تقف تونس اليوم على أعتاب مرحلة دقيقة وحاسمة تتداخل فيها المؤشرات الاقتصادية الإيجابية مع انتظارات اجتماعية. وإذا كانت الأرقام المعلنة من مؤسسات مالية كبرى تُظهر بوضوح تحسّن المناخ العام وقدرة البلاد على الصمود أمام الأزمات فإنّ السؤال المركزي يبقى: كيف يمكن تحويل لغة الأرقام إلى مكاسب ملموسة يتحسّسها المواطن في حياته اليومية؟
هذا ما شدّد عليه رئيس الجمهورية قيس سعيّد، في لقائه الأخير برئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري حيث اعتبر أن التوازنات ليست أرقاما وحسابات في المطلق بل يجب أن تكون توازنات يشعر بها المواطن في حياته اليومية.
وأن النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بالتصنيفات والتقارير، بل بمدى انعكاس هذه المؤشرات إلى واقع يلمسه المواطن في حياته اليومية.
تصنيفات دولية هامة
وفي استعراض للتحسن الذي تعكسه لغة الأرقام فقد تمكنت تونس من سداد أقساط ديونها الخارجية بنسبة 125 بالمائة إلى حدود موفي سبتمبر2025 متجاوزة بذلك المبلغ المبرمج في قانون المالية والمقدر بـ 8469 مليون دينار.
وبالتالي تم خلاص كل القروض الخارجية للعام الحالي قبل نهاية السنة بثلاثة أشهر مع تسجيل مستوى مدخرات مريح وتراجع في الاقتراض من الخارج بشكل عام، كما سجلت تونس خلال النصف الأول من سنة 2025 زيادة ملحوظة في قيمة الاستثمارات المصرّح بها حيث بلغت نسبتها 16.9 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، لتصل إلى حوالي 3.299 مليار دينار، وفقا لبلاغ صادر مؤخرا عن الهيئة التونسية للاستثمار.
وبالتوازي مع ذلك فقد سجلت تونس على مدار الأشهر الماضية إشادات دولية مهمة من مؤسسات مالية دولية كبرى على غرار البنك الدولي الذي توقع ارتفاعا في نسبة نمو الاقتصاد التونسي إلى 2,6 بالمائة خلال سنة الجارية.
وقبله رفّعت وكالة «فيتش رايتينغ» للتصنيف الائتماني تصنيف تونس من (B-) إلى (ccc+)،وعززت الوكالة أسباب رفع التصنيف إلى تحسّن الوضع الخارجي من حيث انخفاض العجز في الحساب الجاري فضلا عن تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة مع تواصل تعزيز الاحتياطي من العملة الصعبة.
وبدورها راجعت وكالة التصنيف اليابانية آفاق تصنيف تونس (تصنيف المُصدر بالعملة الأجنبية) من سلبية إلى مستقرة، وأبقت على التصنيف عند مستوى(B-)، مع تعديل الآفاق من سلبية إلى مستقرة.
وهذه التصنيفات على أهميتها تمثل رسائل ثقة وطمأنة إلى الأسواق الدولية والمستثمرين الأجانب قوامها أن تونس تسير في الاتجاه الصحيح رغم التحديات وذلك بفضل السياسات والخيارات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة في أعلى هرمها، حيث شدد رئيس الدولة قيس سعيد في أكثر من مناسبة وعلى مدار السنوات الماضية على ضرورة التعويل على الذات وتعزيز القدرات المحلية دون الانصياع للضغوطات الخارجية أو الارتهان للدوائر الأجنبية.
هذا التوجّه عزز من مناخ الاستثمار في تونس كما منح المستثمرين المحليين والدوليين ثقة أكبر في الاستقرار الاقتصادي والسياسي للبلاد، وعزز من صورة تونس كوجهة استثمارية جاذبة ومستقرة.
السياحة.. موسم استثنائي
وفي هذا الإطار، فإن الانتعاشة المسجلة على مستوى الأرقام كان لها وقعها في أكثر من مجال لعل أهمها القطاع السياحي الذي كان من أبرز المستفيدين من هذا المناخ الإيجابي حيث سجل القطاع أرقاما قياسية في عدد الوافدين والإيرادات خلال النصف الأول من سنة 2025 مما خول لتونس أن تنضم إلى كل من إسبانيا والمكسيك والبرازيل وكوستاريكا واليونان والسعودية والإمارات في قطاع السياحة المزدهر، وفق تقرير صدر مؤخرا عن موقع عالمي مختص.
فقد استقبلت تونس أكثر من خمسة ملايين زائر حتى شهر جويلية الماضي محققة إيرادات بلغت 3998 مليار دينار وهو رقم يتجاوز مستويات ما قبل جائحة كورونا، فيما واصلت الدولة الاستثمار في البنية التحتية وتنويع العروض السياحية وتوسيع الأسواق.
هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة جهود مشتركة بين القطاعين العام والخاص، حيث تكثّفت الحملات الترويجية وتحسّنت الخدمات اللوجستية في ظل توقعات بتوفير القطاع السياحي لآلاف فرص العمل في الفترة القادمة بسبب اعتماد الدولة لاستراتيجيات استثمارية واضحة ومبادرات سياحية طموحة..
وبالتوازي مع القفزة التي حقّقها المجال السياحي فقد شهدت الاستثمارات الأجنبية المباشرة انتعاشة واضحة بعد اعتزام شركات عالمية عملاقة مختصة في صناعة مكونات الطائرات والسيارات إقامة وحدات صناعية في بلادنا على غرار المجمع الياباني في صناعة مكونات السيارات الذي أبدى نوايا استثمارية ترجمها لقاء رئيسه التنفيذي مع وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم. فيما تم في شهر سبتمبر الماضي افتتاح وحدة جديدة لشركة صينية مختصة في كابلات السيارات.
هذه الاستثمارات لا تعني فقط ضخ رؤوس أموال جديدة بل تكمن أهميتها في توفير طاقات تشغيلية عالية وفي فتح آفاق واسعة لنقل التكنولوجيا الحديثة وتطوير منظومة التكوين المهني بما يتماشى مع متطلبات هذه الصناعات.
وفيما يتعلق بمجال الطاقات المتجددة، فقد انطلقت مشاريع واعدة بالشراكة مع مستثمرين دوليين بهدف تحويل تونس إلى منصة إقليمية للطاقة البديلة. أمّا قطاع الفسفاط، الذي يُعتبر من أعمدة الاقتصاد الوطني، فقد بدأ استعادة نشاطه بعد سنوات من التراجع، وهو ما ساهم في رفع نسق الصادرات وتعزيز موارد الدولة.
الأرقام لا تكفي
في المقابل ورغم هذه الانتعاشة في أكثر من مجال والتي تترجمها لغة الأرقام فقد ظلّ خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد لدى لقاءاته الأخيرة بكل من رئيسة الحكومة ومحافظ البنك المركزي، وفيا للبعد الاجتماعي حيث أكّد أنّ «الأرقام وحدها لا تكفي»، مشدداً على أنّ النجاح الفعلي يكمن في انعكاس هذه المكاسب على حياة المواطن اليومية.
فالمواطن البسيط الذي لا يعنيه كثيرا ارتفاع حجم الاستثمارات أو قيمة التصنيفات بقدر ما تعنيه مدى قدرته على تأمين مستلزمات «قفته» اليومية وبأسعار معقولة مع تطلعه إلى خدمات صحية ونقل بجودة مقبولة.
ومن هذا المنطلق دعا رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى مواصلة الجهود في سبيل التخفيض في الأسعار ودعم القدرة الشرائية للفئات الضعيفة، حتى يلمس المواطن فعليا نتائج الأرقام المعروضة سلفا.
في هذا السياق تبرز الحملة الوطنية ضد الاحتكار والمضاربة التي أطلقتها الدولة مؤخرا كمثال حي على عدم تهاون أجهزة الدولة مع المتلاعبين بقوت المواطنين، فالحملة التي انطلقت دون هوادة أسفرت عن مداهمة مخازن كبرى وحجز كميات هامة من السلع التي كان يُراد بها إرباك السوق. وقد انعكس ذلك سريعاً على مستوى الأسعار، حيث لوحظ تراجع في بعض المواد الأساسية لاسيما اللحوم الحمراء، علما وأن رئيس الجمهورية قيس سعيد كان قد أكد أن المعركة ضد الاحتكار ليست ظرفية وإنما هي خيار استراتيجي لحماية المواطن وتعزيز مناخ الثقة.
المرافق العمومية رهان حقيقي
من جانب آخر لم يغفل رئيس الجمهورية قيس سعيد في لقاءاته الرسمية عن ملف الإدارة التونسية الذي يمثل عمود الحياة اليومية بالنسبة للمواطن. فقد شدّد رئيس الدولة على ضرورة الارتقاء بهذا المرفق العمومي، فالتحسن على مستوى المؤشرات الاقتصادية لن يكون كافياً ما لم يترافق مع إصلاح عميق على مستوى الخدمات العمومية.
فإشارة رئيس الجمهورية إلى «السير غير الطبيعي» للمرافق العمومية لدى لقائه الأخير برئيسة الحكومة يكشف عن أزمة هيكلية في الإدارة التونسية..
فالمدرسة، والمستشفى، والنقل العمومي، والإدارة، تمثل جميعها فضاءات اختبار لعلاقة الدولة بمواطنيها، وأي خلل في هذه القطاعات يُفقد ثقة الشعب في الدولة، لذلك يعتبر رئيس الجمهورية أن إصلاح المرفق العمومي شرط أساسي لإنجاح أي مسار اقتصادي.
وفي هذا السياق فإن بعض القطاعات الحيوية قد شهدت تطورات إيجابية في ظل وجود إرادة جادة للإصلاح والتغيير على غرار قطاع الصحة. فقد تدعّمت في الفترة الأخيرة عديد المستشفيات المحلية كما الجهوية بتجهيزات ومعدات طبية حديثة، وهو ما ساعد على تحسين جودة الخدمات في عدد من الأقسام. وهذه الخطوات الإصلاحية عزّزت الأمل في إمكانية استعادة القطاع لعافيته تدريجيا بعد سنوات من الأزمات. أما على مٌستوى قطاع النقل فقد بدأ هو الآخر يتحسس خطواته نحو التغيير في ظل إصرار الدولة في أعلى هرمها على الارتقاء بالأسطول وهذه الجهود تترجمها جملة من الاقتناءات الهامة..
وفي ظل وجود إرادة جادة للتغيير وتحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود فإنه من الضروري اليوم تفعيل القوانين والتشريعات الجديدة التي صادقت عليها الدولة. فالإشكالية لا تكمن في نقص القوانين وإنما في أهمية تطبيقها بما يتناغم مع مقتضيات المرحلة، فالجهود التي تبذلها الدولة تقتضي جنودا من المسؤولين والإداريين يسهرون جديا على تطبيقها وفقا لما أشار إليه في مناسبات عدة رئيس الدولة.
وعي مجتمعي
والمطلوب اليوم علاوة على رسم السياسات العمل على تنفيذها ميدانيا بما يضمن أن يلمس المواطن نتائجها مباشرة في حياته اليومية، ليظل الوعي المجتمعي هو الضمانة الأساسية لنجاح أي مسار إصلاحي. فالمعركة الاقتصادية والاجتماعية ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل هي معركة مشتركة بين الدولة والمجتمع، والمواطن مطالب بأن يكون شريكا فاعلا، سواء من خلال مقاومة الفساد أو عبر ترشيد استهلاكه، أو بدعم المبادرات الوطنية..
منال حرزي
تقف تونس اليوم على أعتاب مرحلة دقيقة وحاسمة تتداخل فيها المؤشرات الاقتصادية الإيجابية مع انتظارات اجتماعية. وإذا كانت الأرقام المعلنة من مؤسسات مالية كبرى تُظهر بوضوح تحسّن المناخ العام وقدرة البلاد على الصمود أمام الأزمات فإنّ السؤال المركزي يبقى: كيف يمكن تحويل لغة الأرقام إلى مكاسب ملموسة يتحسّسها المواطن في حياته اليومية؟
هذا ما شدّد عليه رئيس الجمهورية قيس سعيّد، في لقائه الأخير برئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري حيث اعتبر أن التوازنات ليست أرقاما وحسابات في المطلق بل يجب أن تكون توازنات يشعر بها المواطن في حياته اليومية.
وأن النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بالتصنيفات والتقارير، بل بمدى انعكاس هذه المؤشرات إلى واقع يلمسه المواطن في حياته اليومية.
تصنيفات دولية هامة
وفي استعراض للتحسن الذي تعكسه لغة الأرقام فقد تمكنت تونس من سداد أقساط ديونها الخارجية بنسبة 125 بالمائة إلى حدود موفي سبتمبر2025 متجاوزة بذلك المبلغ المبرمج في قانون المالية والمقدر بـ 8469 مليون دينار.
وبالتالي تم خلاص كل القروض الخارجية للعام الحالي قبل نهاية السنة بثلاثة أشهر مع تسجيل مستوى مدخرات مريح وتراجع في الاقتراض من الخارج بشكل عام، كما سجلت تونس خلال النصف الأول من سنة 2025 زيادة ملحوظة في قيمة الاستثمارات المصرّح بها حيث بلغت نسبتها 16.9 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، لتصل إلى حوالي 3.299 مليار دينار، وفقا لبلاغ صادر مؤخرا عن الهيئة التونسية للاستثمار.
وبالتوازي مع ذلك فقد سجلت تونس على مدار الأشهر الماضية إشادات دولية مهمة من مؤسسات مالية دولية كبرى على غرار البنك الدولي الذي توقع ارتفاعا في نسبة نمو الاقتصاد التونسي إلى 2,6 بالمائة خلال سنة الجارية.
وقبله رفّعت وكالة «فيتش رايتينغ» للتصنيف الائتماني تصنيف تونس من (B-) إلى (ccc+)،وعززت الوكالة أسباب رفع التصنيف إلى تحسّن الوضع الخارجي من حيث انخفاض العجز في الحساب الجاري فضلا عن تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة مع تواصل تعزيز الاحتياطي من العملة الصعبة.
وبدورها راجعت وكالة التصنيف اليابانية آفاق تصنيف تونس (تصنيف المُصدر بالعملة الأجنبية) من سلبية إلى مستقرة، وأبقت على التصنيف عند مستوى(B-)، مع تعديل الآفاق من سلبية إلى مستقرة.
وهذه التصنيفات على أهميتها تمثل رسائل ثقة وطمأنة إلى الأسواق الدولية والمستثمرين الأجانب قوامها أن تونس تسير في الاتجاه الصحيح رغم التحديات وذلك بفضل السياسات والخيارات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة في أعلى هرمها، حيث شدد رئيس الدولة قيس سعيد في أكثر من مناسبة وعلى مدار السنوات الماضية على ضرورة التعويل على الذات وتعزيز القدرات المحلية دون الانصياع للضغوطات الخارجية أو الارتهان للدوائر الأجنبية.
هذا التوجّه عزز من مناخ الاستثمار في تونس كما منح المستثمرين المحليين والدوليين ثقة أكبر في الاستقرار الاقتصادي والسياسي للبلاد، وعزز من صورة تونس كوجهة استثمارية جاذبة ومستقرة.
السياحة.. موسم استثنائي
وفي هذا الإطار، فإن الانتعاشة المسجلة على مستوى الأرقام كان لها وقعها في أكثر من مجال لعل أهمها القطاع السياحي الذي كان من أبرز المستفيدين من هذا المناخ الإيجابي حيث سجل القطاع أرقاما قياسية في عدد الوافدين والإيرادات خلال النصف الأول من سنة 2025 مما خول لتونس أن تنضم إلى كل من إسبانيا والمكسيك والبرازيل وكوستاريكا واليونان والسعودية والإمارات في قطاع السياحة المزدهر، وفق تقرير صدر مؤخرا عن موقع عالمي مختص.
فقد استقبلت تونس أكثر من خمسة ملايين زائر حتى شهر جويلية الماضي محققة إيرادات بلغت 3998 مليار دينار وهو رقم يتجاوز مستويات ما قبل جائحة كورونا، فيما واصلت الدولة الاستثمار في البنية التحتية وتنويع العروض السياحية وتوسيع الأسواق.
هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة جهود مشتركة بين القطاعين العام والخاص، حيث تكثّفت الحملات الترويجية وتحسّنت الخدمات اللوجستية في ظل توقعات بتوفير القطاع السياحي لآلاف فرص العمل في الفترة القادمة بسبب اعتماد الدولة لاستراتيجيات استثمارية واضحة ومبادرات سياحية طموحة..
وبالتوازي مع القفزة التي حقّقها المجال السياحي فقد شهدت الاستثمارات الأجنبية المباشرة انتعاشة واضحة بعد اعتزام شركات عالمية عملاقة مختصة في صناعة مكونات الطائرات والسيارات إقامة وحدات صناعية في بلادنا على غرار المجمع الياباني في صناعة مكونات السيارات الذي أبدى نوايا استثمارية ترجمها لقاء رئيسه التنفيذي مع وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم. فيما تم في شهر سبتمبر الماضي افتتاح وحدة جديدة لشركة صينية مختصة في كابلات السيارات.
هذه الاستثمارات لا تعني فقط ضخ رؤوس أموال جديدة بل تكمن أهميتها في توفير طاقات تشغيلية عالية وفي فتح آفاق واسعة لنقل التكنولوجيا الحديثة وتطوير منظومة التكوين المهني بما يتماشى مع متطلبات هذه الصناعات.
وفيما يتعلق بمجال الطاقات المتجددة، فقد انطلقت مشاريع واعدة بالشراكة مع مستثمرين دوليين بهدف تحويل تونس إلى منصة إقليمية للطاقة البديلة. أمّا قطاع الفسفاط، الذي يُعتبر من أعمدة الاقتصاد الوطني، فقد بدأ استعادة نشاطه بعد سنوات من التراجع، وهو ما ساهم في رفع نسق الصادرات وتعزيز موارد الدولة.
الأرقام لا تكفي
في المقابل ورغم هذه الانتعاشة في أكثر من مجال والتي تترجمها لغة الأرقام فقد ظلّ خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد لدى لقاءاته الأخيرة بكل من رئيسة الحكومة ومحافظ البنك المركزي، وفيا للبعد الاجتماعي حيث أكّد أنّ «الأرقام وحدها لا تكفي»، مشدداً على أنّ النجاح الفعلي يكمن في انعكاس هذه المكاسب على حياة المواطن اليومية.
فالمواطن البسيط الذي لا يعنيه كثيرا ارتفاع حجم الاستثمارات أو قيمة التصنيفات بقدر ما تعنيه مدى قدرته على تأمين مستلزمات «قفته» اليومية وبأسعار معقولة مع تطلعه إلى خدمات صحية ونقل بجودة مقبولة.
ومن هذا المنطلق دعا رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى مواصلة الجهود في سبيل التخفيض في الأسعار ودعم القدرة الشرائية للفئات الضعيفة، حتى يلمس المواطن فعليا نتائج الأرقام المعروضة سلفا.
في هذا السياق تبرز الحملة الوطنية ضد الاحتكار والمضاربة التي أطلقتها الدولة مؤخرا كمثال حي على عدم تهاون أجهزة الدولة مع المتلاعبين بقوت المواطنين، فالحملة التي انطلقت دون هوادة أسفرت عن مداهمة مخازن كبرى وحجز كميات هامة من السلع التي كان يُراد بها إرباك السوق. وقد انعكس ذلك سريعاً على مستوى الأسعار، حيث لوحظ تراجع في بعض المواد الأساسية لاسيما اللحوم الحمراء، علما وأن رئيس الجمهورية قيس سعيد كان قد أكد أن المعركة ضد الاحتكار ليست ظرفية وإنما هي خيار استراتيجي لحماية المواطن وتعزيز مناخ الثقة.
المرافق العمومية رهان حقيقي
من جانب آخر لم يغفل رئيس الجمهورية قيس سعيد في لقاءاته الرسمية عن ملف الإدارة التونسية الذي يمثل عمود الحياة اليومية بالنسبة للمواطن. فقد شدّد رئيس الدولة على ضرورة الارتقاء بهذا المرفق العمومي، فالتحسن على مستوى المؤشرات الاقتصادية لن يكون كافياً ما لم يترافق مع إصلاح عميق على مستوى الخدمات العمومية.
فإشارة رئيس الجمهورية إلى «السير غير الطبيعي» للمرافق العمومية لدى لقائه الأخير برئيسة الحكومة يكشف عن أزمة هيكلية في الإدارة التونسية..
فالمدرسة، والمستشفى، والنقل العمومي، والإدارة، تمثل جميعها فضاءات اختبار لعلاقة الدولة بمواطنيها، وأي خلل في هذه القطاعات يُفقد ثقة الشعب في الدولة، لذلك يعتبر رئيس الجمهورية أن إصلاح المرفق العمومي شرط أساسي لإنجاح أي مسار اقتصادي.
وفي هذا السياق فإن بعض القطاعات الحيوية قد شهدت تطورات إيجابية في ظل وجود إرادة جادة للإصلاح والتغيير على غرار قطاع الصحة. فقد تدعّمت في الفترة الأخيرة عديد المستشفيات المحلية كما الجهوية بتجهيزات ومعدات طبية حديثة، وهو ما ساعد على تحسين جودة الخدمات في عدد من الأقسام. وهذه الخطوات الإصلاحية عزّزت الأمل في إمكانية استعادة القطاع لعافيته تدريجيا بعد سنوات من الأزمات. أما على مٌستوى قطاع النقل فقد بدأ هو الآخر يتحسس خطواته نحو التغيير في ظل إصرار الدولة في أعلى هرمها على الارتقاء بالأسطول وهذه الجهود تترجمها جملة من الاقتناءات الهامة..
وفي ظل وجود إرادة جادة للتغيير وتحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود فإنه من الضروري اليوم تفعيل القوانين والتشريعات الجديدة التي صادقت عليها الدولة. فالإشكالية لا تكمن في نقص القوانين وإنما في أهمية تطبيقها بما يتناغم مع مقتضيات المرحلة، فالجهود التي تبذلها الدولة تقتضي جنودا من المسؤولين والإداريين يسهرون جديا على تطبيقها وفقا لما أشار إليه في مناسبات عدة رئيس الدولة.
وعي مجتمعي
والمطلوب اليوم علاوة على رسم السياسات العمل على تنفيذها ميدانيا بما يضمن أن يلمس المواطن نتائجها مباشرة في حياته اليومية، ليظل الوعي المجتمعي هو الضمانة الأساسية لنجاح أي مسار إصلاحي. فالمعركة الاقتصادية والاجتماعية ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل هي معركة مشتركة بين الدولة والمجتمع، والمواطن مطالب بأن يكون شريكا فاعلا، سواء من خلال مقاومة الفساد أو عبر ترشيد استهلاكه، أو بدعم المبادرات الوطنية..