إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

خلال مشاركته في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.. محافظ البنك المركزي يؤكد عودة تونس إلى الساحة المالية الدولية بخطى ثابتة

مثّلت مشاركة محافظ البنك المركزي التونسي، فتحي زهير النوري، في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالعاصمة الأمريكية واشنطن، محطة بارزة في مسار استعادة الثقة الدولية في الاقتصاد التونسي.

فقد عقد النوري، يوم الجمعة 17 أكتوبر 2025، سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من ممثلي المؤسسات المالية الدولية، قبل أن يشارك في اليوم الموالي في الاجتماع الثاني والخمسين للجنة النقدية والمالية الدولية، حيث ألقى كلمة عبّر فيها عن التزام تونس بمواصلة مسار الإصلاح المالي والاقتصادي، مؤكّدًا أنّ البلاد بدأت فعلاً في جني ثمار السياسات النقدية المتّبعة، وأنّ مؤشرات الاستقرار آخذة في التحسّن بشكل مطمئن.

رسالة من واشنطن: تونس ثابتة على طريق الإصلاح

في تصريحات إعلامية أدلى بها على هامش الاجتماعات، شدّد فتحي زهير النوري على أنّ تونس تسير بخطى ثابتة في تنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، مؤكّدًا أنّ الحكومة والبنك المركزي يعملان بتنسيق وثيق للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، وضمان عودة نسق النمو تدريجيًا خلال السنة المقبلة. وأوضح أنّ السياسة النقدية التي تم اعتمادها خلال العامين الماضيين بدأت تُؤتي نتائجها، حيث تراجع التضخم من مستويات تجاوزت عشرة في المائة إلى نحو 5 %، مع تحسّن واضح في احتياطي العملة الصعبة واستقرار نسبي في سعر الصرف.

وأكد النوري في حديثه أنّ البنك المركزي سيواصل العمل على تحقيق التوازن بين دعم النشاط الاقتصادي والحفاظ على استقرار الأسعار، مبيّنًا أنّ هذه المقاربة الواقعية هي ما مكّن تونس من تفادي اضطرابات مالية كانت تهدد اقتصادات ناشئة أخرى في المنطقة. وأضاف أنّ الجهود الحالية لا تقتصر على الجانب النقدي فحسب، بل تشمل أيضًا إصلاحات هيكلية تمسّ منظومة الدعم والجباية وإدارة الدين العام، بهدف تعزيز الشفافية وترشيد النفقات وتحسين مناخ الأعمال.

وأشار محافظ البنك المركزي إلى أنّ تونس، رغم صعوبة المرحلة، ما زالت تحافظ على مصداقيتها المالية لدى الشركاء الدوليين، وهو ما يتجلّى في استمرار مؤسسات التمويل الكبرى في دعم برامجها التنموية. وقال في هذا الصدد إنّ الاجتماعات السنوية أتاحت فرصة لتجديد الحوار مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في أجواء إيجابية تميّزت بتقدير واضح للخطوات التي اتخذتها تونس خلال الأشهر الأخيرة لاستعادة الاستقرار المالي.

تونس في قلب النقاش الدولي حول الاستقرار المالي

خلال مشاركته في الاجتماع الـ52 للجنة النقدية والمالية الدولية، عرض النوري مقاربة تونس في التعامل مع التحديات الاقتصادية العالمية، مؤكّدًا أنّ تونس تدرك تمامًا حجم الصعوبات التي تواجه الاقتصادات الصاعدة في ظل ارتفاع أسعار الطاقة وتشديد السياسات النقدية في الدول الكبرى، لكنها رغم ذلك تواصل السير في نهج إصلاحي متوازن يقوم على ترشيد الموارد وتحفيز الإنتاج والاستثمار.

وأوضح المحافظ أنّ تونس تعمل حاليًا على تطوير نموذج اقتصادي جديد أكثر انفتاحًا واستدامة، يراهن على الاقتصاد الأخضر والطاقات المتجددة، ويعتمد على الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والدولي. وأشار إلى أنّ البنك المركزي يدعم هذه التحوّلات من خلال تسهيل التمويل للمشاريع ذات القيمة المضافة العالية، وخاصة تلك التي تسهم في خلق فرص عمل للشباب.

ولم يُخفِ النوري تفاؤله بمستقبل الاقتصاد التونسي، حيث قال في تصريحاته إنّ “البلاد بدأت تستعيد تدريجيًا نسق الإنجازات بعد فترة صعبة، وإنّ المؤشرات المسجّلة خلال الأشهر الأخيرة تبعث على الاطمئنان وتؤكد قدرة تونس على تجاوز التحديات بفضل إرادة الإصلاح والعمل المشترك بين مؤسسات الدولة والمجتمع”. وأضاف أنّ “المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في استعادة الثقة الكاملة، سواء لدى المستثمرين المحليين أو الشركاء الدوليين، لأنّ تونس برهنت على قدرتها على التكيّف وعلى التزامها الصادق بالإصلاح”.

لقاءات ثنائية تعيد رسم خريطة التعاون المالي

وخلال الاجتماعات السنوية، أجرى محافظ البنك المركزي التونسي سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من كبار مسؤولي المؤسسات المالية الدولية، إضافة إلى محادثة هامة مع نظيره البرازيلي غابرييل غاليبولو، تمحورت حول سبل تعزيز التعاون وتبادل الخبرات والدعم الفني.

وقد استعرض النوري خلال هذه اللقاءات آخر تطورات المؤشرات الاقتصادية والمالية في تونس، مقدّمًا عرضًا شاملًا حول الجهود التي تبذلها الحكومة في تحسين مناخ الأعمال، ومكافحة التضخم، وتحفيز النمو عبر دعم القطاعات الإنتاجية. كما دعا إلى مزيد من التعاون الفني بين البنك المركزي التونسي ومؤسسات التمويل الدولية، خصوصًا في مجالات التحوّل الرقمي المالي، والحوكمة المصرفية، ومكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال.

وأكد في تصريحاته أنّ هذه اللقاءات عكست ثقة متجددة في مسار الإصلاح التونسي، مشيرًا إلى أنّ عددًا من المؤسسات عبّرت عن استعدادها لمواصلة دعم تونس عبر تمويلات ميسّرة ومشاريع شراكة تنموية. وقال النوري إنّ “المؤسسات الدولية تدرك أنّ تونس تمتلك كل مقومات النهوض، من كفاءات بشرية عالية، وموقع استراتيجي، وإرادة إصلاح حقيقية، وهي عناصر تجعلها مؤهلة لتكون مركزًا ماليًا واعدًا في المنطقة خلال السنوات القادمة”.

السياسة النقدية بين الصرامة والمرونة

تطرّق النوري في تصريحاته الإعلامية إلى طبيعة السياسة النقدية التي ينتهجها البنك المركزي، مبيّنًا أنها تقوم على مبدأ الموازنة الدقيقة بين الصرامة والمرونة، بما يتيح مواجهة الضغوط التضخمية من جهة، ودعم النشاط الاقتصادي من جهة أخرى. وأوضح أنّ رفع أسعار الفائدة في بعض المراحل كان إجراءً ضروريًا لحماية قيمة الدينار وكبح التضخم، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أنّ البنك المركزي يراقب باهتمام أوضاع المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ويعمل على توفير الآليات الكفيلة بمساعدتها على النفاذ إلى التمويل بشروط ميسّرة.

وأضاف النوري أنّ تونس تجاوزت المرحلة الحرجة بفضل استقرار القطاع المصرفي ونجاعة الإطار التنظيمي والرقابي، مؤكّدًا أنّ العمل متواصل لتطوير الخدمات المالية وتوسيع قاعدة الشمول المالي في مختلف الجهات. وقال إنّ “استقرار القطاع المصرفي يُعدّ من أبرز نقاط القوة في الاقتصاد التونسي، وإنّ الجهود الجارية لترسيخ الحوكمة والشفافية ستسهم في رفع جاذبية السوق التونسية لدى المستثمرين الأجانب”. وفي حديثه عن العلاقة بين البنك المركزي والسلطات الحكومية، أوضح النوري أنّ استقلالية البنك المركزي تبقى مبدأً أساسيًا لضمان استقرار الأسعار، لكنها لا تعني القطيعة مع السياسة العامة للدولة، بل التنسيق المستمر لتحقيق الأهداف الاقتصادية المشتركة. وأضاف أنّ هذه المقاربة التكاملية بين السياسة النقدية والسياسة المالية أثبتت فعاليتها في التعامل مع التحديات الراهنة، وساهمت في تعزيز قدرة الاقتصاد على الصمود.

نحو أفق جديد من النمو والثقة

في ختام مشاركته، عبّر محافظ البنك المركزي عن تفاؤله بمستقبل الاقتصاد الوطني، مؤكّدًا أنّ تونس مقبلة على مرحلة جديدة من الاستقرار والنمو إذا واصلت تنفيذ الإصلاحات المبرمجة، واستثمرت في قدراتها الذاتية، ووسّعت شراكاتها مع المجتمع المالي الدولي. وأشار إلى أنّ البنك المركزي سيواصل دوره كركيزة أساسية في بناء الثقة وتعزيز الحوكمة الاقتصادية، مشدّدًا على أنّ “تونس تمتلك الإرادة والرؤية لتجاوز الصعوبات، وما تحتاجه اليوم هو تثبيت الثقة وتحويل وعود الإصلاح إلى واقع ملموس”.

وختم النوري تصريحاته بالتأكيد على أنّ المرحلة القادمة ستكون مرحلة “ترسيخ للإنجازات” لا مجرّد وعود، وأنّ تونس ماضية في طريقها بثبات نحو استعادة مكانتها كاقتصاد ناشئ متوازن ومفتوح على العالم. وأردف قائلًا: “ما لمسناه من شركائنا الدوليين خلال الاجتماعات من تفهّم ودعم، يعكس إيمانهم بقدرة تونس على النجاح، ونحن بدورنا سنواصل العمل بنفس الروح حتى يستعيد الاقتصاد الوطني كامل عافيته”.

عودة بخطى واثقة إلى الساحة الدولية

ومثّلت مشاركة محافظ البنك المركزي التونسي في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أكثر من مجرد حضور دبلوماسي أو تقني، بل كانت مناسبة لتجديد رسالة تونس إلى العالم: نحن هنا، نُصلح ونبني وننفتح. فالتصريحات التي أدلى بها فتحي زهير النوري عكست بوضوح روح الثقة والمسؤولية، مؤكّدة أنّ البلاد تجاوزت مرحلة الشك، وتدخل اليوم مرحلة العمل والإنجاز.

ومهما كانت الصعوبات، فإنّ الحراك المالي والدبلوماسي الذي يقوده البنك المركزي في هذه المرحلة الحساسة يشكّل رافعة حقيقية لعودة تونس إلى نسق النمو، ويمنح الاقتصاد الوطني دفعة معنوية ومادية نحو أفق أكثر استقرارًا وازدهارًا.

سفيان المهداوي

خلال مشاركته في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي..   محافظ البنك المركزي يؤكد عودة تونس إلى الساحة المالية الدولية بخطى ثابتة

مثّلت مشاركة محافظ البنك المركزي التونسي، فتحي زهير النوري، في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالعاصمة الأمريكية واشنطن، محطة بارزة في مسار استعادة الثقة الدولية في الاقتصاد التونسي.

فقد عقد النوري، يوم الجمعة 17 أكتوبر 2025، سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من ممثلي المؤسسات المالية الدولية، قبل أن يشارك في اليوم الموالي في الاجتماع الثاني والخمسين للجنة النقدية والمالية الدولية، حيث ألقى كلمة عبّر فيها عن التزام تونس بمواصلة مسار الإصلاح المالي والاقتصادي، مؤكّدًا أنّ البلاد بدأت فعلاً في جني ثمار السياسات النقدية المتّبعة، وأنّ مؤشرات الاستقرار آخذة في التحسّن بشكل مطمئن.

رسالة من واشنطن: تونس ثابتة على طريق الإصلاح

في تصريحات إعلامية أدلى بها على هامش الاجتماعات، شدّد فتحي زهير النوري على أنّ تونس تسير بخطى ثابتة في تنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، مؤكّدًا أنّ الحكومة والبنك المركزي يعملان بتنسيق وثيق للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، وضمان عودة نسق النمو تدريجيًا خلال السنة المقبلة. وأوضح أنّ السياسة النقدية التي تم اعتمادها خلال العامين الماضيين بدأت تُؤتي نتائجها، حيث تراجع التضخم من مستويات تجاوزت عشرة في المائة إلى نحو 5 %، مع تحسّن واضح في احتياطي العملة الصعبة واستقرار نسبي في سعر الصرف.

وأكد النوري في حديثه أنّ البنك المركزي سيواصل العمل على تحقيق التوازن بين دعم النشاط الاقتصادي والحفاظ على استقرار الأسعار، مبيّنًا أنّ هذه المقاربة الواقعية هي ما مكّن تونس من تفادي اضطرابات مالية كانت تهدد اقتصادات ناشئة أخرى في المنطقة. وأضاف أنّ الجهود الحالية لا تقتصر على الجانب النقدي فحسب، بل تشمل أيضًا إصلاحات هيكلية تمسّ منظومة الدعم والجباية وإدارة الدين العام، بهدف تعزيز الشفافية وترشيد النفقات وتحسين مناخ الأعمال.

وأشار محافظ البنك المركزي إلى أنّ تونس، رغم صعوبة المرحلة، ما زالت تحافظ على مصداقيتها المالية لدى الشركاء الدوليين، وهو ما يتجلّى في استمرار مؤسسات التمويل الكبرى في دعم برامجها التنموية. وقال في هذا الصدد إنّ الاجتماعات السنوية أتاحت فرصة لتجديد الحوار مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في أجواء إيجابية تميّزت بتقدير واضح للخطوات التي اتخذتها تونس خلال الأشهر الأخيرة لاستعادة الاستقرار المالي.

تونس في قلب النقاش الدولي حول الاستقرار المالي

خلال مشاركته في الاجتماع الـ52 للجنة النقدية والمالية الدولية، عرض النوري مقاربة تونس في التعامل مع التحديات الاقتصادية العالمية، مؤكّدًا أنّ تونس تدرك تمامًا حجم الصعوبات التي تواجه الاقتصادات الصاعدة في ظل ارتفاع أسعار الطاقة وتشديد السياسات النقدية في الدول الكبرى، لكنها رغم ذلك تواصل السير في نهج إصلاحي متوازن يقوم على ترشيد الموارد وتحفيز الإنتاج والاستثمار.

وأوضح المحافظ أنّ تونس تعمل حاليًا على تطوير نموذج اقتصادي جديد أكثر انفتاحًا واستدامة، يراهن على الاقتصاد الأخضر والطاقات المتجددة، ويعتمد على الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والدولي. وأشار إلى أنّ البنك المركزي يدعم هذه التحوّلات من خلال تسهيل التمويل للمشاريع ذات القيمة المضافة العالية، وخاصة تلك التي تسهم في خلق فرص عمل للشباب.

ولم يُخفِ النوري تفاؤله بمستقبل الاقتصاد التونسي، حيث قال في تصريحاته إنّ “البلاد بدأت تستعيد تدريجيًا نسق الإنجازات بعد فترة صعبة، وإنّ المؤشرات المسجّلة خلال الأشهر الأخيرة تبعث على الاطمئنان وتؤكد قدرة تونس على تجاوز التحديات بفضل إرادة الإصلاح والعمل المشترك بين مؤسسات الدولة والمجتمع”. وأضاف أنّ “المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في استعادة الثقة الكاملة، سواء لدى المستثمرين المحليين أو الشركاء الدوليين، لأنّ تونس برهنت على قدرتها على التكيّف وعلى التزامها الصادق بالإصلاح”.

لقاءات ثنائية تعيد رسم خريطة التعاون المالي

وخلال الاجتماعات السنوية، أجرى محافظ البنك المركزي التونسي سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من كبار مسؤولي المؤسسات المالية الدولية، إضافة إلى محادثة هامة مع نظيره البرازيلي غابرييل غاليبولو، تمحورت حول سبل تعزيز التعاون وتبادل الخبرات والدعم الفني.

وقد استعرض النوري خلال هذه اللقاءات آخر تطورات المؤشرات الاقتصادية والمالية في تونس، مقدّمًا عرضًا شاملًا حول الجهود التي تبذلها الحكومة في تحسين مناخ الأعمال، ومكافحة التضخم، وتحفيز النمو عبر دعم القطاعات الإنتاجية. كما دعا إلى مزيد من التعاون الفني بين البنك المركزي التونسي ومؤسسات التمويل الدولية، خصوصًا في مجالات التحوّل الرقمي المالي، والحوكمة المصرفية، ومكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال.

وأكد في تصريحاته أنّ هذه اللقاءات عكست ثقة متجددة في مسار الإصلاح التونسي، مشيرًا إلى أنّ عددًا من المؤسسات عبّرت عن استعدادها لمواصلة دعم تونس عبر تمويلات ميسّرة ومشاريع شراكة تنموية. وقال النوري إنّ “المؤسسات الدولية تدرك أنّ تونس تمتلك كل مقومات النهوض، من كفاءات بشرية عالية، وموقع استراتيجي، وإرادة إصلاح حقيقية، وهي عناصر تجعلها مؤهلة لتكون مركزًا ماليًا واعدًا في المنطقة خلال السنوات القادمة”.

السياسة النقدية بين الصرامة والمرونة

تطرّق النوري في تصريحاته الإعلامية إلى طبيعة السياسة النقدية التي ينتهجها البنك المركزي، مبيّنًا أنها تقوم على مبدأ الموازنة الدقيقة بين الصرامة والمرونة، بما يتيح مواجهة الضغوط التضخمية من جهة، ودعم النشاط الاقتصادي من جهة أخرى. وأوضح أنّ رفع أسعار الفائدة في بعض المراحل كان إجراءً ضروريًا لحماية قيمة الدينار وكبح التضخم، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أنّ البنك المركزي يراقب باهتمام أوضاع المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ويعمل على توفير الآليات الكفيلة بمساعدتها على النفاذ إلى التمويل بشروط ميسّرة.

وأضاف النوري أنّ تونس تجاوزت المرحلة الحرجة بفضل استقرار القطاع المصرفي ونجاعة الإطار التنظيمي والرقابي، مؤكّدًا أنّ العمل متواصل لتطوير الخدمات المالية وتوسيع قاعدة الشمول المالي في مختلف الجهات. وقال إنّ “استقرار القطاع المصرفي يُعدّ من أبرز نقاط القوة في الاقتصاد التونسي، وإنّ الجهود الجارية لترسيخ الحوكمة والشفافية ستسهم في رفع جاذبية السوق التونسية لدى المستثمرين الأجانب”. وفي حديثه عن العلاقة بين البنك المركزي والسلطات الحكومية، أوضح النوري أنّ استقلالية البنك المركزي تبقى مبدأً أساسيًا لضمان استقرار الأسعار، لكنها لا تعني القطيعة مع السياسة العامة للدولة، بل التنسيق المستمر لتحقيق الأهداف الاقتصادية المشتركة. وأضاف أنّ هذه المقاربة التكاملية بين السياسة النقدية والسياسة المالية أثبتت فعاليتها في التعامل مع التحديات الراهنة، وساهمت في تعزيز قدرة الاقتصاد على الصمود.

نحو أفق جديد من النمو والثقة

في ختام مشاركته، عبّر محافظ البنك المركزي عن تفاؤله بمستقبل الاقتصاد الوطني، مؤكّدًا أنّ تونس مقبلة على مرحلة جديدة من الاستقرار والنمو إذا واصلت تنفيذ الإصلاحات المبرمجة، واستثمرت في قدراتها الذاتية، ووسّعت شراكاتها مع المجتمع المالي الدولي. وأشار إلى أنّ البنك المركزي سيواصل دوره كركيزة أساسية في بناء الثقة وتعزيز الحوكمة الاقتصادية، مشدّدًا على أنّ “تونس تمتلك الإرادة والرؤية لتجاوز الصعوبات، وما تحتاجه اليوم هو تثبيت الثقة وتحويل وعود الإصلاح إلى واقع ملموس”.

وختم النوري تصريحاته بالتأكيد على أنّ المرحلة القادمة ستكون مرحلة “ترسيخ للإنجازات” لا مجرّد وعود، وأنّ تونس ماضية في طريقها بثبات نحو استعادة مكانتها كاقتصاد ناشئ متوازن ومفتوح على العالم. وأردف قائلًا: “ما لمسناه من شركائنا الدوليين خلال الاجتماعات من تفهّم ودعم، يعكس إيمانهم بقدرة تونس على النجاح، ونحن بدورنا سنواصل العمل بنفس الروح حتى يستعيد الاقتصاد الوطني كامل عافيته”.

عودة بخطى واثقة إلى الساحة الدولية

ومثّلت مشاركة محافظ البنك المركزي التونسي في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أكثر من مجرد حضور دبلوماسي أو تقني، بل كانت مناسبة لتجديد رسالة تونس إلى العالم: نحن هنا، نُصلح ونبني وننفتح. فالتصريحات التي أدلى بها فتحي زهير النوري عكست بوضوح روح الثقة والمسؤولية، مؤكّدة أنّ البلاد تجاوزت مرحلة الشك، وتدخل اليوم مرحلة العمل والإنجاز.

ومهما كانت الصعوبات، فإنّ الحراك المالي والدبلوماسي الذي يقوده البنك المركزي في هذه المرحلة الحساسة يشكّل رافعة حقيقية لعودة تونس إلى نسق النمو، ويمنح الاقتصاد الوطني دفعة معنوية ومادية نحو أفق أكثر استقرارًا وازدهارًا.

سفيان المهداوي