إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في لقاء إعلامي.. المخرجة كوثر بن هنية تكشف قصة أحدث أفلامها.. «صوت هند رجب» ليس مجرد توثيق للأحداث في غزة بل منح الضحايا وجوها وأسماء

احتضنت احدى قاعات السينما بالعاصمة تونس، صباح أمس الثلاثاء 21 أكتوبر الجاري، لقاءً إعلاميًا لمناقشة فيلم «صوت هند رجب» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، الذي يقدم تجربة سينمائية متميزة تنحو منحًى إنسانيًا وتحليليًا في آن واحد. امتد النقاش من العاشرة صباحًا إلى الواحدة ظهرًا، وكان مساحة للتعمق في رؤية فنية تتناول الحياة الفلسطينية اليومية تحت الاحتلال من منظور أنثوي، مركّزًا على الصوت والذاكرة قبل الصورة والحدث.

الفيلم، كما أوضحت كوثر بن هنية، انطلق من تجربة حقيقية لطفلة فلسطينية، هند رجب، وجدت نفسها وحيدة في مواجهة القصف على غزة، مستندة فقط إلى تسجيل صوتها الذي وثّق اللحظة المأساوية وعجز الهلال الأحمر عن الوصول إليها. هذا التوتر بين الصمت والكلام، العجز والفعل، الموت والرغبة في الحياة، أصبح المحرك الأساسي للعمل.

فـ «الفيلم هو عن الصوت قبل الصورة، وعن الذاكرة قبل الحدث»، كما قالت المخرجة، مؤكدة أن الفيلم يسعى إلى خلق مساحة تأمل في هشاشة الوجود الإنساني تحت آلة الحرب. والفكرة الأساسية كانت إعادة بناء العالم الفلسطيني من خلال تجربة طفلة تواجه الخذلان والعجز. فلم ترغب المخرجة في أن يكون الفيلم مجرد توثيق للأحداث، بل سعى إلى منح الضحايا وجوهًا وأسماء بعد أن حولتهم الأخبار إلى أرقام، وتحويل المأساة إلى ذاكرة جماعية حية. ومن هنا جاء اعتماد الصوت كمحرّك رئيسي للسرد، بينما أصبحت الصورة مكمّلة له، بحيث يصبح الصوت «جسدًا آخر للذاكرة»، وفق تعبيرها.

من القرارات الإخراجية اللافتة في الفيلم، غياب تصوير «العدو الإسرائيلي» بشكل مباشر. فكوثر بن هنية أوضحت أن هذا الخيار لم يكن نقصًا في المواجهة، بل كان قرارًا جماليًا وسياسيًا في آن واحد. الهدف كان إبراز أثر الاحتلال لا تصويره كأفراد أو معدات عسكرية وحربية، فالفيلم يظهر الاحتلال كمنظومة كاملة من القهر تمتد عبر القوانين والإجراءات والحياة اليومية، وليس مجرد جندي في مشهد أو دبابة. هذا النهج يضع المشاهد أمام واقع الاحتلال وتأثيره الإنساني بدل التركيز على الرعب البصري المباشر.

وتطرقت المخرجة إلى التحديات التقنية والإنتاجية، مشيرة إلى أن تصوير الفيلم استغرق ثلاثة أسابيع فقط، في ظرف سياسي وإنساني معقّد. رغم ضيق الوقت، شكّلت هذه السرعة تحديًا مهنيًا أساسيًا، لكنها أعطت العمل كثافة وجدانية، خصوصًا في التعامل مع الممثلين الفلسطينيين. وقالت في هذا الصدد: «الممثلون لم يكونوا يؤدون أدوارًا، بل كانوا يعيشون ذواتهم على الشاشة»، مضيفة أن الفيلم نُحت من نبض الواقع ومن أصوات حقيقية تنبعث من قلب المأساة.

اللقاء شهد أيضًا تحليلًا للغة السينمائية للفيلم، حيث اعتمدت المخرجة على الجمع بين الصوت الواقعي والتصوير التجريبي. هذا الدمج منح الفيلم بعدًا شعريًا بصريًا، بعيدًا عن المباشرة والتصوير الدموي المعتاد. المخرجة قالت إن هدفها كان توليد التعاطف لا الصدمة، إذ ترغب في إشراك المتفرج في التجربة بدل فرض ردّ فعل محدد. السينما، وفق رؤيتها، يجب أن تمنح الجمهور فرصة للتفكير لا مجرد البكاء أو الصدمة السريعة.

فيما يخص اتخاذ قرار تصوير الفيلم في وقت وجيز، فهو في إطار إعادة كتابة التاريخ ومواجهة «الماكينة» الغربية في تزييف الأحداث والتسويق للصورة التي يريدونها. فركّزت بن هنية على أن السينما تقوم بترميم الذاكرة وتثبيت الروايات الهامشية، مضيفة أن ما يفعله الفيلم هو منح صوت للفلسطينيين الذين غالبًا ما تُختزل حياتهم إلى أرقام في الأخبار. «حين نتحدث عن الفلسطيني كإنسان له صوت وذاكرة وبيت ووجه، فإننا نقاوم الاحتلال بطريقة مختلفة»، هذا ما أكدته كوثر بن هنية في نفس اللقاء، مشددة على أن هذا النهج يعيد الإنسان إلى مكانه في الصورة الفنية، بدل أن يصبح مجرد ضحية في سرديات إعلامية جافة.

وتطرقت المخرجة أيضًا إلى الخيارات الفنية المرتبطة بالتصوير والمونتاج، موضحة أن غياب المشاهد الدموية التقليدية أتاح للفيلم قوة أكبر، لأنه اعتمد على الإيحاء والرمز بدل المباشرة. هذا النهج منح المتفرج دورًا نشطًا في فهم المأساة الفلسطينية، وجعل تجربة المشاهدة تأملية ومتصلة بالواقع النفسي والعاطفي للشخصيات.

كما تحدثت عن المسؤولية الفنية والسياسية للفنان العربي، مؤكدة أن السينما ليست دعاية سياسية، لكنها فعل مقاومة رمزي، يستعيد إنسانية الفلسطيني في مواجهة آلة التجريد التي تمارسها منظومة الاحتلال. الفيلم، في نظرها، يوضح كيف يمكن للفن أن يكون سلاحًا غير دموي في مقاومة الظلم، عبر استعادة الصوت والوجه والبيت والذاكرة. وعبّرت المخرجة كوثر بن هنية عن أملها في أن يكون الفيلم قد نجح في أن يجعل «الصوت يُسمع»، ليس كصدى بعيد، بل كحقيقة نابضة تذكّر بأن خلف الأرقام والأخبار بشرًا يواصلون الحياة رغم كل شيء.

يُذكر أنّه تم اختيار فيلم «صوت هند رجب» من بين 44 فيلمًا، تضمنتها القائمة القصيرة للأفلام الروائية الطويلة المرشحة للفوز بجوائز الفيلم الأوروبي الـ38، والتي أُعلن عنها في الآونة الأخيرة.

وهذا الإنجاز الثالث للفيلم، الذي حاز «الأسد الفضي»، الجائزة الخاصّة للجنة التحكيم الكبرى في الدورة الـ82 لمهرجان البندقية السينمائي الدولي، كما فاز بجائزة الجمهور في ختام الدورة الـ73 لمهرجان «سان سيباستيان السينمائي»، محققًا تقييمًا قياسيًا بلغ 9.52 نقطة، وهو الأعلى في تاريخ المهرجان.

وحظي فيلم «صوت هند رجب» بأصداء كبيرة بين جمهور الدورة الـ50 لمهرجان «تورنتو السينمائي»، وسيمثل تونس في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ98 المرتقب منتصف مارس من العام القادم، ضمن فئة «أفضل فيلم دولي»، كما سيُعرض الفيلم في ختام الدورة الـ46 من مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي».

إيمان عبد اللطيف

في لقاء إعلامي.. المخرجة كوثر بن هنية تكشف قصة أحدث أفلامها..   «صوت هند رجب» ليس مجرد توثيق للأحداث في غزة بل منح الضحايا وجوها وأسماء

احتضنت احدى قاعات السينما بالعاصمة تونس، صباح أمس الثلاثاء 21 أكتوبر الجاري، لقاءً إعلاميًا لمناقشة فيلم «صوت هند رجب» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، الذي يقدم تجربة سينمائية متميزة تنحو منحًى إنسانيًا وتحليليًا في آن واحد. امتد النقاش من العاشرة صباحًا إلى الواحدة ظهرًا، وكان مساحة للتعمق في رؤية فنية تتناول الحياة الفلسطينية اليومية تحت الاحتلال من منظور أنثوي، مركّزًا على الصوت والذاكرة قبل الصورة والحدث.

الفيلم، كما أوضحت كوثر بن هنية، انطلق من تجربة حقيقية لطفلة فلسطينية، هند رجب، وجدت نفسها وحيدة في مواجهة القصف على غزة، مستندة فقط إلى تسجيل صوتها الذي وثّق اللحظة المأساوية وعجز الهلال الأحمر عن الوصول إليها. هذا التوتر بين الصمت والكلام، العجز والفعل، الموت والرغبة في الحياة، أصبح المحرك الأساسي للعمل.

فـ «الفيلم هو عن الصوت قبل الصورة، وعن الذاكرة قبل الحدث»، كما قالت المخرجة، مؤكدة أن الفيلم يسعى إلى خلق مساحة تأمل في هشاشة الوجود الإنساني تحت آلة الحرب. والفكرة الأساسية كانت إعادة بناء العالم الفلسطيني من خلال تجربة طفلة تواجه الخذلان والعجز. فلم ترغب المخرجة في أن يكون الفيلم مجرد توثيق للأحداث، بل سعى إلى منح الضحايا وجوهًا وأسماء بعد أن حولتهم الأخبار إلى أرقام، وتحويل المأساة إلى ذاكرة جماعية حية. ومن هنا جاء اعتماد الصوت كمحرّك رئيسي للسرد، بينما أصبحت الصورة مكمّلة له، بحيث يصبح الصوت «جسدًا آخر للذاكرة»، وفق تعبيرها.

من القرارات الإخراجية اللافتة في الفيلم، غياب تصوير «العدو الإسرائيلي» بشكل مباشر. فكوثر بن هنية أوضحت أن هذا الخيار لم يكن نقصًا في المواجهة، بل كان قرارًا جماليًا وسياسيًا في آن واحد. الهدف كان إبراز أثر الاحتلال لا تصويره كأفراد أو معدات عسكرية وحربية، فالفيلم يظهر الاحتلال كمنظومة كاملة من القهر تمتد عبر القوانين والإجراءات والحياة اليومية، وليس مجرد جندي في مشهد أو دبابة. هذا النهج يضع المشاهد أمام واقع الاحتلال وتأثيره الإنساني بدل التركيز على الرعب البصري المباشر.

وتطرقت المخرجة إلى التحديات التقنية والإنتاجية، مشيرة إلى أن تصوير الفيلم استغرق ثلاثة أسابيع فقط، في ظرف سياسي وإنساني معقّد. رغم ضيق الوقت، شكّلت هذه السرعة تحديًا مهنيًا أساسيًا، لكنها أعطت العمل كثافة وجدانية، خصوصًا في التعامل مع الممثلين الفلسطينيين. وقالت في هذا الصدد: «الممثلون لم يكونوا يؤدون أدوارًا، بل كانوا يعيشون ذواتهم على الشاشة»، مضيفة أن الفيلم نُحت من نبض الواقع ومن أصوات حقيقية تنبعث من قلب المأساة.

اللقاء شهد أيضًا تحليلًا للغة السينمائية للفيلم، حيث اعتمدت المخرجة على الجمع بين الصوت الواقعي والتصوير التجريبي. هذا الدمج منح الفيلم بعدًا شعريًا بصريًا، بعيدًا عن المباشرة والتصوير الدموي المعتاد. المخرجة قالت إن هدفها كان توليد التعاطف لا الصدمة، إذ ترغب في إشراك المتفرج في التجربة بدل فرض ردّ فعل محدد. السينما، وفق رؤيتها، يجب أن تمنح الجمهور فرصة للتفكير لا مجرد البكاء أو الصدمة السريعة.

فيما يخص اتخاذ قرار تصوير الفيلم في وقت وجيز، فهو في إطار إعادة كتابة التاريخ ومواجهة «الماكينة» الغربية في تزييف الأحداث والتسويق للصورة التي يريدونها. فركّزت بن هنية على أن السينما تقوم بترميم الذاكرة وتثبيت الروايات الهامشية، مضيفة أن ما يفعله الفيلم هو منح صوت للفلسطينيين الذين غالبًا ما تُختزل حياتهم إلى أرقام في الأخبار. «حين نتحدث عن الفلسطيني كإنسان له صوت وذاكرة وبيت ووجه، فإننا نقاوم الاحتلال بطريقة مختلفة»، هذا ما أكدته كوثر بن هنية في نفس اللقاء، مشددة على أن هذا النهج يعيد الإنسان إلى مكانه في الصورة الفنية، بدل أن يصبح مجرد ضحية في سرديات إعلامية جافة.

وتطرقت المخرجة أيضًا إلى الخيارات الفنية المرتبطة بالتصوير والمونتاج، موضحة أن غياب المشاهد الدموية التقليدية أتاح للفيلم قوة أكبر، لأنه اعتمد على الإيحاء والرمز بدل المباشرة. هذا النهج منح المتفرج دورًا نشطًا في فهم المأساة الفلسطينية، وجعل تجربة المشاهدة تأملية ومتصلة بالواقع النفسي والعاطفي للشخصيات.

كما تحدثت عن المسؤولية الفنية والسياسية للفنان العربي، مؤكدة أن السينما ليست دعاية سياسية، لكنها فعل مقاومة رمزي، يستعيد إنسانية الفلسطيني في مواجهة آلة التجريد التي تمارسها منظومة الاحتلال. الفيلم، في نظرها، يوضح كيف يمكن للفن أن يكون سلاحًا غير دموي في مقاومة الظلم، عبر استعادة الصوت والوجه والبيت والذاكرة. وعبّرت المخرجة كوثر بن هنية عن أملها في أن يكون الفيلم قد نجح في أن يجعل «الصوت يُسمع»، ليس كصدى بعيد، بل كحقيقة نابضة تذكّر بأن خلف الأرقام والأخبار بشرًا يواصلون الحياة رغم كل شيء.

يُذكر أنّه تم اختيار فيلم «صوت هند رجب» من بين 44 فيلمًا، تضمنتها القائمة القصيرة للأفلام الروائية الطويلة المرشحة للفوز بجوائز الفيلم الأوروبي الـ38، والتي أُعلن عنها في الآونة الأخيرة.

وهذا الإنجاز الثالث للفيلم، الذي حاز «الأسد الفضي»، الجائزة الخاصّة للجنة التحكيم الكبرى في الدورة الـ82 لمهرجان البندقية السينمائي الدولي، كما فاز بجائزة الجمهور في ختام الدورة الـ73 لمهرجان «سان سيباستيان السينمائي»، محققًا تقييمًا قياسيًا بلغ 9.52 نقطة، وهو الأعلى في تاريخ المهرجان.

وحظي فيلم «صوت هند رجب» بأصداء كبيرة بين جمهور الدورة الـ50 لمهرجان «تورنتو السينمائي»، وسيمثل تونس في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ98 المرتقب منتصف مارس من العام القادم، ضمن فئة «أفضل فيلم دولي»، كما سيُعرض الفيلم في ختام الدورة الـ46 من مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي».

إيمان عبد اللطيف