وسط تعقّد الأزمة الليبية وتزايد التحديات الدولية والإقليمية، تعود دول الجوار الثلاث: تونس والجزائر ومصر إلى طاولة التشاور في خطوة جديدة تهدف إلى تعزيز التنسيق السياسي والأمني حول الملف الليبي، وترسيخ مقاربة تقوم على الحلّ الليبي – الليبي بعيدًا عن أي إملاءات خارجية.
بتكليف من رئيس الجمهورية قيس سعيد، يشارك وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي إلى جانب نظيريه الجزائري أحمد عطّاف والمصري بدر عبد العاطي في اجتماع آلية التشاور الثلاثي حول ليبيا الذي تحتضنه الجزائر العاصمة اليوم 6 نوفمبر الجاري، بحضور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بما يعكس الحرص على مواصلة التنسيق والتشاور من أجل دعم المسار السياسي الليبي وترجمة التزامها الثابت بمبدأ الحلّ الليبي الخالص الذي يحفظ سيادة الدولة ووحدتها الترابية.
يعود الملف الليبي إلى الواجهة من جديد – وهذه المرّة عبر بوابة الجزائر للتأكيد على أن الحل لن يكون إلا ليبيا ليبيا بعيدا عن سياسة الإملاءات والضغوطات.
هذا اللقاء الذي يعقد في ظرف إقليمي ودولي دقيق يعكس إصرار الدول الثلاث على تحمل مسؤوليتها التاريخية تجاه ليبيا، من خلال تأكيدها على أن الحل لا يمكن أن يُفرض عبر وصاية خارجية، بل يجب أن ينبع من الحوار الليبي–الليبي ضمن مقاربة شاملة تحفظ وحدة البلاد وسيادتها وتراعي تطلعات شعبها نحو الأمن والتنمية والاستقرار.
والجزائر، التي تستضيف هذا الاجتماع، تسعى إلى إعادة تفعيل التنسيق بين دول الجوار إدراكا منها بأن أمن ليبيا جزء لا يتجزأ من أمنها القومي، وهو ذات التوجه الذي تتقاسمه تونس ومصر.
ثبات الموقف التونسي
حافظت تونس منذ سنة 2011، تاريخ اندلاع الأزمة الليبية، على سياسة خارجية متّزنة ومتوازنة تجاه الملف الليبي، ترتكز إلى جملة من المحاور الثابتة، على غرار رفض التدخلات الأجنبية التي تزيد المشهد تعقيدًا، والتمسّك بوحدة التراب الليبي، مع تغليب منطق الحوار بين جميع الفرقاء الليبيين باعتباره الحل الأنسب لتسوية كل الخلافات.
وقد عبّرت تونس في أكثر من مناسبة عن هذا الموقف الثابت، مشيرة إلى أن ليبيا بلد شقيق تجمعها به روابط الدم والتاريخ والمصير المشترك. ولأن أمن تونس لا ينفصل عن أمن ليبيا، تعتبر تونس أن استقرار ليبيا يشكّل شرطا جوهريا لاستقرارها هي والمنطقة برمّتها، بما يجعل دعمها لمسار التسوية السلمية خيارًا استراتيجيًا لا بديل عنه، وانخراطها في أي مبادرة بنّاءة نابعة من إيمانها بوحدة المصير والأمن المشترك بين البلدين.
ويشكّل اجتماع الجزائر استمرارًا طبيعيًا للدور التونسي في دعم الحلول السلمية، ويعكس التزامها بالعمل الجماعي العربي والمغاربي من أجل إعادة ليبيا إلى الليبيين. كما يجسّد وفاء تونس لسياسة «الحياد الإيجابي»، التي تقوم على الانفتاح على جميع الأطراف دون التفريط في المبادئ.
الأمم المتحدة.. الشريك لا البديل
من جانب آخر، في الوقت الذي ما زالت فيه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تبذل جهودا حثيثة لإعادة الأطراف المتنازعة إلى طاولة الحوار، تؤكد دول الجوار الثلاث على ضرورة أن تكون الأمم المتحدة شريكًا داعمًا، لا بديلاً عن الإرادة الليبية.
فالهدف المشترك والأساسي هو تهيئة مناخ ملائم لإطلاق مسار سياسي شامل وتوافقي، يكرّس سيادة ليبيا ووحدتها الوطنية، ويعيد إليها مكانتها الطبيعية كدولة فاعلة في محيطها الإقليمي.
وفي هذا الإطار، فإنّ اجتماع الجزائر لا يعد مجرد لقاء تقني لتبادل وجهات النظر، وإنما هو محطة دبلوماسية هامة ذات بعد استراتيجي، ترمي إلى توحيد الرؤى والمواقف من أجل مساندة الليبيين في صياغة حلولهم بأنفسهم، بعيدًا عن سياسة الضغوطات والمساومات.
وفي ظل وضع ليبي بالغ التعقيد، تتداخل فيه المصالح الداخلية بالتجاذبات الإقليمية والدولية، مما جعل مسار التسوية يراوح مكانه رغم تعدّد المبادرات، فإن الرهان الحقيقي لاجتماع اليوم يكمن في تحويل التشاور السياسي إلى آلية متابعة وعمل ميداني فاعل، سواء من خلال تكثيف التنسيق الأمني على الحدود أو عبر دعم برامج التنمية المشتركة في المناطق الحدودية، بما يسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والأمني.
ويُنتظر من هذا اللقاء أن يعيد ترتيب الأوراق من جديد من خلال إعادة التوازن إلى المقاربة العربية–الإفريقية في إدارة الملف الليبي، عبر إحياء روح التضامن والتكامل بين دول الجوار التي تجمعها مصالح متشابكة ومسؤوليات وتحديات مشتركة.
وبالتالي، فإنّ اجتماع آلية التشاور الثلاثي حول ليبيا اليوم في الجزائر لا يقتصر على معالجة أزمة دولة واحدة، بل يُعبّر في جوهره عن رغبة جماعية في بناء فضاء مغاربي أكثر تماسكا، قوامه الأمن المشترك والاحترام المتبادل للسيادة الوطنية.
فكلّ خطوة نحو حلّ ليبي–ليبي هي في الواقع خطوة نحو استقرار المنطقة كلّها، ونحو رؤية تُعيد للدبلوماسية العربية إشعاعها ودورها الطبيعي كوسيط للحلول، وكقوة اقتراح وتأثير لا كصوت على هامش الأزمات.
وبينما تتجه الأنظار اليوم إلى مخرجات هذا الاجتماع، تبقى تونس، بسياساتها المتّزنة ومواقفها الثابتة، صوت العقل ورمز التوازن في محيط تطوقه الأجندات، رافعة شعارا أساسيا قوامه أن لغة الحوار تظل وحدها السبيل إلى السلام، وأن الحل الفعلي في ليبيا لن يكون إلا ليبي–ليبي.
منال حرزي
وسط تعقّد الأزمة الليبية وتزايد التحديات الدولية والإقليمية، تعود دول الجوار الثلاث: تونس والجزائر ومصر إلى طاولة التشاور في خطوة جديدة تهدف إلى تعزيز التنسيق السياسي والأمني حول الملف الليبي، وترسيخ مقاربة تقوم على الحلّ الليبي – الليبي بعيدًا عن أي إملاءات خارجية.
بتكليف من رئيس الجمهورية قيس سعيد، يشارك وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي إلى جانب نظيريه الجزائري أحمد عطّاف والمصري بدر عبد العاطي في اجتماع آلية التشاور الثلاثي حول ليبيا الذي تحتضنه الجزائر العاصمة اليوم 6 نوفمبر الجاري، بحضور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بما يعكس الحرص على مواصلة التنسيق والتشاور من أجل دعم المسار السياسي الليبي وترجمة التزامها الثابت بمبدأ الحلّ الليبي الخالص الذي يحفظ سيادة الدولة ووحدتها الترابية.
يعود الملف الليبي إلى الواجهة من جديد – وهذه المرّة عبر بوابة الجزائر للتأكيد على أن الحل لن يكون إلا ليبيا ليبيا بعيدا عن سياسة الإملاءات والضغوطات.
هذا اللقاء الذي يعقد في ظرف إقليمي ودولي دقيق يعكس إصرار الدول الثلاث على تحمل مسؤوليتها التاريخية تجاه ليبيا، من خلال تأكيدها على أن الحل لا يمكن أن يُفرض عبر وصاية خارجية، بل يجب أن ينبع من الحوار الليبي–الليبي ضمن مقاربة شاملة تحفظ وحدة البلاد وسيادتها وتراعي تطلعات شعبها نحو الأمن والتنمية والاستقرار.
والجزائر، التي تستضيف هذا الاجتماع، تسعى إلى إعادة تفعيل التنسيق بين دول الجوار إدراكا منها بأن أمن ليبيا جزء لا يتجزأ من أمنها القومي، وهو ذات التوجه الذي تتقاسمه تونس ومصر.
ثبات الموقف التونسي
حافظت تونس منذ سنة 2011، تاريخ اندلاع الأزمة الليبية، على سياسة خارجية متّزنة ومتوازنة تجاه الملف الليبي، ترتكز إلى جملة من المحاور الثابتة، على غرار رفض التدخلات الأجنبية التي تزيد المشهد تعقيدًا، والتمسّك بوحدة التراب الليبي، مع تغليب منطق الحوار بين جميع الفرقاء الليبيين باعتباره الحل الأنسب لتسوية كل الخلافات.
وقد عبّرت تونس في أكثر من مناسبة عن هذا الموقف الثابت، مشيرة إلى أن ليبيا بلد شقيق تجمعها به روابط الدم والتاريخ والمصير المشترك. ولأن أمن تونس لا ينفصل عن أمن ليبيا، تعتبر تونس أن استقرار ليبيا يشكّل شرطا جوهريا لاستقرارها هي والمنطقة برمّتها، بما يجعل دعمها لمسار التسوية السلمية خيارًا استراتيجيًا لا بديل عنه، وانخراطها في أي مبادرة بنّاءة نابعة من إيمانها بوحدة المصير والأمن المشترك بين البلدين.
ويشكّل اجتماع الجزائر استمرارًا طبيعيًا للدور التونسي في دعم الحلول السلمية، ويعكس التزامها بالعمل الجماعي العربي والمغاربي من أجل إعادة ليبيا إلى الليبيين. كما يجسّد وفاء تونس لسياسة «الحياد الإيجابي»، التي تقوم على الانفتاح على جميع الأطراف دون التفريط في المبادئ.
الأمم المتحدة.. الشريك لا البديل
من جانب آخر، في الوقت الذي ما زالت فيه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تبذل جهودا حثيثة لإعادة الأطراف المتنازعة إلى طاولة الحوار، تؤكد دول الجوار الثلاث على ضرورة أن تكون الأمم المتحدة شريكًا داعمًا، لا بديلاً عن الإرادة الليبية.
فالهدف المشترك والأساسي هو تهيئة مناخ ملائم لإطلاق مسار سياسي شامل وتوافقي، يكرّس سيادة ليبيا ووحدتها الوطنية، ويعيد إليها مكانتها الطبيعية كدولة فاعلة في محيطها الإقليمي.
وفي هذا الإطار، فإنّ اجتماع الجزائر لا يعد مجرد لقاء تقني لتبادل وجهات النظر، وإنما هو محطة دبلوماسية هامة ذات بعد استراتيجي، ترمي إلى توحيد الرؤى والمواقف من أجل مساندة الليبيين في صياغة حلولهم بأنفسهم، بعيدًا عن سياسة الضغوطات والمساومات.
وفي ظل وضع ليبي بالغ التعقيد، تتداخل فيه المصالح الداخلية بالتجاذبات الإقليمية والدولية، مما جعل مسار التسوية يراوح مكانه رغم تعدّد المبادرات، فإن الرهان الحقيقي لاجتماع اليوم يكمن في تحويل التشاور السياسي إلى آلية متابعة وعمل ميداني فاعل، سواء من خلال تكثيف التنسيق الأمني على الحدود أو عبر دعم برامج التنمية المشتركة في المناطق الحدودية، بما يسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والأمني.
ويُنتظر من هذا اللقاء أن يعيد ترتيب الأوراق من جديد من خلال إعادة التوازن إلى المقاربة العربية–الإفريقية في إدارة الملف الليبي، عبر إحياء روح التضامن والتكامل بين دول الجوار التي تجمعها مصالح متشابكة ومسؤوليات وتحديات مشتركة.
وبالتالي، فإنّ اجتماع آلية التشاور الثلاثي حول ليبيا اليوم في الجزائر لا يقتصر على معالجة أزمة دولة واحدة، بل يُعبّر في جوهره عن رغبة جماعية في بناء فضاء مغاربي أكثر تماسكا، قوامه الأمن المشترك والاحترام المتبادل للسيادة الوطنية.
فكلّ خطوة نحو حلّ ليبي–ليبي هي في الواقع خطوة نحو استقرار المنطقة كلّها، ونحو رؤية تُعيد للدبلوماسية العربية إشعاعها ودورها الطبيعي كوسيط للحلول، وكقوة اقتراح وتأثير لا كصوت على هامش الأزمات.
وبينما تتجه الأنظار اليوم إلى مخرجات هذا الاجتماع، تبقى تونس، بسياساتها المتّزنة ومواقفها الثابتة، صوت العقل ورمز التوازن في محيط تطوقه الأجندات، رافعة شعارا أساسيا قوامه أن لغة الحوار تظل وحدها السبيل إلى السلام، وأن الحل الفعلي في ليبيا لن يكون إلا ليبي–ليبي.