إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حفاظا على الصحة العامة وحوكمة القطاع.. ترشيد استهلاك الأدوية والمضادات الحيوية أحد الحلول

يخفت موضوع نقص الأدوية لفترة ثم يعود إلى الواجهة، وتقريبا كل سنتين يُثار هذا الإشكال لارتباطه الوثيق بجملة من التحديات الهيكلية الأخرى ذات العلاقة بمشاكل السيولة لدى الصيدلية المركزية، التي لديها مستحقات مالية من الصندوق الوطني للتأمين على المرض، بسبب الصعوبات التي تواجهها الصناديق الاجتماعية والمستشفيات العمومية.

وفي انتظار إيجاد حلول جذرية لجملة التحديات الهيكلية المشار إليها مع وجود برامج واستراتيجيات في الغرض بصدد التنفيذ، يشير كثيرون إلى أن تغيير بعض الممارسات في التعامل مع الأدوية من شأنه المساعدة على التخفيف من وطأة نقص الأدوية المتواتر من حين لآخر. وفي مقدمة هذه السلوكيات المضي في ترشيد وصف الأدوية من قبل الأطباء والصيادلة، وتحسيس التونسيين بالتقليل من اللجوء العشوائي والمفرط للمضادات الحيوية.

ترشيد استهلاك الأدوية

أثارت دعوة وزارة الصحة مؤخرًا إلى ترشيد استعمال الدواء جدلاً وفهمًا مغلوطًا ذهب حد اعتبار ذلك دعوة الى عدم تمكين المرضى من العلاج، والحال أن مسألة ترشيد الوصفة الطبية معمول بها في العديد من الدول، وهي دلالة على درجات عالية من الوعي المجتمعي وحسن الحوكمة وإدارة ملف الدواء.

في هذا السياق، دعت الكاتبة العامة للمجلس الوطني لهيئة الصيادلة، ثريا النيفر، إلى «تنفيذ توصيات وزير الصحة مصطفى الفرجاني، والرامية إلى ترشيد استهلاك الدواء عبر الخروج بقرارات واستراتيجيات داخل هذه اللجنة تمكّن من وصول الدواء إلى كافة مستحقيه». مضيفة في تصريح إعلامي أن «ترشيد استهلاك الدواء علم كامل يضمن ديمومة هذه المادة الحيوية».

للأسف، يتصف سلوك التونسي بالاستهلاك المفرط للأدوية، حيث تُصرف العديد من الأدوية دون وصفة طبية، خاصة المضادات الحيوية، ما جعل تونس تحتل مراتب متقدمة على هذا المستوى، مقابل دول أخرى يتم فيها تطبيق بروتوكولات صارمة لوصف الأدوية واستهلاكها حفاظا على الصحة وللحد من التكلفة الباهظة.

وجدير بالتذكير أن تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا من حيث استهلاك المضادات الحيوية بعد تركيا، حسب ما ورد في نشرية علمية صادرة سنة 2015، فيما اعتُبرت دول السويد وفنلندا والنرويج الأقل استهلاكا.

خطورة المضادات الحيوية

وتؤكد في هذا الصدد رئيسة جمعية التحالف ضد المقاومة للمضادات الميكروبية والطبية بقسم الأمراض الجرثومية بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد، آمال اللطيّف، «انتشار الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية حسب ما أظهرته دراسات علمية، ورغم ذلك يتزايد الإقبال على اقتناء هذه الأدوية حتى دون وصفات طبية، وإن وُجِدت تكون في أغلب الأحيان في غير محلها، إلى جانب التداوي دون الرجوع إلى الطبيب.»

ويؤكد المختصون في مجال الأدوية أنه يوجد قانون في تونس يمنع بيع المضادات الحيوية دون وصفة طبية، لكنه لا يُطبَّق ولا يُحترم للأسف. وعادة ما تكون الأسباب المادية وغياب التغطية الاجتماعية والصحية للمواطن سببًا وراء اختيار عدم الذهاب للطبيب للحصول على وصفة طبية، والإقبال على التطبيب الذاتي، واقتناء أدوية، وخاصة مضادات حيوية، مباشرة من الصيدليات للتداوي بأقل التكاليف، رغم التحذيرات والانعكاسات السلبية الممكنة جراء هذا السلوك.

يذكر أن منظمة الصحة العالمية توقعت سابقًا أن تصبح المضادات الحيوية السبب الرئيسي للوفيات بحلول عام 2050.

وكانت وزارة الصحة قد حذرت في بيانات سابقة من «أن المضادات الحيوية، التي أنقذت حياة الملايين، باتت تشكل تهديدا بسبب الإفراط في استخدامها وسوء توظيفها، مما أسهم في ظهور بكتيريا مقاومة لهذه الأدوية. وهذا يعني أن العدوى البسيطة قد تتحول إلى أمراض قاتلة، وأن بعض العلاجات قد تفقد فعاليتها.»

خطة وأهداف وطنية

وعلى اعتبار أن التركيز على ترشيد استهلاك الأدوية من شأنه تحقيق الحفاظ على الصحة العامة والضغط على التكاليف، تشمل خطة وزارة الصحة دعوة الأطباء والصيادلة للاعتماد على البيانات الوطنية عند وصف الأدوية وترشيد الوصفات. ويوضح في هذا الخصوص شكري حمودة، الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية، أن «كل اختصاص طبي لديه جمعيات علمية تضع بروتوكولات علاجية معتمدة»، مضيفا أنه «باتباع هذه البروتوكولات، يتم ترشيد وصف الأدوية واستهلاكها، حيث يقوم الطبيب بتشخيص المرض ووصف الدواء اللازم وفق البروتوكول الوطني أو البروتوكولات الدولية».

كما تشمل الخطة الوطنية لحسن إدارة ملف الأدوية جملة من الإجراءات الأخرى، منها:

-تركيز منصة إنذار مبكر بالصيدلية المركزية.

-إلزام المصنّعين بالتصريح بمخزونهم بصفة منتظمة.

- التنسيق مع المخابر عند أي اضطراب في الإنتاج.

- إطلاق حملة وطنية للتحسيس باستعمال الأدوية الجنيسة.

تجدر الإشارة إلى أن معطيات الصيدلية المركزية تؤكد أن كلفة شراء الأدوية ارتفعت من 30 مليون دينار سنة 2021 إلى 300 مليون دينار سنة 2024. هذا الارتفاع دفع الصيدلية المركزية إلى اتخاذ إجراءات لتعديل أسعار الأدوية المستوردة التي لها بدائل محلية، في محاولة لترشيد النفقات ودعم الصناعة الوطنية.

علما أن تونس تصنع حاليا 80 % من حاجياتها الدوائية، حيث يوجد 42 مصنعا للأدوية في تونس و14 مصنعا للأجهزة الطبية التي يتم استخدامها في العلاجات و4 مصانع للأدوية البيطرية.

وفي إطار السياسة الصحية لتونس 2030، فإن الهدف هو تحقيق 100 % من التصنيع الوطني حتى يتوفر الدواء للمواطنين، وتحقيق السيادة الدوائية، وتقليص التبعية الدوائية للخارج.

◗ م.ي

حفاظا على الصحة العامة وحوكمة القطاع..    ترشيد استهلاك الأدوية والمضادات الحيوية أحد الحلول

يخفت موضوع نقص الأدوية لفترة ثم يعود إلى الواجهة، وتقريبا كل سنتين يُثار هذا الإشكال لارتباطه الوثيق بجملة من التحديات الهيكلية الأخرى ذات العلاقة بمشاكل السيولة لدى الصيدلية المركزية، التي لديها مستحقات مالية من الصندوق الوطني للتأمين على المرض، بسبب الصعوبات التي تواجهها الصناديق الاجتماعية والمستشفيات العمومية.

وفي انتظار إيجاد حلول جذرية لجملة التحديات الهيكلية المشار إليها مع وجود برامج واستراتيجيات في الغرض بصدد التنفيذ، يشير كثيرون إلى أن تغيير بعض الممارسات في التعامل مع الأدوية من شأنه المساعدة على التخفيف من وطأة نقص الأدوية المتواتر من حين لآخر. وفي مقدمة هذه السلوكيات المضي في ترشيد وصف الأدوية من قبل الأطباء والصيادلة، وتحسيس التونسيين بالتقليل من اللجوء العشوائي والمفرط للمضادات الحيوية.

ترشيد استهلاك الأدوية

أثارت دعوة وزارة الصحة مؤخرًا إلى ترشيد استعمال الدواء جدلاً وفهمًا مغلوطًا ذهب حد اعتبار ذلك دعوة الى عدم تمكين المرضى من العلاج، والحال أن مسألة ترشيد الوصفة الطبية معمول بها في العديد من الدول، وهي دلالة على درجات عالية من الوعي المجتمعي وحسن الحوكمة وإدارة ملف الدواء.

في هذا السياق، دعت الكاتبة العامة للمجلس الوطني لهيئة الصيادلة، ثريا النيفر، إلى «تنفيذ توصيات وزير الصحة مصطفى الفرجاني، والرامية إلى ترشيد استهلاك الدواء عبر الخروج بقرارات واستراتيجيات داخل هذه اللجنة تمكّن من وصول الدواء إلى كافة مستحقيه». مضيفة في تصريح إعلامي أن «ترشيد استهلاك الدواء علم كامل يضمن ديمومة هذه المادة الحيوية».

للأسف، يتصف سلوك التونسي بالاستهلاك المفرط للأدوية، حيث تُصرف العديد من الأدوية دون وصفة طبية، خاصة المضادات الحيوية، ما جعل تونس تحتل مراتب متقدمة على هذا المستوى، مقابل دول أخرى يتم فيها تطبيق بروتوكولات صارمة لوصف الأدوية واستهلاكها حفاظا على الصحة وللحد من التكلفة الباهظة.

وجدير بالتذكير أن تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا من حيث استهلاك المضادات الحيوية بعد تركيا، حسب ما ورد في نشرية علمية صادرة سنة 2015، فيما اعتُبرت دول السويد وفنلندا والنرويج الأقل استهلاكا.

خطورة المضادات الحيوية

وتؤكد في هذا الصدد رئيسة جمعية التحالف ضد المقاومة للمضادات الميكروبية والطبية بقسم الأمراض الجرثومية بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد، آمال اللطيّف، «انتشار الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية حسب ما أظهرته دراسات علمية، ورغم ذلك يتزايد الإقبال على اقتناء هذه الأدوية حتى دون وصفات طبية، وإن وُجِدت تكون في أغلب الأحيان في غير محلها، إلى جانب التداوي دون الرجوع إلى الطبيب.»

ويؤكد المختصون في مجال الأدوية أنه يوجد قانون في تونس يمنع بيع المضادات الحيوية دون وصفة طبية، لكنه لا يُطبَّق ولا يُحترم للأسف. وعادة ما تكون الأسباب المادية وغياب التغطية الاجتماعية والصحية للمواطن سببًا وراء اختيار عدم الذهاب للطبيب للحصول على وصفة طبية، والإقبال على التطبيب الذاتي، واقتناء أدوية، وخاصة مضادات حيوية، مباشرة من الصيدليات للتداوي بأقل التكاليف، رغم التحذيرات والانعكاسات السلبية الممكنة جراء هذا السلوك.

يذكر أن منظمة الصحة العالمية توقعت سابقًا أن تصبح المضادات الحيوية السبب الرئيسي للوفيات بحلول عام 2050.

وكانت وزارة الصحة قد حذرت في بيانات سابقة من «أن المضادات الحيوية، التي أنقذت حياة الملايين، باتت تشكل تهديدا بسبب الإفراط في استخدامها وسوء توظيفها، مما أسهم في ظهور بكتيريا مقاومة لهذه الأدوية. وهذا يعني أن العدوى البسيطة قد تتحول إلى أمراض قاتلة، وأن بعض العلاجات قد تفقد فعاليتها.»

خطة وأهداف وطنية

وعلى اعتبار أن التركيز على ترشيد استهلاك الأدوية من شأنه تحقيق الحفاظ على الصحة العامة والضغط على التكاليف، تشمل خطة وزارة الصحة دعوة الأطباء والصيادلة للاعتماد على البيانات الوطنية عند وصف الأدوية وترشيد الوصفات. ويوضح في هذا الخصوص شكري حمودة، الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية، أن «كل اختصاص طبي لديه جمعيات علمية تضع بروتوكولات علاجية معتمدة»، مضيفا أنه «باتباع هذه البروتوكولات، يتم ترشيد وصف الأدوية واستهلاكها، حيث يقوم الطبيب بتشخيص المرض ووصف الدواء اللازم وفق البروتوكول الوطني أو البروتوكولات الدولية».

كما تشمل الخطة الوطنية لحسن إدارة ملف الأدوية جملة من الإجراءات الأخرى، منها:

-تركيز منصة إنذار مبكر بالصيدلية المركزية.

-إلزام المصنّعين بالتصريح بمخزونهم بصفة منتظمة.

- التنسيق مع المخابر عند أي اضطراب في الإنتاج.

- إطلاق حملة وطنية للتحسيس باستعمال الأدوية الجنيسة.

تجدر الإشارة إلى أن معطيات الصيدلية المركزية تؤكد أن كلفة شراء الأدوية ارتفعت من 30 مليون دينار سنة 2021 إلى 300 مليون دينار سنة 2024. هذا الارتفاع دفع الصيدلية المركزية إلى اتخاذ إجراءات لتعديل أسعار الأدوية المستوردة التي لها بدائل محلية، في محاولة لترشيد النفقات ودعم الصناعة الوطنية.

علما أن تونس تصنع حاليا 80 % من حاجياتها الدوائية، حيث يوجد 42 مصنعا للأدوية في تونس و14 مصنعا للأجهزة الطبية التي يتم استخدامها في العلاجات و4 مصانع للأدوية البيطرية.

وفي إطار السياسة الصحية لتونس 2030، فإن الهدف هو تحقيق 100 % من التصنيع الوطني حتى يتوفر الدواء للمواطنين، وتحقيق السيادة الدوائية، وتقليص التبعية الدوائية للخارج.

◗ م.ي