إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

انطلاقة جديدة لحفر الآبار وتعزيز نشاط الاستكشاف.. تونس ترفع نسق رخص استكشاف المحروقات مع موفى أوت 2025

 شهد قطاع الطاقة في تونس خلال الأشهر الأخيرة من سنة 2025 حركية متجددة مع تسجيل ارتفاع نسق منح رخص البحث والاستكشاف عن المحروقات، بالتوازي مع تراجع طفيف في العجز الطاقي وتحسن مؤشرات المبادلات التجارية.

وتأتي هذه التطورات في سياق سعي الدولة إلى تنشيط الإنتاج الوطني من النفط والغاز وتعزيز أمن الإمدادات، في وقت ما تزال فيه السوق العالمية للنفط تشهد تذبذبات حادة في الأسعار وتراجعا في الاستثمارات البترولية على المستوى الدولي.

 انطلاق حفر بئر استكشافية جديدة

وأكد المرصد الوطني للطاقة والمناجم، أمس، أن السلطات المختصة شرعت، خلال شهر أوت 2025، في حفر بئر استكشافية جديدة في إطار رخصة “سيدي مرزوق”، في خطوة تهدف إلى دعم نشاط البحث عن المحروقات وتعويض التراجع الطبيعي في الإنتاج الوطني. وتأتي هذه العملية بعد سلسلة من المشاريع التطويرية التي عرفها القطاع خلال السنة نفسها، حيث تم في جانفي 2025 حفر بئر تطويرية ضمن رخصة «شرقي»، تلتها بئر ثانية في مارس، وهو ما يعكس تواصلا في الجهود الرامية إلى تثمين الموارد الباطنية وتعزيز الحقول القائمة.

تراجع العجز الطاقي وتحسن نسبي في المبادلات التجارية

وأفاد المرصد الوطني للطاقة والمناجم بأن عجز الميزان التجاري الطاقي لتونس سجل مع موفى شهر أوت 2025 انخفاضا بنسبة 3 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، ليبلغ 7.550 مليون دينار مقابل 7.775 مليون دينار في أوت 2024. ويرجع هذا التراجع إلى انخفاض الواردات الطاقية بنسبة 11 بالمائة مرفوقة بانخفاض قيمة الصادرات بنسبة 37 بالمائة، لتصل نسبة تغطية الواردات بالصادرات إلى 16 بالمائة فقط. ويشير المرصد إلى أن المبادلات التجارية في قطاع الطاقة تتأثر بثلاثة عوامل رئيسية هي الكميات المتبادلة، وسعر صرف الدولار، وأسعار خام برنت التي تمثل مرجعا رئيسيا لتسعير النفط الخام والمنتجات البترولية المستوردة والمصدّرة. وخلال شهر أوت 2025، تراجعت أسعار خام برنت بنحو 13 دولارا للبرميل مقارنة بنفس الشهر من سنة 2024، حيث انخفض السعر من 83.8 دولارا إلى 71.2 دولارا للبرميل، ما انعكس مباشرة على قيمة المبادلات الطاقية وكلفة التوريد.

تراجع الإنتاج الوطني من النفط وسوائل الغاز

 وسجّل الإنتاج الوطني من النفط إلى موفى أوت 2025 نحو 0.86 مليون طن مكافئ نفط، أي بانخفاض بنسبة 9 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2024 حين بلغ 0.94 مليون طن مكافئ. كما تراجع إنتاج سوائل الغاز، ليصل إلى 86 ألف طن مكافئ نفط مقابل 95 ألف طن في السنة السابقة.

ويُعزى هذا التراجع إلى الانخفاض الطبيعي في إنتاج الحقول القديمة، فضلاً عن التحديات الهيكلية التي يواجهها القطاع منذ سنوات، على غرار تذبذب أسعار النفط العالمية، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وانعكاسات جائحة كوفيد-19 التي أثرت على وتيرة الاستثمار في الحفر والتنقيب. ومع ذلك، تُظهر مؤشرات الأشهر الأخيرة أن الدولة تمضي قدما في تنفيذ خطة لإعادة تنشيط الإنتاج من خلال دعم عمليات الاستكشاف وتطوير الحقول القائمة.

 تعزيز الرخص والامتيازات البترولية

وبلغ عدد رخص البحث والاستكشاف سارية المفعول في تونس مع موفى أوت 2025 نحو 15 رخصة، فيما منحت الدولة 56 امتياز استغلال، منها 44 امتيازا في طور الإنتاج. وتعكس هذه الأرقام استمرارية سياسة تشجيع الاستكشاف واستقطاب الاستثمارات في مجال المحروقات، خصوصا من قبل الشركات الأجنبية العاملة بالشراكة مع المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية .(ETAP)

وفي هذا الإطار، أعلنت الحكومة خلال شهر جويلية 2025 عن منح امتياز استغلال جديد باسم “عزيزة” يمتد على مساحة 16 كيلومتراً مربعاً ويُدار في إطار شراكة بين الشركة التونسية للأنشطة البترولية وشركة نمساوية مختصة في إنتاج وتسويق النفط والغاز ، لمدة 15 سنة قابلة للتجديد. ويمثل هذا الامتياز إضافة نوعية في خارطة الإنتاج الوطنية، ويُنتظر أن يسهم في رفع الطاقة الإنتاجية من الغاز خلال السنوات القادمة.

 آفاق سنة 2026 ومشاريع الغاز القادمة

 ويتطلع قطاع الطاقة في تونس إلى سنة 2026 بتفاؤل نسبي، في ظلّ مشاريع جديدة مبرمجة لتعزيز إنتاج الغاز الطبيعي، الذي يمثل المورد الأساسي لإنتاج الكهرباء في البلاد. ومن أبرز هذه المشاريع مشروع تطوير حقل نوارة الذي يُنتظر أن يشهد عمليات صيانة وتوسعة لزيادة طاقة المعالجة والإنتاج، إضافة إلى مشروع ربط الحقول الصغيرة في الجنوب الشرقي بشبكات النقل الوطنية للغاز بهدف تحسين مردودية الاستخراج وتقليص كلفة النقل.

كما تعتزم المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية إطلاق حملة استكشاف جديدة خلال النصف الثاني من 2026 بالتعاون مع شركاء دوليين، مع التركيز على الحقول البحرية التي أظهرت الدراسات الجيوفيزيائية الحديثة إمكانيات واعدة فيها. وفي السياق ذاته، يجري الإعداد لمشروع ربط تونس بشبكات الغاز الأوروبية عبر إيطاليا في إطار التعاون الإقليمي للطاقة المتوسطية، وهو ما سيتيح إمكانية تصدير جزء من فائض الغاز المحلي مستقبلا.

هذه المشاريع، إلى جانب الإصلاحات المنتظرة في الإطار التشريعي للاستثمار في الطاقة، قد تضع تونس على مسار جديد لتقليص العجز الطاقي وتعزيز استقلالها في مجال الإمدادات، خاصة إذا ما رافقتها سياسات مالية وتشريعية مرنة تشجع على الشراكات والاستثمار طويل الأمد.

أهمية مواصلة منح رخص الاستكشاف

 ويؤكد المختصون لـ«الصباح»، أن مواصلة منح رخص استكشاف جديدة يظل خيارا استراتيجيا لتأمين المستقبل الطاقي للبلاد، خاصة وأن أغلب الحقول المنتجة اليوم بلغت مراحل متقدمة من النضوب. ويمثل فتح مناطق جديدة أمام الاستكشاف فرصة لتعويض التراجع في الإنتاج، وتقليص الاعتماد على الاستيراد، وتحسين عائدات الدولة من العملة الصعبة. كما أن هذه الخطوة تُسهم في خلق ديناميكية اقتصادية على المستويين المحلي والوطني، من خلال فرص العمل ونقل التكنولوجيا وتحريك قطاعات مرتبطة كالنقل والخدمات والصيانة.

 نحو سياسة طاقية متكاملة ومستدامة

 ويعكس ارتفاع نسق منح رخص الاستكشاف في تونس مع موفى أوت 2025، بالتوازي مع تحسن مؤشرات الميزان الطاقي، بداية مرحلة جديدة في مقاربة الدولة لقطاع المحروقات. غير أن نجاح هذه السياسة يظل رهين استقرار الإطار التشريعي والمالي وضمان الشفافية في منح الرخص والاستغلال، إلى جانب تطوير البنية التحتية الداعمة للإنتاج والنقل والمعالجة.

ومع دخول سنة 2026، تبدو الآفاق واعدة إذا ما تم تنفيذ المشاريع المبرمجة وفق الجدول الزمني، خصوصا في قطاع الغاز الطبيعي الذي يمثل العمود الفقري للطاقة في البلاد. فالرهان اليوم ليس فقط في زيادة الإنتاج، بل في تحقيق توازن طاقي مستدام يجمع بين تطوير الموارد التقليدية والانفتاح على الطاقات المتجددة، بما يضمن لتونس استقلالها الطاقي ويعزز موقعها كمحور إقليمي للطاقة في المنطقة المغاربية والمتوسطية.

سفيان المهداوي

انطلاقة جديدة لحفر الآبار وتعزيز نشاط الاستكشاف..     تونس ترفع نسق رخص استكشاف المحروقات مع موفى أوت 2025

 شهد قطاع الطاقة في تونس خلال الأشهر الأخيرة من سنة 2025 حركية متجددة مع تسجيل ارتفاع نسق منح رخص البحث والاستكشاف عن المحروقات، بالتوازي مع تراجع طفيف في العجز الطاقي وتحسن مؤشرات المبادلات التجارية.

وتأتي هذه التطورات في سياق سعي الدولة إلى تنشيط الإنتاج الوطني من النفط والغاز وتعزيز أمن الإمدادات، في وقت ما تزال فيه السوق العالمية للنفط تشهد تذبذبات حادة في الأسعار وتراجعا في الاستثمارات البترولية على المستوى الدولي.

 انطلاق حفر بئر استكشافية جديدة

وأكد المرصد الوطني للطاقة والمناجم، أمس، أن السلطات المختصة شرعت، خلال شهر أوت 2025، في حفر بئر استكشافية جديدة في إطار رخصة “سيدي مرزوق”، في خطوة تهدف إلى دعم نشاط البحث عن المحروقات وتعويض التراجع الطبيعي في الإنتاج الوطني. وتأتي هذه العملية بعد سلسلة من المشاريع التطويرية التي عرفها القطاع خلال السنة نفسها، حيث تم في جانفي 2025 حفر بئر تطويرية ضمن رخصة «شرقي»، تلتها بئر ثانية في مارس، وهو ما يعكس تواصلا في الجهود الرامية إلى تثمين الموارد الباطنية وتعزيز الحقول القائمة.

تراجع العجز الطاقي وتحسن نسبي في المبادلات التجارية

وأفاد المرصد الوطني للطاقة والمناجم بأن عجز الميزان التجاري الطاقي لتونس سجل مع موفى شهر أوت 2025 انخفاضا بنسبة 3 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، ليبلغ 7.550 مليون دينار مقابل 7.775 مليون دينار في أوت 2024. ويرجع هذا التراجع إلى انخفاض الواردات الطاقية بنسبة 11 بالمائة مرفوقة بانخفاض قيمة الصادرات بنسبة 37 بالمائة، لتصل نسبة تغطية الواردات بالصادرات إلى 16 بالمائة فقط. ويشير المرصد إلى أن المبادلات التجارية في قطاع الطاقة تتأثر بثلاثة عوامل رئيسية هي الكميات المتبادلة، وسعر صرف الدولار، وأسعار خام برنت التي تمثل مرجعا رئيسيا لتسعير النفط الخام والمنتجات البترولية المستوردة والمصدّرة. وخلال شهر أوت 2025، تراجعت أسعار خام برنت بنحو 13 دولارا للبرميل مقارنة بنفس الشهر من سنة 2024، حيث انخفض السعر من 83.8 دولارا إلى 71.2 دولارا للبرميل، ما انعكس مباشرة على قيمة المبادلات الطاقية وكلفة التوريد.

تراجع الإنتاج الوطني من النفط وسوائل الغاز

 وسجّل الإنتاج الوطني من النفط إلى موفى أوت 2025 نحو 0.86 مليون طن مكافئ نفط، أي بانخفاض بنسبة 9 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2024 حين بلغ 0.94 مليون طن مكافئ. كما تراجع إنتاج سوائل الغاز، ليصل إلى 86 ألف طن مكافئ نفط مقابل 95 ألف طن في السنة السابقة.

ويُعزى هذا التراجع إلى الانخفاض الطبيعي في إنتاج الحقول القديمة، فضلاً عن التحديات الهيكلية التي يواجهها القطاع منذ سنوات، على غرار تذبذب أسعار النفط العالمية، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وانعكاسات جائحة كوفيد-19 التي أثرت على وتيرة الاستثمار في الحفر والتنقيب. ومع ذلك، تُظهر مؤشرات الأشهر الأخيرة أن الدولة تمضي قدما في تنفيذ خطة لإعادة تنشيط الإنتاج من خلال دعم عمليات الاستكشاف وتطوير الحقول القائمة.

 تعزيز الرخص والامتيازات البترولية

وبلغ عدد رخص البحث والاستكشاف سارية المفعول في تونس مع موفى أوت 2025 نحو 15 رخصة، فيما منحت الدولة 56 امتياز استغلال، منها 44 امتيازا في طور الإنتاج. وتعكس هذه الأرقام استمرارية سياسة تشجيع الاستكشاف واستقطاب الاستثمارات في مجال المحروقات، خصوصا من قبل الشركات الأجنبية العاملة بالشراكة مع المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية .(ETAP)

وفي هذا الإطار، أعلنت الحكومة خلال شهر جويلية 2025 عن منح امتياز استغلال جديد باسم “عزيزة” يمتد على مساحة 16 كيلومتراً مربعاً ويُدار في إطار شراكة بين الشركة التونسية للأنشطة البترولية وشركة نمساوية مختصة في إنتاج وتسويق النفط والغاز ، لمدة 15 سنة قابلة للتجديد. ويمثل هذا الامتياز إضافة نوعية في خارطة الإنتاج الوطنية، ويُنتظر أن يسهم في رفع الطاقة الإنتاجية من الغاز خلال السنوات القادمة.

 آفاق سنة 2026 ومشاريع الغاز القادمة

 ويتطلع قطاع الطاقة في تونس إلى سنة 2026 بتفاؤل نسبي، في ظلّ مشاريع جديدة مبرمجة لتعزيز إنتاج الغاز الطبيعي، الذي يمثل المورد الأساسي لإنتاج الكهرباء في البلاد. ومن أبرز هذه المشاريع مشروع تطوير حقل نوارة الذي يُنتظر أن يشهد عمليات صيانة وتوسعة لزيادة طاقة المعالجة والإنتاج، إضافة إلى مشروع ربط الحقول الصغيرة في الجنوب الشرقي بشبكات النقل الوطنية للغاز بهدف تحسين مردودية الاستخراج وتقليص كلفة النقل.

كما تعتزم المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية إطلاق حملة استكشاف جديدة خلال النصف الثاني من 2026 بالتعاون مع شركاء دوليين، مع التركيز على الحقول البحرية التي أظهرت الدراسات الجيوفيزيائية الحديثة إمكانيات واعدة فيها. وفي السياق ذاته، يجري الإعداد لمشروع ربط تونس بشبكات الغاز الأوروبية عبر إيطاليا في إطار التعاون الإقليمي للطاقة المتوسطية، وهو ما سيتيح إمكانية تصدير جزء من فائض الغاز المحلي مستقبلا.

هذه المشاريع، إلى جانب الإصلاحات المنتظرة في الإطار التشريعي للاستثمار في الطاقة، قد تضع تونس على مسار جديد لتقليص العجز الطاقي وتعزيز استقلالها في مجال الإمدادات، خاصة إذا ما رافقتها سياسات مالية وتشريعية مرنة تشجع على الشراكات والاستثمار طويل الأمد.

أهمية مواصلة منح رخص الاستكشاف

 ويؤكد المختصون لـ«الصباح»، أن مواصلة منح رخص استكشاف جديدة يظل خيارا استراتيجيا لتأمين المستقبل الطاقي للبلاد، خاصة وأن أغلب الحقول المنتجة اليوم بلغت مراحل متقدمة من النضوب. ويمثل فتح مناطق جديدة أمام الاستكشاف فرصة لتعويض التراجع في الإنتاج، وتقليص الاعتماد على الاستيراد، وتحسين عائدات الدولة من العملة الصعبة. كما أن هذه الخطوة تُسهم في خلق ديناميكية اقتصادية على المستويين المحلي والوطني، من خلال فرص العمل ونقل التكنولوجيا وتحريك قطاعات مرتبطة كالنقل والخدمات والصيانة.

 نحو سياسة طاقية متكاملة ومستدامة

 ويعكس ارتفاع نسق منح رخص الاستكشاف في تونس مع موفى أوت 2025، بالتوازي مع تحسن مؤشرات الميزان الطاقي، بداية مرحلة جديدة في مقاربة الدولة لقطاع المحروقات. غير أن نجاح هذه السياسة يظل رهين استقرار الإطار التشريعي والمالي وضمان الشفافية في منح الرخص والاستغلال، إلى جانب تطوير البنية التحتية الداعمة للإنتاج والنقل والمعالجة.

ومع دخول سنة 2026، تبدو الآفاق واعدة إذا ما تم تنفيذ المشاريع المبرمجة وفق الجدول الزمني، خصوصا في قطاع الغاز الطبيعي الذي يمثل العمود الفقري للطاقة في البلاد. فالرهان اليوم ليس فقط في زيادة الإنتاج، بل في تحقيق توازن طاقي مستدام يجمع بين تطوير الموارد التقليدية والانفتاح على الطاقات المتجددة، بما يضمن لتونس استقلالها الطاقي ويعزز موقعها كمحور إقليمي للطاقة في المنطقة المغاربية والمتوسطية.

سفيان المهداوي