إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في مناقشة مشروع ميزانية الدولة.. النواب يطالبون بدعم الاستثمار العمومي والخاص

وزيرة المالية:

* لن يتم التخلي عن الدعم

* الخروج الى السوق المالية العالمية ممكن لكن وفق شروط الدولة التونسية

وزيرة المالية:

* لن يتم التخلي عن الدعم

* الخروج الى السوق المالية العالمية ممكن لكن وفق شروط الدولة التونسية

بحضور وزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي، ناقش أعضاء لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب وأعضاء لجنة المالية والميزانية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم، أمس، خلال جلسة مشتركة بقصر باردو، مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026، واستحسنوا التوجه الاجتماعي لهذه الميزانية، لكنهم عبروا في المقابل عن استيائهم من خلو مشروع قانون المالية من أحكام من شأنها أن تساعد على دعم الاستثمار في القطاع العام والقطاع الخاص على حد سواء. واقترح العديد منهم إضافة إجراءات جديدة تهدف إلى دعم الفلاحين والبحارة وأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة، مثل جدولة الديون المتخلدة بذمتهم. وأوصى بعضهم الآخر بإحكام التصرف في نفقات الدعم، وطالبوا بتشديد الرقابة على مسالك توزيع المواد المدعمة، حتى يصل الدعم إلى مستحقيه، وليس إلى أصحاب السيارات رباعية الدفع والمطاعم الكبرى والنزل السياحية الفخمة ومحلات صنع المرطبات الفاخرة. كما حذر جل النواب من تداعيات اللجوء إلى الاقتراض، وأشاروا إلى أن شعار التعويل على الذات لن يتم تحقيقه بمجرد الترخيص للبنك المركزي في منح تسهيلات لخزينة الدولة في حدود 11 ألف مليون دينار، بل يتطلب الأمر إجراءات شجاعة من شأنها أن تقضي على الاقتصاد الموازي وتحقق عدالة جبائية فعلية.

وفي هذا السياق، قال النائب بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم أكرم بن سالم إن شعار التعويل على الذات لا يمكن تحقيقه باللجوء إلى الاقتراض. وبين أن شعار مقاومة التهرب الضريبي لم يتم تفعيله بعد، بل تم في المقابل إلغاء تجريم مسك مبالغ مالية نقدية تساوي أو تفوق خمسة آلاف دينار، وهو إجراء ساهم في الحد من التهريب. ويرى النائب أن العدالة الجبائية لا يمكن أن تتم إلا بفرض ضريبة على أصحاب رؤوس الأموال وعلى من يحققون أرباحًا بالمليارات، وليس بالمساس بضعاف الحال. وتساءل عن سبب عدم تفعيل برنامج رقمنة الفواتير.

أما النائبة زينة جيب الله عن مجلس نواب الشعب، فهي ترى أن الإجراء المتعلق بالسكن الموجه للفئات الضعيفة مهم، لكن هناك فئة أخرى هي بدورها في حاجة للتمتع بقرض المسكن الأول، مثل الأساتذة والمعلمين والموظفين. وتساءلت إن كان بالإمكان تنقيح هذا الإجراء، كما استفسرت عن برنامج المساكن الاجتماعية، لأن العديد من الأحياء السكنية لم يتم تسوية وضعياتها العقارية، ولهذا السبب لا يستطيع المواطن الحصول على منحة تحسين مسكن، رغم أنه ليس هو المسؤول عن عدم تسوية الوضعية العقارية للحي الذي يقيم فيه. ونبّهت إلى وجود مساكن آيلة للسقوط في تلك الأحياء، وهي تشكل خطرًا على المواطنين. ودعت جيب الله إلى دعم الفلاحين الصغار وتسوية وضعياتهم وعدم انتزاع أراضيهم، وأشارت إلى وجود مقترح قانون بادر به مجموعة من النواب بهدف حل المشكل الذي يعاني منه صغار الفلاحين، لكنها لن تنتظر المصادقة عليه بل ستعمل على تقديم فصل إضافي لمشروع قانون المالية بهدف تسوية مديونية الفلاحين وإعفائهم من خطايا التأخير، لأنه من غير المعقول أن تقوم وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية منذ عشر سنوات بغض الطرف عن تسوية وضعياتهم، لكنها اليوم تريد انتزاع أراضيهم.

ضغط المطالب الاجتماعية

وقال النائب عن المجلس الوطني للجهات والأقاليم علاء غزواني إن ميزانية الدولة وُلدت تحت ضغط المطالب الاجتماعية.

وبخصوص ملف الانتقال الطاقي، تساءل إن كانت هناك خطة زمنية واضحة لبرنامج الانتقال الطاقي. وبين أن مشروع ميزانية الدولة لا يجيب عن سؤال: ماذا ستغير هذه الميزانية في حياة المواطن البسيط؟

وبين النائب عن مجلس نواب الشعب عماد الدين سديري أنه كان يتمنى لو تم التركيز على دعم القطاع الفلاحي، لأنه بدعم هذا القطاع ستتحسن وضعية الفئات الاجتماعية الضعيفة بصفة آلية. وبخصوص تكريس الحق في السكن في الفصل 22 من مشروع قانون المالية، يرى النائب أن تدخلات الشركة العقارية للبلاد التونسية وشركة النهوض بالمسكن لا تكفي، بل يجب التفكير في آليات من شأنها أن تؤدي إلى التخفيض في كلفة مواد بناء المساكن. ولدى حديثه عن الاقتصاد الموازي، خاصة في المناطق الحدودية ومنها الكاف، بين النائب أنه لو تم إنشاء أسواق حرة كان بالإمكان تنظيم القطاع الموازي. وبخصوص العدالة الجبائية، بين أنه يجب العمل على تخفيف الأعباء الجبائية المثقلة على كاهل الفلاحين في الكاف.

وقال النائب عن المجلس الوطني للجهات والأقاليم جلال القروي إن الضغط الجبائي الذي تم تقديره في ميزانية سنة 2026 في حدود 25.3 بالمائة، أي أن الدولة تحصل على ربع الناتج الوطني في شكل ضرائب. وبالتالي فإن الاقتصاد التونسي مرتبط بشكل واضح بالجباية، وأصبحت الجباية العمود الفقري للمالية العمومية، لكنها في المقابل تثقل كاهل المواطن والمؤسسات، خاصة الصغرى والمتوسطة. وذكر أن هذه المؤسسات تضطر للتوجه إلى الاقتصاد الموازي. وتساءل: هل يمكن في ظل هذا الضغط الجبائي التمكن من تحقيق العدالة الجبائية ودعم ثقة المواطن في الدولة؟ وذكر أنه يجب بحث آفاق جديدة لتمويل الميزانية وعدم التركيز على الضرائب، واقترح القروي تمكين المواطنين من فتح حسابات بالعملة.

وتحدث النائب عن المجلس الوطني للجهات والأقاليم رياض الدريدي عن الدعم، وبين أنه يمكن التحكم فيه، وفسر أنه يجب وضع قاعدة بيانات تساعد على توجيه المواد المدعمة لمستحقيها، ويمكن الانطلاق بالمحروقات. وأضاف النائب أنه عندما لا يوجد استقرار في البلاد، فلا يمكن تحسين الوضع الاقتصادي. وبخصوص الاقتراض، قال إن أكبر دول العالم تقترض من البنك الدولي وغيره، ويمكن لتونس بحث مصادر تمويل أخرى، لكن يجب توجيه القسط الأكبر من القروض للتنمية من أجل خلق الثروة. واقترح الدريدي اعتماد الفوترة في جميع المحلات المفتوحة للعموم. وطالب بدعم البلديات وتمكينها من منح، خاصة تلك التي تمر بصعوبات. وذكر أنه في ظل تقسيم الأقاليم، يجب إعادة التفكير في بعث إدارات على مستوى الأقاليم.

ولاحظ عضو مجلس نواب الشعب مسعود قريرة أنه لم يتم الأخذ بعين الاعتبار في إعداد ميزانية الدولة مشكل ضعف النمو الديموغرافي في تونس. وأضاف أنه في صورة تواصل الفراغ الديموغرافي، سينقرض التونسيون. وذكر أنه يجب تكريس العدالة الاجتماعية مع الأخذ بعين الاعتبار لهذا المشكل الديموغرافي. وبخصوص فرضية الاقتراض الخارجي عبر الخروج إلى السوق المالية العالمية المطروحة ضمن مشروع ميزانية الدولة، بين أنه فهم منها وجود توجه للعودة إلى صندوق النقد الدولي، لكن بإملاءات تونسية. وبين أن هذه الفرضية تدعوه للتساؤل عما تم القيام به للتعويل على الذات من خلال الفسفاط الذي يمكن أن ينقذ الاقتصاد الوطني، وماذا قدمت الحكومة للتونسيين المهاجرين؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتها لفائدة قطاع زيت الزيتون؟

مراجعة السياسات القديمة

وبين سليم سالم، رئيس لجنة المالية والميزانية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم، أنه عندما احتسب جملة الإجراءات الواردة في مشروع قانون المالية لدعم الشركات الأهلية والمؤسسات الصغرى والمتوسطة وصغار البحارة والفلاحين وصندوق المرأة الفلاحة، وجد أن قيمة هذه الإجراءات في حدود 120 مليون دينار، وهي لا تكفي. وأضاف أن الترفيع في الأجور كان يتم من خلال مفاوضات مع منظمات مهنية، لكن بمقتضى مشروع قانون المالية تم اتخاذ قرار يقضي بالترفيع في الأجور لثلاث سنوات على أن يتم ذلك بأمر. وأشار إلى أن نفس المشروع تضمن إجراءات جريئة، أهمها الفصل الذي مس أصحاب الثروة، وهو إجراء يثمنه، كما استحسن النائب إجراء تسوية وضعية المنقولات المحجوزة. وتساءل: هل سيتم بناء دولة بإجراءات اجتماعية؟ وقال إنه كان يتمنى لو تم التنصيص في مشروع قانون المالية على إجراءات من شأنها أن تخلق الثروة وتدعم المؤسسات التي تعاني من صعوبات. وخلص إلى أنه في التوجهات الكبرى لميزانية الدولة، تم إهمال الجانب الاقتصادي، كما تم إهمال مبدأ العدالة التنموية بين الجهات.

أما عبد الجليل الهاني، رئيس لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب،  فقد دعا إلى مراجعة السياسات القديمة والعمل على تقييم ممتلكات الدولة والحد من الضغط الجبائي على القطاع الخاص. ولاحظ أنه كل سنة يتم ضخ موارد لدعم مؤسسات عمومية، لكن لا توجد مؤشرات لتحسن وضعياتها. واقترح فتح رأس مالها لمشاركة القطاع الخاص وإخراجها من منظومة الصفقات. وأثار الهاني مشكلة تراجع مردودية ضيعات فلاحية عائلية بسبب تقسيم الأراضي الفلاحية على الورثة، وتساؤل: هل تم التفكير في سن قانون يلزم ورثة الضيعات الكبرى بإنشاء شركة للتصرف في تلك الأراضي دون أن يقع تفتيتها؟ وعبر رئيس اللجنة عن أمله في تحسين نسبة النمو، وثمن دفع الدور الاجتماعي للدولة، لكن حسب قوله، من غير الممكن مواصلة هذه السياسة الاجتماعية في صورة عدم خلق الثروة ودعم الاستثمار العمومي والخاص. وخلص إلى أنه لا توجد إجراءات في مشروع قانون المالية لدعم الاستثمار الخاص.

وبالتزامن مع نقاش مشروع ميزانية الدولة، أبدى العديد من نواب الغرفتين ارتياحهم الكبير لقرار مكتب مجلس نواب الشعب القاضي بإحالة المبادرة التشريعية المتعلقة بأحكام استثنائية لانتداب أصحاب الشهادات العليا ممن طالت بطالتهم في القطاع العام والوظيفة العمومية على جلسة عامة سيتم عقدها يوم 16 ديسمبر المقبل.

لا وجود لإملاءات

وقبل مناقشة مشروع ميزانية الدولة والإجابة عن استفسارات أعضاء الغرفتين النيابيتين، قدمت وزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي في بداية الجلسة المشتركة بين لجنتي المالية والميزانية عرضًا حول هذا المشروع، وأشارت بالخصوص إلى عدم وجود أي نية للتخلي عن الدعم، كما أكدت أنه لا توجد إملاءات، وقالت: «لا أحد يستطيع أن يملي على تونس أي شيء، وتونس تسعى إلى البحث عن التمويل اللازم للميزانية، وتم التعويل على الذات والعمل على تنويع مصادر التمويل». وفسرت أنه في حال استدعت تونس الحاجة إلى تمويل، فهناك إمكانية للخروج للسوق المالية العالمية، لكن في حال خروج الدولة التونسية للسوق المالية العالمية، فإن طريقة السداد تحددها الدولة التونسية بنسب تكون الدولة قادرة على تسديدها. وأشارت إلى أن آخر خروج للدولة التونسية للسوق العالمية كان في سنة 2019، وفي حال العودة، فإن هذا الخيار سيكون مدروسًا وستتم دراسة الشروط، وإذا لم توافق تونس على هذه الشروط فلن يتم الدخول إلى السوق المالية العالمية. وذكرت أنه يمكن للدولة التونسية العودة إلى السوق المالية العالمية لكن بشروطها ودون إملاءات، كما أنه لن يتم الذهاب للسوق العالمية إلا في إطار دستور البلاد وتوجهات رئيس الجمهورية، ولن يتم تمرير أي شيء إلا بموافقة الغرفتين النيابيتين.

وبينت الوزيرة أنه تم إعداد مشروع ميزانية الدولة في إطار تجسيم المبادئ الدستورية الكافلة للحق في التنمية العادلة والمنصفة، وتكريس العدالة الاجتماعية، وإرساء نظام جبائي عادل، وتكريس مبدأ التعويل على الذات واستقلال القرار الوطني. وتتمثل الأهداف الكبرى للميزانية حسب قولها في رصد الاعتمادات الضرورية لتكريس العدالة الاجتماعية، خاصة في التشغيل، ودعم الأسعار، ومساعدة الفئات محدودة الدخل، ودعم أنظمة الضمان الاجتماعي، ودعم الإدماج الاقتصادي، ودفع الاستثمار والتنمية الجهوية، خاصة على مستوى البنية التحتية، وتحسين جودة الخدمات، خاصة خدمات الصحة والتعليم والنقل، وضمان إيفاء الدولة بكل التزاماتها الخارجية والداخلية، والمراهنة على مزيد التعويل على الذات، وتعبئة موارد جبائية وغير جبائية، ومراقبة التهرب الجبائي، ومواصلة الرقمنة.

وقالت إن تقديرات ميزانية الدولة تعتمد على النتائج المنتظرة لكامل سنة 2025، والفرضيات المتعلقة بالمؤشرات الاقتصادية حسب الميزان الاقتصادي، كما يلي: تحسن نسبة النمو الاقتصادي بـ3.3%، وتحسن نمو تطور واردات السلع بـ4 %، واستقرار سعر صرف الدينار أمام العملات الرئيسية، ومعدل سعر برميل النفط في حدود 63.3 دولارًا، وتراجع أسعار المواد الأساسية في الأسواق العالمية. وبينت أنه يجب العمل على تحسين مخزون العملة لدى البنك المركزي.

التعويل على الذات

وأضافت الوزيرة مشكاة سلامة الخالدي لدى حديثها عن التوازنات المالية أنه سيتم خلال العام القادم بذل مجهودات للتعويل على الذات ودعم الموارد الذاتية لميزانية الدولة لتبلغ 52560 مليون دينار. وبينت أن موارد الميزانية من المداخيل الجبائية تصل إلى 47773 مليون دينار، وتمثل 90.9 %، مسجلة تطورًا بنسبة 7.3 % مقارنة بسنة 2025، وهي تتوزع على أداءات مباشرة بنسبة 43 %، وأداءات غير مباشرة بنسبة 57 %. في حين تصل موارد الميزانية من المداخيل غير الجبائية إلى 4437 مليون دينار، وتمثل 8.4 %، مسجلة تحسنًا بـ5.2 % مقارنة بالنتائج المنتظرة لسنة 2025. أما الموارد من الهبات، فتصل إلى 350 مليون دينار، وتمثل 0.7 %، مع المحافظة على نفس المستوى المنتظر بلوغه لكامل سنة 2025.

وتطرقت مشكاة سلامة الخالدي إلى أهمية مقاومة التهرب الجبائي، وبينت أنه يجب على الدولة دعم الرقمنة والاشتغال على تطوير المنظومات المعلوماتية بما يمكن من تحقيق العدالة الجبائية. ولاحظت أن نسبة الضغط الجبائي ستكون في حدود 25.4 %، أما نسبة الضغط الجبائي دون نفط فهي في حدود 25 %. وأشارت إلى الجهود المبذولة من قبل وزارة تكنولوجيا الاتصال، وخاصة من طرف رئيسة الحكومة، من أجل دعم الرقمنة، لأن جميع البلدان تقدمت في الرقمنة، فهي خيار لا رجعة فيه.

توجه اجتماعي

واستعرضت الوزيرة مشكاة سلامة الخالدي إثر ذلك تقديرات نفقات ميزانية الدولة، وقالت إنها في حدود 63575 مليون دينار، وهناك 63.4 % منها نفقات ذات صبغة اجتماعية، لأن مشروع قانون المالية، حسب وصفها، فيه توجه اجتماعي وهو خيار رئيس الجمهورية. وبخصوص نفقات التأجير، تم ضبطها بما قدره 25267 مليون دينار، وهي تمثل 13.4 % من الناتج المحلي الإجمالي، وستساهم هذه النفقات حسب قولها في فتح الانتدابات أمام أصحاب الشهادات العليا. وذكرت أنه سيتم الشروع في تكريس القسط الأول من برنامج انتداب حاملي شهادات الدكتوراه، وتجسيم برنامج تسوية وضعية عملة الحضائر، ومواصلة تجسيم برنامج إدماج المعلمين والأساتذة النواب. كما تم إقرار الزيادة في الأجور، وتم رصد ألف مليون دينار لهذا الغرض. وأكدت أن العدد الجملي للانتدابات المبرمجة يتجاوز 51 ألف انتداب، وفسرت أنه إضافة إلى الانتداب المباشر في الوظيفة العمومية، تتضمن الميزانية العديد من التدخلات لمواصلة إحداث خطوط تمويل لدعم المبادرة الخاصة، وتشجيع بعث المشاريع، وريادة الأعمال، وتكريس آليات الإدماج الاقتصادي، خاصة للفئات محدودة الدخل وحاملي الشهادات. وهناك، حسب قولها، برنامج لتمويل الشركات الأهلية، وإسناد منحة، والتكفل بمصاريف التكوين والمرافقة للعاملات الفلاحيات. وهناك أيضًا تشجيعات للمؤسسات الناشئة، وتم تخصيص موارد لبرنامج رائدات ولصندوق التأمين على فقدان مواطن الشغل، ولصندوق الحماية الاجتماعية للعملات الفلاحيات، ولبرامج الإحاطة بمصابي الاعتداءات الإرهابية وأولياء الشهداء. كما ستتم مساندة الأسر محدودة الدخل، وتم رصد اعتمادات بعنوان التدخلات الاجتماعية في حدود 4663 مليون دينار، أي بزيادة قيمتها 863 مليون دينار مقارنة بسنة 2025، وهي تهم عدة برامج. واستعرضت الوزيرة هذه البرامج، ومنها على سبيل الذكر الترفيع في مبلغ الجرايات الدنيا من 260 دينارًا إلى 280 دينارًا. كما أكدت أنه سيتم العمل على مواصلة برنامج مساندة المرأة، والطفولة، وكبار السن، وسيتم منح قروض جامعية لفائدة 106700 طالب.

ولتكرس العدالة الاجتماعية، تم، حسب قولها، دعم أنظمة الضمان الاجتماعي برصد اعتمادات حساب تنويع مصادر الضمان الاجتماعي بـ800 مليون دينار. وذكرت أنه تم تخصيص اعتمادات لتحسين خدمات الجماعات المحلية، وتحسين النفاذ إلى السكن اللائق، من خلال مواصلة برنامج تدخلات صندوق النهوض بالسكن لفائدة الأجراء، ومواصلة البرنامج الخصوصي للسكن الاجتماعي لفائدة الفئات محدودة الدخل، وتم رصد اعتمادات تتعلق بمساكن اجتماعية يتم التفويت فيها عبر آلية الكراء المملّك. وأكدت أن الدعم موجود وهناك أموال مرصودة، وعبرت عن أملها في تحقيق أفضل النتائج.

هدر الخبز المدعم

وبخصوص منظومة الدعم، قالت وزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي إنها تثقل كاهل الدولة، لكن الدولة لا يمكنها التقليص في اعتمادات الدعم. وذكرت أنه في بعض البلدان هناك تجارب ناجحة في علاقة بالدعم، لكن هناك تجارب أضرت بفئات اجتماعية. أما في تونس، فهناك توجه سياسي واضح وهو العمل على ترشيد الدعم. وأضافت أنه يجب التفكير معًا من حكومة، ووظيفة تشريعية، وفاعلين اقتصاديين في هذه المسألة. أما في الوقت الراهن، فسيتم الإبقاء على الدعم إلى حين التوصل إلى حلول سلمية. وبالتالي، ستتم مواصلة دعم المواد الأساسية، والنقل، والمحروقات. وتبلغ نفقات الدعم المبرمجة لسنة 2026 ما قدره 9772 مليون دينار، وأكدت أنه سيتم تخصيص الاعتمادات الضرورية لدعم المحروقات لمساندة القدرة الشرائية للمواطن، والحد من كلفة النقل والإنتاج. وستبلغ منحة دعم المحروقات 4993 مليون دينار، أي ما يعادل 2.7 % من الناتج المحلي الإجمالي و7.9 % من نفقات الميزانية. وتبلغ قيمة الدعم للقرورة الواحدة من الغاز حسب فرضية سعر برميل النفط التي تم اعتمادها عند إعداد ميزانية 2026، 21 دينارًا و700 مليم، أي 71 % من الكلفة الفعلية. ولكن في حال زيادة الأسعار العالمية للنفط، سترتفع كلفة دعم المحروقات. وخلصت إلى أنه لن يتم رفع الدعم، لكن يجب بحث آليات لتخفيف كلفته. وأشارت إلى أنه تم رصد 4079 مليون دينار بعنوان دعم المواد الأساسية، وذكرت أنه سيتم تكثيف عمليات المراقبة الاقتصادية للحد من المضاربة بالمواد الأساسية والممارسات غير المشروعة، فالردع مهم، حسب رأيها، لكنه لا يكفي، بل يجب على المؤسسات الرقابية في جميع الوزارات تحمل مسؤولياتها. وذكرت أن قيمة دعم الخبزة الواحدة تبلغ 456 مليمًا، أي 66 % من القيمة الحقيقية. أما قيمة دعم الباقات فهي في حدود 229 مليمًا، أي 55 % من القيمة الحقيقية. وبينت أن قيمة دعم الكيلوغرام الواحد من العجين الغذائي تبلغ 2300 مليم، أي 74 % من الكلفة الحقيقية. وبينت أن الدعم للمواد الأساسية موجود، لكن يجب ترشيده من خلال الحد من الهدر، خاصة في مادة الخبز. وتطرقت سلامة إثر ذلك إلى الاعتمادات الموجهة للاستثمار والتنمية الجهوية، وذكرت أن النفقات الموجهة للتنمية ستسجل زيادة بنسبة 12.4 % مقارنة بسنة 2025، وأكدت على الجهود المبذولة لدعم التنمية في الجهات.

المديونية

استعرضت وزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي خلال الجلسة المنعقدة تحت قبة البرلمان والمخصصة لنقاش مشروع ميزانية الدولة تقديرات خدمة الدين العمومي لسنة 2026، والتي ضبطت حسب قولها بنحو 29 % من حجم ميزانية الدولة، أي 12.3 % من الناتج المحلي الإجمالي. وبخصوص عجز ميزانية الدولة دون هبات ومصادرة خلال سنة 2026، أشارت الوزيرة إلى أنه تم تحديد هذا العجز بما قدره 11365 مليون دينار، أي 6 % من الناتج المحلي الإجمالي. أما حجم الدين العمومي، فتم تحديده بـ156704 مليون دينار، وهو ما يمثل 83.4 % من الناتج المحلي الإجمالي. ولتمويل ميزانية الدولة لسنة 2026 من المنتظر حسب قولها تعبئة موارد اقتراض بحوالي 25864 مليون دينار، منها اقتراض داخلي بمبلغ 19056 مليون دينار، واقتراض خارجي بمبلغ 6808 مليون دينار. وأشارت في هذا الصدد إلى فرضية الخروج للسوق المالية العالمية وإصدار قرض رقاعي بمبلغ 400 مليون أورو، أي حوالي 1375 مليون دينار، بالسوق المالية العالمية. واستعرضت سلامة في مداخلتها جدولًا تضمن معطيات حول القروض لدعم الميزانية بقيمة 2983 مليون دينار، وذكرت أن هذه القروض ممنوحة من صندوق النقد العربي، والبنك الدولي، والبنك الإفريقي للتنمية، والبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد، والوكالة الفرنسية للتنمية، وجهات أخرى.

سعيدة بوهلال

 

في مناقشة مشروع ميزانية الدولة..   النواب يطالبون بدعم الاستثمار العمومي والخاص

وزيرة المالية:

* لن يتم التخلي عن الدعم

* الخروج الى السوق المالية العالمية ممكن لكن وفق شروط الدولة التونسية

وزيرة المالية:

* لن يتم التخلي عن الدعم

* الخروج الى السوق المالية العالمية ممكن لكن وفق شروط الدولة التونسية

بحضور وزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي، ناقش أعضاء لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب وأعضاء لجنة المالية والميزانية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم، أمس، خلال جلسة مشتركة بقصر باردو، مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026، واستحسنوا التوجه الاجتماعي لهذه الميزانية، لكنهم عبروا في المقابل عن استيائهم من خلو مشروع قانون المالية من أحكام من شأنها أن تساعد على دعم الاستثمار في القطاع العام والقطاع الخاص على حد سواء. واقترح العديد منهم إضافة إجراءات جديدة تهدف إلى دعم الفلاحين والبحارة وأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة، مثل جدولة الديون المتخلدة بذمتهم. وأوصى بعضهم الآخر بإحكام التصرف في نفقات الدعم، وطالبوا بتشديد الرقابة على مسالك توزيع المواد المدعمة، حتى يصل الدعم إلى مستحقيه، وليس إلى أصحاب السيارات رباعية الدفع والمطاعم الكبرى والنزل السياحية الفخمة ومحلات صنع المرطبات الفاخرة. كما حذر جل النواب من تداعيات اللجوء إلى الاقتراض، وأشاروا إلى أن شعار التعويل على الذات لن يتم تحقيقه بمجرد الترخيص للبنك المركزي في منح تسهيلات لخزينة الدولة في حدود 11 ألف مليون دينار، بل يتطلب الأمر إجراءات شجاعة من شأنها أن تقضي على الاقتصاد الموازي وتحقق عدالة جبائية فعلية.

وفي هذا السياق، قال النائب بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم أكرم بن سالم إن شعار التعويل على الذات لا يمكن تحقيقه باللجوء إلى الاقتراض. وبين أن شعار مقاومة التهرب الضريبي لم يتم تفعيله بعد، بل تم في المقابل إلغاء تجريم مسك مبالغ مالية نقدية تساوي أو تفوق خمسة آلاف دينار، وهو إجراء ساهم في الحد من التهريب. ويرى النائب أن العدالة الجبائية لا يمكن أن تتم إلا بفرض ضريبة على أصحاب رؤوس الأموال وعلى من يحققون أرباحًا بالمليارات، وليس بالمساس بضعاف الحال. وتساءل عن سبب عدم تفعيل برنامج رقمنة الفواتير.

أما النائبة زينة جيب الله عن مجلس نواب الشعب، فهي ترى أن الإجراء المتعلق بالسكن الموجه للفئات الضعيفة مهم، لكن هناك فئة أخرى هي بدورها في حاجة للتمتع بقرض المسكن الأول، مثل الأساتذة والمعلمين والموظفين. وتساءلت إن كان بالإمكان تنقيح هذا الإجراء، كما استفسرت عن برنامج المساكن الاجتماعية، لأن العديد من الأحياء السكنية لم يتم تسوية وضعياتها العقارية، ولهذا السبب لا يستطيع المواطن الحصول على منحة تحسين مسكن، رغم أنه ليس هو المسؤول عن عدم تسوية الوضعية العقارية للحي الذي يقيم فيه. ونبّهت إلى وجود مساكن آيلة للسقوط في تلك الأحياء، وهي تشكل خطرًا على المواطنين. ودعت جيب الله إلى دعم الفلاحين الصغار وتسوية وضعياتهم وعدم انتزاع أراضيهم، وأشارت إلى وجود مقترح قانون بادر به مجموعة من النواب بهدف حل المشكل الذي يعاني منه صغار الفلاحين، لكنها لن تنتظر المصادقة عليه بل ستعمل على تقديم فصل إضافي لمشروع قانون المالية بهدف تسوية مديونية الفلاحين وإعفائهم من خطايا التأخير، لأنه من غير المعقول أن تقوم وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية منذ عشر سنوات بغض الطرف عن تسوية وضعياتهم، لكنها اليوم تريد انتزاع أراضيهم.

ضغط المطالب الاجتماعية

وقال النائب عن المجلس الوطني للجهات والأقاليم علاء غزواني إن ميزانية الدولة وُلدت تحت ضغط المطالب الاجتماعية.

وبخصوص ملف الانتقال الطاقي، تساءل إن كانت هناك خطة زمنية واضحة لبرنامج الانتقال الطاقي. وبين أن مشروع ميزانية الدولة لا يجيب عن سؤال: ماذا ستغير هذه الميزانية في حياة المواطن البسيط؟

وبين النائب عن مجلس نواب الشعب عماد الدين سديري أنه كان يتمنى لو تم التركيز على دعم القطاع الفلاحي، لأنه بدعم هذا القطاع ستتحسن وضعية الفئات الاجتماعية الضعيفة بصفة آلية. وبخصوص تكريس الحق في السكن في الفصل 22 من مشروع قانون المالية، يرى النائب أن تدخلات الشركة العقارية للبلاد التونسية وشركة النهوض بالمسكن لا تكفي، بل يجب التفكير في آليات من شأنها أن تؤدي إلى التخفيض في كلفة مواد بناء المساكن. ولدى حديثه عن الاقتصاد الموازي، خاصة في المناطق الحدودية ومنها الكاف، بين النائب أنه لو تم إنشاء أسواق حرة كان بالإمكان تنظيم القطاع الموازي. وبخصوص العدالة الجبائية، بين أنه يجب العمل على تخفيف الأعباء الجبائية المثقلة على كاهل الفلاحين في الكاف.

وقال النائب عن المجلس الوطني للجهات والأقاليم جلال القروي إن الضغط الجبائي الذي تم تقديره في ميزانية سنة 2026 في حدود 25.3 بالمائة، أي أن الدولة تحصل على ربع الناتج الوطني في شكل ضرائب. وبالتالي فإن الاقتصاد التونسي مرتبط بشكل واضح بالجباية، وأصبحت الجباية العمود الفقري للمالية العمومية، لكنها في المقابل تثقل كاهل المواطن والمؤسسات، خاصة الصغرى والمتوسطة. وذكر أن هذه المؤسسات تضطر للتوجه إلى الاقتصاد الموازي. وتساءل: هل يمكن في ظل هذا الضغط الجبائي التمكن من تحقيق العدالة الجبائية ودعم ثقة المواطن في الدولة؟ وذكر أنه يجب بحث آفاق جديدة لتمويل الميزانية وعدم التركيز على الضرائب، واقترح القروي تمكين المواطنين من فتح حسابات بالعملة.

وتحدث النائب عن المجلس الوطني للجهات والأقاليم رياض الدريدي عن الدعم، وبين أنه يمكن التحكم فيه، وفسر أنه يجب وضع قاعدة بيانات تساعد على توجيه المواد المدعمة لمستحقيها، ويمكن الانطلاق بالمحروقات. وأضاف النائب أنه عندما لا يوجد استقرار في البلاد، فلا يمكن تحسين الوضع الاقتصادي. وبخصوص الاقتراض، قال إن أكبر دول العالم تقترض من البنك الدولي وغيره، ويمكن لتونس بحث مصادر تمويل أخرى، لكن يجب توجيه القسط الأكبر من القروض للتنمية من أجل خلق الثروة. واقترح الدريدي اعتماد الفوترة في جميع المحلات المفتوحة للعموم. وطالب بدعم البلديات وتمكينها من منح، خاصة تلك التي تمر بصعوبات. وذكر أنه في ظل تقسيم الأقاليم، يجب إعادة التفكير في بعث إدارات على مستوى الأقاليم.

ولاحظ عضو مجلس نواب الشعب مسعود قريرة أنه لم يتم الأخذ بعين الاعتبار في إعداد ميزانية الدولة مشكل ضعف النمو الديموغرافي في تونس. وأضاف أنه في صورة تواصل الفراغ الديموغرافي، سينقرض التونسيون. وذكر أنه يجب تكريس العدالة الاجتماعية مع الأخذ بعين الاعتبار لهذا المشكل الديموغرافي. وبخصوص فرضية الاقتراض الخارجي عبر الخروج إلى السوق المالية العالمية المطروحة ضمن مشروع ميزانية الدولة، بين أنه فهم منها وجود توجه للعودة إلى صندوق النقد الدولي، لكن بإملاءات تونسية. وبين أن هذه الفرضية تدعوه للتساؤل عما تم القيام به للتعويل على الذات من خلال الفسفاط الذي يمكن أن ينقذ الاقتصاد الوطني، وماذا قدمت الحكومة للتونسيين المهاجرين؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتها لفائدة قطاع زيت الزيتون؟

مراجعة السياسات القديمة

وبين سليم سالم، رئيس لجنة المالية والميزانية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم، أنه عندما احتسب جملة الإجراءات الواردة في مشروع قانون المالية لدعم الشركات الأهلية والمؤسسات الصغرى والمتوسطة وصغار البحارة والفلاحين وصندوق المرأة الفلاحة، وجد أن قيمة هذه الإجراءات في حدود 120 مليون دينار، وهي لا تكفي. وأضاف أن الترفيع في الأجور كان يتم من خلال مفاوضات مع منظمات مهنية، لكن بمقتضى مشروع قانون المالية تم اتخاذ قرار يقضي بالترفيع في الأجور لثلاث سنوات على أن يتم ذلك بأمر. وأشار إلى أن نفس المشروع تضمن إجراءات جريئة، أهمها الفصل الذي مس أصحاب الثروة، وهو إجراء يثمنه، كما استحسن النائب إجراء تسوية وضعية المنقولات المحجوزة. وتساءل: هل سيتم بناء دولة بإجراءات اجتماعية؟ وقال إنه كان يتمنى لو تم التنصيص في مشروع قانون المالية على إجراءات من شأنها أن تخلق الثروة وتدعم المؤسسات التي تعاني من صعوبات. وخلص إلى أنه في التوجهات الكبرى لميزانية الدولة، تم إهمال الجانب الاقتصادي، كما تم إهمال مبدأ العدالة التنموية بين الجهات.

أما عبد الجليل الهاني، رئيس لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب،  فقد دعا إلى مراجعة السياسات القديمة والعمل على تقييم ممتلكات الدولة والحد من الضغط الجبائي على القطاع الخاص. ولاحظ أنه كل سنة يتم ضخ موارد لدعم مؤسسات عمومية، لكن لا توجد مؤشرات لتحسن وضعياتها. واقترح فتح رأس مالها لمشاركة القطاع الخاص وإخراجها من منظومة الصفقات. وأثار الهاني مشكلة تراجع مردودية ضيعات فلاحية عائلية بسبب تقسيم الأراضي الفلاحية على الورثة، وتساؤل: هل تم التفكير في سن قانون يلزم ورثة الضيعات الكبرى بإنشاء شركة للتصرف في تلك الأراضي دون أن يقع تفتيتها؟ وعبر رئيس اللجنة عن أمله في تحسين نسبة النمو، وثمن دفع الدور الاجتماعي للدولة، لكن حسب قوله، من غير الممكن مواصلة هذه السياسة الاجتماعية في صورة عدم خلق الثروة ودعم الاستثمار العمومي والخاص. وخلص إلى أنه لا توجد إجراءات في مشروع قانون المالية لدعم الاستثمار الخاص.

وبالتزامن مع نقاش مشروع ميزانية الدولة، أبدى العديد من نواب الغرفتين ارتياحهم الكبير لقرار مكتب مجلس نواب الشعب القاضي بإحالة المبادرة التشريعية المتعلقة بأحكام استثنائية لانتداب أصحاب الشهادات العليا ممن طالت بطالتهم في القطاع العام والوظيفة العمومية على جلسة عامة سيتم عقدها يوم 16 ديسمبر المقبل.

لا وجود لإملاءات

وقبل مناقشة مشروع ميزانية الدولة والإجابة عن استفسارات أعضاء الغرفتين النيابيتين، قدمت وزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي في بداية الجلسة المشتركة بين لجنتي المالية والميزانية عرضًا حول هذا المشروع، وأشارت بالخصوص إلى عدم وجود أي نية للتخلي عن الدعم، كما أكدت أنه لا توجد إملاءات، وقالت: «لا أحد يستطيع أن يملي على تونس أي شيء، وتونس تسعى إلى البحث عن التمويل اللازم للميزانية، وتم التعويل على الذات والعمل على تنويع مصادر التمويل». وفسرت أنه في حال استدعت تونس الحاجة إلى تمويل، فهناك إمكانية للخروج للسوق المالية العالمية، لكن في حال خروج الدولة التونسية للسوق المالية العالمية، فإن طريقة السداد تحددها الدولة التونسية بنسب تكون الدولة قادرة على تسديدها. وأشارت إلى أن آخر خروج للدولة التونسية للسوق العالمية كان في سنة 2019، وفي حال العودة، فإن هذا الخيار سيكون مدروسًا وستتم دراسة الشروط، وإذا لم توافق تونس على هذه الشروط فلن يتم الدخول إلى السوق المالية العالمية. وذكرت أنه يمكن للدولة التونسية العودة إلى السوق المالية العالمية لكن بشروطها ودون إملاءات، كما أنه لن يتم الذهاب للسوق العالمية إلا في إطار دستور البلاد وتوجهات رئيس الجمهورية، ولن يتم تمرير أي شيء إلا بموافقة الغرفتين النيابيتين.

وبينت الوزيرة أنه تم إعداد مشروع ميزانية الدولة في إطار تجسيم المبادئ الدستورية الكافلة للحق في التنمية العادلة والمنصفة، وتكريس العدالة الاجتماعية، وإرساء نظام جبائي عادل، وتكريس مبدأ التعويل على الذات واستقلال القرار الوطني. وتتمثل الأهداف الكبرى للميزانية حسب قولها في رصد الاعتمادات الضرورية لتكريس العدالة الاجتماعية، خاصة في التشغيل، ودعم الأسعار، ومساعدة الفئات محدودة الدخل، ودعم أنظمة الضمان الاجتماعي، ودعم الإدماج الاقتصادي، ودفع الاستثمار والتنمية الجهوية، خاصة على مستوى البنية التحتية، وتحسين جودة الخدمات، خاصة خدمات الصحة والتعليم والنقل، وضمان إيفاء الدولة بكل التزاماتها الخارجية والداخلية، والمراهنة على مزيد التعويل على الذات، وتعبئة موارد جبائية وغير جبائية، ومراقبة التهرب الجبائي، ومواصلة الرقمنة.

وقالت إن تقديرات ميزانية الدولة تعتمد على النتائج المنتظرة لكامل سنة 2025، والفرضيات المتعلقة بالمؤشرات الاقتصادية حسب الميزان الاقتصادي، كما يلي: تحسن نسبة النمو الاقتصادي بـ3.3%، وتحسن نمو تطور واردات السلع بـ4 %، واستقرار سعر صرف الدينار أمام العملات الرئيسية، ومعدل سعر برميل النفط في حدود 63.3 دولارًا، وتراجع أسعار المواد الأساسية في الأسواق العالمية. وبينت أنه يجب العمل على تحسين مخزون العملة لدى البنك المركزي.

التعويل على الذات

وأضافت الوزيرة مشكاة سلامة الخالدي لدى حديثها عن التوازنات المالية أنه سيتم خلال العام القادم بذل مجهودات للتعويل على الذات ودعم الموارد الذاتية لميزانية الدولة لتبلغ 52560 مليون دينار. وبينت أن موارد الميزانية من المداخيل الجبائية تصل إلى 47773 مليون دينار، وتمثل 90.9 %، مسجلة تطورًا بنسبة 7.3 % مقارنة بسنة 2025، وهي تتوزع على أداءات مباشرة بنسبة 43 %، وأداءات غير مباشرة بنسبة 57 %. في حين تصل موارد الميزانية من المداخيل غير الجبائية إلى 4437 مليون دينار، وتمثل 8.4 %، مسجلة تحسنًا بـ5.2 % مقارنة بالنتائج المنتظرة لسنة 2025. أما الموارد من الهبات، فتصل إلى 350 مليون دينار، وتمثل 0.7 %، مع المحافظة على نفس المستوى المنتظر بلوغه لكامل سنة 2025.

وتطرقت مشكاة سلامة الخالدي إلى أهمية مقاومة التهرب الجبائي، وبينت أنه يجب على الدولة دعم الرقمنة والاشتغال على تطوير المنظومات المعلوماتية بما يمكن من تحقيق العدالة الجبائية. ولاحظت أن نسبة الضغط الجبائي ستكون في حدود 25.4 %، أما نسبة الضغط الجبائي دون نفط فهي في حدود 25 %. وأشارت إلى الجهود المبذولة من قبل وزارة تكنولوجيا الاتصال، وخاصة من طرف رئيسة الحكومة، من أجل دعم الرقمنة، لأن جميع البلدان تقدمت في الرقمنة، فهي خيار لا رجعة فيه.

توجه اجتماعي

واستعرضت الوزيرة مشكاة سلامة الخالدي إثر ذلك تقديرات نفقات ميزانية الدولة، وقالت إنها في حدود 63575 مليون دينار، وهناك 63.4 % منها نفقات ذات صبغة اجتماعية، لأن مشروع قانون المالية، حسب وصفها، فيه توجه اجتماعي وهو خيار رئيس الجمهورية. وبخصوص نفقات التأجير، تم ضبطها بما قدره 25267 مليون دينار، وهي تمثل 13.4 % من الناتج المحلي الإجمالي، وستساهم هذه النفقات حسب قولها في فتح الانتدابات أمام أصحاب الشهادات العليا. وذكرت أنه سيتم الشروع في تكريس القسط الأول من برنامج انتداب حاملي شهادات الدكتوراه، وتجسيم برنامج تسوية وضعية عملة الحضائر، ومواصلة تجسيم برنامج إدماج المعلمين والأساتذة النواب. كما تم إقرار الزيادة في الأجور، وتم رصد ألف مليون دينار لهذا الغرض. وأكدت أن العدد الجملي للانتدابات المبرمجة يتجاوز 51 ألف انتداب، وفسرت أنه إضافة إلى الانتداب المباشر في الوظيفة العمومية، تتضمن الميزانية العديد من التدخلات لمواصلة إحداث خطوط تمويل لدعم المبادرة الخاصة، وتشجيع بعث المشاريع، وريادة الأعمال، وتكريس آليات الإدماج الاقتصادي، خاصة للفئات محدودة الدخل وحاملي الشهادات. وهناك، حسب قولها، برنامج لتمويل الشركات الأهلية، وإسناد منحة، والتكفل بمصاريف التكوين والمرافقة للعاملات الفلاحيات. وهناك أيضًا تشجيعات للمؤسسات الناشئة، وتم تخصيص موارد لبرنامج رائدات ولصندوق التأمين على فقدان مواطن الشغل، ولصندوق الحماية الاجتماعية للعملات الفلاحيات، ولبرامج الإحاطة بمصابي الاعتداءات الإرهابية وأولياء الشهداء. كما ستتم مساندة الأسر محدودة الدخل، وتم رصد اعتمادات بعنوان التدخلات الاجتماعية في حدود 4663 مليون دينار، أي بزيادة قيمتها 863 مليون دينار مقارنة بسنة 2025، وهي تهم عدة برامج. واستعرضت الوزيرة هذه البرامج، ومنها على سبيل الذكر الترفيع في مبلغ الجرايات الدنيا من 260 دينارًا إلى 280 دينارًا. كما أكدت أنه سيتم العمل على مواصلة برنامج مساندة المرأة، والطفولة، وكبار السن، وسيتم منح قروض جامعية لفائدة 106700 طالب.

ولتكرس العدالة الاجتماعية، تم، حسب قولها، دعم أنظمة الضمان الاجتماعي برصد اعتمادات حساب تنويع مصادر الضمان الاجتماعي بـ800 مليون دينار. وذكرت أنه تم تخصيص اعتمادات لتحسين خدمات الجماعات المحلية، وتحسين النفاذ إلى السكن اللائق، من خلال مواصلة برنامج تدخلات صندوق النهوض بالسكن لفائدة الأجراء، ومواصلة البرنامج الخصوصي للسكن الاجتماعي لفائدة الفئات محدودة الدخل، وتم رصد اعتمادات تتعلق بمساكن اجتماعية يتم التفويت فيها عبر آلية الكراء المملّك. وأكدت أن الدعم موجود وهناك أموال مرصودة، وعبرت عن أملها في تحقيق أفضل النتائج.

هدر الخبز المدعم

وبخصوص منظومة الدعم، قالت وزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي إنها تثقل كاهل الدولة، لكن الدولة لا يمكنها التقليص في اعتمادات الدعم. وذكرت أنه في بعض البلدان هناك تجارب ناجحة في علاقة بالدعم، لكن هناك تجارب أضرت بفئات اجتماعية. أما في تونس، فهناك توجه سياسي واضح وهو العمل على ترشيد الدعم. وأضافت أنه يجب التفكير معًا من حكومة، ووظيفة تشريعية، وفاعلين اقتصاديين في هذه المسألة. أما في الوقت الراهن، فسيتم الإبقاء على الدعم إلى حين التوصل إلى حلول سلمية. وبالتالي، ستتم مواصلة دعم المواد الأساسية، والنقل، والمحروقات. وتبلغ نفقات الدعم المبرمجة لسنة 2026 ما قدره 9772 مليون دينار، وأكدت أنه سيتم تخصيص الاعتمادات الضرورية لدعم المحروقات لمساندة القدرة الشرائية للمواطن، والحد من كلفة النقل والإنتاج. وستبلغ منحة دعم المحروقات 4993 مليون دينار، أي ما يعادل 2.7 % من الناتج المحلي الإجمالي و7.9 % من نفقات الميزانية. وتبلغ قيمة الدعم للقرورة الواحدة من الغاز حسب فرضية سعر برميل النفط التي تم اعتمادها عند إعداد ميزانية 2026، 21 دينارًا و700 مليم، أي 71 % من الكلفة الفعلية. ولكن في حال زيادة الأسعار العالمية للنفط، سترتفع كلفة دعم المحروقات. وخلصت إلى أنه لن يتم رفع الدعم، لكن يجب بحث آليات لتخفيف كلفته. وأشارت إلى أنه تم رصد 4079 مليون دينار بعنوان دعم المواد الأساسية، وذكرت أنه سيتم تكثيف عمليات المراقبة الاقتصادية للحد من المضاربة بالمواد الأساسية والممارسات غير المشروعة، فالردع مهم، حسب رأيها، لكنه لا يكفي، بل يجب على المؤسسات الرقابية في جميع الوزارات تحمل مسؤولياتها. وذكرت أن قيمة دعم الخبزة الواحدة تبلغ 456 مليمًا، أي 66 % من القيمة الحقيقية. أما قيمة دعم الباقات فهي في حدود 229 مليمًا، أي 55 % من القيمة الحقيقية. وبينت أن قيمة دعم الكيلوغرام الواحد من العجين الغذائي تبلغ 2300 مليم، أي 74 % من الكلفة الحقيقية. وبينت أن الدعم للمواد الأساسية موجود، لكن يجب ترشيده من خلال الحد من الهدر، خاصة في مادة الخبز. وتطرقت سلامة إثر ذلك إلى الاعتمادات الموجهة للاستثمار والتنمية الجهوية، وذكرت أن النفقات الموجهة للتنمية ستسجل زيادة بنسبة 12.4 % مقارنة بسنة 2025، وأكدت على الجهود المبذولة لدعم التنمية في الجهات.

المديونية

استعرضت وزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي خلال الجلسة المنعقدة تحت قبة البرلمان والمخصصة لنقاش مشروع ميزانية الدولة تقديرات خدمة الدين العمومي لسنة 2026، والتي ضبطت حسب قولها بنحو 29 % من حجم ميزانية الدولة، أي 12.3 % من الناتج المحلي الإجمالي. وبخصوص عجز ميزانية الدولة دون هبات ومصادرة خلال سنة 2026، أشارت الوزيرة إلى أنه تم تحديد هذا العجز بما قدره 11365 مليون دينار، أي 6 % من الناتج المحلي الإجمالي. أما حجم الدين العمومي، فتم تحديده بـ156704 مليون دينار، وهو ما يمثل 83.4 % من الناتج المحلي الإجمالي. ولتمويل ميزانية الدولة لسنة 2026 من المنتظر حسب قولها تعبئة موارد اقتراض بحوالي 25864 مليون دينار، منها اقتراض داخلي بمبلغ 19056 مليون دينار، واقتراض خارجي بمبلغ 6808 مليون دينار. وأشارت في هذا الصدد إلى فرضية الخروج للسوق المالية العالمية وإصدار قرض رقاعي بمبلغ 400 مليون أورو، أي حوالي 1375 مليون دينار، بالسوق المالية العالمية. واستعرضت سلامة في مداخلتها جدولًا تضمن معطيات حول القروض لدعم الميزانية بقيمة 2983 مليون دينار، وذكرت أن هذه القروض ممنوحة من صندوق النقد العربي، والبنك الدولي، والبنك الإفريقي للتنمية، والبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد، والوكالة الفرنسية للتنمية، وجهات أخرى.

سعيدة بوهلال