إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

على أبواب انطلاق مواسم جني الزيتون والتمور والقوارص.. حماية «الصابة» والعصرنة ومجابهة المخاطر من مقوّمات السيادة الغذائية

بين توقعات متفائلة بصابة مهمة في الزيتون والتمور والقوارص والتي تعد من أهم المنتوجات الفلاحية التونسية والتي لها بعد استراتيجي في حماية السيادة الغذائية الوطنية إلى جانب الحبوب، وبين المخاوف التي تتجدّد مع كل موسم بفعل الصعوبات المناخية واللوجستية في حماية مواسم الجنيّ، تتجدّد دائما نفس التساؤلات والمشاكل التي يواجهها الفلاحون.

في المواسم الأخيرة ورغم الصعوبات التي واجهتها المواسم الفلاحية بفعل الجفاف إلا أن هناك زيادة معتبرة في مختلف المنتوجات الفلاحية مثل الزيتون والحبوب والقوارص والتمور وهي مؤشرات مهمة للأمن الغذائي الذي يعزّز السيادة الغذائية ويجعلنا نطمح أكثر لعصرنة الفلاحة التونسية التي ما زالت في جزء منها تواجه مشاكل هيكلية عميقة كما تواجه تقلّبات مناخية صعبة.

ومنذ سنة خلصت دراسة أولية أعدها المشروع الدولي للتصرّف في المخاطر الفلاحية بالاشتراك مع وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري إلى أن تونس يمكن أن تخسر حوالي ثلث محصول الزيتون وزهاء 350 ألف طن من الحبوب في حال حدوث مخاطر فلاحية قصوى بكل ما يعني ذلك من انعكاسات اقتصادية ومالية قد تأثر سلبيا على ميزان الدفوعات وتساهم في ارتفاع قيمة توريد الحبوب وخسارة العملة الأجنبية من عائدات تصدير زيتون الزيتون..

الدراسة التي دامت ستة أشهر وتم تقديمها خلال ورشة عمل أكّدت أن من بين هذه المخاطر الفلاحية القصوى هي التغييرات المناخية وذلك من خلال تأثير النقص الحاد في المياه على الزياتين.. كما أشار القائمون على هذه الدراسة إلى أن مخاطر ارتفاع درجة الحرارة والإجهاد المائي قد تذهب بثلث محصول الحبوب.

وكل هذه العوامل التي أشارت إليها الدراسة يجب أخذها بعين الاعتبار وبذل كل المجهودات لتقليص تأثيراتها السلبية على الفلاحة في السنوات القادمة من باب التوقّي من كل المخاطر المحتملة.

صعوبات موسمية

حدّد موعد انطلاق موسم جني الزيتون بتاريخ 25 أكتوبر الجاري، وقد أكدت الجامعة الوطنية لمنتجي الزيتون بالاتحاد التونسي للفلاحة منذ أيام أن المؤشّرات الأولية لصابة الزيتون هذا الموسم توحي بأنها ستكون أفضل من الموسم الماضي بشرط نزول أمطار الخريف التي تبقى محدّدا مهما، وقد أكدت المنظمة أن تونس تملك طاقة تخزين تفوق 400 ألف طن من زيت الزيتون منها 100 ألف طن لدى ديوان الزيت، علما وأن تونس قامت إلى حدود نهاية أوت الماضي بتصدير حوالي 252 ألف طنّ من زيت الزيتون، في حين تم في الموسم الماضي تصدير 30 ألف طن من الزيت المعلّب في سابقة نوعية، كما اعتبرتها الجامعة الوطنية لمنتجي الزيتون.

ولكن رغم التوقعات المطمئنة إلا أن ذلك لا ينفي وجود مشاكل عالقة في علاقة بقطاع زيت الزيتون الذي رغم أهميته الإستراتيجية إلا أن هذا القطاع ما زال يحتاج إلى اهتمام أكبر ورعاية كافية خاصة وأن هناك إحصائيات كثيرة تشير إلى أن تهرّم أشجار الزيتون يعد مشكلة صامتة يواجهها القطاع وتتطلب الإسراع بإيجاد الحلول الجذرية لمعالجتها، ولعلّ أكبر مثال عن تهرّم أشجار الزيتون وما قد يمثّله ذلك من انعكاسات سلبية على عائدات الزيت هو هنشير الشعال الذي يعدّ من أكبر غابات الزيتون في العالم بغابة تقدّر بحوالي 400 ألف شجرة منتجة للزيتون، ولكن هذه الغابة التي تم إنشاؤها خلال فترة الاستعمار وتحوّلت مع دولة الاستقلال إلى مركّب متكامل للجني والحفظ والعصر تحت إشراف الدولة باتت تعاني في السنوات الأخيرة من مشاكل عديدة وأهمها تهرّم الأشجار بما أثّر لمواسم عدة على عائدات الهنشير.

وبعد زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد الى هنشير الشعال تم الشروع في إعادة هيكلته  ووضع خطة لمواجهة تهرم أشجار الزياتين والنهوض بالهنشير من مختلف الجوانب.

وإذا كنّا نتحدّث عن ارتفاع في الإنتاج وفي صادرات زيت الزيتون فإن تلك المؤشرات الجيدة يمكن أن تكون أفضل لو تم الاعتناء بغابات الزيتون من حيث التشبيب والتصدّي إلى التهرّم.

تهرّم أشجار الزيتون ليست مشكلة يختصّ بها هنشير الشعال فقط بل تمتد إلى أغلب غابات الزيتون في بلادنا، وفي السنوات الأخيرة تداولت أرقام مفادها أن أشجار الزيتون المتهرّمة تمتد على مساحة 180 ألف هكتار في جهة صفاقس والساحل أي بنسبة 8 بالمائة من المساحة الجملية للغابات..، وتؤكد وزارة الفلاحة كل مرة أنها تواجه صعوبة في إقناع الفلاحين بتغيير الأشجار المتهرّمة من خلال اقتلاعها وتعويضها بشتلات جديدة، بالإضافة إلى أن هذه العملية كلفتها باهظة وتضاعفت مع الظروف المناخية الجافة التي شهدتها بلادنا في السنوات الأخيرة والتي فرضت نفقات إضافية لريّ الأشجار للحفاظ على الصابة.

وسبق أن أكد المدير العام لديوان الأراضي الدولية طارق بالشاوش في تصريحات إعلامية أن قطاع الإنتاج في مركّب الشعّال يعاني من عدة مشاكل أبرزها تيّبس حوالي 6 بالمائة من أصول الزيتون وتهرّم 73 بالمائة من الأشجار حيث يفوق سنّها 90 سنة مع تعدّي جُلّها عُمر 100 سنة علاوة على تأثير التغيّرات المناخية وتراجع التساقطات بفعل الجفاف  والارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة.. ويجمع المختصّون اليوم أنه يجب العمل بنسق حثيث من أجل تشبيب غابات الزيتون خاصة في الساحل وصفاقس حيث بلغ أغلبها نسبة من التهرّم تستوجب القلع وإعادة الزرع، وذلك يجب أن يكون في إطار خطة وطنية شاملة ترصد لها الاعتمادات المطلوبة وتكون بالتدرّج حتى نضمن استمرار غابات الزيتون كمورد فلاحي حيوي واستراتيجي بالنسبة لتونس.

ومن بين الإحصائيات التي تطرّقت إليها الدراسة الطاقة التشغيلية للقطاع الفلاحي وهي في حدود 14 بالمائة وكيف يمكن لهذه المخاطر أن تؤثّر سلبا على الطاقة التشغيلية للقطاع ولها انعكاسات اقتصادية سلبية، ولتلافي كل ذلك لا بدّ من استعجال إيجاد حلول ومنها البحث عن موارد مائية أخرى وعدم الاكتفاء بالتعويل على مياه الأمطار حيث لم تعد الأمطار وحدها كافية نظرا إلى التغييرات المناخية الكبيرة جراء موجات الجفاف وتناقص التساقطات وهو ما يفرض على الدولة التوجّه بشكل أسرع إلى تحلية مياه البحر ومعالجة المياه المستعملة ورسكلتها وتوظيف ذلك على الأقل في عملية سقي بعض المنتوجات الفلاحية.

وقد أعلنت السنة الماضية وزارة الفلاحة عن برمجة انجاز 32 سدّا تليا وتثمين المياه غير التقليدية والترفيع في استعمال المياه المعالجة إلى جانب الاشتغال على الخارطة الفلاحية وتغييرها بما يتلاءم مع تغييرات المياه كحلّ أساسي في معالجة ندرة المياه رغم صعوبة تغيير الصبغة الفلاحية لجهات بكاملها وصعوبة تغيير العقلية والعادات الزراعية ولكن التغيّرات المناخية بدأت في فرض واقع جديد لابدّ من أخذه بعين الاعتبار..

الشحّ المائي أبرز التحديات

 بالتوازي مع النقص المسجل على مستوى التساقطات فإن بعض الزراعات أو المواد الموجهة للتصدير تأثر على الموارد المائية بكامل البلاد وفي بعض الجهات على وجه الخصوص مثل أن الثروة المائية المتوفرة في جهة قبلي موجهة أساسا نحو قطاع التمور وأتباع هذا النسق من الإنتاج يؤدي إلى الاستغلال المفرط والإجهاد المائي  ونفس الشيء ينطبق على مناطق الوطن القبلي وزارعة القوارص.

وقد ارتفع حجم صابة القوارص في الموسم الماضي بنسبة 5.2 بالمائة مقارنة بالموسم الذي قلبه وذلك رغم الصعوبات التي واجهتها صابة القوارص في المواسم الماضية خاصة في علاقة بالشحّ المائي بسبب الجفاف..

أما هذا الموسم فقد حذّر منذ أسابيع قليلة رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري ببني خلاد البشير عون الله، في تصريح لـ«وات» من خطورة انتشار الذبابة المتوسطية للفواكه الذي يهدّد صابة القوارص لهذا الموسم، وتأخّر عملية المداواة ناهيك وأن عملية المداواة قلّصت في الموسم الفارط الخسائر بشكل ملحوظ..

ويعاني منتجو القوارص من عدة إشكاليات وصعوبات ومنها بالخصوص ارتفاع تكلفة الإنتاج نظرا لتضاعف أسعار الأدوية ونقص مياه الري، وتراجع نصيب ولاية نابل من مياه الشمال لإحياء غابة القوارص التي كانت تمسح حوالي 90 مليون متر مكعب وأصبحت لا تتجاوز 7 ملايين متر مكعب. وهو ما يتطلّب وفق منتجي القوارص بجهة الوطن القبلي وضع استراتيجية واعتماد منوال تنموي جديد بالنظر إلى أهمية منظومة القوارص التي تمثل 25 بالمائة من الإنتاج الجملي للغلال.

وقد توقّع رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببني خلاّد أن صابة القوارص لهذا الموسم قد تسجّل تراجعا على المستوى الوطني بإنتاج حوالي 320 ألف طن مقابل 380 ألف طن خلال الموسم الفارط والذي تصدّرت خلاله ولاية نابل ترتيب الولايات بإنتاج 272 ألف طن من القوارص مساهمة بنسبة 70 بالمائة من الإنتاج الوطني، علما وأن ولاية نابل تساهم بـ90 بالمائة من الكميات المصدرة من البرتقال المالطي.

وبالنسبة لصابة التمور فإن التوقعات لهذا الموسم تبقى متفائلة رغم التراجع الذي شهدته الصابة الموسم الماضي حيث تراجعت من 390 ألف طن إلى 347 طن فيما تراجع إنتاج دقلة النور
بـ 10.6 بالمائة.

وعدم الاستقرار في مؤشرات الصابة ومواسم الجني يقتضي اليوم تغيير الاستراتيجيات والعمل على ضمانات أكثر للسيادة الغذائية خاصة في المنتوجات الفلاحية الإستراتيجية والتي تعتبر من روافد الاقتصاد الوطني ومن أسس الأمن الغذائي التونسي.

منية العرفاوي

 

على أبواب انطلاق مواسم جني الزيتون والتمور والقوارص..   حماية «الصابة» والعصرنة ومجابهة المخاطر    من مقوّمات السيادة الغذائية

بين توقعات متفائلة بصابة مهمة في الزيتون والتمور والقوارص والتي تعد من أهم المنتوجات الفلاحية التونسية والتي لها بعد استراتيجي في حماية السيادة الغذائية الوطنية إلى جانب الحبوب، وبين المخاوف التي تتجدّد مع كل موسم بفعل الصعوبات المناخية واللوجستية في حماية مواسم الجنيّ، تتجدّد دائما نفس التساؤلات والمشاكل التي يواجهها الفلاحون.

في المواسم الأخيرة ورغم الصعوبات التي واجهتها المواسم الفلاحية بفعل الجفاف إلا أن هناك زيادة معتبرة في مختلف المنتوجات الفلاحية مثل الزيتون والحبوب والقوارص والتمور وهي مؤشرات مهمة للأمن الغذائي الذي يعزّز السيادة الغذائية ويجعلنا نطمح أكثر لعصرنة الفلاحة التونسية التي ما زالت في جزء منها تواجه مشاكل هيكلية عميقة كما تواجه تقلّبات مناخية صعبة.

ومنذ سنة خلصت دراسة أولية أعدها المشروع الدولي للتصرّف في المخاطر الفلاحية بالاشتراك مع وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري إلى أن تونس يمكن أن تخسر حوالي ثلث محصول الزيتون وزهاء 350 ألف طن من الحبوب في حال حدوث مخاطر فلاحية قصوى بكل ما يعني ذلك من انعكاسات اقتصادية ومالية قد تأثر سلبيا على ميزان الدفوعات وتساهم في ارتفاع قيمة توريد الحبوب وخسارة العملة الأجنبية من عائدات تصدير زيتون الزيتون..

الدراسة التي دامت ستة أشهر وتم تقديمها خلال ورشة عمل أكّدت أن من بين هذه المخاطر الفلاحية القصوى هي التغييرات المناخية وذلك من خلال تأثير النقص الحاد في المياه على الزياتين.. كما أشار القائمون على هذه الدراسة إلى أن مخاطر ارتفاع درجة الحرارة والإجهاد المائي قد تذهب بثلث محصول الحبوب.

وكل هذه العوامل التي أشارت إليها الدراسة يجب أخذها بعين الاعتبار وبذل كل المجهودات لتقليص تأثيراتها السلبية على الفلاحة في السنوات القادمة من باب التوقّي من كل المخاطر المحتملة.

صعوبات موسمية

حدّد موعد انطلاق موسم جني الزيتون بتاريخ 25 أكتوبر الجاري، وقد أكدت الجامعة الوطنية لمنتجي الزيتون بالاتحاد التونسي للفلاحة منذ أيام أن المؤشّرات الأولية لصابة الزيتون هذا الموسم توحي بأنها ستكون أفضل من الموسم الماضي بشرط نزول أمطار الخريف التي تبقى محدّدا مهما، وقد أكدت المنظمة أن تونس تملك طاقة تخزين تفوق 400 ألف طن من زيت الزيتون منها 100 ألف طن لدى ديوان الزيت، علما وأن تونس قامت إلى حدود نهاية أوت الماضي بتصدير حوالي 252 ألف طنّ من زيت الزيتون، في حين تم في الموسم الماضي تصدير 30 ألف طن من الزيت المعلّب في سابقة نوعية، كما اعتبرتها الجامعة الوطنية لمنتجي الزيتون.

ولكن رغم التوقعات المطمئنة إلا أن ذلك لا ينفي وجود مشاكل عالقة في علاقة بقطاع زيت الزيتون الذي رغم أهميته الإستراتيجية إلا أن هذا القطاع ما زال يحتاج إلى اهتمام أكبر ورعاية كافية خاصة وأن هناك إحصائيات كثيرة تشير إلى أن تهرّم أشجار الزيتون يعد مشكلة صامتة يواجهها القطاع وتتطلب الإسراع بإيجاد الحلول الجذرية لمعالجتها، ولعلّ أكبر مثال عن تهرّم أشجار الزيتون وما قد يمثّله ذلك من انعكاسات سلبية على عائدات الزيت هو هنشير الشعال الذي يعدّ من أكبر غابات الزيتون في العالم بغابة تقدّر بحوالي 400 ألف شجرة منتجة للزيتون، ولكن هذه الغابة التي تم إنشاؤها خلال فترة الاستعمار وتحوّلت مع دولة الاستقلال إلى مركّب متكامل للجني والحفظ والعصر تحت إشراف الدولة باتت تعاني في السنوات الأخيرة من مشاكل عديدة وأهمها تهرّم الأشجار بما أثّر لمواسم عدة على عائدات الهنشير.

وبعد زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد الى هنشير الشعال تم الشروع في إعادة هيكلته  ووضع خطة لمواجهة تهرم أشجار الزياتين والنهوض بالهنشير من مختلف الجوانب.

وإذا كنّا نتحدّث عن ارتفاع في الإنتاج وفي صادرات زيت الزيتون فإن تلك المؤشرات الجيدة يمكن أن تكون أفضل لو تم الاعتناء بغابات الزيتون من حيث التشبيب والتصدّي إلى التهرّم.

تهرّم أشجار الزيتون ليست مشكلة يختصّ بها هنشير الشعال فقط بل تمتد إلى أغلب غابات الزيتون في بلادنا، وفي السنوات الأخيرة تداولت أرقام مفادها أن أشجار الزيتون المتهرّمة تمتد على مساحة 180 ألف هكتار في جهة صفاقس والساحل أي بنسبة 8 بالمائة من المساحة الجملية للغابات..، وتؤكد وزارة الفلاحة كل مرة أنها تواجه صعوبة في إقناع الفلاحين بتغيير الأشجار المتهرّمة من خلال اقتلاعها وتعويضها بشتلات جديدة، بالإضافة إلى أن هذه العملية كلفتها باهظة وتضاعفت مع الظروف المناخية الجافة التي شهدتها بلادنا في السنوات الأخيرة والتي فرضت نفقات إضافية لريّ الأشجار للحفاظ على الصابة.

وسبق أن أكد المدير العام لديوان الأراضي الدولية طارق بالشاوش في تصريحات إعلامية أن قطاع الإنتاج في مركّب الشعّال يعاني من عدة مشاكل أبرزها تيّبس حوالي 6 بالمائة من أصول الزيتون وتهرّم 73 بالمائة من الأشجار حيث يفوق سنّها 90 سنة مع تعدّي جُلّها عُمر 100 سنة علاوة على تأثير التغيّرات المناخية وتراجع التساقطات بفعل الجفاف  والارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة.. ويجمع المختصّون اليوم أنه يجب العمل بنسق حثيث من أجل تشبيب غابات الزيتون خاصة في الساحل وصفاقس حيث بلغ أغلبها نسبة من التهرّم تستوجب القلع وإعادة الزرع، وذلك يجب أن يكون في إطار خطة وطنية شاملة ترصد لها الاعتمادات المطلوبة وتكون بالتدرّج حتى نضمن استمرار غابات الزيتون كمورد فلاحي حيوي واستراتيجي بالنسبة لتونس.

ومن بين الإحصائيات التي تطرّقت إليها الدراسة الطاقة التشغيلية للقطاع الفلاحي وهي في حدود 14 بالمائة وكيف يمكن لهذه المخاطر أن تؤثّر سلبا على الطاقة التشغيلية للقطاع ولها انعكاسات اقتصادية سلبية، ولتلافي كل ذلك لا بدّ من استعجال إيجاد حلول ومنها البحث عن موارد مائية أخرى وعدم الاكتفاء بالتعويل على مياه الأمطار حيث لم تعد الأمطار وحدها كافية نظرا إلى التغييرات المناخية الكبيرة جراء موجات الجفاف وتناقص التساقطات وهو ما يفرض على الدولة التوجّه بشكل أسرع إلى تحلية مياه البحر ومعالجة المياه المستعملة ورسكلتها وتوظيف ذلك على الأقل في عملية سقي بعض المنتوجات الفلاحية.

وقد أعلنت السنة الماضية وزارة الفلاحة عن برمجة انجاز 32 سدّا تليا وتثمين المياه غير التقليدية والترفيع في استعمال المياه المعالجة إلى جانب الاشتغال على الخارطة الفلاحية وتغييرها بما يتلاءم مع تغييرات المياه كحلّ أساسي في معالجة ندرة المياه رغم صعوبة تغيير الصبغة الفلاحية لجهات بكاملها وصعوبة تغيير العقلية والعادات الزراعية ولكن التغيّرات المناخية بدأت في فرض واقع جديد لابدّ من أخذه بعين الاعتبار..

الشحّ المائي أبرز التحديات

 بالتوازي مع النقص المسجل على مستوى التساقطات فإن بعض الزراعات أو المواد الموجهة للتصدير تأثر على الموارد المائية بكامل البلاد وفي بعض الجهات على وجه الخصوص مثل أن الثروة المائية المتوفرة في جهة قبلي موجهة أساسا نحو قطاع التمور وأتباع هذا النسق من الإنتاج يؤدي إلى الاستغلال المفرط والإجهاد المائي  ونفس الشيء ينطبق على مناطق الوطن القبلي وزارعة القوارص.

وقد ارتفع حجم صابة القوارص في الموسم الماضي بنسبة 5.2 بالمائة مقارنة بالموسم الذي قلبه وذلك رغم الصعوبات التي واجهتها صابة القوارص في المواسم الماضية خاصة في علاقة بالشحّ المائي بسبب الجفاف..

أما هذا الموسم فقد حذّر منذ أسابيع قليلة رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري ببني خلاد البشير عون الله، في تصريح لـ«وات» من خطورة انتشار الذبابة المتوسطية للفواكه الذي يهدّد صابة القوارص لهذا الموسم، وتأخّر عملية المداواة ناهيك وأن عملية المداواة قلّصت في الموسم الفارط الخسائر بشكل ملحوظ..

ويعاني منتجو القوارص من عدة إشكاليات وصعوبات ومنها بالخصوص ارتفاع تكلفة الإنتاج نظرا لتضاعف أسعار الأدوية ونقص مياه الري، وتراجع نصيب ولاية نابل من مياه الشمال لإحياء غابة القوارص التي كانت تمسح حوالي 90 مليون متر مكعب وأصبحت لا تتجاوز 7 ملايين متر مكعب. وهو ما يتطلّب وفق منتجي القوارص بجهة الوطن القبلي وضع استراتيجية واعتماد منوال تنموي جديد بالنظر إلى أهمية منظومة القوارص التي تمثل 25 بالمائة من الإنتاج الجملي للغلال.

وقد توقّع رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببني خلاّد أن صابة القوارص لهذا الموسم قد تسجّل تراجعا على المستوى الوطني بإنتاج حوالي 320 ألف طن مقابل 380 ألف طن خلال الموسم الفارط والذي تصدّرت خلاله ولاية نابل ترتيب الولايات بإنتاج 272 ألف طن من القوارص مساهمة بنسبة 70 بالمائة من الإنتاج الوطني، علما وأن ولاية نابل تساهم بـ90 بالمائة من الكميات المصدرة من البرتقال المالطي.

وبالنسبة لصابة التمور فإن التوقعات لهذا الموسم تبقى متفائلة رغم التراجع الذي شهدته الصابة الموسم الماضي حيث تراجعت من 390 ألف طن إلى 347 طن فيما تراجع إنتاج دقلة النور
بـ 10.6 بالمائة.

وعدم الاستقرار في مؤشرات الصابة ومواسم الجني يقتضي اليوم تغيير الاستراتيجيات والعمل على ضمانات أكثر للسيادة الغذائية خاصة في المنتوجات الفلاحية الإستراتيجية والتي تعتبر من روافد الاقتصاد الوطني ومن أسس الأمن الغذائي التونسي.

منية العرفاوي