إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في المجلس الوطني للجهات والأقاليم.. نواب يطالبون بإصلاح التعليم وتفعيل المجلس الأعلى للتربية

دعوات لصيانة المدارس المتداعية للسقوط لتلافي تكرار فاجعة المزونة

انشغال بمشاكل النقل المدرسي.. والاكتظاظ داخل الأقسام.. ونقص عدد أساتذة المواد الأساسية

صرخة فزع من العنف المسلّط على المربين

وزير التربية: الاستثمار في تأهيل البنية التحتية تجاوز 400 مليون دينار

في مفتتح الدورة النيابية الثانية، طالب أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم، أمس، خلال جلستهم العامة الحوارية مع وزير التربية، بالقيام بإصلاح تربوي شامل والتسريع في تفعيل المجلس الأعلى للتربية والتعليم، وبصيانة المدارس والمعاهد، خاصة الآيلة منها للسقوط، لتلافي تكرار فاجعة المزونة، ومعالجة معضلة الاكتظاظ داخل الأقسام. وقد أطلق بعضهم صيحة فزع بسبب تفشي العنف في الوسط التربوي وتكرار الاعتداءات على المربين.

كما دعا النواب إلى إيجاد حلول عاجلة لمشاكل النقل المدرسي التي تفاقمت بشكل لافت، إلى درجة أنها أصبحت في بعض الجهات تتسبب في الانقطاع المدرسي. وشدّدوا على أهمية العناية بالأنشطة الرياضية والثقافية في الوسط التربوي والانفتاح على المجتمع المدني، وتحدثوا عن الصعوبات التي يواجهها ديوان الخدمات المدرسية، وعدّد كل واحد منهم النقائص التي تعاني منها المؤسسات التربوية في جهته، سواء تعلّق الأمر بترهّل البنية التحتية أو غياب الأسوار أو نقص المربين أو عدم توفّر أعوان الحراسة والتنظيف.

وأشار البعض إلى أنه لم يتم، إلى حد الآن، في العديد من المؤسسات التربوية، توفير أساتذة المواد الأساسية، حتى لتلاميذ الأقسام النهائية. وتساءل أعضاء الغرفة النيابية الثانية عن مصير المعلمين والأساتذة النواب غير المدرجين في قاعدة البيانات، وطالبوا بتسوية وضعياتهم. وأكدوا على ضرورة التدخّل العاجل من أجل وضع حدّ لتعطيل حركة المتفقدين، لأن هذا التعطيل من شأنه أن يهدّد استقرار السنة الدراسية.

كما استفسر العديد منهم عن مواعيد إنجاز المشاريع المعطّلة، وهناك من النواب من دعا إلى تركيز صندوق تمويل للمشاريع التربوية، وفتح المجال أمام التونسيين بالخارج للمساهمة في دعم المدرسة العمومية.

تحديات كثيرة

أما وزير التربية، نور الدين النوري، فقد تطرّق في مداخلته إلى العديد من المواضيع، وبيّن، بالخصوص، أن حجم الاستثمار في تأهيل البنية التحتية للمؤسسات التربوية تجاوز 400 مليون دينار.

وأشار الوزير إلى أنه، رغم المكاسب التي تم تحقيقها على مستوى تكريس مجانية التعليم وتعميم النفاذ إليه وارتفاع نسب التمدرس، مازالت التحديات البنيوية قائمة، مثل تراجع جودة التعليم، والفجوات الجهوية، وارتفاع معدلات الانقطاع المدرسي، وهي معطيات تبرز الحاجة الملحة إلى مقاربات إصلاحية مبتكرة تستشرف المستقبل وتؤهّل المدرسة لأداء دورها كصانعة للأجيال.

ولتجاوز العديد من الهنات والتحديات التي تواجه المنظومة التربوية، تم، حسب قوله، استكمال صياغة المخطط الاستراتيجي لوزارة التربية كوثيقة مرجعية تؤسس لرؤية وطنية متكاملة، قائمة على التشخيص العلمي والمقاربة التشاركية، بما يضمن انخراط مختلف الفاعلين وتحقيق الأهداف المرسومة وفق تخطيط تصاعدي يجعل من المحلي منطلقًا لرسم السياسات، ويؤسس لمدرسة تونسية جديدة، متجددة، قادرة على إعداد أجيال متسلّحة بقيم المواطنة والوطنية والكفايات اللازمة لمواجهة التحديات.

وذكر أنه تم إعداد هذا المخطط وفق المنهجية المعتمدة في التخطيط الوطني للتنمية 2026-2030، حيث اشتملت مراحل إعداده على تقييم إنجازات فترة 2021-2025، وتحديد الإشكاليات البنيوية، واستشراف التحولات المستقبلية في المجالات التربوية والتكنولوجية، وتحديد الرؤية والأولويات والأهداف الاستراتيجية للفترة 2025-2030، وصياغة البرامج الرئيسية، وإعداد محفظة المشاريع المقترحة. وكان ذلك وفق منهج التخطيط التصاعدي، حيث استقبلت الوزارة مقترحات مشاريع انبثقت من المستويات المحلية والجهوية، وهي مستمدة من احتياجات المواطنين الفعلية وتطلعاتهم، بما يعكس التوجّه الاجتماعي للدولة ويعزز التوازن بين الجهات والعدالة بينها.

وأضاف النوري أنه تم ترتيب المشاريع حسب الأولوية ودرجة استكمالها ومدى جاهزيتها، كما تم تقدير الكلفة المالية والمدة الزمنية لكل مشروع. وذكر أنه تم إعداد مشروع ميزانية وزارة التربية لسنة 2026 استنادًا إلى محفظة المشاريع المقترحة على مستوى المجالس المحلية، وأكد أنه تمت دراسة كافة هذه المشاريع جهويا ومركزيًا، وإدراج ما يلبّي معايير الأولوية والجدوى ضمن ميزانية الدولة للعام القادم، وإدراج البقية ضمن محفظة المشاريع المزمع إنجازها في السنوات الموالية لفترة المخطط التنموي.

وذكر أن مجموع المشاريع والبرامج التربوية الصادرة عن المجالس المحلية بلغ 419 مشروعًا، جمعت بين الإحداثات الجديدة والتوسعات والتعهّد والصيانة. وتوزعت هذه المشاريع، حسب قوله، على النحو التالي: 5 مشاريع تم إنجازها، و51 مشروعًا بصدد الإنجاز، و177 مشروعًا تم أخذها بعين الاعتبار عند إعداد ميزانية 2026، و186 مشروعًا تم إبقاؤها في محفظة المشاريع المزمع إنجازها في الفترة 2027-2030.

رؤية استراتيجية

وفسّر الوزير، نور الدين النوري، أن الأولويات والأهداف الاستراتيجية للفترة 2026-2030 لا تشمل فقط مشاريع البنية التحتية والتجهيزات، بل تشمل كل ما له علاقة بإدارة الشأن التربوي، إذ حدّدت وزارة التربية، حسب قوله، رؤيتها الاستراتيجية لهذه المرحلة، والمتمثّلة في بناء منظومة تربوية شاملة ومرنة تكرّس مبادئ العدالة والإنصاف، وتواكب التحولات المحلية والعالمية، وتسهم في بناء مجتمع المعرفة والتنمية المستدامة.

وذكر أن هذه الرؤية تستند إلى مبادئ توجيهية أساسية، تقوم على ضمان الحق في تعليم شامل وجيّد للجميع، وتعزيز البعد الاجتماعي والتنموي للتربية، وتحقيق التكامل بين القطاعات المختلفة، وترسيخ اللامركزية والأبعاد المحلية والجهوية.

وبيّن الوزير أنه، بهدف تجسيد هذه المبادئ، تم تحديد ثلاثة أهداف رئيسية استراتيجية، تتمثّل في:

1. تحقيق نقلة نوعية في جودة التعليم وتعزيز الابتكار.

2. ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص.

3. تطوير أداء الإدارة التربوية وتحسين حوكمتها.

وأوضح أن هذه الأهداف تعتمد على أربع دعامات أساسية لضمان تحقيقها، وهي:

-مؤسسات تربوية تطمح لأن تكون جاذبة وآمنة،

-برامج تعليمية متجددة،

-موارد بشرية مؤهلة،

- إدارة تربوية محكمة ومحكّمة.

وبيّن أن هذه الرؤية هي نتاج عمل تشاركي ساهم فيه جميع المعنيين بالشأن التربوي، وفق توجّه ارتكز أساسا على تشخيص الوضع التربوي على المستويات المحلية والجهوية والإقليمية والوطنية، مع الأخذ بعين الاعتبار التوجّهات الوطنية والدولية الخاصة بالقطاع.

عودة هادئة

ولاحظ نور الدين النوري، وزير التربية، أن التخطيط والاستشراف للمرحلة القادمة تزامن مع الانكباب على تأمين العودة المدرسية 2025–2026. وأكد أن الوزارة تمكّنت من ضمان عودة هادئة رغم كل التحديات والصعوبات. وذكر أن المؤسسات التربوية استقبلت في مستهل السنة الدراسية 2.325.443 تلميذًا بجميع المراحل، ويتوزع هؤلاء التلاميذ كما يلي: 61.000 في السنة التحضيرية، و1.161.638 في المدارس الابتدائية، و570.655 في المرحلة الإعدادية، و532.150 في المرحلة الثانوية، ويؤمّن تدريسهم 160 ألف معلم وأستاذ.

وأضاف أن عدد المؤسسات التربوية خلال السنة الدراسية الجارية بلغ 6.164 مؤسسة، وهي موزعة على: 4.596 مدرسة ابتدائية و1.568 مدرسة إعدادية ومعهدًا ثانويًا.

وأشار الوزير إلى أنه، في إطار الاستعدادات لانطلاق السنة الدراسية 2025–2026، تم العمل على دفع نسق إنجاز المشاريع، واتخاذ كل التدابير اللازمة لتنفيذ مختلف البرامج التي تم ضبطها، ومعالجة التدخلات الطارئة والمستجدّة. وقال إن الاستثمارات في مجال البنية التحتية للمؤسسات التربوية، التي فاقت 400 مليارًا، مكّنت من تحقيق النتائج التالية:

-إحداث 17 مؤسسة، متمثلة في: 8 مدارس ابتدائية جديدة، و7 مدارس إعدادية ومعاهد،

 -استكمال مقرّ معهد، وإنجاز قسط ثانٍ بمعهد،

 -بناء مبيت للمرحلة الإعدادية والتعليم الثانوي،

-بناء 66 فضاءً تحضيريًا، و241 قاعة تدريس عادية، و29 قاعة مختصة،

-تهيئة 325 مؤسسة تربوية،

-تركيب 71 قاعة مسبقة الصنع،

-بناء 106 سياجات إلى موفّى سبتمبر 2025، بما فيها جدار معهد المزونة.

وأثار الوزير نور الدين النوري مشكلة ترهّل الأسوار، وذكّر بالحادثة الأليمة التي تم تسجيلها خلال السنة الدراسية الماضية في معهد المزونة، وترحّم على التلاميذ الضحايا، وبيّن أنه إثر تلك الحادثة تم هدم العديد من الأسيجة وإعادة بنائها من جديد.

وأضاف أنه تم كذلك تدعيم التأمين الذاتي للمؤسسات التربوية من خلال مواصلة تركيز كاميرات مراقبة بـ500 مدرسة، وأشار إلى استمرار الأشغال بـ29 مشروعًا جديدًا على أمل الانتهاء منها قبل موفّى السنة الدراسية.

تدخلات استعجالية

وبيّن وزير التربية، نور الدين النوري، أنه في إطار متابعة تنفيذ البرنامج الخصوصي للتدخلات الاستعجالية، المتعلّق بهدم وإعادة بناء أسيجة، وصيانة فضاءات بهدف تأمين سلامة روّاد المؤسسات التربوية، وإزالة ما قد يشكّل خطرًا وشيكًا، والذي انطلقت وزارة التربية في تنفيذه منذ شهر ماي 2025، بلغت نسبة الإنجاز مرحلة متقدمة، حيث تم الانطلاق الفعلي في إنجاز 134 تدخّلًا بـ20 مندوبية جهوية للتربية، منها 106 تدخلات متعلقة بهدم وإعادة بناء أسيجة، بكلفة ناهزت 11 مليون دينار.

وذكر أن هذه التدخلات قد تم التعهّد بها، والشروع في إنجاز أشغالها، حيث تراوحت نسب التنفيذ بين 5 % و100 %. وهناك، حسب قوله، 134 تدخّلًا في طور التنفيذ وبصدد إنجاز الأشغال، منها 106 تدخلات متعلقة بترميم وهدم وإعادة بناء أسيجة، بكلفة جملية ناهزت 10.7 مليون دينار، تم التعهّد بها، وهي تتقدّم على مستوى الإنجاز.

كما توجد 300 تدخّل في مرحلة الإبرام، منها:

 67 تدخّلا بصدد التعهّد أو العرض على أنظار لجان الصفقات ذات الاختصاص، باعتمادات جملية تُقدّر بـ3.9 مليون دينار.

 113 تدخّلًا بصدد تقديم العروض، باعتمادات جملية قدرها 16 مليون دينار.

 129 تدخّلًا بصدد الإعلان عن المنافسة، بكلفة تقديرية جملية في حدود 13 مليون دينار.

 72 تدخّلًا في مرحلة الإعداد (استكمال الدراسات)، وهو ما يمثل 14% من جملة التدخلات، وبكلفة جملية قدرها 8 ملايين دينار.

توفير التجهيزات

ولدى حديثه عن التجهيزات التي تم توفيرها لفائدة المؤسسات التربوية، أشار وزير التربية نور الدين النوري إلى تجهيز كل المؤسسات التربوية في المرحلة الإعدادية والتعليم الثانوي بـمخابر إعلامية متنقلة متطورة، تحتوي على جميع شروط النقلة البيداغوجية، وذلك عبر توزيع: 2260 مخبرًا، أي ما يعادل 29.380 حاسوبًا، و2.260 جهاز بثّ.

كما تم دعم المؤسسات التربوية بتجهيزات إعلامية شملت 17585 حاسوبًا مكتبيا، 4600 آلة ناسخة، و4500 جهاز بثّ رقمي إضافي.

وذكر أنه تم اقتناء وتوزيع أكثر من 85 ألف طاولة مزدوجة، بما يمكن من تجهيز أكثر من 5700 قاعة تدريس خلال السنة الدراسية الحالية. وتم كذلك:

 اقتناء 1.500 مخبر من التجهيزات التعليمية البيداغوجية لفائدة المدارس الابتدائية،  واقتناء تجهيزات تعليمية بيداغوجية لفائدة 95 مؤسسة تربوية إعدادية وثانوية.

ومازالت الوزارة، يوميًا، تواصل دعم المندوبيات والمؤسسات التربوية بالتجهيزات.

إجراءات جديدة

ومن بين الإجراءات الجديدة التي تم اتخاذها في مستهل السنة الدراسية الحالية، أشار الوزير إلى انطلاق تدريس السنة التحضيرية ابتداءً من 15 سبتمبر عوضًا عن غرة أكتوبر، تأمين خدمات الإقامة والإعاشة بالمطاعم المدرسية والمبيتات ابتداء من 15 سبتمبر، مواصلة تنفيذ اتفاقية الإسناد بين وزارة التربية ووزارة النقل لاستغلال الحافلات المدرسية، توفير وسائل نقل للتلاميذ، خاصة في الأرياف، توفير خدمات رقمية لشركات النقل عن طريق الترابط البيني لتمكين التلاميذ من الحصول على اشتراكات النقل بسهولة، مواصلة برنامج تأهيل البنية التحتية المدرسية من إحداثات جديدة وتوسعات وتعهد وصيانة، ومتابعة آليات التزويد بالماء الصالح للشرب، بهدف عدم إبقاء أي مدرسة دون ماء.

وأضاف أن من بين الإجراءات الأخرى الانطلاق المبكر في عملية التسجيل عن بعد في جميع المستويات التعليمية، بما فيها السنة التحضيرية بالتعليم العمومي والخاص، تحديث قوائم الكراسات والكتب المطلوبة بصفة مبكرة لتجنب الاكتظاظ والطلبات المشطة، تنزيل جداول الأوقات الخاصة بالتلاميذ والمدرسين قبيل انطلاق السنة الدراسية، توفير خدمة التسجيل عن بعد للتلاميذ المقيمين والأنصاف المقيمين، تفعيل خدمة الترابط البيني مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتمكين الناجحين في البكالوريا من التسجيل في الجامعات رقميًا، توفير خدمة التوجيه إلى الإعداديات والمعاهد عبر منصة رقمية، وفتح خدمة تسجيل مطالب النقل بين المؤسسات النموذجية بطريقة رقمية وعن بعد.

وأشار الوزير إلى أن وزارة التربية استفادت، حسب وصفه، من القرارات الثورية الاجتماعية التي تم اتخاذها من قبل رئيس الجمهورية، والقاضية بتسوية وضعيات الأساتذة والمعلمين النواب وأعوان التأطير والمخابر. وذكر أن هذا الإجراء الاستثنائي، غير المسبوق في تونس، والذي يتم تنفيذه على مدى سنتين، يشمل 24 ألف أستاذ نائب ومعلم نائب، 1226 من أعوان التأطير والمخابر  ويهدف إلى القطع مع كل أشكال التشغيل الهش.

وخلص نور الدين النوري، وزير التربية، إلى التأكيد على الجهود المبذولة من قبل كافة هياكل الدولة محليًا وجهويًا ومركزيًا، من أجل الاستجابة لتطلعات الشعب في النفاذ إلى مدرسة عمومية تليق بكرامة التلاميذ وبقية مكوّنات الأسرة التربوية.

لكنه أشار إلى أن هذا المسار طويل، وأن حجم التراكمات كبير جدًا، داعيًا إلى التحلي بالصبر، والكفاح، والعمل بعقلية المحاربين، بهدف الوصول، في أقرب السنوات، إلى تأهيل البنية التحتية والمنظومة التربوية، حتى يتم تحقيق تطلعات التونسيين.

وأكد النوري أن الوزارة غير قادرة على إنجاز كل المشاريع دفعة واحدة وفي نفس اللحظ  وإنما هناك خطة تمتد على ثلاث سنوات يتم الانطلاق من الوضعيات الأكثر استعجالا من أجل إعادة الصيانة والترميم لفضاءات تربوية أهملت وهمشت لعشرات السنين.

وأشار النوري إلى الدور الهام الذي يلعبه المجلس الوطني للجهات والأقاليم دعما للمؤسسات الدستورية وتجسيدا لروح الدستور ومقاصده خاصة ما يتعلق منها بالتنمية الشاملة وبناء مقاربة جديدة تقوم على الدور المحوري للجهات والأقاليم في تصور وصياغة السياسات العمومية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي والتنموي بما يستجيب لتطلعات المواطنين ويعزز العدالة المجالية.  وذكر أن الجلسة العامة الحوارية المنتظمة أمس تعبر عن اهتمام المجلس  بالشأن التربوي وحرصه على الإسهام الفاعل في بلورة الرؤى والمقترحات الداعمة لجهود الوظيفة التنفيذية سعيا إلى تحقيق تطلعات الشعب التونسي في مختلف الجهات والأقاليم وتطوير المرفق التربوي العمومي ورسم السياسات المستقبلية في ضوء التقسيم الجهوي والإقليمي الجديد للبلاد باعتباره محددا أساسيا لمسار التنمية المتوازنة والمستدامة وذلك تجسيدا للتوجهات الوطنية التي أكدها رئيس الجمهورية، لأن التعليم يجب أن يكون في صميم اهتمامات الدولة ولأن تطوير التعليم وتوفير فرص تعلم متساوية للجميع هو مسؤولية وطنية.

كما لاحظ النوري أن التربية تعد ركيزة إستراتيجية في السياسة التونسية ودافعا أساسا لبناء الإنسان وتنمية الرأسمال البشري وقد تجسد هذا التوجه حسب قوله في سياسات الدولة التي تبني رؤية إصلاحية طموحة تستند إلى الدستور الذي يضمن مجانية التعليم والنفاذ إليه دون تمييز والذي يؤكد أيضا على التزام الدولة بتحقيق جودة المنظومة التربوية وترسيخ العدالة وتكافؤ الفرص، كما أقر الدستور إنشاء المجلس الأعلى للتربية والتعليم كآلية استشارية تهدف إلى توجيه السياسات التربوية والتعليمية والبحثية وتعزيز الانسجام بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق الشغل ويمثل هذا النهج على حد وصفه خطوة متقدمة نحو تعزيز الحوكمة والتشاركية في القطاع. وأكد أن وزارة التربية على استعداد تام للتفاعل الايجابي مع مقترحات نواب الشعب.

مدرسة شعبية

وفي مفتتح الدورة النيابية، تحدث عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم خلال الجلسة العامة الحوارية مع وزير التربية عن الأهمية التي توليها تونس للتربية والتعليم وقال إن التربية والتعليم كانا وسيظلان الركيزة الأساسية لأي مشروع وطني يطمح إلى الرقي والتقدم. وبين أن المدرسة التونسية بما تمثّله من فضاء جامع ومصدّر للمعرفة والقيم، هي المؤسسة التي أنتجت أجيالا متعاقبة وأسست لمواطنة مسؤولة وواعية، وهي اليوم أحوج ما تكون إلى إعادة الاعتبار إليها وتعزيز مكانتها في المجتمع. وأضاف الدربالي أن المدرسة الشعبية والتعليم الديمقراطي هما جوهر العدالة الاجتماعية وضمانة حقيقية لتكافؤ الفرص بين أبناء الشعب، حيث لا تمييز إلا بقدر الجهد والمعرفة وحيث يجد كل طالب علم مهما كانت خلفيته الاجتماعية أو الجغرافية مقعدا في المدرسة يفتح أمامه آفاق المستقبل.

وذكر أنه من هذا المنطلق فإن مسؤولية المجلس الوطني للجهات والأقاليم تفرض على نوابه  الانخراط الكامل في دعم السياسات والإصلاحات التي ترفع من مستوى التعليم وتحصّن مؤسساته وتعيد لها بريقها. وأشار إلى أنه لا يخفى على أحد أن تقدم الدول وازدهارها رهين تعلم أبنائها وجودة تعليمهم، ويرى رئيس المجلس أنه لا تنمية اقتصادية دون كفاءات علمية، ولا سيادة وطنية دون وعي معرفي، ولا مستقبل مشرق دون جيل مؤمن بالعلم والعمل.  وأشار الدربالي في كلمته إلى المبادرة الوطنية التي اتخذها رئيس الجمهورية بإرساء المجلس الأعلى للتربية كخيار استراتيجي جاد يترجم إرادة سياسية واضحة في النهوض بواقع التعليم، وإرساء رؤية شاملة تضع المدرسة التونسية في قلب المشروع الوطني وأكد على ضرورة العمل معا من أجل تجسيد هذا المشروع على أرض الواقع بما يضمن لتونس مدرسة عصرية، عادلة، ديمقراطية، قادرة على إنتاج المعرفة وبناء الإنسان الحرّ والمواطن الفاعل في وطنه والمشارك في مسيرته نحو التقدّم.

وعبر رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم عن أمله في أن تكون الدورة النيابية الجديدة محطة إضافية على درب خدمة الوطن والشعب، ومناسبة لمزيد ترسيخ عمل المؤسسات الدستورية في مسار بناء الجمهورية الجديدة. وقال إن المجلس هو ثمرة لمسار وطني عميق انطلق منذ ثورة الحرية والكرامة وتم تتويجه بدستور جويلية 2022 الذي أرسى مبدأ تمثيل الجهات والأقاليم كركيزة أساسية لإعادة الاعتبار للمناطق المهمشة وضمان مشاركة فعلية للشعب في صياغة القرار الوطني. وذكر أن المجلس الوطني للجهات والأقاليم كغرفة ثانية للبرلمان مؤتمن على نقل صوت الجهات وتثبيت مبدأ العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة حتى تظلّ تونس بلد كل الجهات وكل الفئات. كما أكد على التزام المجلس الكامل بالمساهمة في إنجاح مسار التحرّر الوطني ومواصلة العمل على بناء الجمهورية الجديدة وهي حسب وصفه الجمهورية الديمقراطية الاجتماعية القائمة على الحرية والعدالة والسيادة. وقال إن تونس التي قدم شعبها عبر التاريخ أسمى التضحيات، ستظل حرة سيدة في قرارها ثابتة على مواقفها الداعمة لقضايا التحرّر وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية.

أسطول الصمود

وتطرق عماد الدربالي رئيس المجلس النيابي إلى هذه القضية التي ستظل قضية كل أحرار الإنسانية، وقدم بمناسبة مرور سنتين على اندلاع ملحمة طوفان الأقصى تحية إجلال وإكبار لأبطال المقاومة الفلسطينية لصمودهم الأسطوري في وجه آلة التوحّش الصهيونية التي ما فتئت ترتكب أبشع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، وعبر عن ارتياحه للمواقف الشعبية والرسمية والحركات الإنسانية عبر العالم التي وقفت إلى جانب الحق الفلسطيني، وآخرها مبادرة أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار الجائر عن غزة وأثنى على التونسيين الأحرار الذين شاركوا في الأسطول حاملين رسالة تونس الثابتة في نصرة القضايا العادلة دون وصاية أو ارتهان ومنهم عضو مجلس نواب الشعب محمد علي الذي جسد صورة مشرفة لنائب الشعب المدافع عن القضية الفلسطينية، ودعا جميع البرلمانيين في العالم وأحرار الإنسانية للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ومساندة كل الجهود والخطوات الرامية إلى فرض حقه المشروع في العيش على أرضه بسلام والدفع نحو إعادة إعمار غزة وإنهاء معاناة أهلها.

كما أشار عماد الدربالي إلى أن شهر أكتوبر يظلّ شهر الانتصارات والتحوّلات الكبرى في وجدان الشعب التونسي وفي تاريخ تونس الحديث وبين أن تونس تحيي في هذا الشهر ذكرى عيد الجلاء العسكري، يوم دحض الشعب بقايا الاستعمار في بنزرت، وأجبر آخر جندي أجنبي على مغادرة أرض الوطن فهذا اليوم الخالد ترسّخت فيه السيادة الوطنية وارتفعت راية تونس حرّة مستقلّة بفضل تضحيات أبنائها وإيمانهم بأنّ لا سيادة دون كرامة ولا كرامة دون استقلال كامل على كل شبر من ترابها. وذكّر رئيس المجلس بتاريخ 6 أكتوبر 2024 عندما جدد الشعب التونسي ثقته في رئيس الجمهورية ويرى الدربالي أن انتخاب قيس سعيد لعهدة جديدة يعد تأكيداً على تمسّك الشعب التونسي بما وصفه «بالمسار الوطني الجامع وإصراره على العبور بتونس نحو ضفاف البناء والرقيّ، في إطار مشروع وطني قائم على السيادة والتحرّر والكرامة». وقال إنّ المجلس الوطني للجهات والأقاليم سيظلّ في صميم هذا المسار، ملتزما بواجباته الدستورية، عاملا على تجسيد انتظارات المواطنين، حاملا راية الجمهورية الجديدة، ومؤمنا بأنّ مستقبل تونس لا يُبنى إلا بسواعد أبنائها وبإرادتهم الحرة. وأضاف أن المسؤولية اليوم جسيمة وتتطلب من الجميع تكثيف الجهد والعمل بكل عزيمة وإصرار والانتصار لتطلعات الشعب التونسي، وتحقيق أهداف مسار 25 جويلية في السيادة والتحرر والكرامة. وتعهد بأن يكون المجلس دائما رافعة وطنية وصادقاً في تمثيله للشعب ومدافعاً عن قضاياه العادلة ومؤكدا على إرادته الحرة في صنع مستقبله.

تضامن مع أهالي قابس

وعبر عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم في مداخلته التي افتتح بها أشغال الدورة النيابية الجديدة عن تضامن الغرفة النيابية الثانية مع أبناء ڨابس ووقوفها إلى جانب حقّهم المشروع في بيئة سليمة تضمن لهم العيش الكريم، وطالب الدربالي بالتسريع في اتخاذ الإجراءات الجدية والفعالة لوقف نزيف التلوث حمايةً لصحة المواطنين وصونا لحقّهم في الحياة. وقال إن ڨابس التي كانت دائما رمزا للنضال والتضحية من أجل سيادة تونس وكرامة شعبها، جديرة اليوم بأن تكون قطبا تنمويا متنوعا ودعامة أساسية للاقتصاد الوطني، لا بيئة مثقلة بالتلوث ومهددة لمقومات الحياة.

ووجه رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم عماد الدربالي دعوة لأهالي قابس من أجل التحلّي بروح المسؤولية في الدفاع عن قضاياهم المشروعة، وتجنّب كل أشكال التوتر أو الفوضى التي لا تخدم حسب وصفه سوى من تسبّبوا في تهميش الجهة وإلحاق الضرر بها على مدى سنوات، وأضاف قائلا «نعم لقابس خضراء في تونس الخضراء، تنمية مستدامة وعدلا بيئيا وإنصافا مستحقا لأبنائها».

وخلص إلى أن المرحلة القادمة مرحلة حاسمة تستدعي استعدادا كاملا من قبل نواب الشعب لمناقشة مشروع ميزانية الدولة وقانون المالية، بما يضمن حقوق الشعب الاقتصادية والاجتماعية ويترجم تطلعاته إلى واقع ملموس. لأن الشعب الذي ضحّى وصبر، يستحق أن يرى أثر نضالاته في السياسات والخطط الوطنية، وذكر أن الالتزامات تمتد أيضاً إلى إنجاز المخطط التنموي 2026 – 2030، الذي يمثل أول تجربة حقيقية في الديمقراطية الشعبية. وأضاف أن هذا المخطط بدأ من المجالس المحلية، وتدرج نحو المجالس الجهوية فمجالس الأقاليم ليصبح نموذجاً ناجحاً لمشاركة المواطنين في صنع القرار التنموي وتجسيما لإرادة الشعب الحرة. وذكر أنهم ملتزمون جميعا بالعمل ومسلحون بالعزيمة لأنه ليس هناك أمامهم من خيار سوى النجاح والانتصار لتونس الجديدة والجمهورية الديمقراطية الاجتماعية، تونس الحرية والكرامة والسيادة. كما أعلن عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم أمس في مفتتح الدورة النيابية عن التركيبة الجديدة لمكتب المجلس ولجانه.

سعيدة بوهلال

في المجلس الوطني للجهات والأقاليم..   نواب يطالبون بإصلاح التعليم وتفعيل المجلس الأعلى للتربية

دعوات لصيانة المدارس المتداعية للسقوط لتلافي تكرار فاجعة المزونة

انشغال بمشاكل النقل المدرسي.. والاكتظاظ داخل الأقسام.. ونقص عدد أساتذة المواد الأساسية

صرخة فزع من العنف المسلّط على المربين

وزير التربية: الاستثمار في تأهيل البنية التحتية تجاوز 400 مليون دينار

في مفتتح الدورة النيابية الثانية، طالب أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم، أمس، خلال جلستهم العامة الحوارية مع وزير التربية، بالقيام بإصلاح تربوي شامل والتسريع في تفعيل المجلس الأعلى للتربية والتعليم، وبصيانة المدارس والمعاهد، خاصة الآيلة منها للسقوط، لتلافي تكرار فاجعة المزونة، ومعالجة معضلة الاكتظاظ داخل الأقسام. وقد أطلق بعضهم صيحة فزع بسبب تفشي العنف في الوسط التربوي وتكرار الاعتداءات على المربين.

كما دعا النواب إلى إيجاد حلول عاجلة لمشاكل النقل المدرسي التي تفاقمت بشكل لافت، إلى درجة أنها أصبحت في بعض الجهات تتسبب في الانقطاع المدرسي. وشدّدوا على أهمية العناية بالأنشطة الرياضية والثقافية في الوسط التربوي والانفتاح على المجتمع المدني، وتحدثوا عن الصعوبات التي يواجهها ديوان الخدمات المدرسية، وعدّد كل واحد منهم النقائص التي تعاني منها المؤسسات التربوية في جهته، سواء تعلّق الأمر بترهّل البنية التحتية أو غياب الأسوار أو نقص المربين أو عدم توفّر أعوان الحراسة والتنظيف.

وأشار البعض إلى أنه لم يتم، إلى حد الآن، في العديد من المؤسسات التربوية، توفير أساتذة المواد الأساسية، حتى لتلاميذ الأقسام النهائية. وتساءل أعضاء الغرفة النيابية الثانية عن مصير المعلمين والأساتذة النواب غير المدرجين في قاعدة البيانات، وطالبوا بتسوية وضعياتهم. وأكدوا على ضرورة التدخّل العاجل من أجل وضع حدّ لتعطيل حركة المتفقدين، لأن هذا التعطيل من شأنه أن يهدّد استقرار السنة الدراسية.

كما استفسر العديد منهم عن مواعيد إنجاز المشاريع المعطّلة، وهناك من النواب من دعا إلى تركيز صندوق تمويل للمشاريع التربوية، وفتح المجال أمام التونسيين بالخارج للمساهمة في دعم المدرسة العمومية.

تحديات كثيرة

أما وزير التربية، نور الدين النوري، فقد تطرّق في مداخلته إلى العديد من المواضيع، وبيّن، بالخصوص، أن حجم الاستثمار في تأهيل البنية التحتية للمؤسسات التربوية تجاوز 400 مليون دينار.

وأشار الوزير إلى أنه، رغم المكاسب التي تم تحقيقها على مستوى تكريس مجانية التعليم وتعميم النفاذ إليه وارتفاع نسب التمدرس، مازالت التحديات البنيوية قائمة، مثل تراجع جودة التعليم، والفجوات الجهوية، وارتفاع معدلات الانقطاع المدرسي، وهي معطيات تبرز الحاجة الملحة إلى مقاربات إصلاحية مبتكرة تستشرف المستقبل وتؤهّل المدرسة لأداء دورها كصانعة للأجيال.

ولتجاوز العديد من الهنات والتحديات التي تواجه المنظومة التربوية، تم، حسب قوله، استكمال صياغة المخطط الاستراتيجي لوزارة التربية كوثيقة مرجعية تؤسس لرؤية وطنية متكاملة، قائمة على التشخيص العلمي والمقاربة التشاركية، بما يضمن انخراط مختلف الفاعلين وتحقيق الأهداف المرسومة وفق تخطيط تصاعدي يجعل من المحلي منطلقًا لرسم السياسات، ويؤسس لمدرسة تونسية جديدة، متجددة، قادرة على إعداد أجيال متسلّحة بقيم المواطنة والوطنية والكفايات اللازمة لمواجهة التحديات.

وذكر أنه تم إعداد هذا المخطط وفق المنهجية المعتمدة في التخطيط الوطني للتنمية 2026-2030، حيث اشتملت مراحل إعداده على تقييم إنجازات فترة 2021-2025، وتحديد الإشكاليات البنيوية، واستشراف التحولات المستقبلية في المجالات التربوية والتكنولوجية، وتحديد الرؤية والأولويات والأهداف الاستراتيجية للفترة 2025-2030، وصياغة البرامج الرئيسية، وإعداد محفظة المشاريع المقترحة. وكان ذلك وفق منهج التخطيط التصاعدي، حيث استقبلت الوزارة مقترحات مشاريع انبثقت من المستويات المحلية والجهوية، وهي مستمدة من احتياجات المواطنين الفعلية وتطلعاتهم، بما يعكس التوجّه الاجتماعي للدولة ويعزز التوازن بين الجهات والعدالة بينها.

وأضاف النوري أنه تم ترتيب المشاريع حسب الأولوية ودرجة استكمالها ومدى جاهزيتها، كما تم تقدير الكلفة المالية والمدة الزمنية لكل مشروع. وذكر أنه تم إعداد مشروع ميزانية وزارة التربية لسنة 2026 استنادًا إلى محفظة المشاريع المقترحة على مستوى المجالس المحلية، وأكد أنه تمت دراسة كافة هذه المشاريع جهويا ومركزيًا، وإدراج ما يلبّي معايير الأولوية والجدوى ضمن ميزانية الدولة للعام القادم، وإدراج البقية ضمن محفظة المشاريع المزمع إنجازها في السنوات الموالية لفترة المخطط التنموي.

وذكر أن مجموع المشاريع والبرامج التربوية الصادرة عن المجالس المحلية بلغ 419 مشروعًا، جمعت بين الإحداثات الجديدة والتوسعات والتعهّد والصيانة. وتوزعت هذه المشاريع، حسب قوله، على النحو التالي: 5 مشاريع تم إنجازها، و51 مشروعًا بصدد الإنجاز، و177 مشروعًا تم أخذها بعين الاعتبار عند إعداد ميزانية 2026، و186 مشروعًا تم إبقاؤها في محفظة المشاريع المزمع إنجازها في الفترة 2027-2030.

رؤية استراتيجية

وفسّر الوزير، نور الدين النوري، أن الأولويات والأهداف الاستراتيجية للفترة 2026-2030 لا تشمل فقط مشاريع البنية التحتية والتجهيزات، بل تشمل كل ما له علاقة بإدارة الشأن التربوي، إذ حدّدت وزارة التربية، حسب قوله، رؤيتها الاستراتيجية لهذه المرحلة، والمتمثّلة في بناء منظومة تربوية شاملة ومرنة تكرّس مبادئ العدالة والإنصاف، وتواكب التحولات المحلية والعالمية، وتسهم في بناء مجتمع المعرفة والتنمية المستدامة.

وذكر أن هذه الرؤية تستند إلى مبادئ توجيهية أساسية، تقوم على ضمان الحق في تعليم شامل وجيّد للجميع، وتعزيز البعد الاجتماعي والتنموي للتربية، وتحقيق التكامل بين القطاعات المختلفة، وترسيخ اللامركزية والأبعاد المحلية والجهوية.

وبيّن الوزير أنه، بهدف تجسيد هذه المبادئ، تم تحديد ثلاثة أهداف رئيسية استراتيجية، تتمثّل في:

1. تحقيق نقلة نوعية في جودة التعليم وتعزيز الابتكار.

2. ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص.

3. تطوير أداء الإدارة التربوية وتحسين حوكمتها.

وأوضح أن هذه الأهداف تعتمد على أربع دعامات أساسية لضمان تحقيقها، وهي:

-مؤسسات تربوية تطمح لأن تكون جاذبة وآمنة،

-برامج تعليمية متجددة،

-موارد بشرية مؤهلة،

- إدارة تربوية محكمة ومحكّمة.

وبيّن أن هذه الرؤية هي نتاج عمل تشاركي ساهم فيه جميع المعنيين بالشأن التربوي، وفق توجّه ارتكز أساسا على تشخيص الوضع التربوي على المستويات المحلية والجهوية والإقليمية والوطنية، مع الأخذ بعين الاعتبار التوجّهات الوطنية والدولية الخاصة بالقطاع.

عودة هادئة

ولاحظ نور الدين النوري، وزير التربية، أن التخطيط والاستشراف للمرحلة القادمة تزامن مع الانكباب على تأمين العودة المدرسية 2025–2026. وأكد أن الوزارة تمكّنت من ضمان عودة هادئة رغم كل التحديات والصعوبات. وذكر أن المؤسسات التربوية استقبلت في مستهل السنة الدراسية 2.325.443 تلميذًا بجميع المراحل، ويتوزع هؤلاء التلاميذ كما يلي: 61.000 في السنة التحضيرية، و1.161.638 في المدارس الابتدائية، و570.655 في المرحلة الإعدادية، و532.150 في المرحلة الثانوية، ويؤمّن تدريسهم 160 ألف معلم وأستاذ.

وأضاف أن عدد المؤسسات التربوية خلال السنة الدراسية الجارية بلغ 6.164 مؤسسة، وهي موزعة على: 4.596 مدرسة ابتدائية و1.568 مدرسة إعدادية ومعهدًا ثانويًا.

وأشار الوزير إلى أنه، في إطار الاستعدادات لانطلاق السنة الدراسية 2025–2026، تم العمل على دفع نسق إنجاز المشاريع، واتخاذ كل التدابير اللازمة لتنفيذ مختلف البرامج التي تم ضبطها، ومعالجة التدخلات الطارئة والمستجدّة. وقال إن الاستثمارات في مجال البنية التحتية للمؤسسات التربوية، التي فاقت 400 مليارًا، مكّنت من تحقيق النتائج التالية:

-إحداث 17 مؤسسة، متمثلة في: 8 مدارس ابتدائية جديدة، و7 مدارس إعدادية ومعاهد،

 -استكمال مقرّ معهد، وإنجاز قسط ثانٍ بمعهد،

 -بناء مبيت للمرحلة الإعدادية والتعليم الثانوي،

-بناء 66 فضاءً تحضيريًا، و241 قاعة تدريس عادية، و29 قاعة مختصة،

-تهيئة 325 مؤسسة تربوية،

-تركيب 71 قاعة مسبقة الصنع،

-بناء 106 سياجات إلى موفّى سبتمبر 2025، بما فيها جدار معهد المزونة.

وأثار الوزير نور الدين النوري مشكلة ترهّل الأسوار، وذكّر بالحادثة الأليمة التي تم تسجيلها خلال السنة الدراسية الماضية في معهد المزونة، وترحّم على التلاميذ الضحايا، وبيّن أنه إثر تلك الحادثة تم هدم العديد من الأسيجة وإعادة بنائها من جديد.

وأضاف أنه تم كذلك تدعيم التأمين الذاتي للمؤسسات التربوية من خلال مواصلة تركيز كاميرات مراقبة بـ500 مدرسة، وأشار إلى استمرار الأشغال بـ29 مشروعًا جديدًا على أمل الانتهاء منها قبل موفّى السنة الدراسية.

تدخلات استعجالية

وبيّن وزير التربية، نور الدين النوري، أنه في إطار متابعة تنفيذ البرنامج الخصوصي للتدخلات الاستعجالية، المتعلّق بهدم وإعادة بناء أسيجة، وصيانة فضاءات بهدف تأمين سلامة روّاد المؤسسات التربوية، وإزالة ما قد يشكّل خطرًا وشيكًا، والذي انطلقت وزارة التربية في تنفيذه منذ شهر ماي 2025، بلغت نسبة الإنجاز مرحلة متقدمة، حيث تم الانطلاق الفعلي في إنجاز 134 تدخّلًا بـ20 مندوبية جهوية للتربية، منها 106 تدخلات متعلقة بهدم وإعادة بناء أسيجة، بكلفة ناهزت 11 مليون دينار.

وذكر أن هذه التدخلات قد تم التعهّد بها، والشروع في إنجاز أشغالها، حيث تراوحت نسب التنفيذ بين 5 % و100 %. وهناك، حسب قوله، 134 تدخّلًا في طور التنفيذ وبصدد إنجاز الأشغال، منها 106 تدخلات متعلقة بترميم وهدم وإعادة بناء أسيجة، بكلفة جملية ناهزت 10.7 مليون دينار، تم التعهّد بها، وهي تتقدّم على مستوى الإنجاز.

كما توجد 300 تدخّل في مرحلة الإبرام، منها:

 67 تدخّلا بصدد التعهّد أو العرض على أنظار لجان الصفقات ذات الاختصاص، باعتمادات جملية تُقدّر بـ3.9 مليون دينار.

 113 تدخّلًا بصدد تقديم العروض، باعتمادات جملية قدرها 16 مليون دينار.

 129 تدخّلًا بصدد الإعلان عن المنافسة، بكلفة تقديرية جملية في حدود 13 مليون دينار.

 72 تدخّلًا في مرحلة الإعداد (استكمال الدراسات)، وهو ما يمثل 14% من جملة التدخلات، وبكلفة جملية قدرها 8 ملايين دينار.

توفير التجهيزات

ولدى حديثه عن التجهيزات التي تم توفيرها لفائدة المؤسسات التربوية، أشار وزير التربية نور الدين النوري إلى تجهيز كل المؤسسات التربوية في المرحلة الإعدادية والتعليم الثانوي بـمخابر إعلامية متنقلة متطورة، تحتوي على جميع شروط النقلة البيداغوجية، وذلك عبر توزيع: 2260 مخبرًا، أي ما يعادل 29.380 حاسوبًا، و2.260 جهاز بثّ.

كما تم دعم المؤسسات التربوية بتجهيزات إعلامية شملت 17585 حاسوبًا مكتبيا، 4600 آلة ناسخة، و4500 جهاز بثّ رقمي إضافي.

وذكر أنه تم اقتناء وتوزيع أكثر من 85 ألف طاولة مزدوجة، بما يمكن من تجهيز أكثر من 5700 قاعة تدريس خلال السنة الدراسية الحالية. وتم كذلك:

 اقتناء 1.500 مخبر من التجهيزات التعليمية البيداغوجية لفائدة المدارس الابتدائية،  واقتناء تجهيزات تعليمية بيداغوجية لفائدة 95 مؤسسة تربوية إعدادية وثانوية.

ومازالت الوزارة، يوميًا، تواصل دعم المندوبيات والمؤسسات التربوية بالتجهيزات.

إجراءات جديدة

ومن بين الإجراءات الجديدة التي تم اتخاذها في مستهل السنة الدراسية الحالية، أشار الوزير إلى انطلاق تدريس السنة التحضيرية ابتداءً من 15 سبتمبر عوضًا عن غرة أكتوبر، تأمين خدمات الإقامة والإعاشة بالمطاعم المدرسية والمبيتات ابتداء من 15 سبتمبر، مواصلة تنفيذ اتفاقية الإسناد بين وزارة التربية ووزارة النقل لاستغلال الحافلات المدرسية، توفير وسائل نقل للتلاميذ، خاصة في الأرياف، توفير خدمات رقمية لشركات النقل عن طريق الترابط البيني لتمكين التلاميذ من الحصول على اشتراكات النقل بسهولة، مواصلة برنامج تأهيل البنية التحتية المدرسية من إحداثات جديدة وتوسعات وتعهد وصيانة، ومتابعة آليات التزويد بالماء الصالح للشرب، بهدف عدم إبقاء أي مدرسة دون ماء.

وأضاف أن من بين الإجراءات الأخرى الانطلاق المبكر في عملية التسجيل عن بعد في جميع المستويات التعليمية، بما فيها السنة التحضيرية بالتعليم العمومي والخاص، تحديث قوائم الكراسات والكتب المطلوبة بصفة مبكرة لتجنب الاكتظاظ والطلبات المشطة، تنزيل جداول الأوقات الخاصة بالتلاميذ والمدرسين قبيل انطلاق السنة الدراسية، توفير خدمة التسجيل عن بعد للتلاميذ المقيمين والأنصاف المقيمين، تفعيل خدمة الترابط البيني مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتمكين الناجحين في البكالوريا من التسجيل في الجامعات رقميًا، توفير خدمة التوجيه إلى الإعداديات والمعاهد عبر منصة رقمية، وفتح خدمة تسجيل مطالب النقل بين المؤسسات النموذجية بطريقة رقمية وعن بعد.

وأشار الوزير إلى أن وزارة التربية استفادت، حسب وصفه، من القرارات الثورية الاجتماعية التي تم اتخاذها من قبل رئيس الجمهورية، والقاضية بتسوية وضعيات الأساتذة والمعلمين النواب وأعوان التأطير والمخابر. وذكر أن هذا الإجراء الاستثنائي، غير المسبوق في تونس، والذي يتم تنفيذه على مدى سنتين، يشمل 24 ألف أستاذ نائب ومعلم نائب، 1226 من أعوان التأطير والمخابر  ويهدف إلى القطع مع كل أشكال التشغيل الهش.

وخلص نور الدين النوري، وزير التربية، إلى التأكيد على الجهود المبذولة من قبل كافة هياكل الدولة محليًا وجهويًا ومركزيًا، من أجل الاستجابة لتطلعات الشعب في النفاذ إلى مدرسة عمومية تليق بكرامة التلاميذ وبقية مكوّنات الأسرة التربوية.

لكنه أشار إلى أن هذا المسار طويل، وأن حجم التراكمات كبير جدًا، داعيًا إلى التحلي بالصبر، والكفاح، والعمل بعقلية المحاربين، بهدف الوصول، في أقرب السنوات، إلى تأهيل البنية التحتية والمنظومة التربوية، حتى يتم تحقيق تطلعات التونسيين.

وأكد النوري أن الوزارة غير قادرة على إنجاز كل المشاريع دفعة واحدة وفي نفس اللحظ  وإنما هناك خطة تمتد على ثلاث سنوات يتم الانطلاق من الوضعيات الأكثر استعجالا من أجل إعادة الصيانة والترميم لفضاءات تربوية أهملت وهمشت لعشرات السنين.

وأشار النوري إلى الدور الهام الذي يلعبه المجلس الوطني للجهات والأقاليم دعما للمؤسسات الدستورية وتجسيدا لروح الدستور ومقاصده خاصة ما يتعلق منها بالتنمية الشاملة وبناء مقاربة جديدة تقوم على الدور المحوري للجهات والأقاليم في تصور وصياغة السياسات العمومية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي والتنموي بما يستجيب لتطلعات المواطنين ويعزز العدالة المجالية.  وذكر أن الجلسة العامة الحوارية المنتظمة أمس تعبر عن اهتمام المجلس  بالشأن التربوي وحرصه على الإسهام الفاعل في بلورة الرؤى والمقترحات الداعمة لجهود الوظيفة التنفيذية سعيا إلى تحقيق تطلعات الشعب التونسي في مختلف الجهات والأقاليم وتطوير المرفق التربوي العمومي ورسم السياسات المستقبلية في ضوء التقسيم الجهوي والإقليمي الجديد للبلاد باعتباره محددا أساسيا لمسار التنمية المتوازنة والمستدامة وذلك تجسيدا للتوجهات الوطنية التي أكدها رئيس الجمهورية، لأن التعليم يجب أن يكون في صميم اهتمامات الدولة ولأن تطوير التعليم وتوفير فرص تعلم متساوية للجميع هو مسؤولية وطنية.

كما لاحظ النوري أن التربية تعد ركيزة إستراتيجية في السياسة التونسية ودافعا أساسا لبناء الإنسان وتنمية الرأسمال البشري وقد تجسد هذا التوجه حسب قوله في سياسات الدولة التي تبني رؤية إصلاحية طموحة تستند إلى الدستور الذي يضمن مجانية التعليم والنفاذ إليه دون تمييز والذي يؤكد أيضا على التزام الدولة بتحقيق جودة المنظومة التربوية وترسيخ العدالة وتكافؤ الفرص، كما أقر الدستور إنشاء المجلس الأعلى للتربية والتعليم كآلية استشارية تهدف إلى توجيه السياسات التربوية والتعليمية والبحثية وتعزيز الانسجام بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق الشغل ويمثل هذا النهج على حد وصفه خطوة متقدمة نحو تعزيز الحوكمة والتشاركية في القطاع. وأكد أن وزارة التربية على استعداد تام للتفاعل الايجابي مع مقترحات نواب الشعب.

مدرسة شعبية

وفي مفتتح الدورة النيابية، تحدث عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم خلال الجلسة العامة الحوارية مع وزير التربية عن الأهمية التي توليها تونس للتربية والتعليم وقال إن التربية والتعليم كانا وسيظلان الركيزة الأساسية لأي مشروع وطني يطمح إلى الرقي والتقدم. وبين أن المدرسة التونسية بما تمثّله من فضاء جامع ومصدّر للمعرفة والقيم، هي المؤسسة التي أنتجت أجيالا متعاقبة وأسست لمواطنة مسؤولة وواعية، وهي اليوم أحوج ما تكون إلى إعادة الاعتبار إليها وتعزيز مكانتها في المجتمع. وأضاف الدربالي أن المدرسة الشعبية والتعليم الديمقراطي هما جوهر العدالة الاجتماعية وضمانة حقيقية لتكافؤ الفرص بين أبناء الشعب، حيث لا تمييز إلا بقدر الجهد والمعرفة وحيث يجد كل طالب علم مهما كانت خلفيته الاجتماعية أو الجغرافية مقعدا في المدرسة يفتح أمامه آفاق المستقبل.

وذكر أنه من هذا المنطلق فإن مسؤولية المجلس الوطني للجهات والأقاليم تفرض على نوابه  الانخراط الكامل في دعم السياسات والإصلاحات التي ترفع من مستوى التعليم وتحصّن مؤسساته وتعيد لها بريقها. وأشار إلى أنه لا يخفى على أحد أن تقدم الدول وازدهارها رهين تعلم أبنائها وجودة تعليمهم، ويرى رئيس المجلس أنه لا تنمية اقتصادية دون كفاءات علمية، ولا سيادة وطنية دون وعي معرفي، ولا مستقبل مشرق دون جيل مؤمن بالعلم والعمل.  وأشار الدربالي في كلمته إلى المبادرة الوطنية التي اتخذها رئيس الجمهورية بإرساء المجلس الأعلى للتربية كخيار استراتيجي جاد يترجم إرادة سياسية واضحة في النهوض بواقع التعليم، وإرساء رؤية شاملة تضع المدرسة التونسية في قلب المشروع الوطني وأكد على ضرورة العمل معا من أجل تجسيد هذا المشروع على أرض الواقع بما يضمن لتونس مدرسة عصرية، عادلة، ديمقراطية، قادرة على إنتاج المعرفة وبناء الإنسان الحرّ والمواطن الفاعل في وطنه والمشارك في مسيرته نحو التقدّم.

وعبر رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم عن أمله في أن تكون الدورة النيابية الجديدة محطة إضافية على درب خدمة الوطن والشعب، ومناسبة لمزيد ترسيخ عمل المؤسسات الدستورية في مسار بناء الجمهورية الجديدة. وقال إن المجلس هو ثمرة لمسار وطني عميق انطلق منذ ثورة الحرية والكرامة وتم تتويجه بدستور جويلية 2022 الذي أرسى مبدأ تمثيل الجهات والأقاليم كركيزة أساسية لإعادة الاعتبار للمناطق المهمشة وضمان مشاركة فعلية للشعب في صياغة القرار الوطني. وذكر أن المجلس الوطني للجهات والأقاليم كغرفة ثانية للبرلمان مؤتمن على نقل صوت الجهات وتثبيت مبدأ العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة حتى تظلّ تونس بلد كل الجهات وكل الفئات. كما أكد على التزام المجلس الكامل بالمساهمة في إنجاح مسار التحرّر الوطني ومواصلة العمل على بناء الجمهورية الجديدة وهي حسب وصفه الجمهورية الديمقراطية الاجتماعية القائمة على الحرية والعدالة والسيادة. وقال إن تونس التي قدم شعبها عبر التاريخ أسمى التضحيات، ستظل حرة سيدة في قرارها ثابتة على مواقفها الداعمة لقضايا التحرّر وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية.

أسطول الصمود

وتطرق عماد الدربالي رئيس المجلس النيابي إلى هذه القضية التي ستظل قضية كل أحرار الإنسانية، وقدم بمناسبة مرور سنتين على اندلاع ملحمة طوفان الأقصى تحية إجلال وإكبار لأبطال المقاومة الفلسطينية لصمودهم الأسطوري في وجه آلة التوحّش الصهيونية التي ما فتئت ترتكب أبشع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، وعبر عن ارتياحه للمواقف الشعبية والرسمية والحركات الإنسانية عبر العالم التي وقفت إلى جانب الحق الفلسطيني، وآخرها مبادرة أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار الجائر عن غزة وأثنى على التونسيين الأحرار الذين شاركوا في الأسطول حاملين رسالة تونس الثابتة في نصرة القضايا العادلة دون وصاية أو ارتهان ومنهم عضو مجلس نواب الشعب محمد علي الذي جسد صورة مشرفة لنائب الشعب المدافع عن القضية الفلسطينية، ودعا جميع البرلمانيين في العالم وأحرار الإنسانية للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ومساندة كل الجهود والخطوات الرامية إلى فرض حقه المشروع في العيش على أرضه بسلام والدفع نحو إعادة إعمار غزة وإنهاء معاناة أهلها.

كما أشار عماد الدربالي إلى أن شهر أكتوبر يظلّ شهر الانتصارات والتحوّلات الكبرى في وجدان الشعب التونسي وفي تاريخ تونس الحديث وبين أن تونس تحيي في هذا الشهر ذكرى عيد الجلاء العسكري، يوم دحض الشعب بقايا الاستعمار في بنزرت، وأجبر آخر جندي أجنبي على مغادرة أرض الوطن فهذا اليوم الخالد ترسّخت فيه السيادة الوطنية وارتفعت راية تونس حرّة مستقلّة بفضل تضحيات أبنائها وإيمانهم بأنّ لا سيادة دون كرامة ولا كرامة دون استقلال كامل على كل شبر من ترابها. وذكّر رئيس المجلس بتاريخ 6 أكتوبر 2024 عندما جدد الشعب التونسي ثقته في رئيس الجمهورية ويرى الدربالي أن انتخاب قيس سعيد لعهدة جديدة يعد تأكيداً على تمسّك الشعب التونسي بما وصفه «بالمسار الوطني الجامع وإصراره على العبور بتونس نحو ضفاف البناء والرقيّ، في إطار مشروع وطني قائم على السيادة والتحرّر والكرامة». وقال إنّ المجلس الوطني للجهات والأقاليم سيظلّ في صميم هذا المسار، ملتزما بواجباته الدستورية، عاملا على تجسيد انتظارات المواطنين، حاملا راية الجمهورية الجديدة، ومؤمنا بأنّ مستقبل تونس لا يُبنى إلا بسواعد أبنائها وبإرادتهم الحرة. وأضاف أن المسؤولية اليوم جسيمة وتتطلب من الجميع تكثيف الجهد والعمل بكل عزيمة وإصرار والانتصار لتطلعات الشعب التونسي، وتحقيق أهداف مسار 25 جويلية في السيادة والتحرر والكرامة. وتعهد بأن يكون المجلس دائما رافعة وطنية وصادقاً في تمثيله للشعب ومدافعاً عن قضاياه العادلة ومؤكدا على إرادته الحرة في صنع مستقبله.

تضامن مع أهالي قابس

وعبر عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم في مداخلته التي افتتح بها أشغال الدورة النيابية الجديدة عن تضامن الغرفة النيابية الثانية مع أبناء ڨابس ووقوفها إلى جانب حقّهم المشروع في بيئة سليمة تضمن لهم العيش الكريم، وطالب الدربالي بالتسريع في اتخاذ الإجراءات الجدية والفعالة لوقف نزيف التلوث حمايةً لصحة المواطنين وصونا لحقّهم في الحياة. وقال إن ڨابس التي كانت دائما رمزا للنضال والتضحية من أجل سيادة تونس وكرامة شعبها، جديرة اليوم بأن تكون قطبا تنمويا متنوعا ودعامة أساسية للاقتصاد الوطني، لا بيئة مثقلة بالتلوث ومهددة لمقومات الحياة.

ووجه رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم عماد الدربالي دعوة لأهالي قابس من أجل التحلّي بروح المسؤولية في الدفاع عن قضاياهم المشروعة، وتجنّب كل أشكال التوتر أو الفوضى التي لا تخدم حسب وصفه سوى من تسبّبوا في تهميش الجهة وإلحاق الضرر بها على مدى سنوات، وأضاف قائلا «نعم لقابس خضراء في تونس الخضراء، تنمية مستدامة وعدلا بيئيا وإنصافا مستحقا لأبنائها».

وخلص إلى أن المرحلة القادمة مرحلة حاسمة تستدعي استعدادا كاملا من قبل نواب الشعب لمناقشة مشروع ميزانية الدولة وقانون المالية، بما يضمن حقوق الشعب الاقتصادية والاجتماعية ويترجم تطلعاته إلى واقع ملموس. لأن الشعب الذي ضحّى وصبر، يستحق أن يرى أثر نضالاته في السياسات والخطط الوطنية، وذكر أن الالتزامات تمتد أيضاً إلى إنجاز المخطط التنموي 2026 – 2030، الذي يمثل أول تجربة حقيقية في الديمقراطية الشعبية. وأضاف أن هذا المخطط بدأ من المجالس المحلية، وتدرج نحو المجالس الجهوية فمجالس الأقاليم ليصبح نموذجاً ناجحاً لمشاركة المواطنين في صنع القرار التنموي وتجسيما لإرادة الشعب الحرة. وذكر أنهم ملتزمون جميعا بالعمل ومسلحون بالعزيمة لأنه ليس هناك أمامهم من خيار سوى النجاح والانتصار لتونس الجديدة والجمهورية الديمقراطية الاجتماعية، تونس الحرية والكرامة والسيادة. كما أعلن عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم أمس في مفتتح الدورة النيابية عن التركيبة الجديدة لمكتب المجلس ولجانه.

سعيدة بوهلال