سجّلت الشركات التونسية المدرجة في بورصة تونس انتعاشة ملحوظة خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2025، إذ ارتفع إجمالي عائداتها بنسبة 5,7 % مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2024، ليبلغ 18,5 مليار دينار، وفق ما كشفته النشرية الرسمية الصادرة عن بورصة تونس يوم الأربعاء الماضي.
وأكدت هذه الأرقام أنّ 81 % من الشركات المدرجة (58 من أصل 72) تمكنت من تحسين أدائها المالي، في مؤشّر واضح على ديناميكية جديدة تشهدها المؤسسات الاقتصادية التونسية في ظل تحديات محلية وعالمية متواصلة.
القطاع المالي... العمود الفقري للاقتصاد الوطني
يُعتبر القطاع المالي في تونس، كالعادة، من أكثر القطاعات استقرارًا ومساهمةً في الأداء العام للبورصة. فقد بلغت العائدات الإجمالية للقطاع 7322 مليون دينار، مسجّلة نموًا بنسبة 5,3%.
ويعود هذا التحسّن أساسًا إلى الأداء القوي للبنوك، إذ بلغ الناتج البنكي الخام للبنوك الـ12 المدرجة 5470 مليون دينار، بزيادة قدرها 4,7 % مقارنة بسنة 2024. كما شهدت شركات الإيجار المالي (الليزينغ) نموًا لافتًا بنسبة 7,1 % بعائدات بلغت 439 مليون دينار، ما يعكس تنامي الطلب على حلول التمويل البديلة للمؤسسات والأفراد.
وفي السياق ذاته، واصلت شركات التأمين السبع المدرجة تعزيز موقعها، حيث ارتفعت قيمة المنح المسداة إلى 1376 مليون دينار مقابل 1282 مليون دينار في السنة الماضية، أي بنسبة 7,3 %.
هذا النمو المتوازن في القطاع المالي يبرز مرونة المؤسسات المالية التونسية وقدرتها على دعم الاقتصاد من خلال تمويل المشاريع والاستثمار في القطاعات المنتجة.
مواد الاستهلاك والسيارات.. نبض السوق المحلية
يبرز قطاع مواد الاستهلاك كأحد محركات النمو الأساسية في الاقتصاد التونسي، إذ ارتفع إجمالي عائدات المجموعات الثلاث الكبرى في الصناعات الغذائية بنسبة 4,3% ليبلغ 4818 مليون دينار.
هذا التحسّن يعكس مرونة الطلب الداخلي وتنامي استهلاك المواد المحلية، رغم الضغوط التضخمية وارتفاع كلفة المواد الأولية.
أما قطاع السيارات، فقد سجّل أداءً استثنائيًا خلال الفترة ذاتها، إذ قفز رقم معاملات الوكلاء الأربعة المدرجين (باستثناء الشركة العالمية لتوزيع السيارات القابضة) بنسبة 26,2 % ليبلغ 1116 مليون دينار.
هذه الأرقام تترجم انتعاشة سوق السيارات الجديدة بعد سنوات من الركود، مدفوعة بانخفاض نسبي في تكاليف التوريد وتحسّن قدرة المستهلك على الاقتراض.
الخدمات الموجّهة للمستهلكين... نجم صاعد
من أبرز المفاجآت الإيجابية خلال سنة 2025 كان قطاع الخدمات الموجّهة للمستهلكين، الذي شهد نموًا قويًا بنسبة 13,2 %.
وبلغ إجمالي رقم معاملات الفضاءين التجاريين الكبيرين المدرجين في البورصة نحو 1491 مليون دينار، بزيادة 13,4 % مقارنة بسنة 2024.
هذا الأداء يعكس عودة الحيوية إلى الاستهلاك الحضري وتطوّر ثقافة التسوق العصري في المدن الكبرى. كما أنّ التحوّل الرقمي واعتماد أنماط تسويق حديثة أسهما في جذب فئات جديدة من المستهلكين، مما جعل هذا القطاع من أكثر القطاعات الواعدة من حيث التشغيل والاستثمار.
التكنولوجيا تقود القفزة النوعية
سجّل قطاع التكنولوجيا أفضل أداء بين جميع القطاعات، إذ ارتفعت عائداته بنسبة 22,9%، ليؤكد من جديد أن الاقتصاد الرقمي أصبح محرّكًا أساسيًا للنمو في تونس.
فالشركات العاملة في البرمجيات والخدمات الرقمية والتجهيزات التقنية استفادت من توسّع الطلب المحلي والدولي، إلى جانب تشجيع الدولة للاستثمار في الابتكار والتحوّل الرقمي.
ويُتوقّع أن يخلق هذا النمو فرص شغل نوعية، خاصة لفائدة الكفاءات الشابة في مجالات البرمجة، والأمن السيبرني، والخدمات السحابية، مما يساهم في الحد من هجرة العقول.
مؤشرات السوق تعكس الثقة
لم تقتصر الإشارات الإيجابية على العائدات فحسب، بل شملت أيضًا أداء السوق المالية نفسها، إذ ارتفع مؤشر «توننداكس» بنسبة 24,62 % إلى حدود 30 سبتمبر 2025، مقارنة بـ 13,77 % في السنة السابقة.
أما مؤشر «توننداكس 20»، الذي يضم أبرز الشركات الكبرى، فقد قفز بنسبة 26,43%.
وفي تحليل المؤشرات القطاعية، أظهرت 10 من أصل 12 قطاعًا نتائج إيجابية، وتصدّر مؤشر الخدمات الموجّهة للمستهلكين، ومؤشر خدمات التوزيع القائمة بزيادة بلغت 54,42 %، تلاهما مؤشر الخدمات المالية بنسبة 39,65 %.
هذه المؤشرات تعكس تحسّن ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في البورصة التونسية، التي بدأت تستعيد بريقها كأداة تمويل فعّالة ومؤشر على صحة الاقتصاد الوطني.
قطاع المواد الكيميائية يحقق مؤشرات جيدة
من بين القطاعات الفرعية، حقق قطاع المواد الكيميائية نموًا بنسبة 8,5 %، مدفوعًا بارتفاع الطلب العالمي على المنتجات الكيميائية التونسية، وخاصة الفسفاط المكرّر ومشتقاته.
كما برز قطاع التوزيع كأحد أعمدة النمو بزيادة 13,2 %، مدعومًا بتوسّع شبكات البيع بالتجزئة وتطوّر القنوات اللوجستية، ما ساهم في خلق مواطن شغل جديدة وتحريك الدورة الاقتصادية الداخلية.
مؤشرات التعافي تنعكس إيجابيًا على الاقتصاد
يمثّل هذا الارتفاع العام في عائدات الشركات المدرجة بالبورصة، والذي تجاوز 18,5 مليار دينار، علامة فارقة في مسار التعافي الاقتصادي التونسي بعد سنوات من التقلبات.
ويعكس هذا التطور جملة من العوامل الإيجابية، أبرزها تحسّن بيئة الأعمال، والاستقرار النسبي في سعر الصرف، وعودة الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين.
لكن الأهم من ذلك هو التنوّع في مصادر النمو، إذ لم يعد محصورًا في القطاع المالي فقط، بل شمل قطاعات إنتاجية واستهلاكية وتكنولوجية.
هذا التوازن في النمو، كما يؤكد خبراء الاقتصاد في تصريحات لـ«الصباح»، يعزّز فرص خلق مواطن شغل جديدة، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والخدمات والتوزيع، وهي قطاعات كثيفة التشغيل وقادرة على استيعاب اليد العاملة الشابة.
كما أن تطوّر مؤشرات البورصة لا يكتفي بعكس الواقع الاقتصادي فحسب، بل يسهم في توجيه الاستثمار نحو القطاعات الواعدة، ويدعم قدرة المؤسسات على تعبئة التمويل لمشاريعها التوسّعية.
نحو اقتصاد متنوّع وآفاق إيجابية
تُظهر نتائج الأشهر التسعة الأولى من سنة 2025 أن الاقتصاد التونسي يسير بخطى ثابتة نحو مرحلة من الانتعاش التدريجي والمستدام، مدعومًا بالأداء القوي للشركات المدرجة في البورصة وتطوّر قطاعات محورية كالتكنولوجيا والخدمات المالية والتوزيع.
ورغم التحديات المتعلقة بالتضخم وكلفة الإنتاج والضغوط الجبائية، فإن المؤشرات الحالية تبعث على تفاؤل حذر.
ولا يستبعد خبراء الاقتصاد اليوم أنه إذا واصلت تونس على هذا النسق، مع إصلاحات هيكلية داعمة وتحسين مناخ الاستثمار، فإن عتبة 20 مليار دينار من العائدات السنوية قد تصبح هدفًا واقعيًا في أفق سنة 2026، ما سيجعل من البورصة التونسية مرآة حقيقية لتعافي الاقتصاد الوطني وثقة المستثمرين في السوق التونسية.
سفيان المهداوي
سجّلت الشركات التونسية المدرجة في بورصة تونس انتعاشة ملحوظة خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2025، إذ ارتفع إجمالي عائداتها بنسبة 5,7 % مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2024، ليبلغ 18,5 مليار دينار، وفق ما كشفته النشرية الرسمية الصادرة عن بورصة تونس يوم الأربعاء الماضي.
وأكدت هذه الأرقام أنّ 81 % من الشركات المدرجة (58 من أصل 72) تمكنت من تحسين أدائها المالي، في مؤشّر واضح على ديناميكية جديدة تشهدها المؤسسات الاقتصادية التونسية في ظل تحديات محلية وعالمية متواصلة.
القطاع المالي... العمود الفقري للاقتصاد الوطني
يُعتبر القطاع المالي في تونس، كالعادة، من أكثر القطاعات استقرارًا ومساهمةً في الأداء العام للبورصة. فقد بلغت العائدات الإجمالية للقطاع 7322 مليون دينار، مسجّلة نموًا بنسبة 5,3%.
ويعود هذا التحسّن أساسًا إلى الأداء القوي للبنوك، إذ بلغ الناتج البنكي الخام للبنوك الـ12 المدرجة 5470 مليون دينار، بزيادة قدرها 4,7 % مقارنة بسنة 2024. كما شهدت شركات الإيجار المالي (الليزينغ) نموًا لافتًا بنسبة 7,1 % بعائدات بلغت 439 مليون دينار، ما يعكس تنامي الطلب على حلول التمويل البديلة للمؤسسات والأفراد.
وفي السياق ذاته، واصلت شركات التأمين السبع المدرجة تعزيز موقعها، حيث ارتفعت قيمة المنح المسداة إلى 1376 مليون دينار مقابل 1282 مليون دينار في السنة الماضية، أي بنسبة 7,3 %.
هذا النمو المتوازن في القطاع المالي يبرز مرونة المؤسسات المالية التونسية وقدرتها على دعم الاقتصاد من خلال تمويل المشاريع والاستثمار في القطاعات المنتجة.
مواد الاستهلاك والسيارات.. نبض السوق المحلية
يبرز قطاع مواد الاستهلاك كأحد محركات النمو الأساسية في الاقتصاد التونسي، إذ ارتفع إجمالي عائدات المجموعات الثلاث الكبرى في الصناعات الغذائية بنسبة 4,3% ليبلغ 4818 مليون دينار.
هذا التحسّن يعكس مرونة الطلب الداخلي وتنامي استهلاك المواد المحلية، رغم الضغوط التضخمية وارتفاع كلفة المواد الأولية.
أما قطاع السيارات، فقد سجّل أداءً استثنائيًا خلال الفترة ذاتها، إذ قفز رقم معاملات الوكلاء الأربعة المدرجين (باستثناء الشركة العالمية لتوزيع السيارات القابضة) بنسبة 26,2 % ليبلغ 1116 مليون دينار.
هذه الأرقام تترجم انتعاشة سوق السيارات الجديدة بعد سنوات من الركود، مدفوعة بانخفاض نسبي في تكاليف التوريد وتحسّن قدرة المستهلك على الاقتراض.
الخدمات الموجّهة للمستهلكين... نجم صاعد
من أبرز المفاجآت الإيجابية خلال سنة 2025 كان قطاع الخدمات الموجّهة للمستهلكين، الذي شهد نموًا قويًا بنسبة 13,2 %.
وبلغ إجمالي رقم معاملات الفضاءين التجاريين الكبيرين المدرجين في البورصة نحو 1491 مليون دينار، بزيادة 13,4 % مقارنة بسنة 2024.
هذا الأداء يعكس عودة الحيوية إلى الاستهلاك الحضري وتطوّر ثقافة التسوق العصري في المدن الكبرى. كما أنّ التحوّل الرقمي واعتماد أنماط تسويق حديثة أسهما في جذب فئات جديدة من المستهلكين، مما جعل هذا القطاع من أكثر القطاعات الواعدة من حيث التشغيل والاستثمار.
التكنولوجيا تقود القفزة النوعية
سجّل قطاع التكنولوجيا أفضل أداء بين جميع القطاعات، إذ ارتفعت عائداته بنسبة 22,9%، ليؤكد من جديد أن الاقتصاد الرقمي أصبح محرّكًا أساسيًا للنمو في تونس.
فالشركات العاملة في البرمجيات والخدمات الرقمية والتجهيزات التقنية استفادت من توسّع الطلب المحلي والدولي، إلى جانب تشجيع الدولة للاستثمار في الابتكار والتحوّل الرقمي.
ويُتوقّع أن يخلق هذا النمو فرص شغل نوعية، خاصة لفائدة الكفاءات الشابة في مجالات البرمجة، والأمن السيبرني، والخدمات السحابية، مما يساهم في الحد من هجرة العقول.
مؤشرات السوق تعكس الثقة
لم تقتصر الإشارات الإيجابية على العائدات فحسب، بل شملت أيضًا أداء السوق المالية نفسها، إذ ارتفع مؤشر «توننداكس» بنسبة 24,62 % إلى حدود 30 سبتمبر 2025، مقارنة بـ 13,77 % في السنة السابقة.
أما مؤشر «توننداكس 20»، الذي يضم أبرز الشركات الكبرى، فقد قفز بنسبة 26,43%.
وفي تحليل المؤشرات القطاعية، أظهرت 10 من أصل 12 قطاعًا نتائج إيجابية، وتصدّر مؤشر الخدمات الموجّهة للمستهلكين، ومؤشر خدمات التوزيع القائمة بزيادة بلغت 54,42 %، تلاهما مؤشر الخدمات المالية بنسبة 39,65 %.
هذه المؤشرات تعكس تحسّن ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في البورصة التونسية، التي بدأت تستعيد بريقها كأداة تمويل فعّالة ومؤشر على صحة الاقتصاد الوطني.
قطاع المواد الكيميائية يحقق مؤشرات جيدة
من بين القطاعات الفرعية، حقق قطاع المواد الكيميائية نموًا بنسبة 8,5 %، مدفوعًا بارتفاع الطلب العالمي على المنتجات الكيميائية التونسية، وخاصة الفسفاط المكرّر ومشتقاته.
كما برز قطاع التوزيع كأحد أعمدة النمو بزيادة 13,2 %، مدعومًا بتوسّع شبكات البيع بالتجزئة وتطوّر القنوات اللوجستية، ما ساهم في خلق مواطن شغل جديدة وتحريك الدورة الاقتصادية الداخلية.
مؤشرات التعافي تنعكس إيجابيًا على الاقتصاد
يمثّل هذا الارتفاع العام في عائدات الشركات المدرجة بالبورصة، والذي تجاوز 18,5 مليار دينار، علامة فارقة في مسار التعافي الاقتصادي التونسي بعد سنوات من التقلبات.
ويعكس هذا التطور جملة من العوامل الإيجابية، أبرزها تحسّن بيئة الأعمال، والاستقرار النسبي في سعر الصرف، وعودة الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين.
لكن الأهم من ذلك هو التنوّع في مصادر النمو، إذ لم يعد محصورًا في القطاع المالي فقط، بل شمل قطاعات إنتاجية واستهلاكية وتكنولوجية.
هذا التوازن في النمو، كما يؤكد خبراء الاقتصاد في تصريحات لـ«الصباح»، يعزّز فرص خلق مواطن شغل جديدة، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والخدمات والتوزيع، وهي قطاعات كثيفة التشغيل وقادرة على استيعاب اليد العاملة الشابة.
كما أن تطوّر مؤشرات البورصة لا يكتفي بعكس الواقع الاقتصادي فحسب، بل يسهم في توجيه الاستثمار نحو القطاعات الواعدة، ويدعم قدرة المؤسسات على تعبئة التمويل لمشاريعها التوسّعية.
نحو اقتصاد متنوّع وآفاق إيجابية
تُظهر نتائج الأشهر التسعة الأولى من سنة 2025 أن الاقتصاد التونسي يسير بخطى ثابتة نحو مرحلة من الانتعاش التدريجي والمستدام، مدعومًا بالأداء القوي للشركات المدرجة في البورصة وتطوّر قطاعات محورية كالتكنولوجيا والخدمات المالية والتوزيع.
ورغم التحديات المتعلقة بالتضخم وكلفة الإنتاج والضغوط الجبائية، فإن المؤشرات الحالية تبعث على تفاؤل حذر.
ولا يستبعد خبراء الاقتصاد اليوم أنه إذا واصلت تونس على هذا النسق، مع إصلاحات هيكلية داعمة وتحسين مناخ الاستثمار، فإن عتبة 20 مليار دينار من العائدات السنوية قد تصبح هدفًا واقعيًا في أفق سنة 2026، ما سيجعل من البورصة التونسية مرآة حقيقية لتعافي الاقتصاد الوطني وثقة المستثمرين في السوق التونسية.