الأستاذ السابق بكلية الطب رفيق بوجدارية لـ«الصباح»: استعمال المضادات الحيوية دون وصفة طبية أصبح اليوم من المواضيع الحارقة والخطيرة على المنظومة الصحية.. ويجب تفعيل الحلول المناسبة
الاستخدام العشوائي للأدوية يُضعف فعاليتها ويجعلها غير مجدية عند الحاجة إليها، ذلك ما أكّدته وزارة الصحة، محذّرة من استعمال المضادات الحيوية، حيث اعتبرت أن ذلك ليس علاجًا سحريًا لكل الأمراض. كما أشارت وزارة الصحة في بلاغها إلى أنّ المضاد الحيوي يعالج البكتيريا ولكنه لا يعالج الأمراض الفيروسية مثل الزكام أو النزلة الموسمية، ودعت إلى ضرورة الالتزام بالجرعات والمدة التي يحدّدها الطبيب وعدم اقتناء تلك المضادات الحيوية دون وصفة طبية.
وليست المرة الأولى التي تحذّر فيها وزارة الصحة والأطباء بشكل عام من استعمال المضادات الحيوية دون وصفات طبية، ولكن في السنوات الأخيرة باتت ظاهرة التطبيب الذاتي أو التداوي العشوائي منتشرة بشكل كبير، حيث يلجأ عدد كبير من المرضى إلى اقتناء الأدوية واستعمالها دون وصفة طبية ودون استشارة الطبيب، وذلك إما بناءً على استشارة الصيدلي، أو بالاعتماد على أسماء أدوية موجودة على الإنترنت، أو انطلاقًا من تجربة مريض آخر مع نفس الدواء.
ويؤكد كل الأطباء أن تلك الظاهرة قد تتسبّب في نتائج وخيمة على صحة المواطنين الذين يستعملون الأدوية بطرق عشوائية، دون احترام خصوصية كل مرض ولا طريقة ومدة العلاج، مما قد يسبّب حالات تسمّم بالدواء أو ضرر كبير في الأعضاء الداخلية، كما قد يدمّر مناعة الجسم ضدّ بعض أنواع البكتيريا المسببة للمرض.
المضادات الحيوية وخطر استعمالها دون وصفة!
باستثناء بعض الأدوية مثل مسكنات الألم الخفيفة، فكل الأدوية يجب أن لا يتم استهلاكها إلا عن طريق وصفة طبية من طبيب مختص أو طب عام. ولكن الواقع يكشف أن عدة أدوية، ومنها مضادات حيوية، تُباع وتُستهلك دون إذن مباشر من الطبيب، الذي يختص وحده في تحديد الجرعة ومدة العلاج باستعمال دواء معيّن.
واليوم باتت بعض الأدوية، وخصوصًا المضادات الحيوية، التي تُباع في الصيدليات دون وصفة طبية، مصدر قلق طبي ليس في تونس فقط، كما عبّرت عن ذلك وزارة الصحة في بلاغها الأخير، بل في كل دول العالم، حيث تبدو المعطيات الصحية بشأن التداوي الذاتي بالمضادات الحيوية دون وصفة مثيرة للقلق والمخاوف.
وحول موضوع الاستعمال المكثّف للمضادات الحيوية دون وصفة طبية، قال الأستاذ السابق بكلية الطب بتونس د. رفيق بوجدارية لـ»الصباح»:»استعمال المضادات الحيوية اليوم دون وصفة طبية أصبح من المواضيع الحارقة التي تسبّبت في عدة مشاكل في كل البلدان، وباتت تشكّل خطرًا على كل المنظومات الصحية. ووفق معطيات دقيقة في أوروبا، ثبُت أن الجراثيم التي باتت تقاوم المضادات الحيوية ارتفعت وأصبحت تتسبب في عدد مرتفع من الأمراض بعد أن تراجعت نجاعة الأدوية مع زيادة عدد الوفيات. ففي فرنسا هناك زيادة ملحوظة في عدد هذه الجراثيم، وكان من المفروض أن اختراع المضادات الحيوية في سنة 1948 هدفه مقاومة هذه الجراثيم والقضاء عليها، ولكن الاستعمال العشوائي للمضادات جعل الجراثيم تتفوّق على بعضها، مما تسبب في ارتفاع معدلات المرض. وأشار تقرير صادر في 2015 إلى أن أوروبا أنفقت 1.5 مليار يورو على الأمراض الناتجة عن الجراثيم، كما أشار تقرير صادر في 2022 أن مقاومة الجراثيم للمضادات ترتفع سنويًا من 5 إلى 15 بالمائة، وهو ما قد ينذر بكارثة صحية. وفي سنة 2024 أكّدت منظمة الأمم المتحدة أن هذا الأمر بات يشكّل خطرًا على كل الأنظمة الصحية في العالم».
ويضيف د. رفيق بوجدارية: «هناك اليوم 22 مضادًا حيويًا، وكان اختراع هذه المضادات وقتها ثورة طبية، إذ استطاعت القضاء على عدة جراثيم، مما جعل معدل الوفيات ينخفض بشكل كبير، خاصة بالنسبة للأطفال والرضّع. اليوم، إذا تزايدت مقاومة الجراثيم لهذه المضادات الحيوية، فإننا قد نفقد تلك القفزة النوعية التي تم تسجيلها في الطبّ».
وأشار د. رفيق بوجدارية إلى أن الوضع يختلف من بلد إلى آخر حسب الإجراءات المعتمدة في المنظومة الصحية، حيث هناك بلدان تعتمد مفهوم «الصحة الواحدة»، أي التعاون الوثيق بين الصحة الموجهة للإنسان، والصحة الموجهة للحيوان، والصحة الموجّهة للمحيط. واعتماد هذا المبدأ يمكن أن يخفّض من ظاهرة تفاقم مقاومة الجراثيم عالميًا.
ويستدرك محدّثنا: «في البلدان المتوسطة والفقيرة، تنتشر المداواة الذاتية واستهلاك المضادات الحيوية دون وصفة طبية، وهذه ممارسة خاطئة. ونحن ندعو نقابة الصيادلة إلى طلب الاستظهار بوصفة طبية قبل الحصول على مضاد حيوي، لأنه كما قلنا، هناك اليوم 22 مضادًا حيويًا يُستخدم في الخط الأول لمعالجة بعض الأمراض الخطيرة والقاتلة. وإذا استمر ارتفاع مقاومة الجراثيم لهذه المضادات، فإن ذلك قد يشكّل خطرًا على صحة المرضى. كما أن غياب التغطية الصحية الشاملة يجعل المريض يتقاعس عن زيارة الطبيب ودفع معلوم الكشف، وأحيانًا لا يملك المعلوم، وبالتالي يلجأ إلى الصيدلي مباشرة دون المرور بالطبيب، وهذا أيضًا فيه خطر ويفسّر ارتفاع استهلاك المضادات الحيوية في إطار التطبيب العشوائي. كما أن غياب المخابر القادرة على تشخيص نوع الجراثيم ومستوى مقاومتها للمضادات الحيوية قد يفضي بدوره إلى وجود مخاطر مستقبلية على المرضى. حيث تشكّل اليوم المضادات الحيوية خطرًا على صحة الإنسان والحيوان، لأن كل دواء عند استعماله له منافع ومضار ومساوئ، والطرف الوحيد القادر على تحديد هذه المضار هو الطبيب والصيدلي، ولكن الطبيب هو الوحيد المخوّل له وصف العلاج المناسب وفق حالة المريض الصحية، وهو الأدرى بأمراضه وبالأدوية التي تناسب حالته الصحية».
ولمواجهة هذا الخلل الكبير في منظومة التداوي وتجنّب التطبيب العشوائي الذي قد يتسبّب في أمراض أشدّ خطورة من نزلة البرد، يختم د. رفيق بوجدارية بقوله:»أولًا، لا بدّ من الوعي بطريقة استعمال الدواء، فليس كل ارتفاع طفيف في درجة الحرارة يستدعي استعمال مضاد حيوي، وهنا نتحدّث عن التوعية والمسؤولية في القيام بتلك التوعية، وهذا من دور وزارة الصحة. وثانيًا، يجب الالتزام ببعض الضوابط والقوانين، حيث لا يجب على الصيدلي أن يتنازل عن الوصفة الطبية عند بيعه للدواء، بالإضافة إلى ضرورة تطوير عمل المخابر في القطاع الصحي لمعرفة أنواع الجراثيم في الالتهابات والتعفّنات، مع ضرورة توفير تغطية صحيّة شاملة حتى يصبح الالتزام بوصفة الطبيب وتوجيهاته عملية مرنة لا يتخطّاها المريض ويتوجّه مباشرة للصيدلي».
التطبيب العشوائي.. ظاهرة خطيرة تفرض التصدّي لها!
بحسب دراسة أعدّها معهد الاستهلاك الحكومي ونشرها عام 2019، فإنّ 61 % من التونسيين يشترون الأدوية مباشرة من الصيدليات من دون الحصول على وصفة طبية. ويرتفع الاستهلاك المفرط للأدوية خلال فصل الشتاء، إذ تؤدّي تقلبات الطقس إلى انتشار بعض الأمراض مثل نزلات البرد، بما يزيد الإقبال على التداوي الذاتي بسبب ارتفاع كلفة العلاج في القطاع الخاص وطول انتظار المواعيد في القطاع العام. وهذا التطبيب الذاتي قد يشكّل خطرًا كبيرًا بالنسبة للمسنين والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، حيث يؤدي استعمال بعض الأدوية بجرعات خاطئة إلى تعكّر الحالة الصحية للمريض، التي قد تؤدي حتى إلى الوفاة في بعض الحالات.
وفي تصريحات إعلامية سابقة، أكّد رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، نوفل عميرة، أنّ تونس تعدّ ثاني بلد في العالم بعد تركيا استهلاكًا للمضادات الحيوية قياسًا بعدد السكان، رغم وجود قانون يمنع بيع المضادات الحيوية دون وصفة طبية، لكن هذا القانون لا يُطبّق كما يجب، وفق تعبيره، وذلك لأسباب اجتماعية ومادية ناجمة أساسًا عن ضعف التغطية الصحية للمواطنين.
وخلال المؤتمر العلمي الأخير للجمعية التونسية للفرمكولوجيا، بعنوان «أنظمة التكفل واسترجاع الأدوية»، الذي جمع ممثلي القطاع الصحي لمناقشة سبل ترشيد استعمال الأدوية وضبط التوصيات العلمية، أكد رئيس الجمعية الدكتور رياض دغفوس على ضرورة تكوين الأطباء في علوم الأدوية لضمان توافق النوع الجيني للمرضى مع العلاج، خاصة الأدوية الباهظة الثمن لتفادي هدر المال والوقت. كما شدد المشاركون على أهمية توعية المرضى لترشيد استهلاك الأدوية، محذرين من مخاطر التداوي الذاتي الذي قد يؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية وإهدار الموارد المالية.
وعن نوعية الأدوية التي يطلبها المرضى، فإن أغلب الأدوية المتداولة متعلقة بالزكام أو الحمى أو الآلام. وكان الرئيس السابق لنقابة الصيادلة مصطفى العروسي قد ذكر في تصريح سابق أن قرابة 500 ألف مواطن يتوافدون على الصيدليات يوميًا، كما أنّ الصيدلية تبعد عن كل مواطن تونسي بمعدّل 5 دقائق، مشيرًا إلى أنّ المواطن يميل إلى استسهال الدواء أي تناوله دون استشارة الصيدلي ودون العلم بأعراضه الجانبية. وقد أكّد الرئيس السابق لنقابة الصيادلة أنّ عديد الدول الأخرى قامت بتركيز مختص في الصحة في كافة الصيدليات لتقليص نسبة التداوي الذاتي.
منية العرفاوي
الأستاذ السابق بكلية الطب رفيق بوجدارية لـ«الصباح»: استعمال المضادات الحيوية دون وصفة طبية أصبح اليوم من المواضيع الحارقة والخطيرة على المنظومة الصحية.. ويجب تفعيل الحلول المناسبة
الاستخدام العشوائي للأدوية يُضعف فعاليتها ويجعلها غير مجدية عند الحاجة إليها، ذلك ما أكّدته وزارة الصحة، محذّرة من استعمال المضادات الحيوية، حيث اعتبرت أن ذلك ليس علاجًا سحريًا لكل الأمراض. كما أشارت وزارة الصحة في بلاغها إلى أنّ المضاد الحيوي يعالج البكتيريا ولكنه لا يعالج الأمراض الفيروسية مثل الزكام أو النزلة الموسمية، ودعت إلى ضرورة الالتزام بالجرعات والمدة التي يحدّدها الطبيب وعدم اقتناء تلك المضادات الحيوية دون وصفة طبية.
وليست المرة الأولى التي تحذّر فيها وزارة الصحة والأطباء بشكل عام من استعمال المضادات الحيوية دون وصفات طبية، ولكن في السنوات الأخيرة باتت ظاهرة التطبيب الذاتي أو التداوي العشوائي منتشرة بشكل كبير، حيث يلجأ عدد كبير من المرضى إلى اقتناء الأدوية واستعمالها دون وصفة طبية ودون استشارة الطبيب، وذلك إما بناءً على استشارة الصيدلي، أو بالاعتماد على أسماء أدوية موجودة على الإنترنت، أو انطلاقًا من تجربة مريض آخر مع نفس الدواء.
ويؤكد كل الأطباء أن تلك الظاهرة قد تتسبّب في نتائج وخيمة على صحة المواطنين الذين يستعملون الأدوية بطرق عشوائية، دون احترام خصوصية كل مرض ولا طريقة ومدة العلاج، مما قد يسبّب حالات تسمّم بالدواء أو ضرر كبير في الأعضاء الداخلية، كما قد يدمّر مناعة الجسم ضدّ بعض أنواع البكتيريا المسببة للمرض.
المضادات الحيوية وخطر استعمالها دون وصفة!
باستثناء بعض الأدوية مثل مسكنات الألم الخفيفة، فكل الأدوية يجب أن لا يتم استهلاكها إلا عن طريق وصفة طبية من طبيب مختص أو طب عام. ولكن الواقع يكشف أن عدة أدوية، ومنها مضادات حيوية، تُباع وتُستهلك دون إذن مباشر من الطبيب، الذي يختص وحده في تحديد الجرعة ومدة العلاج باستعمال دواء معيّن.
واليوم باتت بعض الأدوية، وخصوصًا المضادات الحيوية، التي تُباع في الصيدليات دون وصفة طبية، مصدر قلق طبي ليس في تونس فقط، كما عبّرت عن ذلك وزارة الصحة في بلاغها الأخير، بل في كل دول العالم، حيث تبدو المعطيات الصحية بشأن التداوي الذاتي بالمضادات الحيوية دون وصفة مثيرة للقلق والمخاوف.
وحول موضوع الاستعمال المكثّف للمضادات الحيوية دون وصفة طبية، قال الأستاذ السابق بكلية الطب بتونس د. رفيق بوجدارية لـ»الصباح»:»استعمال المضادات الحيوية اليوم دون وصفة طبية أصبح من المواضيع الحارقة التي تسبّبت في عدة مشاكل في كل البلدان، وباتت تشكّل خطرًا على كل المنظومات الصحية. ووفق معطيات دقيقة في أوروبا، ثبُت أن الجراثيم التي باتت تقاوم المضادات الحيوية ارتفعت وأصبحت تتسبب في عدد مرتفع من الأمراض بعد أن تراجعت نجاعة الأدوية مع زيادة عدد الوفيات. ففي فرنسا هناك زيادة ملحوظة في عدد هذه الجراثيم، وكان من المفروض أن اختراع المضادات الحيوية في سنة 1948 هدفه مقاومة هذه الجراثيم والقضاء عليها، ولكن الاستعمال العشوائي للمضادات جعل الجراثيم تتفوّق على بعضها، مما تسبب في ارتفاع معدلات المرض. وأشار تقرير صادر في 2015 إلى أن أوروبا أنفقت 1.5 مليار يورو على الأمراض الناتجة عن الجراثيم، كما أشار تقرير صادر في 2022 أن مقاومة الجراثيم للمضادات ترتفع سنويًا من 5 إلى 15 بالمائة، وهو ما قد ينذر بكارثة صحية. وفي سنة 2024 أكّدت منظمة الأمم المتحدة أن هذا الأمر بات يشكّل خطرًا على كل الأنظمة الصحية في العالم».
ويضيف د. رفيق بوجدارية: «هناك اليوم 22 مضادًا حيويًا، وكان اختراع هذه المضادات وقتها ثورة طبية، إذ استطاعت القضاء على عدة جراثيم، مما جعل معدل الوفيات ينخفض بشكل كبير، خاصة بالنسبة للأطفال والرضّع. اليوم، إذا تزايدت مقاومة الجراثيم لهذه المضادات الحيوية، فإننا قد نفقد تلك القفزة النوعية التي تم تسجيلها في الطبّ».
وأشار د. رفيق بوجدارية إلى أن الوضع يختلف من بلد إلى آخر حسب الإجراءات المعتمدة في المنظومة الصحية، حيث هناك بلدان تعتمد مفهوم «الصحة الواحدة»، أي التعاون الوثيق بين الصحة الموجهة للإنسان، والصحة الموجهة للحيوان، والصحة الموجّهة للمحيط. واعتماد هذا المبدأ يمكن أن يخفّض من ظاهرة تفاقم مقاومة الجراثيم عالميًا.
ويستدرك محدّثنا: «في البلدان المتوسطة والفقيرة، تنتشر المداواة الذاتية واستهلاك المضادات الحيوية دون وصفة طبية، وهذه ممارسة خاطئة. ونحن ندعو نقابة الصيادلة إلى طلب الاستظهار بوصفة طبية قبل الحصول على مضاد حيوي، لأنه كما قلنا، هناك اليوم 22 مضادًا حيويًا يُستخدم في الخط الأول لمعالجة بعض الأمراض الخطيرة والقاتلة. وإذا استمر ارتفاع مقاومة الجراثيم لهذه المضادات، فإن ذلك قد يشكّل خطرًا على صحة المرضى. كما أن غياب التغطية الصحية الشاملة يجعل المريض يتقاعس عن زيارة الطبيب ودفع معلوم الكشف، وأحيانًا لا يملك المعلوم، وبالتالي يلجأ إلى الصيدلي مباشرة دون المرور بالطبيب، وهذا أيضًا فيه خطر ويفسّر ارتفاع استهلاك المضادات الحيوية في إطار التطبيب العشوائي. كما أن غياب المخابر القادرة على تشخيص نوع الجراثيم ومستوى مقاومتها للمضادات الحيوية قد يفضي بدوره إلى وجود مخاطر مستقبلية على المرضى. حيث تشكّل اليوم المضادات الحيوية خطرًا على صحة الإنسان والحيوان، لأن كل دواء عند استعماله له منافع ومضار ومساوئ، والطرف الوحيد القادر على تحديد هذه المضار هو الطبيب والصيدلي، ولكن الطبيب هو الوحيد المخوّل له وصف العلاج المناسب وفق حالة المريض الصحية، وهو الأدرى بأمراضه وبالأدوية التي تناسب حالته الصحية».
ولمواجهة هذا الخلل الكبير في منظومة التداوي وتجنّب التطبيب العشوائي الذي قد يتسبّب في أمراض أشدّ خطورة من نزلة البرد، يختم د. رفيق بوجدارية بقوله:»أولًا، لا بدّ من الوعي بطريقة استعمال الدواء، فليس كل ارتفاع طفيف في درجة الحرارة يستدعي استعمال مضاد حيوي، وهنا نتحدّث عن التوعية والمسؤولية في القيام بتلك التوعية، وهذا من دور وزارة الصحة. وثانيًا، يجب الالتزام ببعض الضوابط والقوانين، حيث لا يجب على الصيدلي أن يتنازل عن الوصفة الطبية عند بيعه للدواء، بالإضافة إلى ضرورة تطوير عمل المخابر في القطاع الصحي لمعرفة أنواع الجراثيم في الالتهابات والتعفّنات، مع ضرورة توفير تغطية صحيّة شاملة حتى يصبح الالتزام بوصفة الطبيب وتوجيهاته عملية مرنة لا يتخطّاها المريض ويتوجّه مباشرة للصيدلي».
التطبيب العشوائي.. ظاهرة خطيرة تفرض التصدّي لها!
بحسب دراسة أعدّها معهد الاستهلاك الحكومي ونشرها عام 2019، فإنّ 61 % من التونسيين يشترون الأدوية مباشرة من الصيدليات من دون الحصول على وصفة طبية. ويرتفع الاستهلاك المفرط للأدوية خلال فصل الشتاء، إذ تؤدّي تقلبات الطقس إلى انتشار بعض الأمراض مثل نزلات البرد، بما يزيد الإقبال على التداوي الذاتي بسبب ارتفاع كلفة العلاج في القطاع الخاص وطول انتظار المواعيد في القطاع العام. وهذا التطبيب الذاتي قد يشكّل خطرًا كبيرًا بالنسبة للمسنين والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، حيث يؤدي استعمال بعض الأدوية بجرعات خاطئة إلى تعكّر الحالة الصحية للمريض، التي قد تؤدي حتى إلى الوفاة في بعض الحالات.
وفي تصريحات إعلامية سابقة، أكّد رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، نوفل عميرة، أنّ تونس تعدّ ثاني بلد في العالم بعد تركيا استهلاكًا للمضادات الحيوية قياسًا بعدد السكان، رغم وجود قانون يمنع بيع المضادات الحيوية دون وصفة طبية، لكن هذا القانون لا يُطبّق كما يجب، وفق تعبيره، وذلك لأسباب اجتماعية ومادية ناجمة أساسًا عن ضعف التغطية الصحية للمواطنين.
وخلال المؤتمر العلمي الأخير للجمعية التونسية للفرمكولوجيا، بعنوان «أنظمة التكفل واسترجاع الأدوية»، الذي جمع ممثلي القطاع الصحي لمناقشة سبل ترشيد استعمال الأدوية وضبط التوصيات العلمية، أكد رئيس الجمعية الدكتور رياض دغفوس على ضرورة تكوين الأطباء في علوم الأدوية لضمان توافق النوع الجيني للمرضى مع العلاج، خاصة الأدوية الباهظة الثمن لتفادي هدر المال والوقت. كما شدد المشاركون على أهمية توعية المرضى لترشيد استهلاك الأدوية، محذرين من مخاطر التداوي الذاتي الذي قد يؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية وإهدار الموارد المالية.
وعن نوعية الأدوية التي يطلبها المرضى، فإن أغلب الأدوية المتداولة متعلقة بالزكام أو الحمى أو الآلام. وكان الرئيس السابق لنقابة الصيادلة مصطفى العروسي قد ذكر في تصريح سابق أن قرابة 500 ألف مواطن يتوافدون على الصيدليات يوميًا، كما أنّ الصيدلية تبعد عن كل مواطن تونسي بمعدّل 5 دقائق، مشيرًا إلى أنّ المواطن يميل إلى استسهال الدواء أي تناوله دون استشارة الصيدلي ودون العلم بأعراضه الجانبية. وقد أكّد الرئيس السابق لنقابة الصيادلة أنّ عديد الدول الأخرى قامت بتركيز مختص في الصحة في كافة الصيدليات لتقليص نسبة التداوي الذاتي.