صادرات تونس ترتفع بأكثر من 11.6 % نحو الجزائر و33.5 % نحو مصر و 35 % نحو المغرب
المنتجات الكيميائية تتصدر الصادرات التونسية بنسبة تفوق 30 % من إجمالي المبادلات العربية
تونس نحو شراكة عربية متكاملة.. مؤشرات 2025 ترسم ملامح تحول استراتيجي جديد
تشهد الصادرات التونسية نحو البلدان العربية ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، وفق أحدث بيانات المعهد الوطني للإحصاء، مما يعكس ديناميكية جديدة في علاقات تونس الاقتصادية الإقليمية. فقد سجلت المبادلات التجارية مع الدول العربية، خصوصا الجزائر ومصر، نموا متسارعا في حجم الصادرات خلال الأشهر التسعة من عام 2025، بنسبة بلغت +11.6 % مع الجزائر و+33.5 % مع مصر، في حين ارتفعت بنسبة +7.4 % مع ليبيا و+35.9 % مع المغرب.
وتعكس هذه المؤشرات الرسمية تحولا استراتيجيا في السياسة الاقتصادية التونسية نحو توطيد الشراكة العربية كخيار واقعي لتعزيز النمو، وتقليص التبعية للأسواق الأوروبية التي طالما كانت الوجهة التقليدية للصادرات التونسية.
تُعد الجزائر من أهم الشركاء التجاريين لتونس في شمال إفريقيا، إذ تجاوزت المبادلات بين البلدين 3.2 مليارات دينار تونسي سنة 2024، منها أكثر من 1.4 مليار دينار صادرات تونسية نحو الجزائر.
ويتركز التعاون التجاري بين البلدين أساسا في المنتجات الغذائية، ومواد البناء، والمنتجات الكيميائية، والمعدات الميكانيكية. وتحتل الأسمدة الكيميائية ومواد البلاستيك والمنتجات الفلاحية قائمة أبرز السلع المصدّرة من تونس نحو السوق الجزائرية، مقابل واردات تونسية من الطاقة والغاز والمنتجات المعدنية.
وقد ساهم انفتاح المعابر الحدودية وتسهيل الإجراءات الجمركية في تعزيز هذا النمو، إلى جانب الاتفاقات الثنائية التي شجعت على تطوير المنطقة التجارية الحرة بين البلدين. ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن الجزائر تمثل سوقا واعدة للصناعات التونسية الصغيرة والمتوسطة التي تبحث عن منافذ جديدة قريبة جغرافيا.
صعود غير مسبوق في قطاعات الصناعات التحويلية مع مصر
أما العلاقات التجارية بين تونس ومصر، فقد شهدت في السنوات الأخيرة قفزة نوعية، إذ ارتفعت الصادرات التونسية نحو القاهرة خلال الفترة الأخيرة بنسبة +33.5 %، وهي زيادة غير مسبوقة في تاريخ المبادلات بين البلدين. وتتنوع الصادرات التونسية إلى مصر بين الأدوية، والمنتجات الكيميائية، والملابس الجاهزة، وقطع غيار السيارات، والمنتجات الفلاحية كزيت الزيتون والتمور. وفي المقابل، تستورد تونس من مصر منتجات بلاستيكية، ومواد بناء، وسلعًا غذائية متنوعة.
ويعود هذا التطور إلى تنشيط مجلس الأعمال التونسي–المصري المشترك الذي عمل على تذليل الصعوبات أمام رجال الأعمال وتشجيع الاستثمارات المشتركة، فضلًا عن تعزيز النقل البحري بين الموانئ التونسية والمصرية عبر خطوط جديدة عززت انسيابية البضائع.
ليبيا والمغرب.. عمق اقتصادي واستراتيجية انفتاح عربي متوازن
لم تقتصر الطفرة التصديرية التونسية على الجزائر ومصر فحسب، بل شملت أيضًا ليبيا والمغرب، حيث ارتفعت الصادرات بنسبة +7.4 % مع ليبيا و+35.9 % مع المغرب.
تعد السوق الليبية تقليديا الوجهة الأولى للصادرات التونسية عربيا، خاصة في قطاعات المنتجات الغذائية، والأدوية، ومواد البناء. ورغم الظروف الأمنية التي شهدتها ليبيا، فقد واصلت المبادلات نموها بفضل الروابط الاجتماعية والاقتصادية المتينة، وهو ما يعكس أهمية الاستقرار في دعم التكامل المغاربي.
أما المغرب، فقد أصبحت في السنوات الأخيرة شريكا تجاريا ذا أهمية متزايدة، خصوصًا في قطاع النسيج والمنتجات الفلاحية، ما يجعل من العلاقات التونسية–المغربية نموذجا للتعاون العربي–العربي المبني على الانفتاح والتنوع الاقتصادي.
القطاعات الرائدة في الصادرات التونسية
وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء، فقد تركز نمو الصادرات التونسية نحو العالم العربي في عدة قطاعات رئيسية أبرزها، المنتجات الكيميائية (خصوصا الأسمدة والفسفاط ومشتقاته)، والتي تمثل أحد أعمدة الاقتصاد التونسي، إلى جانب المنتجات الفلاحية والغذائية، مثل زيت الزيتون والتمور ومشتقات الحبوب، التي تلاقي رواجا متزايدا في الأسواق العربية بفضل جودتها العالية، فضلا عن الملابس الجاهزة والنسيج، وهي من الصناعات التي أعادت تموقعها في الأسواق الإقليمية بعد فقدانها لبعض حصصها في السوق الأوروبية. إلى جانب هذه القطاعات، نجد قطاع الأدوية والمستلزمات الطبية، حيث تشهد تونس تطورا في الصناعات الصيدلانية جعلها مصدرًا موثوقًا للدول المجاورة.
هذا التنوع في السلع المصدرة يعكس قدرة تونس على إعادة هيكلة صادراتها نحو منتجات ذات قيمة مضافة أعلى، مما يدعم استقرار ميزانها التجاري، ويخلق فرص عمل جديدة داخل البلاد.
أهمية الشراكة العربية في إنعاش الاقتصاد التونسي
تكتسي العلاقات الاقتصادية التونسية–العربية أهمية استراتيجية تتجاوز الأرقام التجارية، إذ تمثل رافعة حقيقية للإنعاش الاقتصادي التونسي في ظل الأزمات العالمية وتقلبات الأسواق الأوروبية. فالأسواق العربية، وخاصة دول الجوار المغاربي والمشرقي، توفر مجالات واسعة للتبادل التجاري والاستثماري وتتيح لتونس الانخراط في منظومة تكامل إقليمي تستند إلى القرب الجغرافي والثقافي وتكامل الموارد.
كما تشكل هذه الشراكة فرصة لتونس لتوسيع قاعدة صادراتها وتنويع شركائها الاقتصاديين، بما يسهم في تقليص العجز التجاري وتعزيز مداخيل العملة الصعبة. وفي المقابل، تستفيد الدول العربية من الخبرة التونسية في مجالات الصناعة التحويلية والخدمات والتكنولوجيات الحديثة، ما يجعل التعاون متبادلا ومتوازنا.
التكامل العربي.. خيار استراتيجي لمواجهة التحديات
أمام التحديات التي تفرضها الأزمات الاقتصادية والاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، تبرز الحاجة الملحّة إلى تعزيز التكامل العربي الاقتصادي كخيار استراتيجي مشترك. وتشكل تجربة تونس في تنويع صادراتها نحو الدول العربية نموذجا عمليا للانفتاح الإقليمي الناجح الذي يمكن البناء عليه لتأسيس تكتل اقتصادي مغاربي–عربي قادر على المنافسة في السوق العالمية.
وتجمع الآراء على ضرورة تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وتطوير مشاريع البنية التحتية المشتركة في النقل والطاقة والتصنيع، بما من شأنه أن يعزز الترابط الاقتصادي ويخلق سوقا عربية موحدة تفتح آفاقا أرحب أمام الاستثمارات وتدعم الأمن الاقتصادي الجماعي.
آفاق مشرقة لشراكة عربية متجددة
وتكشف الأرقام والمؤشرات الحديثة أن تونس تسير بخطى ثابتة نحو توطيد حضورها الاقتصادي في الفضاء العربي، مستفيدة من موقعها الجغرافي وطاقاتها البشرية ومهاراتها الصناعية. فالارتفاع المسجل في الصادرات نحو الجزائر ومصر وليبيا والمغرب يعكس تحولا نوعيا في وجهة التجارة التونسية نحو محيطها الطبيعي العربي والإفريقي.
ومع تزايد المبادرات المشتركة لتعزيز التبادل والاستثمار، تبدو الآفاق المستقبلية واعدة بتأسيس شراكة اقتصادية عربية متينة تساهم في تنمية المنطقة وخلق فرص جديدة للنمو المشترك. وباتت تونس اليوم، ليست فقط مصدرا للسلع، بل شريكا فاعلا في بناء اقتصاد عربي متكامل قادر على مواجهة التحديات، وصناعة مستقبل مزدهر للأجيال القادمة.
سفيان المهداوي
صادرات تونس ترتفع بأكثر من 11.6 % نحو الجزائر و33.5 % نحو مصر و 35 % نحو المغرب
المنتجات الكيميائية تتصدر الصادرات التونسية بنسبة تفوق 30 % من إجمالي المبادلات العربية
تونس نحو شراكة عربية متكاملة.. مؤشرات 2025 ترسم ملامح تحول استراتيجي جديد
تشهد الصادرات التونسية نحو البلدان العربية ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، وفق أحدث بيانات المعهد الوطني للإحصاء، مما يعكس ديناميكية جديدة في علاقات تونس الاقتصادية الإقليمية. فقد سجلت المبادلات التجارية مع الدول العربية، خصوصا الجزائر ومصر، نموا متسارعا في حجم الصادرات خلال الأشهر التسعة من عام 2025، بنسبة بلغت +11.6 % مع الجزائر و+33.5 % مع مصر، في حين ارتفعت بنسبة +7.4 % مع ليبيا و+35.9 % مع المغرب.
وتعكس هذه المؤشرات الرسمية تحولا استراتيجيا في السياسة الاقتصادية التونسية نحو توطيد الشراكة العربية كخيار واقعي لتعزيز النمو، وتقليص التبعية للأسواق الأوروبية التي طالما كانت الوجهة التقليدية للصادرات التونسية.
تُعد الجزائر من أهم الشركاء التجاريين لتونس في شمال إفريقيا، إذ تجاوزت المبادلات بين البلدين 3.2 مليارات دينار تونسي سنة 2024، منها أكثر من 1.4 مليار دينار صادرات تونسية نحو الجزائر.
ويتركز التعاون التجاري بين البلدين أساسا في المنتجات الغذائية، ومواد البناء، والمنتجات الكيميائية، والمعدات الميكانيكية. وتحتل الأسمدة الكيميائية ومواد البلاستيك والمنتجات الفلاحية قائمة أبرز السلع المصدّرة من تونس نحو السوق الجزائرية، مقابل واردات تونسية من الطاقة والغاز والمنتجات المعدنية.
وقد ساهم انفتاح المعابر الحدودية وتسهيل الإجراءات الجمركية في تعزيز هذا النمو، إلى جانب الاتفاقات الثنائية التي شجعت على تطوير المنطقة التجارية الحرة بين البلدين. ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن الجزائر تمثل سوقا واعدة للصناعات التونسية الصغيرة والمتوسطة التي تبحث عن منافذ جديدة قريبة جغرافيا.
صعود غير مسبوق في قطاعات الصناعات التحويلية مع مصر
أما العلاقات التجارية بين تونس ومصر، فقد شهدت في السنوات الأخيرة قفزة نوعية، إذ ارتفعت الصادرات التونسية نحو القاهرة خلال الفترة الأخيرة بنسبة +33.5 %، وهي زيادة غير مسبوقة في تاريخ المبادلات بين البلدين. وتتنوع الصادرات التونسية إلى مصر بين الأدوية، والمنتجات الكيميائية، والملابس الجاهزة، وقطع غيار السيارات، والمنتجات الفلاحية كزيت الزيتون والتمور. وفي المقابل، تستورد تونس من مصر منتجات بلاستيكية، ومواد بناء، وسلعًا غذائية متنوعة.
ويعود هذا التطور إلى تنشيط مجلس الأعمال التونسي–المصري المشترك الذي عمل على تذليل الصعوبات أمام رجال الأعمال وتشجيع الاستثمارات المشتركة، فضلًا عن تعزيز النقل البحري بين الموانئ التونسية والمصرية عبر خطوط جديدة عززت انسيابية البضائع.
ليبيا والمغرب.. عمق اقتصادي واستراتيجية انفتاح عربي متوازن
لم تقتصر الطفرة التصديرية التونسية على الجزائر ومصر فحسب، بل شملت أيضًا ليبيا والمغرب، حيث ارتفعت الصادرات بنسبة +7.4 % مع ليبيا و+35.9 % مع المغرب.
تعد السوق الليبية تقليديا الوجهة الأولى للصادرات التونسية عربيا، خاصة في قطاعات المنتجات الغذائية، والأدوية، ومواد البناء. ورغم الظروف الأمنية التي شهدتها ليبيا، فقد واصلت المبادلات نموها بفضل الروابط الاجتماعية والاقتصادية المتينة، وهو ما يعكس أهمية الاستقرار في دعم التكامل المغاربي.
أما المغرب، فقد أصبحت في السنوات الأخيرة شريكا تجاريا ذا أهمية متزايدة، خصوصًا في قطاع النسيج والمنتجات الفلاحية، ما يجعل من العلاقات التونسية–المغربية نموذجا للتعاون العربي–العربي المبني على الانفتاح والتنوع الاقتصادي.
القطاعات الرائدة في الصادرات التونسية
وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء، فقد تركز نمو الصادرات التونسية نحو العالم العربي في عدة قطاعات رئيسية أبرزها، المنتجات الكيميائية (خصوصا الأسمدة والفسفاط ومشتقاته)، والتي تمثل أحد أعمدة الاقتصاد التونسي، إلى جانب المنتجات الفلاحية والغذائية، مثل زيت الزيتون والتمور ومشتقات الحبوب، التي تلاقي رواجا متزايدا في الأسواق العربية بفضل جودتها العالية، فضلا عن الملابس الجاهزة والنسيج، وهي من الصناعات التي أعادت تموقعها في الأسواق الإقليمية بعد فقدانها لبعض حصصها في السوق الأوروبية. إلى جانب هذه القطاعات، نجد قطاع الأدوية والمستلزمات الطبية، حيث تشهد تونس تطورا في الصناعات الصيدلانية جعلها مصدرًا موثوقًا للدول المجاورة.
هذا التنوع في السلع المصدرة يعكس قدرة تونس على إعادة هيكلة صادراتها نحو منتجات ذات قيمة مضافة أعلى، مما يدعم استقرار ميزانها التجاري، ويخلق فرص عمل جديدة داخل البلاد.
أهمية الشراكة العربية في إنعاش الاقتصاد التونسي
تكتسي العلاقات الاقتصادية التونسية–العربية أهمية استراتيجية تتجاوز الأرقام التجارية، إذ تمثل رافعة حقيقية للإنعاش الاقتصادي التونسي في ظل الأزمات العالمية وتقلبات الأسواق الأوروبية. فالأسواق العربية، وخاصة دول الجوار المغاربي والمشرقي، توفر مجالات واسعة للتبادل التجاري والاستثماري وتتيح لتونس الانخراط في منظومة تكامل إقليمي تستند إلى القرب الجغرافي والثقافي وتكامل الموارد.
كما تشكل هذه الشراكة فرصة لتونس لتوسيع قاعدة صادراتها وتنويع شركائها الاقتصاديين، بما يسهم في تقليص العجز التجاري وتعزيز مداخيل العملة الصعبة. وفي المقابل، تستفيد الدول العربية من الخبرة التونسية في مجالات الصناعة التحويلية والخدمات والتكنولوجيات الحديثة، ما يجعل التعاون متبادلا ومتوازنا.
التكامل العربي.. خيار استراتيجي لمواجهة التحديات
أمام التحديات التي تفرضها الأزمات الاقتصادية والاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، تبرز الحاجة الملحّة إلى تعزيز التكامل العربي الاقتصادي كخيار استراتيجي مشترك. وتشكل تجربة تونس في تنويع صادراتها نحو الدول العربية نموذجا عمليا للانفتاح الإقليمي الناجح الذي يمكن البناء عليه لتأسيس تكتل اقتصادي مغاربي–عربي قادر على المنافسة في السوق العالمية.
وتجمع الآراء على ضرورة تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وتطوير مشاريع البنية التحتية المشتركة في النقل والطاقة والتصنيع، بما من شأنه أن يعزز الترابط الاقتصادي ويخلق سوقا عربية موحدة تفتح آفاقا أرحب أمام الاستثمارات وتدعم الأمن الاقتصادي الجماعي.
آفاق مشرقة لشراكة عربية متجددة
وتكشف الأرقام والمؤشرات الحديثة أن تونس تسير بخطى ثابتة نحو توطيد حضورها الاقتصادي في الفضاء العربي، مستفيدة من موقعها الجغرافي وطاقاتها البشرية ومهاراتها الصناعية. فالارتفاع المسجل في الصادرات نحو الجزائر ومصر وليبيا والمغرب يعكس تحولا نوعيا في وجهة التجارة التونسية نحو محيطها الطبيعي العربي والإفريقي.
ومع تزايد المبادرات المشتركة لتعزيز التبادل والاستثمار، تبدو الآفاق المستقبلية واعدة بتأسيس شراكة اقتصادية عربية متينة تساهم في تنمية المنطقة وخلق فرص جديدة للنمو المشترك. وباتت تونس اليوم، ليست فقط مصدرا للسلع، بل شريكا فاعلا في بناء اقتصاد عربي متكامل قادر على مواجهة التحديات، وصناعة مستقبل مزدهر للأجيال القادمة.