض المنجمي.

نحو استعادة المستوى العادي للإنتاج

تهدف الاستراتيجية الجديدة إلى استعادة المعدلات التاريخية للإنتاج التي كانت تبلغ 8 ملايين طن سنويا قبل 2010، والوصول تدريجيا إلى أكثر من 14 مليون طن في أفق سنة 2030. وتأتي هذه الخطة الطموحة في سياق سعي الحكومة إلى إعادة هيكلة القطاع وتعزيز قدرته التنافسية، خاصة مع الارتفاع العالمي في الطلب على مشتقات الفسفاط المستخدمة في إنتاج الأسمدة والمواد الكيميائية والطاقة النظيفة.

ويرى خبراء الاقتصاد أن تجاوز عتبة 4 ملايين طن في 2025 سيكون بمثابة إشارة قوية على عودة القطاع إلى مسار التعافي، وهو ما سيعزز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، ويفتح الباب أمام شراكات جديدة في مجالات التحويل الصناعي والنقل الحديدي والموانئ التصديرية.

الفسفاط.. ثروة وطنية ومحرك للاقتصاد

منذ اكتشافه في أواخر القرن التاسع عشر، شكّل الفسفاط أحد أعمدة الاقتصاد التونسي ومصدرا أساسيا للعائدات. وقد بلغت صادرات تونس من الفسفاط ومشتقاته في فترات الازدهار أكثر من 1.5 مليار دولار سنويا، ما جعلها من بين أكبر خمسة منتجين عالميين.

اليوم، ومع تحسن الإنتاج واستعادة نشاط وحدات التحويل في المجمع الكيميائي التونسي، من المتوقع أن ترتفع العائدات تدريجيًا لتتجاوز ملياري دولار سنويا في أفق 2030، خاصة مع تنويع الأسواق التصديرية نحو آسيا (الهند، باكستان، بنغلادش) وأوروبا (إسبانيا، فرنسا، بولندا)، إلى جانب تعزيز التبادل مع الأسواق الإفريقية الصاعدة مثل السنغال وغانا وأسواق أمريكا اللاتينية مثل البرازيل.

العودة إلى الساحة الدولية.. رهان استراتيجي

تسعى تونس من خلال هذه الاستراتيجية الجديدة إلى استعادة مكانتها التاريخية كأحد أبرز مصدري مشتقات الفسفاط في العالم. فالطلب العالمي على الأسمدة الفوسفاتية يشهد ارتفاعا متسارعا في ظل التحديات الغذائية وتزايد الحاجة إلى تحسين الإنتاج الزراعي. وتعمل شركة فسفاط قفصة بالتنسيق مع المجمع الكيميائي وشركات النقل والموانئ على تحسين سلاسل التوريد وتطوير الموانئ الصناعية، بما يضمن انسيابية التصدير ويحد من كلفة النقل.

وأكدت مصادر حكومية لـ"الصباح"، أن برنامج 2030 لا يقتصر على زيادة الكميات فحسب، بل يشمل أيضا رفع القيمة المضافة للمنتجات التونسية عبر الاستثمار في الصناعات التحويلية مثل إنتاج الحامض الفسفوري والأسمدة المركبة، وهو ما سيمنح تونس ميزة تنافسية إضافية في الأسواق العالمية.

أثر مباشر على الاقتصاد الوطني

تحسن إنتاج الفسفاط لا يقتصر على الأرقام فقط، بل ينعكس مباشرة على مؤشرات الاقتصاد الكلي. فمن المتوقع أن يؤدي تجاوز حاجز 4 ملايين طن في 2025 إلى زيادة في الصادرات بنحو 25 % مقارنة بالسنة الماضية، وتحسين احتياطي البلاد من العملة الصعبة، فضلا عن خلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة في الحوض المنجمي ومناطق التحويل الصناعي.

كما من المنتظر أن تساهم الاستثمارات الأوروبية الجديدة في تحريك الدورة الاقتصادية المحلية، خاصة في ولايات قفصة، صفاقس، قابس، وقفصة الجنوبية، حيث تتركز المنشآت الصناعية الكبرى.

وفي هذا السياق، يرى عدد من الخبراء أن انتعاش قطاع الفسفاط يمكن أن يشكل قاطرة لتعافي الاقتصاد الوطني، خاصة إذا تم ربطه بسياسات حكومية واضحة في مجال البنية التحتية والنقل والطاقة، بما يضمن استدامة النشاط ورفع المردودية.

مسار متجدد لثروة لا تنضب

جدير بالذكر أن فسفاط تونس عرف فترات ذهبية خلال السبعينات والثمانينات حين كان يحتل المرتبة الثالثة عالميا في الإنتاج والتصدير، قبل أن تتراجع مكانته تدريجيا خلال العقد الماضي بسبب الاضطرابات الاجتماعية. واليوم، ومع انطلاق تنفيذ خطة 2030 واسترجاع نسق العمل الطبيعي في مواقع الإنتاج، تبدو تونس على الطريق الصحيح لاستعادة إشعاعها الاقتصادي والتموضع مجددا على خريطة الأسواق العالمية.

كما تجدر الإشارة إلى أن الشركة تعمل حاليا على تحسين الأداء البيئي لمواقعها عبر استعمال معدات جديدة تقلل من الانبعاثات وتحد من استهلاك المياه، في إطار التزاماتها بالمعايير الدولية للتنمية المستدامة.

تونس تستثمر في ثروتها النائمة

وأمام البرامج الثرية التي تعمل الحكومة على تجسيدها على أرض الواقع، أصبح بالإمكان الجزم اليوم أن نسق الإنتاج في تصاعد، التمويلات الخارجية متوفرة، والآفاق التصديرية مفتوحة أمام منتجات الفسفاط التونسي عالية الجودة. ومع اقتراب نهاية سنة 2025، سيكون تجاوز حاجز 4 ملايين طن بمثابة الرمز العملي لعودة الروح إلى قطاع ظل لسنوات عنوانا للأزمة، وها هو اليوم يتحول مجددا إلى رمز للأمل والانتعاش الاقتصادي.

سفيان المهداوي