إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

البنك المركزي يقرض الدولة 11 مليار دينار في قانون المالية 2026.. تمويل استثنائي لإنعاش الاقتصاد وتخفيف عجز الميزانية

في خطوة غير مسبوقة من حيث حجمها وأثرها المالي، أدرجت الحكومة التونسية في مشروع قانون المالية لسنة 2026 بندًا يجيز للبنك المركزي التونسي منح الدولة قرضًا مباشرًا بقيمة 11 مليار دينار تونسي، دون فائدة، وعلى مدى 15 سنة مع فترة إمهال تمتد لثلاث سنوات. ويُنتظر أن يساهم هذا التمويل في تغطية جزء من احتياجات الدولة المقدّرة بحوالي 27 مليار دينار خلال السنة المقبلة، بما في ذلك النفقات الاجتماعية وخدمة الدين ومصاريف الاستثمار العمومي.

وحسب نص المشروع، الذي تحصّلت “الصباح” على نسخة منه، فإن القرض الذي يمنحه البنك المركزي يُعتبر “تسهيلًا استثنائيًا” يهدف إلى تمكين الدولة من تسيير شؤونها المالية في ظرف يتّسم بصعوبات التمويل وارتفاع كلفة الاقتراض الداخلي والخارجي. وهو ما يعيد طرح النقاش حول حدود تدخل البنك المركزي في تمويل الدولة، والتوازن المطلوب بين دعم الميزانية العامة والحفاظ على استقرار الأسعار والسيولة النقدية.

توجه جديد في السياسة المالية

وتؤكد الحكومة من خلال هذه الخطوة رغبتها في تقليص الاعتماد على القروض الخارجية التي كانت لسنوات مصدرًا أساسيًا لتمويل الميزانية، لكنها في الوقت نفسه كانت تُثقل كاهل المالية العمومية بالديون والفوائد فاختارت الدولة هذه المرة اللجوء إلى “البيت الداخلي”، أي البنك المركزي، باعتباره الملاذ الأخير لتأمين التمويل الضروري لتغطية نفقات الدولة.

ويُعد هذا التوجّه استمرارية لسياسة بدأت منذ قانون المالية لسنة 2024، حين تم الترخيص للبنك المركزي بتوفير تمويل مباشر بقيمة 7 مليارات دينار، ثم تكرّر الإجراء في 2025، ليصل إلى 11 مليارًا في قانون 2026. وهو ما يعكس اتساع نطاق التمويل النقدي المباشر كخيار استراتيجي مؤقت لسد فجوة الميزانية.

وبالنظر إلى أن هذا القرض سيكون دون فائدة وبفترة سداد طويلة، فإنه يُخفّف الضغط الفوري على خزينة الدولة، ويُقلّص من كلفة خدمة الدين العام، مما يمنح المالية العمومية متنفسًا يسمح بتوجيه موارد إضافية نحو المشاريع التنموية والاستثمارية.

تأثير مباشر على ميزانية الدولة وتقليص العجز المالي

حسب ما أكّده خبراء الاقتصاد لـ“الصباح”، يُمثّل هذا التمويل الجديد من البنك المركزي ركيزة أساسية في خطة الدولة لتقليص العجز المالي، الذي يُقدّر بحوالي 11 مليار دينار خلال سنة 2026، أي ما يعادل نحو 6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ويُنتظر أن يسهم القرض في تغطية الجزء الأكبر من النفقات العمومية من دون الحاجة إلى إصدار سندات داخلية أو خارجية مرتفعة الفائدة، الأمر الذي سيُخفّض من كلفة الاقتراض ويُجنّب المالية العمومية مخاطر ارتفاع الدين قصير الأجل.

ومن جهة أخرى، سيسمح التمويل بتوفير سيولة مريحة للخزينة، تُمكّن الدولة من الإيفاء بالتزاماتها في مواعيدها، سواء تعلق الأمر بالأجور أو بدعم المواد الأساسية أو بالاستثمارات العمومية. وبذلك، يُتوقّع أن يتحسّن الأداء المالي للدولة، ويخف الضغط عن الميزانية العامة التي عانت في السنوات الأخيرة من عجز مزمن وضعف الموارد الذاتية.

ورغم أن هذه الخطوة تُعد نوعًا من “التمويل النقدي المباشر” الذي طالما تجنّبته تونس حفاظًا على استقلالية السياسة النقدية، فإن طابعها الاستثنائي يجعلها ضرورة مرحلية أكثر من كونها توجهًا دائمًا.

دعم الاستقرار الاقتصادي وتحفيز النمو الوطني

إلى جانب البُعد المالي، فإن لهذا التمويل انعكاسات اقتصادية مباشرة. فبفضل القرض الميسّر، ستكون الدولة قادرة على مواصلة برامجها التنموية من دون تعطيل، لا سيما في مجالات البنية التحتية والطاقة والنقل والمشاريع الاجتماعية. وهذا من شأنه أن يُعيد النشاط إلى الاقتصاد الوطني الذي عرف تباطؤًا في النمو خلال السنوات الأخيرة بسبب تراجع الاستثمار العمومي والخاص.

كما يُتوقّع أن يُحدث هذا التمويل “حركية اقتصادية” جديدة، من خلال ضخ أموال في المشاريع الكبرى ودعم المؤسسات العمومية، مما سينعكس إيجابيًا على معدلات التشغيل والإنتاج، ويُعزّز الثقة في المناخ الاقتصادي.

ومع انخفاض كلفة الدين، ستتمكّن الدولة من توجيه موارد أكبر نحو الاستثمار المنتج، بدلًا من أن تذهب معظم النفقات إلى خدمة الدين وأجور القطاع العام كما كان الحال في السنوات الماضية.

وقد تُسهم هذه الخطوة في تحقيق نمو اقتصادي أكثر توازنًا واستدامة، إذا ما تم توجيه الموارد نحو القطاعات المنتجة ذات القيمة المضافة العالية.

ضرورة توجيه التمويل نحو الاستثمار لا الاستهلاك

رغم الترحيب الواسع الذي لقيته هذه الخطوة باعتبارها تدخّلًا ضروريًا لتجنّب أزمة تمويل خانقة، فإن عددًا من الخبراء الاقتصاديين والمختصين في الجباية دعوا إلى التعامل بحذر مع هذه الآلية، مؤكدين أن نجاحها يتوقف على كيفية استخدام الأموال التي ستحصل عليها الدولة من هذا القرض.

وحسب ما أفاد به الخبير في الجباية محمد صالح العياري في تصريحات إعلامية، أمس، فإن أي تمويل من البنك المركزي يجب أن يُوجَّه بالأساس إلى الاستثمارات المنتجة لا إلى النفقات الجارية، حتى لا يتحوّل إلى مجرد وسيلة لتأجيل الأزمات أو لتغطية العجز التشغيلي من دون أثر تنموي فعلي.

ويُشدّد الاقتصاديون على أن قانون المالية لسنة 2026 يجب أن يمنح الاستثمار العمومي أولوية قصوى، من خلال توجيه الموارد إلى مشاريع البنية التحتية، ودعم القطاعات التكنولوجية، والطاقة المتجددة، والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، لما لهذه القطاعات من دور محوري في خلق فرص العمل وتحفيز النمو.

كما دعوا إلى وضع آلية رقابية دقيقة تضمن الشفافية في استخدام التمويل، وتمنع توظيفه في تغطية نفقات غير إنتاجية قد تؤدي إلى ضغوط تضخمية أو إلى تراجع قيمة الدينار.

توازن صعب بين الدعم المالي واستقلالية البنك المركزي

تطرح هذه الخطوة أيضًا مسألة التوازن بين حاجة الدولة إلى التمويل واستقلالية البنك المركزي. فمن الناحية النظرية، يُفترض أن يظل البنك المركزي مستقلاً في قراراته النقدية، وألا يتحوّل إلى مموّل مباشر للحكومة إلا في حالات استثنائية ووفق ضوابط واضحة.

لكن من الناحية الواقعية، فإن الصعوبات المالية التي تمر بها تونس تجعل هذا التدخل شبه ضروري. ويبدو أن البنك المركزي نفسه يعي هذا التوازن، إذ تم ضبط التمويل في شكل “تسهيلات مالية محدودة المدة” دون فوائد، وهو ما يُجنّب البلاد مخاطر الارتفاع المفرط في الكتلة النقدية أو زيادة نسب التضخم.

آفاق جديدة أمام الاقتصاد الوطني

بفضل هذا التمويل، تمتلك تونس فرصة نادرة لإعادة ترتيب أولوياتها الاقتصادية وتوجيه مواردها نحو القطاعات المنتجة. فخفض كلفة الدين سيتيح للدولة مساحة مالية أوسع يمكن استثمارها في المشاريع الحيوية مثل الطاقات المتجددة، والبنية التحتية، والنقل، والتعليم، والصحة. كما يُمكن أن يُسهم في تحسين ثقة المستثمرين الأجانب الذين طالما راقبوا عن كثب قدرة الدولة على إدارة ماليتها العمومية.

وتبقى هذه الخطوة أيضًا رسالة طمأنة للأسواق، مفادها أن تونس قادرة على إيجاد حلول تمويلية داخلية من دون الارتهان الكامل للمؤسسات الدولية. ويُشدد الخبراء على أن هذه الخطوة، إذا ما رافقها إصلاح هيكلي جريء، قد تُحوّل الأزمة الحالية إلى فرصة لتجديد النموذج الاقتصادي والمالي للبلاد.

وفي المحصّلة، يُعدّ إقدام البنك المركزي على إقراض الدولة 11 مليار دينار في إطار قانون المالية لسنة 2026 خطوة جريئة واستثنائية، تحمل في طيّاتها أبعادًا مالية واقتصادية بالغة الأهمية. فهي من جهة تُسهم في تقليص العجز الذي أثقل كاهل الميزانية خلال السنوات الأخيرة، ومن جهة أخرى تفتح آفاقًا واعدة لتحريك عجلة الاقتصاد ودفع الاستثمار العمومي والخاص نحو مزيد من الديناميكية والإنتاج.

وإذا ما رافق هذا التوجّه تمويل رشيد يُوجَّه إلى المشاريع المنتجة والقطاعات الاستراتيجية، فسيكون له أثر مباشر في تعزيز النمو، وترسيخ الاستقرار الاجتماعي، وتمكين الدولة من مجاراة نفقاتها بأريحية من دون ضغوط تمويلية خانقة.

وبذلك يمكن القول إن هذه الخطوة تُؤسّس لمرحلة جديدة من التوازن المالي، وتضع الاقتصاد التونسي على مسار انتعاشة حقيقية قادرة على تحقيق نسب نمو مشجّعة ورفع نسق الاستثمار الداخلي والخارجي في السنوات القادمة.

سفيان المهداوي

البنك المركزي يقرض الدولة 11 مليار دينار في قانون المالية 2026..   تمويل استثنائي لإنعاش الاقتصاد وتخفيف عجز الميزانية

في خطوة غير مسبوقة من حيث حجمها وأثرها المالي، أدرجت الحكومة التونسية في مشروع قانون المالية لسنة 2026 بندًا يجيز للبنك المركزي التونسي منح الدولة قرضًا مباشرًا بقيمة 11 مليار دينار تونسي، دون فائدة، وعلى مدى 15 سنة مع فترة إمهال تمتد لثلاث سنوات. ويُنتظر أن يساهم هذا التمويل في تغطية جزء من احتياجات الدولة المقدّرة بحوالي 27 مليار دينار خلال السنة المقبلة، بما في ذلك النفقات الاجتماعية وخدمة الدين ومصاريف الاستثمار العمومي.

وحسب نص المشروع، الذي تحصّلت “الصباح” على نسخة منه، فإن القرض الذي يمنحه البنك المركزي يُعتبر “تسهيلًا استثنائيًا” يهدف إلى تمكين الدولة من تسيير شؤونها المالية في ظرف يتّسم بصعوبات التمويل وارتفاع كلفة الاقتراض الداخلي والخارجي. وهو ما يعيد طرح النقاش حول حدود تدخل البنك المركزي في تمويل الدولة، والتوازن المطلوب بين دعم الميزانية العامة والحفاظ على استقرار الأسعار والسيولة النقدية.

توجه جديد في السياسة المالية

وتؤكد الحكومة من خلال هذه الخطوة رغبتها في تقليص الاعتماد على القروض الخارجية التي كانت لسنوات مصدرًا أساسيًا لتمويل الميزانية، لكنها في الوقت نفسه كانت تُثقل كاهل المالية العمومية بالديون والفوائد فاختارت الدولة هذه المرة اللجوء إلى “البيت الداخلي”، أي البنك المركزي، باعتباره الملاذ الأخير لتأمين التمويل الضروري لتغطية نفقات الدولة.

ويُعد هذا التوجّه استمرارية لسياسة بدأت منذ قانون المالية لسنة 2024، حين تم الترخيص للبنك المركزي بتوفير تمويل مباشر بقيمة 7 مليارات دينار، ثم تكرّر الإجراء في 2025، ليصل إلى 11 مليارًا في قانون 2026. وهو ما يعكس اتساع نطاق التمويل النقدي المباشر كخيار استراتيجي مؤقت لسد فجوة الميزانية.

وبالنظر إلى أن هذا القرض سيكون دون فائدة وبفترة سداد طويلة، فإنه يُخفّف الضغط الفوري على خزينة الدولة، ويُقلّص من كلفة خدمة الدين العام، مما يمنح المالية العمومية متنفسًا يسمح بتوجيه موارد إضافية نحو المشاريع التنموية والاستثمارية.

تأثير مباشر على ميزانية الدولة وتقليص العجز المالي

حسب ما أكّده خبراء الاقتصاد لـ“الصباح”، يُمثّل هذا التمويل الجديد من البنك المركزي ركيزة أساسية في خطة الدولة لتقليص العجز المالي، الذي يُقدّر بحوالي 11 مليار دينار خلال سنة 2026، أي ما يعادل نحو 6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ويُنتظر أن يسهم القرض في تغطية الجزء الأكبر من النفقات العمومية من دون الحاجة إلى إصدار سندات داخلية أو خارجية مرتفعة الفائدة، الأمر الذي سيُخفّض من كلفة الاقتراض ويُجنّب المالية العمومية مخاطر ارتفاع الدين قصير الأجل.

ومن جهة أخرى، سيسمح التمويل بتوفير سيولة مريحة للخزينة، تُمكّن الدولة من الإيفاء بالتزاماتها في مواعيدها، سواء تعلق الأمر بالأجور أو بدعم المواد الأساسية أو بالاستثمارات العمومية. وبذلك، يُتوقّع أن يتحسّن الأداء المالي للدولة، ويخف الضغط عن الميزانية العامة التي عانت في السنوات الأخيرة من عجز مزمن وضعف الموارد الذاتية.

ورغم أن هذه الخطوة تُعد نوعًا من “التمويل النقدي المباشر” الذي طالما تجنّبته تونس حفاظًا على استقلالية السياسة النقدية، فإن طابعها الاستثنائي يجعلها ضرورة مرحلية أكثر من كونها توجهًا دائمًا.

دعم الاستقرار الاقتصادي وتحفيز النمو الوطني

إلى جانب البُعد المالي، فإن لهذا التمويل انعكاسات اقتصادية مباشرة. فبفضل القرض الميسّر، ستكون الدولة قادرة على مواصلة برامجها التنموية من دون تعطيل، لا سيما في مجالات البنية التحتية والطاقة والنقل والمشاريع الاجتماعية. وهذا من شأنه أن يُعيد النشاط إلى الاقتصاد الوطني الذي عرف تباطؤًا في النمو خلال السنوات الأخيرة بسبب تراجع الاستثمار العمومي والخاص.

كما يُتوقّع أن يُحدث هذا التمويل “حركية اقتصادية” جديدة، من خلال ضخ أموال في المشاريع الكبرى ودعم المؤسسات العمومية، مما سينعكس إيجابيًا على معدلات التشغيل والإنتاج، ويُعزّز الثقة في المناخ الاقتصادي.

ومع انخفاض كلفة الدين، ستتمكّن الدولة من توجيه موارد أكبر نحو الاستثمار المنتج، بدلًا من أن تذهب معظم النفقات إلى خدمة الدين وأجور القطاع العام كما كان الحال في السنوات الماضية.

وقد تُسهم هذه الخطوة في تحقيق نمو اقتصادي أكثر توازنًا واستدامة، إذا ما تم توجيه الموارد نحو القطاعات المنتجة ذات القيمة المضافة العالية.

ضرورة توجيه التمويل نحو الاستثمار لا الاستهلاك

رغم الترحيب الواسع الذي لقيته هذه الخطوة باعتبارها تدخّلًا ضروريًا لتجنّب أزمة تمويل خانقة، فإن عددًا من الخبراء الاقتصاديين والمختصين في الجباية دعوا إلى التعامل بحذر مع هذه الآلية، مؤكدين أن نجاحها يتوقف على كيفية استخدام الأموال التي ستحصل عليها الدولة من هذا القرض.

وحسب ما أفاد به الخبير في الجباية محمد صالح العياري في تصريحات إعلامية، أمس، فإن أي تمويل من البنك المركزي يجب أن يُوجَّه بالأساس إلى الاستثمارات المنتجة لا إلى النفقات الجارية، حتى لا يتحوّل إلى مجرد وسيلة لتأجيل الأزمات أو لتغطية العجز التشغيلي من دون أثر تنموي فعلي.

ويُشدّد الاقتصاديون على أن قانون المالية لسنة 2026 يجب أن يمنح الاستثمار العمومي أولوية قصوى، من خلال توجيه الموارد إلى مشاريع البنية التحتية، ودعم القطاعات التكنولوجية، والطاقة المتجددة، والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، لما لهذه القطاعات من دور محوري في خلق فرص العمل وتحفيز النمو.

كما دعوا إلى وضع آلية رقابية دقيقة تضمن الشفافية في استخدام التمويل، وتمنع توظيفه في تغطية نفقات غير إنتاجية قد تؤدي إلى ضغوط تضخمية أو إلى تراجع قيمة الدينار.

توازن صعب بين الدعم المالي واستقلالية البنك المركزي

تطرح هذه الخطوة أيضًا مسألة التوازن بين حاجة الدولة إلى التمويل واستقلالية البنك المركزي. فمن الناحية النظرية، يُفترض أن يظل البنك المركزي مستقلاً في قراراته النقدية، وألا يتحوّل إلى مموّل مباشر للحكومة إلا في حالات استثنائية ووفق ضوابط واضحة.

لكن من الناحية الواقعية، فإن الصعوبات المالية التي تمر بها تونس تجعل هذا التدخل شبه ضروري. ويبدو أن البنك المركزي نفسه يعي هذا التوازن، إذ تم ضبط التمويل في شكل “تسهيلات مالية محدودة المدة” دون فوائد، وهو ما يُجنّب البلاد مخاطر الارتفاع المفرط في الكتلة النقدية أو زيادة نسب التضخم.

آفاق جديدة أمام الاقتصاد الوطني

بفضل هذا التمويل، تمتلك تونس فرصة نادرة لإعادة ترتيب أولوياتها الاقتصادية وتوجيه مواردها نحو القطاعات المنتجة. فخفض كلفة الدين سيتيح للدولة مساحة مالية أوسع يمكن استثمارها في المشاريع الحيوية مثل الطاقات المتجددة، والبنية التحتية، والنقل، والتعليم، والصحة. كما يُمكن أن يُسهم في تحسين ثقة المستثمرين الأجانب الذين طالما راقبوا عن كثب قدرة الدولة على إدارة ماليتها العمومية.

وتبقى هذه الخطوة أيضًا رسالة طمأنة للأسواق، مفادها أن تونس قادرة على إيجاد حلول تمويلية داخلية من دون الارتهان الكامل للمؤسسات الدولية. ويُشدد الخبراء على أن هذه الخطوة، إذا ما رافقها إصلاح هيكلي جريء، قد تُحوّل الأزمة الحالية إلى فرصة لتجديد النموذج الاقتصادي والمالي للبلاد.

وفي المحصّلة، يُعدّ إقدام البنك المركزي على إقراض الدولة 11 مليار دينار في إطار قانون المالية لسنة 2026 خطوة جريئة واستثنائية، تحمل في طيّاتها أبعادًا مالية واقتصادية بالغة الأهمية. فهي من جهة تُسهم في تقليص العجز الذي أثقل كاهل الميزانية خلال السنوات الأخيرة، ومن جهة أخرى تفتح آفاقًا واعدة لتحريك عجلة الاقتصاد ودفع الاستثمار العمومي والخاص نحو مزيد من الديناميكية والإنتاج.

وإذا ما رافق هذا التوجّه تمويل رشيد يُوجَّه إلى المشاريع المنتجة والقطاعات الاستراتيجية، فسيكون له أثر مباشر في تعزيز النمو، وترسيخ الاستقرار الاجتماعي، وتمكين الدولة من مجاراة نفقاتها بأريحية من دون ضغوط تمويلية خانقة.

وبذلك يمكن القول إن هذه الخطوة تُؤسّس لمرحلة جديدة من التوازن المالي، وتضع الاقتصاد التونسي على مسار انتعاشة حقيقية قادرة على تحقيق نسب نمو مشجّعة ورفع نسق الاستثمار الداخلي والخارجي في السنوات القادمة.

سفيان المهداوي