- رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي لــ«الصباح»: تدني جودة بعض المواد الاستهلاكية من بين أسباب ارتفاع نسب التبذير الغذائي
- الخبير البيئي حمدي حشّاد لــ«الصباح»: تونس تحتل المرتبة الثالثة إفريقيا في هدر الطعام بمعدل 172 كلغ من الطعام المهدور سنويا لكل فرد
أعلنت وزارة التجارة وتنمية الصادرات رسميا عن الانطلاق في إعداد الاستراتيجية الوطنية للحدّ من التبذير الغذائي بحضور الهياكل المعنية بالاستهلاك وممثلين عن المجتمع المدني ومنظمة الأغذية والزراعة الأممية. وقد أكّد وزير التجارة وتنمية الصادرات سمير عبيد، بالمناسبة، أن مسألة التبذير الغذائي تمثل تحديا للدولة على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وتتسبب في خسائر كبيرة للاقتصاد كما تستنزف الموارد الطبيعية، وفق بلاغ لوزارة التجارة.
مكافحة التبذير والهدر الغذائي يصبح أمرا ملحا في غاية الأهمية بالنسبة للبلدان التي لها موارد محدودة وتعتمد في تأمين أمنها الغذائي على الواردات الغذائية، وتونس من بين تلك البلدان. وبالتالي فإن الانطلاق في وضع استراتيجية وطنية يعد من الأولويات المهمة، خاصة مع وجود مؤشرات مرتفعة بشكل لافت للتبذير الغذائي سواء في شهر رمضان أو في بقية أيام السنة، حيث يعتبر إهدار الطعام من السلوكيات التي يرى المختصون أنها تحولت إلى ثقافة في المجتمع، متوارثة وتغذّت في أزمنة سابقة من وفرة المحاصيل الفلاحية والموارد المائية مقابل انخفاض عدد السكان.
إلا أن هذه المعطيات اختلفت الآن مع تفاقم الظواهر السلبية وأبرزها شحّ وندرة المياه الذي انعكس على وفرة المحصول وارتفاع عدد السكان، بما جعلنا من البلدان الموردة لحاجياتها الغذائية.
ووفق معطيات نشرها سابقا المعهد الوطني للإحصاء، فإن التبذير الغذائي في تونس يمثل 5 % من نفقات الغذاء للأسرة التونسية وقدر بـ910 مليون دينار سنة 2021. وقد تفاقمت هذه الظاهرة في تونس بسبب عدة عوامل أهمها الممارسات الاستهلاكية غير المستدامة، ونقص التوعية بأهمية حسن التصرف في الموارد الغذائية، إضافة إلى النقص المسجل على مستوى سلاسل التوزيع والاستهلاك وحوكمة الموارد الغذائية.
وقد أكّد وزير التجارة وتنمية الصادرات أن مواجهة ذلك تستدعي اليوم استنباط طرق وآليات جديدة وتطوير الاستراتيجية الوطنية للحدّ من التبذير الغذائي مع وضع خطة عمل قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
ووجود خطة عمل قابلة للتطبيق على أرض الواقع، طالب بها كذلك رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي، الذي أكّد في تصريح لـ»الصباح» أن الجانب التشريعي مهم في نجاح هذه الاستراتيجية. وفي ذات السياق، بيّن الخبير والناشط البيئي حمدي حشّاد الانعكاسات السلبية للهدر الغذائي على البيئة في تصريح كذلك لـ«الصباح».
استراتيجية الحدّ من التبذير الغذائي
أكّد وزير التجارة وتنمية الصادرات سمير عبيد أن إعداد الاستراتيجية الوطنية للحد من التبذير الغذائي سيكون وفق أسس علمية وعملية، تشمل عدة محاور سيتم معالجتها تحت إشراف لجنة قيادة تضم الوزارات والهياكل الإدارية ومكونات المجتمع المدني المعنية بموضوع الحد من التبذير الغذائي، على أمل أن تُساهم هذه الجهود في تغيير سلوك المجتمع باتجاه الحد من تبذير الأغذية.
وقد تمّ إنجاز هذه الاستراتيجية من قبل المعهد الوطني للاستهلاك بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة FAO، وهي تعمل على تحشيد كل الجهود لتحويلها إلى خطة عمل قابلة للتطبيق. وكان المعهد الوطني للاستهلاك قد أعلن منذ فيفري الماضي أن المعهد ينكبّ على إعداد هذه الاستراتيجية التي تهدف في مرحلة أولى إلى التحسيس بتأثير التبذير على المخططات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وضرورة انخراط كل الأطراف الفاعلة، من مستهلكين وصناعيين وفنادق ومطاعم ومجتمع مدني، في القضاء على هذه الظاهرة.
وفي هذا السياق، أكّد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لطفي الرياحي، في تصريح لـ»الصباح» أن هناك عدة حلقات مفقودة يجب الانتباه لها لنجاح هذه الاستراتيجية الوطنية، سواء في مرحلة التحسيس أو لاحقًا في مرحلة اتخاذ الإجراءات العملية التي قد تساهم في الحدّ من التبذير والهدر الغذائي. حيث قال: «في البداية يجب الربط بين التبذير والتثمين حتى لا تذهب المواد المبذّرة سدى ودون أن نستفيد منها، حيث إن عدة مواد، حتى ولو كانت استهلاكية ويتم تبذيرها، ولا يوجد أي إمكانية لإعادة إدخالها من جديد في الدورة الاستهلاكية بسبب تلفها أو أنها أصبحت غير صالحة للاستهلاك، فإن ذلك لا يمنع من وجود مواد استهلاكية قابلة للتثمين وإعادة التدوير والإنتاج والاستعمال في مجالات أخرى، حتى يتم التحكم في هذا الهدر الغذائي والاستفادة منه بطريقة ما».
كما أضاف لطفي الرياحي أن مراقبة المرحلة التصنيعية لعدد هام من المواد الغذائية وتوحيد الأحجام والأوزان هو كذلك مسألة أساسية وخطوة مهمة للتحكم وترشيد الهدر، قائلاً: «نحن اليوم نقتني عدة مواد استهلاكية معلّبة كالطماطم والياغورت دون أن يكون وزنها مطابقًا لما استقر في الأذهان حول الوزن المفترض ودون تحديد السعر المرجعي للكيلوغرام من المادة المستهلكة. والسبب في ذلك أن المستهلك هنا هو ضحية عملية تسويق مضللة تتلاعب بالحجم والوزن دون وجود تشريعات رادعة تفرض معايير محددة عند التعليب وتضمن الجودة وتجعل التسويق أكثر مصداقية. حيث يتم في الأغلب التلاعب بالأحجام والأوزان عند التعليب، وهذه من السلوكيات التجارية والصناعية التي يجب التصدّي لها»، وفق ما أكّده لنا محدّثنا، الذي أشار أيضًا إلى أن الجودة المتدنية لبعض المنتوجات، كالخبز مثلًا، في بعض المناطق والمحلات، ساهمت في ارتفاع نسب التبذير والهدر الغذائي لهذه المادة الحيوية في الغذاء الوطني.
التبذير الغذائي في تونس
قال المعهد الوطني للاستهلاك، في وقت سابق، إن التونسيين يهدرون يوميا 900 ألف رغيف خبز خلال شهر رمضان، أي ما يعادل نحو 27 مليون خبزة خلال الشهر، رغم تراجع إنتاج الحبوب وارتفاع كلفة توريد القمح المدعوم. كما أشار المعهد إلى أنه يتم هدر هذه الكمية الكبيرة جدًا من الخبز في وقت يحتاج فيه إنتاج كل كيلوغرام واحد من الخبز إلى 1608 ليترات من الماء. والخبز، كمادة مدعّمة، يأتي في صدارة الغذاء الذي يهدره التونسيون على مدار السنة، خاصة في شهر رمضان. وكانت جمعية «جذور وتنمية مستدامة» قد أعدّت منذ أشهر دراسة قيّمة حول نسب التبذير مع شرح وتفسير لحالة التبذير الغذائي في تونس، وقد أشارت الجمعية إلى أن إهدار الخبز يساوي 15.7 ٪ من إنتاجه، والحبوب يُهدر منها 10.2 %، والخضروات يُهدر منها 6.5 %، فيما يُهدر 2.3 % من إنتاج الألبان. وقد أشارت الجمعية في دراستها إلى أن التبذير الغذائي من أهم المشاكل التي يجب حلها لأنه يساهم في تقليل توفر الغذاء كما يسرّع في التدهور البيئي.
وفي تصريح لـ«الصباح»، قال الناشط البيئي حمدي حشاد إن الهدر والتبذير الغذائي هو كذلك هدر للموارد الطبيعية، حيث هو هدر للمياه والطاقة. حيث إن إنتاج وحفظ واستهلاك المواد الغذائية التي ستُهدر لاحقًا يتطلب هدرًا للطاقة وللماء أيضًا. حيث أشار إلى أن كل قطعة خبز مهدرة تكلف تونس 353 لترا من المياه الافتراضية، بحسب مؤشرات قياس البصمة المائية للأطعمة التي يصدرها موقع «ووتر برنت» المتخصص. حيث أن هدر 900 ألف خبزة يوميا خلال شهر رمضان يكلف تونس 11.2 مليار لتر من المياه الافتراضية. والقطاع الزراعي المنتج لغذاء التونسيين هو المستهلك الأول للماء بنسبة تصل إلى 80 % من مجموع الموارد المستهلكة، بما يجعل هدر المواد الغذائية هو هدر للماء بطريقة غير مباشرة.
حشّاد أكّد أيضا أنه وفقا لإحصائيات البرنامج البيئي للأمم المتحدة، جاءت تونس في المرتبة الثالثة إفريقيا في هدر الطعام بمعدل 172 كلغ من الطعام المهدور سنويا لكل فرد، وبمعدل عام للبلاد يُقدّر بـ12 مليون طن سنويا، وهو ما يكلف البلاد أكثر من 570 مليون دينار سنويا، وفق تأكيده.
بالإضافة إلى انعكاساته السلبية على البيئة في استنزاف الموارد المائية أو في ارتفاع معدلات القمامة التي ترفع بدورها في نسب التلوث، حيث يؤثر التبذير الغذائي على الآثار الإيكولوجية والكربونية من خلال الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية وتدهور النظم الإيكولوجية، فإن التبذير الغذائي يلقي بثقله على ميزانية الدولة حيث يتم دعم الكثير من المواد الغذائية المهدرة وغالبا ما يتم دفعها بالعملة الأجنبية كمواد استيراد. وقد بيّنت الدراسة التي أعدّتها جمعية «جذور» أن حوالي 22 % من الدعم المخصص للفارينة لصنع الخبز يتم إتلافه.
وفي بلد يعاني أزمة اقتصادية خانقة تميزت بشح العديد من المواد الغذائية الأساسية في الأسواق، تتصدّر تونس دول المغرب العربي أعلى معدل إهدار غذائي، والثانية على المستوى العربي، والثالثة أفريقيا بمعدل 172 كلغ من الطعام المهدور، وفق تقرير هدر الأغذية الصادر عن البرنامج البيئي للأمم المتحدة لسنة 2024.
منية العرفاوي
- رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي لــ«الصباح»: تدني جودة بعض المواد الاستهلاكية من بين أسباب ارتفاع نسب التبذير الغذائي
- الخبير البيئي حمدي حشّاد لــ«الصباح»: تونس تحتل المرتبة الثالثة إفريقيا في هدر الطعام بمعدل 172 كلغ من الطعام المهدور سنويا لكل فرد
أعلنت وزارة التجارة وتنمية الصادرات رسميا عن الانطلاق في إعداد الاستراتيجية الوطنية للحدّ من التبذير الغذائي بحضور الهياكل المعنية بالاستهلاك وممثلين عن المجتمع المدني ومنظمة الأغذية والزراعة الأممية. وقد أكّد وزير التجارة وتنمية الصادرات سمير عبيد، بالمناسبة، أن مسألة التبذير الغذائي تمثل تحديا للدولة على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وتتسبب في خسائر كبيرة للاقتصاد كما تستنزف الموارد الطبيعية، وفق بلاغ لوزارة التجارة.
مكافحة التبذير والهدر الغذائي يصبح أمرا ملحا في غاية الأهمية بالنسبة للبلدان التي لها موارد محدودة وتعتمد في تأمين أمنها الغذائي على الواردات الغذائية، وتونس من بين تلك البلدان. وبالتالي فإن الانطلاق في وضع استراتيجية وطنية يعد من الأولويات المهمة، خاصة مع وجود مؤشرات مرتفعة بشكل لافت للتبذير الغذائي سواء في شهر رمضان أو في بقية أيام السنة، حيث يعتبر إهدار الطعام من السلوكيات التي يرى المختصون أنها تحولت إلى ثقافة في المجتمع، متوارثة وتغذّت في أزمنة سابقة من وفرة المحاصيل الفلاحية والموارد المائية مقابل انخفاض عدد السكان.
إلا أن هذه المعطيات اختلفت الآن مع تفاقم الظواهر السلبية وأبرزها شحّ وندرة المياه الذي انعكس على وفرة المحصول وارتفاع عدد السكان، بما جعلنا من البلدان الموردة لحاجياتها الغذائية.
ووفق معطيات نشرها سابقا المعهد الوطني للإحصاء، فإن التبذير الغذائي في تونس يمثل 5 % من نفقات الغذاء للأسرة التونسية وقدر بـ910 مليون دينار سنة 2021. وقد تفاقمت هذه الظاهرة في تونس بسبب عدة عوامل أهمها الممارسات الاستهلاكية غير المستدامة، ونقص التوعية بأهمية حسن التصرف في الموارد الغذائية، إضافة إلى النقص المسجل على مستوى سلاسل التوزيع والاستهلاك وحوكمة الموارد الغذائية.
وقد أكّد وزير التجارة وتنمية الصادرات أن مواجهة ذلك تستدعي اليوم استنباط طرق وآليات جديدة وتطوير الاستراتيجية الوطنية للحدّ من التبذير الغذائي مع وضع خطة عمل قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
ووجود خطة عمل قابلة للتطبيق على أرض الواقع، طالب بها كذلك رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي، الذي أكّد في تصريح لـ»الصباح» أن الجانب التشريعي مهم في نجاح هذه الاستراتيجية. وفي ذات السياق، بيّن الخبير والناشط البيئي حمدي حشّاد الانعكاسات السلبية للهدر الغذائي على البيئة في تصريح كذلك لـ«الصباح».
استراتيجية الحدّ من التبذير الغذائي
أكّد وزير التجارة وتنمية الصادرات سمير عبيد أن إعداد الاستراتيجية الوطنية للحد من التبذير الغذائي سيكون وفق أسس علمية وعملية، تشمل عدة محاور سيتم معالجتها تحت إشراف لجنة قيادة تضم الوزارات والهياكل الإدارية ومكونات المجتمع المدني المعنية بموضوع الحد من التبذير الغذائي، على أمل أن تُساهم هذه الجهود في تغيير سلوك المجتمع باتجاه الحد من تبذير الأغذية.
وقد تمّ إنجاز هذه الاستراتيجية من قبل المعهد الوطني للاستهلاك بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة FAO، وهي تعمل على تحشيد كل الجهود لتحويلها إلى خطة عمل قابلة للتطبيق. وكان المعهد الوطني للاستهلاك قد أعلن منذ فيفري الماضي أن المعهد ينكبّ على إعداد هذه الاستراتيجية التي تهدف في مرحلة أولى إلى التحسيس بتأثير التبذير على المخططات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وضرورة انخراط كل الأطراف الفاعلة، من مستهلكين وصناعيين وفنادق ومطاعم ومجتمع مدني، في القضاء على هذه الظاهرة.
وفي هذا السياق، أكّد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لطفي الرياحي، في تصريح لـ»الصباح» أن هناك عدة حلقات مفقودة يجب الانتباه لها لنجاح هذه الاستراتيجية الوطنية، سواء في مرحلة التحسيس أو لاحقًا في مرحلة اتخاذ الإجراءات العملية التي قد تساهم في الحدّ من التبذير والهدر الغذائي. حيث قال: «في البداية يجب الربط بين التبذير والتثمين حتى لا تذهب المواد المبذّرة سدى ودون أن نستفيد منها، حيث إن عدة مواد، حتى ولو كانت استهلاكية ويتم تبذيرها، ولا يوجد أي إمكانية لإعادة إدخالها من جديد في الدورة الاستهلاكية بسبب تلفها أو أنها أصبحت غير صالحة للاستهلاك، فإن ذلك لا يمنع من وجود مواد استهلاكية قابلة للتثمين وإعادة التدوير والإنتاج والاستعمال في مجالات أخرى، حتى يتم التحكم في هذا الهدر الغذائي والاستفادة منه بطريقة ما».
كما أضاف لطفي الرياحي أن مراقبة المرحلة التصنيعية لعدد هام من المواد الغذائية وتوحيد الأحجام والأوزان هو كذلك مسألة أساسية وخطوة مهمة للتحكم وترشيد الهدر، قائلاً: «نحن اليوم نقتني عدة مواد استهلاكية معلّبة كالطماطم والياغورت دون أن يكون وزنها مطابقًا لما استقر في الأذهان حول الوزن المفترض ودون تحديد السعر المرجعي للكيلوغرام من المادة المستهلكة. والسبب في ذلك أن المستهلك هنا هو ضحية عملية تسويق مضللة تتلاعب بالحجم والوزن دون وجود تشريعات رادعة تفرض معايير محددة عند التعليب وتضمن الجودة وتجعل التسويق أكثر مصداقية. حيث يتم في الأغلب التلاعب بالأحجام والأوزان عند التعليب، وهذه من السلوكيات التجارية والصناعية التي يجب التصدّي لها»، وفق ما أكّده لنا محدّثنا، الذي أشار أيضًا إلى أن الجودة المتدنية لبعض المنتوجات، كالخبز مثلًا، في بعض المناطق والمحلات، ساهمت في ارتفاع نسب التبذير والهدر الغذائي لهذه المادة الحيوية في الغذاء الوطني.
التبذير الغذائي في تونس
قال المعهد الوطني للاستهلاك، في وقت سابق، إن التونسيين يهدرون يوميا 900 ألف رغيف خبز خلال شهر رمضان، أي ما يعادل نحو 27 مليون خبزة خلال الشهر، رغم تراجع إنتاج الحبوب وارتفاع كلفة توريد القمح المدعوم. كما أشار المعهد إلى أنه يتم هدر هذه الكمية الكبيرة جدًا من الخبز في وقت يحتاج فيه إنتاج كل كيلوغرام واحد من الخبز إلى 1608 ليترات من الماء. والخبز، كمادة مدعّمة، يأتي في صدارة الغذاء الذي يهدره التونسيون على مدار السنة، خاصة في شهر رمضان. وكانت جمعية «جذور وتنمية مستدامة» قد أعدّت منذ أشهر دراسة قيّمة حول نسب التبذير مع شرح وتفسير لحالة التبذير الغذائي في تونس، وقد أشارت الجمعية إلى أن إهدار الخبز يساوي 15.7 ٪ من إنتاجه، والحبوب يُهدر منها 10.2 %، والخضروات يُهدر منها 6.5 %، فيما يُهدر 2.3 % من إنتاج الألبان. وقد أشارت الجمعية في دراستها إلى أن التبذير الغذائي من أهم المشاكل التي يجب حلها لأنه يساهم في تقليل توفر الغذاء كما يسرّع في التدهور البيئي.
وفي تصريح لـ«الصباح»، قال الناشط البيئي حمدي حشاد إن الهدر والتبذير الغذائي هو كذلك هدر للموارد الطبيعية، حيث هو هدر للمياه والطاقة. حيث إن إنتاج وحفظ واستهلاك المواد الغذائية التي ستُهدر لاحقًا يتطلب هدرًا للطاقة وللماء أيضًا. حيث أشار إلى أن كل قطعة خبز مهدرة تكلف تونس 353 لترا من المياه الافتراضية، بحسب مؤشرات قياس البصمة المائية للأطعمة التي يصدرها موقع «ووتر برنت» المتخصص. حيث أن هدر 900 ألف خبزة يوميا خلال شهر رمضان يكلف تونس 11.2 مليار لتر من المياه الافتراضية. والقطاع الزراعي المنتج لغذاء التونسيين هو المستهلك الأول للماء بنسبة تصل إلى 80 % من مجموع الموارد المستهلكة، بما يجعل هدر المواد الغذائية هو هدر للماء بطريقة غير مباشرة.
حشّاد أكّد أيضا أنه وفقا لإحصائيات البرنامج البيئي للأمم المتحدة، جاءت تونس في المرتبة الثالثة إفريقيا في هدر الطعام بمعدل 172 كلغ من الطعام المهدور سنويا لكل فرد، وبمعدل عام للبلاد يُقدّر بـ12 مليون طن سنويا، وهو ما يكلف البلاد أكثر من 570 مليون دينار سنويا، وفق تأكيده.
بالإضافة إلى انعكاساته السلبية على البيئة في استنزاف الموارد المائية أو في ارتفاع معدلات القمامة التي ترفع بدورها في نسب التلوث، حيث يؤثر التبذير الغذائي على الآثار الإيكولوجية والكربونية من خلال الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية وتدهور النظم الإيكولوجية، فإن التبذير الغذائي يلقي بثقله على ميزانية الدولة حيث يتم دعم الكثير من المواد الغذائية المهدرة وغالبا ما يتم دفعها بالعملة الأجنبية كمواد استيراد. وقد بيّنت الدراسة التي أعدّتها جمعية «جذور» أن حوالي 22 % من الدعم المخصص للفارينة لصنع الخبز يتم إتلافه.
وفي بلد يعاني أزمة اقتصادية خانقة تميزت بشح العديد من المواد الغذائية الأساسية في الأسواق، تتصدّر تونس دول المغرب العربي أعلى معدل إهدار غذائي، والثانية على المستوى العربي، والثالثة أفريقيا بمعدل 172 كلغ من الطعام المهدور، وفق تقرير هدر الأغذية الصادر عن البرنامج البيئي للأمم المتحدة لسنة 2024.