إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد تعهد البنوك بتمويل الموسم القادم.. تونس تتجه لدفع الاستثمارات في قطاع زيت الزيتون

- دعم بنكي غير مسبوق لإنجاح موسم 2025-2026

- البنك المركزي يقود تعبئة مالية غير مسبوقة لقطاع الزيتون

- طاقة تخزين تتجاوز 400 ألف طن والتمويلات التحدي الأكبر

- تونس تصدّر 252 ألف طن من الزيت وتحقق رقما قياسيا في المعلّب

- الأسواق الجديدة تفتح أبوابها أمام الزيت التونسي في آسيا وإفريقيا

- رغم تراجع الإيرادات بـ31 %... رهان على موسم قياسي جديد

- البنوك تتعهد بدعم صغار الفلاحين وتحويل الزيت إلى ثروة استراتيجية

تشهد تونس في الآونة الأخيرة حراكا اقتصاديا لافتا في قطاع زيت الزيتون، الذي يُعد أحد أعمدة الصادرات الفلاحية ومصدرا رئيسيا للعملة الصعبة. وقد برز هذا التوجه بوضوح عقب الاجتماع الذي عقده محافظ البنك المركزي التونسي، فتحي زهير النوري، يوم الثلاثاء 7 أكتوبر الجاري، بحضور رئيس المجلس البنكي والمالي وعدد من المديرين العامين للبنوك العمومية والخاصة، والذي خُصّص لتدارس سبل تمويل موسم زيت الزيتون 2025-2026.

خلال هذا الاجتماع، شدد المحافظ على ضرورة مضاعفة الجهود من قبل القطاع البنكي لمواكبة مختلف المتدخلين في حلقات الإنتاج والتحويل والترويج، بما يساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية وتحفيز التصدير، في خطوة تعكس إرادة وطنية لتأمين انطلاقة قوية لموسم واعد يُعوّل عليه لتحقيق نتائج قياسية على مستوى الإنتاج والإيرادات.

تنسيق مؤسساتي لدعم الفلاحين والمصدرين

وأكد النوري في كلمته أن نجاح الموسم القادم يتطلب تنسيقا فعّالا بين المؤسسات البنكية والجهات الفاعلة في القطاع الفلاحي، مشيرًا إلى أهمية الارتقاء بجودة الخدمات المالية الموجهة للفلاحين والمصدرين وأصحاب المعاصر. كما دعا إلى ضمان تمويل سلس وفعّال لكل مراحل سلسلة القيمة، من جني الزيتون إلى تخزين الزيت وتعبئته وتسويقه، معتبرًا أن مواكبة المنظومة البنكية لهذه العملية تشكّل عنصرا حاسما في إنجاح الموسم وفي تعزيز تموقع تونس ضمن أبرز منتجي ومصدّري زيت الزيتون في العالم.

وقد لاقت هذه الدعوة تجاوبا من ممثلي القطاع البنكي الذين عبّروا عن التزامهم بمرافقة الفاعلين في المنظومة من فلاحين ومصدرين وأصحاب معاصر، وتوفير التمويلات اللازمة لدعم استقرار السوق الداخلية وتيسير عمليات التصدير. وأكد عدد من الحاضرين استعداد البنوك لمعالجة مديونية المتدخلين الذين واجهوا صعوبات خلال الموسم السابق، في بادرة تهدف إلى تخفيف الضغط المالي على المزارعين وضمان انطلاق الموسم الجديد في مناخ من الثقة والاستقرار المالي.

استعدادات الفلاحين ومطالب الاتحاد الوطني للمنتجين

من جهته، شدد الأمين العام للاتحاد الوطني لمنتجي الزيتون في اتحاد الفلاحين التونسيين (UTAP)، محمد نصراوي، على أهمية هذه الخطوة البنكية، معتبرا أن التمويل يشكل ركيزة أساسية لإنجاح موسم الزيتون القادم. وأوضح نصراوي، في تصريحات إعلامية أدلى بها يوم الاثنين 6 أكتوبر الجاري، أن التوقعات الأولية تشير إلى أن المحصول سيكون أفضل من الموسم السابق، بشرط توفر أمطار خريفية كافية، وهي العامل المناخي الحاسم في تحديد مردودية الأشجار. وأضاف أن المنظمة الفلاحية شاركت في عدة اجتماعات تنسيقية مع وزارة الفلاحة، وقدّمت سلسلة من المقترحات تتعلق بتمويل عمليات الجني والتخزين والتسويق، في انتظار قرارات تنفيذية عاجلة لتأمين أفضل الظروف لانطلاق الموسم.

تخزين كافٍ.. وتمويل متراجع

وأوضح نصراوي أن تونس تمتلك طاقة تخزين تفوق 400 ألف طن من زيت الزيتون، موزعة بين القطاع الخاص والديوان الوطني للزيت، الذي يحتفظ وحده بنحو 100 ألف طن. غير أن التحدي الأساسي، بحسب قوله، لا يكمن في التخزين بل في تمويل هذه العملية، خاصة لفائدة أصحاب المعاصر والمصدرين الذين يجدون أنفسهم في حاجة إلى تمويلات لتغطية التكاليف التشغيلية إلى حين تسويق منتجاتهم. وطالب نصراوي بأن تشمل منحة التخزين الممنوحة من الدولة تكاليف الفوائد البنكية الشهرية عن كل كيلوغرام من الزيت، حتى لا يتحمل الفلاحون والمصدرون أعباء مالية إضافية قد تؤثر على قدرتهم التنافسية في الأسواق الخارجية.

صادرات قوية رغم تراجع الإيرادات

وعلى صعيد التصدير، أكد نصراوي أن تونس نجحت خلال الموسم المنقضي في تصدير نحو 252 ألف طن من زيت الزيتون حتى نهاية شهر أوت الماضي، مشيرًا إلى أن عمليات التصدير عادة ما تتركز بعد شهر أفريل ولا تواجه صعوبات إلا في فترة ذروة الجني الممتدة من منتصف ديسمبر إلى نهاية جانفي. وأضاف أن السيطرة على العرض خلال هذه الفترة تمثل عنصرا جوهريا لتجنب اختلال الأسعار وضمان تسويق سلس. كما أوضح أن تونس حققت رقما قياسيا غير مسبوق في تصدير الزيت المعلّب، إذ تجاوزت الكميات 30 ألف طن خلال الموسم الماضي، معربا عن أمله في مضاعفة هذا الرقم في الموسم المقبل بفضل الخطط الجديدة الهادفة إلى تثمين الإنتاج وتحسين جودة التغليف والترويج للعلامة التونسية.

تنويع الأسواق.. وجهة استراتيجية جديدة

تُعدّ السوقان الإيطالية والإسبانية الوجهتين التقليديتين الرئيسيتين لزيت الزيتون التونسي، غير أن تونس تعمل منذ فترة على تنويع أسواقها عبر التوجه نحو القارة الإفريقية والآسيوية، إضافة إلى تعزيز حضورها في السوق الأمريكية التي استقبلت كميات كبيرة من الزيت المعلب التونسي في الموسم السابق. وقد واجه المصدرون التونسيون بعض العراقيل في السوق الأمريكية بسبب الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، غير أنهم يسعون اليوم إلى إعادة التمركز هناك من خلال اتفاقيات تجارية جديدة وترويج أكثر فاعلية للعلامة الوطنية.

واقع السوق وتحديات الأسعار

وتؤكد المؤشرات الرسمية، التي تحصلت عليها «الصباح»، أن موسم 2024/2025 شهد ارتفاعا في كميات الزيت المصدّرة بنسبة تجاوزت 36 % مقارنة بالموسم السابق، لتصل إلى نحو 237 ألف طن، غير أن الإيرادات تراجعت بنحو 31 % لتسجل حوالي 3.2 مليار دينار، نتيجة انخفاض الأسعار العالمية. وقد بلغ متوسط سعر التصدير حوالي 13.4 دينار للكيلوغرام، وهو ما يمثل تراجعا يقارب 50 % مقارنة بالعام السابق. وفي المقابل، سجل موسم 2023/2024 أداءً استثنائيا من حيث الإيرادات، إذ بلغت قيمة الصادرات 5 مليارات دينار مقابل 190 ألف طن من الزيت، منها أكثر من 26 ألف طن من الزيت المعلّب و39 ألف طن من الزيت البيولوجي. هذه الأرقام تعكس هشاشة السوق الدولية التي تتأثر بتقلّبات الأسعار العالمية وبالعرض الوفير الذي شهدته الأسواق الأوروبية هذا العام، خاصة من إسبانيا وإيطاليا، اللتين عادتا إلى مستويات إنتاج مرتفعة بعد سنتين من الجفاف.

موسم واعد وتفاؤل بالإنتاج القياسي

ورغم هذه التحديات، تراهن تونس على تحقيق موسم قياسي في إنتاج الزيتون خلال موسم 2025-2026، إذ تشير التقديرات إلى أن الإنتاج قد يتراوح بين 400 و500 ألف طن، وهو ما سيضع البلاد أمام فرصة جديدة لتعزيز مكانتها العالمية في هذا المجال. وقد أكدت وزارة الفلاحة وجود مؤشرات إيجابية تدعم هذه التوقعات، داعية إلى استخلاص دروس الموسم الماضي ومعالجة النقائص المسجلة، خاصة في مجالات الجني والتخزين والتمويل.

التمويل كرافعة للتنمية الفلاحية

ويبدو أن البنوك التونسية، التي كانت في السنوات الماضية مترددة في تمويل القطاع الفلاحي بسبب المخاطر المناخية وضعف الضمانات، بدأت اليوم تنظر إلى زيت الزيتون كقطاع استراتيجي واعد، خصوصا بعد النجاحات التي حققتها الصادرات المعلّبة في الأسواق الراقية. ويشير عدد من المراقبين إلى أن التمويل البنكي الموجّه نحو هذا القطاع يجب أن يكون أكثر مرونة، وأن يشمل الفلاحين الصغار والمتوسطين الذين يمثلون النسبة الأكبر من المنتجين. فتمكين هؤلاء من الوصول إلى التمويلات التفضيلية سيساهم في تحسين الإنتاجية وتحديث أساليب العمل والرفع من جودة الزيت التونسي.

نحو تثمين الإنتاج وتطوير الجودة

كما تبرز الحاجة إلى تطوير البنية التحتية للتخزين والتعبئة، خاصة في المناطق الداخلية التي تشهد إنتاجا وفيرا لكنها تفتقر إلى وحدات تعبئة حديثة قادرة على تلبية متطلبات الأسواق العالمية. وتشير الإحصاءات إلى أن ما بين 80 و90 % من صادرات الزيت التونسي يتم تسويقها سائبة، وهو ما يقلص من القيمة المضافة التي يمكن أن تحققها البلاد لو تم تصدير كميات أكبر من الزيت المعلب الذي يحظى بهامش ربح مرتفع. ومن هنا، يأتي دور البنوك في تشجيع الاستثمارات في مجال التعليب والتغليف عبر قروض ميسّرة، إلى جانب دعم المشاريع الناشئة في مجالات التسويق الرقمي والترويج الخارجي.

أسواق واعدة ورؤية جديدة للتصدير

وتعمل تونس بالتوازي على فتح أسواق جديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، في إطار سياسة تهدف إلى تقليص الاعتماد على الاتحاد الأوروبي الذي يستحوذ على أكثر من 70 % من صادرات الزيت التونسي. وقد بدأت الاتصالات الدبلوماسية والتجارية مع عدد من الدول الآسيوية مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية، إضافة إلى دول في إفريقيا جنوب الصحراء التي تشهد ارتفاعا متزايدا في الطلب على الزيت التونسي عالي الجودة.

من التعهد إلى التنفيذ

وتؤكد كل هذه المعطيات أن تونس تتجه بثبات نحو مرحلة جديدة من الاستثمار في قطاع الزيتون، حيث تتكامل جهود الدولة والبنك المركزي والبنوك التجارية مع تطلعات الفلاحين والمصدرين. فالتمويل الموجه بذكاء، والتنسيق المؤسسي المحكم، والانفتاح على الأسواق الواعدة، كلها عناصر كفيلة بتحويل موسم 2025-2026 إلى نقطة انطلاق حقيقية نحو ترسيخ ريادة تونس في صناعة زيت الزيتون عالميا، وتجسيم رؤية اقتصادية متكاملة تراهن على قطاع أثبت أنه أكثر من مجرد منتوج فلاحي، بل ركيزة استراتيجية للأمن الغذائي وللاقتصاد الوطني على حد سواء.

سفيان المهداوي

بعد تعهد البنوك بتمويل الموسم القادم..   تونس تتجه لدفع الاستثمارات في قطاع زيت الزيتون

- دعم بنكي غير مسبوق لإنجاح موسم 2025-2026

- البنك المركزي يقود تعبئة مالية غير مسبوقة لقطاع الزيتون

- طاقة تخزين تتجاوز 400 ألف طن والتمويلات التحدي الأكبر

- تونس تصدّر 252 ألف طن من الزيت وتحقق رقما قياسيا في المعلّب

- الأسواق الجديدة تفتح أبوابها أمام الزيت التونسي في آسيا وإفريقيا

- رغم تراجع الإيرادات بـ31 %... رهان على موسم قياسي جديد

- البنوك تتعهد بدعم صغار الفلاحين وتحويل الزيت إلى ثروة استراتيجية

تشهد تونس في الآونة الأخيرة حراكا اقتصاديا لافتا في قطاع زيت الزيتون، الذي يُعد أحد أعمدة الصادرات الفلاحية ومصدرا رئيسيا للعملة الصعبة. وقد برز هذا التوجه بوضوح عقب الاجتماع الذي عقده محافظ البنك المركزي التونسي، فتحي زهير النوري، يوم الثلاثاء 7 أكتوبر الجاري، بحضور رئيس المجلس البنكي والمالي وعدد من المديرين العامين للبنوك العمومية والخاصة، والذي خُصّص لتدارس سبل تمويل موسم زيت الزيتون 2025-2026.

خلال هذا الاجتماع، شدد المحافظ على ضرورة مضاعفة الجهود من قبل القطاع البنكي لمواكبة مختلف المتدخلين في حلقات الإنتاج والتحويل والترويج، بما يساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية وتحفيز التصدير، في خطوة تعكس إرادة وطنية لتأمين انطلاقة قوية لموسم واعد يُعوّل عليه لتحقيق نتائج قياسية على مستوى الإنتاج والإيرادات.

تنسيق مؤسساتي لدعم الفلاحين والمصدرين

وأكد النوري في كلمته أن نجاح الموسم القادم يتطلب تنسيقا فعّالا بين المؤسسات البنكية والجهات الفاعلة في القطاع الفلاحي، مشيرًا إلى أهمية الارتقاء بجودة الخدمات المالية الموجهة للفلاحين والمصدرين وأصحاب المعاصر. كما دعا إلى ضمان تمويل سلس وفعّال لكل مراحل سلسلة القيمة، من جني الزيتون إلى تخزين الزيت وتعبئته وتسويقه، معتبرًا أن مواكبة المنظومة البنكية لهذه العملية تشكّل عنصرا حاسما في إنجاح الموسم وفي تعزيز تموقع تونس ضمن أبرز منتجي ومصدّري زيت الزيتون في العالم.

وقد لاقت هذه الدعوة تجاوبا من ممثلي القطاع البنكي الذين عبّروا عن التزامهم بمرافقة الفاعلين في المنظومة من فلاحين ومصدرين وأصحاب معاصر، وتوفير التمويلات اللازمة لدعم استقرار السوق الداخلية وتيسير عمليات التصدير. وأكد عدد من الحاضرين استعداد البنوك لمعالجة مديونية المتدخلين الذين واجهوا صعوبات خلال الموسم السابق، في بادرة تهدف إلى تخفيف الضغط المالي على المزارعين وضمان انطلاق الموسم الجديد في مناخ من الثقة والاستقرار المالي.

استعدادات الفلاحين ومطالب الاتحاد الوطني للمنتجين

من جهته، شدد الأمين العام للاتحاد الوطني لمنتجي الزيتون في اتحاد الفلاحين التونسيين (UTAP)، محمد نصراوي، على أهمية هذه الخطوة البنكية، معتبرا أن التمويل يشكل ركيزة أساسية لإنجاح موسم الزيتون القادم. وأوضح نصراوي، في تصريحات إعلامية أدلى بها يوم الاثنين 6 أكتوبر الجاري، أن التوقعات الأولية تشير إلى أن المحصول سيكون أفضل من الموسم السابق، بشرط توفر أمطار خريفية كافية، وهي العامل المناخي الحاسم في تحديد مردودية الأشجار. وأضاف أن المنظمة الفلاحية شاركت في عدة اجتماعات تنسيقية مع وزارة الفلاحة، وقدّمت سلسلة من المقترحات تتعلق بتمويل عمليات الجني والتخزين والتسويق، في انتظار قرارات تنفيذية عاجلة لتأمين أفضل الظروف لانطلاق الموسم.

تخزين كافٍ.. وتمويل متراجع

وأوضح نصراوي أن تونس تمتلك طاقة تخزين تفوق 400 ألف طن من زيت الزيتون، موزعة بين القطاع الخاص والديوان الوطني للزيت، الذي يحتفظ وحده بنحو 100 ألف طن. غير أن التحدي الأساسي، بحسب قوله، لا يكمن في التخزين بل في تمويل هذه العملية، خاصة لفائدة أصحاب المعاصر والمصدرين الذين يجدون أنفسهم في حاجة إلى تمويلات لتغطية التكاليف التشغيلية إلى حين تسويق منتجاتهم. وطالب نصراوي بأن تشمل منحة التخزين الممنوحة من الدولة تكاليف الفوائد البنكية الشهرية عن كل كيلوغرام من الزيت، حتى لا يتحمل الفلاحون والمصدرون أعباء مالية إضافية قد تؤثر على قدرتهم التنافسية في الأسواق الخارجية.

صادرات قوية رغم تراجع الإيرادات

وعلى صعيد التصدير، أكد نصراوي أن تونس نجحت خلال الموسم المنقضي في تصدير نحو 252 ألف طن من زيت الزيتون حتى نهاية شهر أوت الماضي، مشيرًا إلى أن عمليات التصدير عادة ما تتركز بعد شهر أفريل ولا تواجه صعوبات إلا في فترة ذروة الجني الممتدة من منتصف ديسمبر إلى نهاية جانفي. وأضاف أن السيطرة على العرض خلال هذه الفترة تمثل عنصرا جوهريا لتجنب اختلال الأسعار وضمان تسويق سلس. كما أوضح أن تونس حققت رقما قياسيا غير مسبوق في تصدير الزيت المعلّب، إذ تجاوزت الكميات 30 ألف طن خلال الموسم الماضي، معربا عن أمله في مضاعفة هذا الرقم في الموسم المقبل بفضل الخطط الجديدة الهادفة إلى تثمين الإنتاج وتحسين جودة التغليف والترويج للعلامة التونسية.

تنويع الأسواق.. وجهة استراتيجية جديدة

تُعدّ السوقان الإيطالية والإسبانية الوجهتين التقليديتين الرئيسيتين لزيت الزيتون التونسي، غير أن تونس تعمل منذ فترة على تنويع أسواقها عبر التوجه نحو القارة الإفريقية والآسيوية، إضافة إلى تعزيز حضورها في السوق الأمريكية التي استقبلت كميات كبيرة من الزيت المعلب التونسي في الموسم السابق. وقد واجه المصدرون التونسيون بعض العراقيل في السوق الأمريكية بسبب الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، غير أنهم يسعون اليوم إلى إعادة التمركز هناك من خلال اتفاقيات تجارية جديدة وترويج أكثر فاعلية للعلامة الوطنية.

واقع السوق وتحديات الأسعار

وتؤكد المؤشرات الرسمية، التي تحصلت عليها «الصباح»، أن موسم 2024/2025 شهد ارتفاعا في كميات الزيت المصدّرة بنسبة تجاوزت 36 % مقارنة بالموسم السابق، لتصل إلى نحو 237 ألف طن، غير أن الإيرادات تراجعت بنحو 31 % لتسجل حوالي 3.2 مليار دينار، نتيجة انخفاض الأسعار العالمية. وقد بلغ متوسط سعر التصدير حوالي 13.4 دينار للكيلوغرام، وهو ما يمثل تراجعا يقارب 50 % مقارنة بالعام السابق. وفي المقابل، سجل موسم 2023/2024 أداءً استثنائيا من حيث الإيرادات، إذ بلغت قيمة الصادرات 5 مليارات دينار مقابل 190 ألف طن من الزيت، منها أكثر من 26 ألف طن من الزيت المعلّب و39 ألف طن من الزيت البيولوجي. هذه الأرقام تعكس هشاشة السوق الدولية التي تتأثر بتقلّبات الأسعار العالمية وبالعرض الوفير الذي شهدته الأسواق الأوروبية هذا العام، خاصة من إسبانيا وإيطاليا، اللتين عادتا إلى مستويات إنتاج مرتفعة بعد سنتين من الجفاف.

موسم واعد وتفاؤل بالإنتاج القياسي

ورغم هذه التحديات، تراهن تونس على تحقيق موسم قياسي في إنتاج الزيتون خلال موسم 2025-2026، إذ تشير التقديرات إلى أن الإنتاج قد يتراوح بين 400 و500 ألف طن، وهو ما سيضع البلاد أمام فرصة جديدة لتعزيز مكانتها العالمية في هذا المجال. وقد أكدت وزارة الفلاحة وجود مؤشرات إيجابية تدعم هذه التوقعات، داعية إلى استخلاص دروس الموسم الماضي ومعالجة النقائص المسجلة، خاصة في مجالات الجني والتخزين والتمويل.

التمويل كرافعة للتنمية الفلاحية

ويبدو أن البنوك التونسية، التي كانت في السنوات الماضية مترددة في تمويل القطاع الفلاحي بسبب المخاطر المناخية وضعف الضمانات، بدأت اليوم تنظر إلى زيت الزيتون كقطاع استراتيجي واعد، خصوصا بعد النجاحات التي حققتها الصادرات المعلّبة في الأسواق الراقية. ويشير عدد من المراقبين إلى أن التمويل البنكي الموجّه نحو هذا القطاع يجب أن يكون أكثر مرونة، وأن يشمل الفلاحين الصغار والمتوسطين الذين يمثلون النسبة الأكبر من المنتجين. فتمكين هؤلاء من الوصول إلى التمويلات التفضيلية سيساهم في تحسين الإنتاجية وتحديث أساليب العمل والرفع من جودة الزيت التونسي.

نحو تثمين الإنتاج وتطوير الجودة

كما تبرز الحاجة إلى تطوير البنية التحتية للتخزين والتعبئة، خاصة في المناطق الداخلية التي تشهد إنتاجا وفيرا لكنها تفتقر إلى وحدات تعبئة حديثة قادرة على تلبية متطلبات الأسواق العالمية. وتشير الإحصاءات إلى أن ما بين 80 و90 % من صادرات الزيت التونسي يتم تسويقها سائبة، وهو ما يقلص من القيمة المضافة التي يمكن أن تحققها البلاد لو تم تصدير كميات أكبر من الزيت المعلب الذي يحظى بهامش ربح مرتفع. ومن هنا، يأتي دور البنوك في تشجيع الاستثمارات في مجال التعليب والتغليف عبر قروض ميسّرة، إلى جانب دعم المشاريع الناشئة في مجالات التسويق الرقمي والترويج الخارجي.

أسواق واعدة ورؤية جديدة للتصدير

وتعمل تونس بالتوازي على فتح أسواق جديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، في إطار سياسة تهدف إلى تقليص الاعتماد على الاتحاد الأوروبي الذي يستحوذ على أكثر من 70 % من صادرات الزيت التونسي. وقد بدأت الاتصالات الدبلوماسية والتجارية مع عدد من الدول الآسيوية مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية، إضافة إلى دول في إفريقيا جنوب الصحراء التي تشهد ارتفاعا متزايدا في الطلب على الزيت التونسي عالي الجودة.

من التعهد إلى التنفيذ

وتؤكد كل هذه المعطيات أن تونس تتجه بثبات نحو مرحلة جديدة من الاستثمار في قطاع الزيتون، حيث تتكامل جهود الدولة والبنك المركزي والبنوك التجارية مع تطلعات الفلاحين والمصدرين. فالتمويل الموجه بذكاء، والتنسيق المؤسسي المحكم، والانفتاح على الأسواق الواعدة، كلها عناصر كفيلة بتحويل موسم 2025-2026 إلى نقطة انطلاق حقيقية نحو ترسيخ ريادة تونس في صناعة زيت الزيتون عالميا، وتجسيم رؤية اقتصادية متكاملة تراهن على قطاع أثبت أنه أكثر من مجرد منتوج فلاحي، بل ركيزة استراتيجية للأمن الغذائي وللاقتصاد الوطني على حد سواء.

سفيان المهداوي