من المنصات إلى الواقع الافتراضي ..اتحاد إذاعات الدول العربية يطرح أسئلة المستقبل التلفزيوني
مقالات الصباح
● الباحثة شهيرة بن عبد الله: «في عصر القفزات الرقمية المتسارعة، لم يعد التحول الرقمي ترفا تكنولوجيا».
● الباحثة راضية الشرعيبي: «لم يعد التلفزيون مجرد شاشة لبث البرامج التقليدية، بل أصبح منصة متعددة الأبعاد وأعاد صياغة العلاقة مع المتلقي.»
انعقدت صباح أمس الأربعاء 8 أكتوبر الجاري ندوة حول «البرامج التلفزيونية ورهانات تطوير المحتوى وتوظيف التكنولوجيا»، التي نظمها اتحاد إذاعات الدول العربية بمقره لمناقشة التحولات الكبرى التي يعيشها الإعلام السمعي البصري في ظل الثورة الرقمية. فتقاطعت النقاشات والأسئلة بخصوص مكانة التلفزيون اليوم أمام سطوة المنصات الرقمية، وحول كيفية استعادة الجمهور عبر محتوى مبتكر وتجارب تفاعلية جديدة.
تركّزت المداخلات والنقاشات في مجملها على تغيّر سلوك الجمهور التلفزيوني في السنوات الأخيرة، باعتبار أنّ المفهوم التقليدي للفئة المستهدفة لم يعد مرتبطا بالعمر فقط، بل بنمط الاستهلاك وفضاء التلقي. فالجيل الجديد لا ينتظر مواعيد البثّ، ولا يتعامل مع مفهوم «أوقات الذروة» كما كان سابقا، بل تحولت الذروة إلى زمن شخصي يختاره المستخدم وفق جدول حياته ومزاجه.
وتوقّف الحاضرون عند الأرقام التي تقدمها المنصات الاجتماعية مثل فايسبوك ويوتيوب وتويتر عبر تقارير «Insights»، التي تكشف عن تفاصيل دقيقة لم تكن متاحة من قبل: عدد المشاهدات، مدة التفاعل، الفئة العمرية، نوع الأجهزة المستخدمة، وحتى لحظات الانقطاع أو التوقف عن المشاهدة. هذه البيانات باتت تمثل بوصلة جديدة للمبرمجين ومديري القنوات لتصميم مضامين أكثر قربًا من ميولات المتلقي، وأكثر قدرة على التفاعل الفوري معه.
في هذا السياق أكّدت الدكتورة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار شهيرة بن عبد الله، في مداخلتها بعنوان «الإنتاج التلفزيوني والتحوّل الرقمي: من التماثل إلى الاندماج والتقارب»، على تسارع وتيرة التحوّل الرقمي، فلم تعد تقنياته مستقرة، بل تتطور أو يتمّ تحديثها بشكل مطّرد، وهو ما قد يضيف أشكالا جديدة من قوالب إنتاج وتطوير المحتوى التلفزيوني وآليات العمل في غرف الأخبار».
الشاشة تتحول إلى فضاء غامر
كما أشارت إلى التحدّيات اللوجستية التقنية، التي تستوجب «توفير بنية تحتية رقمية وبناء ثقافة رقمية قادرة على التكيّف مع التغييرات المتسارعة واللحاق بركبها كي لا تجد المحطات التلفزيونية التقليدية نفسها خارج متطلبات هذه البيئة»، مضيفة أنّه «في عصر القفزات الرقمية المتسارعة، لم يعد التحول الرقمي ترفا تكنولوجيا أو خيارا يمكن تأجيله، بل استراتيجية ملحّة».
وفيما يتعلق بالتحوّل البنيوي في سوق الإعلانات، أكّدت الدكتورة شهيرة بن عبد الله أنّ «الإنفاق الإعلاني قد شهد تحولا جذريا من التلفزيون التقليدي نحو المنصات الرقمية، مدفوعا بعوامل عدة، أبرزها القدرة الدقيقة على استهداف الجمهور وسهولة قياس عائدات الاستثمار. وقد استحوذت شركات التكنولوجيا العملاقة مثل ميتا وغوغل على هذه الميزات بناءً على بيانات المشاهدة والسلوك الرقمي، مستقطبة الملايين من الشركات الصغيرة والمتوسطة الباحثة عن إعلانات فعّالة ومنخفضة التكلفة».
وأشارت إلى أنّ «التحوّل الرقمي فتح المجال واسعا أمام ازدياد عدد المحطّات التلفزيونية ومنصّات البثّ الرقمي، التي توفّر خدمات تندمج فيها الأنظمة الإعلامية والحاسوبية والاتصالية، وأصبحت تنافس التلفزيون التقليدي بقوة لما تتّسم به من كثافة وتنوّع وتخصيص، ممّا أفرز خيارات مشاهدة متنوعة، وأصبح من الصعب على أي برنامج أو قناة جذب نسبة كبيرة من الجمهور». كلّ ذلك خلق تحديات تتعلّق بالجمهور وأنماط الاستخدام، إذ أدّى تعدّد الشاشات والمحامل إلى تشظّي وتشتّت جمهور التلفزيون، وأصبح استقطابه عملية معقّدة تتطلّب إنتاج محتوى قادر على مواكبة أنماط استهلاكه المتغيّرة.
«السوشيال ميديا»: من أداة ترويج إلى مختبر للمحتوى
أما في المداخلة الثانية التي جاءت تحت عنوان «توظيف التكنولوجيا لتعزيز تجربة المشاهد من التلقي إلى التفاعل»، فقد أوضحت الأستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار راضية الشرعيبي أنّ «صناعة التلفزيون تشهد تحوّلا جذريا مع دمج التكنولوجيا الجديدة، وفي مقدّمتها الذكاء الاصطناعي، فأعاد الإعلام الجديد تشكيل مفهوم الإنتاج والمشاهدة التلفزيونية. فلم يعد التلفزيون يقتصر على كونه شاشة لبثّ البرامج التقليدية، بل أصبح منصة متعددة الأبعاد تسعى إلى إشراك المشاهد بشكل مباشر وفعّال، ممّا أعاد صياغة العلاقة بين المتلقي والمحتوى».
وأضافت: «البرامج التلفزيونية لم تعد محصورة في قالب أحادي الاتجاه، بل صارت فضاء مفتوحا للتجربة المشتركة، حيث يمكن للمشاهد التصويت، المشاركة في صناعة القرار البرامجي، بل وحتى الاندماج افتراضيا داخل الأحداث. وعليه، فإن دراسة دور هذه التقنيات في تطوير البرامج التلفزيونية تمثل خطوة أساسية لفهم كيف يمكن للإعلام المرئي أن يعزّز تجربة المشاهد، ويحافظ على جاذبيته في ظل المنافسة الشديدة من المنصات الرقمية».
التحدي الجديد.. من الإنتاج إلى التجربة
ومن أبرز النقاط التي تكرّرت خلال الندوة، التأكيد على أن الرهان لم يعد على وفرة الإنتاج، بل على جودة التجربة التي يقدمها المحتوى. فالتلفزيون في صورته الجديدة لم يعد يسعى إلى كسب المتابعين بقدر ما يسعى إلى بناء علاقة تفاعلية وديناميكية معهم.
طرح المتحدثون كذلك فكرة أن المحتوى الغامر والتفاعلي يمكن أن يُعيد ثقة الجمهور في التلفزيون العمومي تحديدًا، شريطة أن يتم توظيف التكنولوجيا في خدمة القيم التحريرية والمهنية، لا أن تتحول إلى استعراض تقني فارغ.
وبينما أبدى بعض المشاركين تفاؤلهم بمستقبل البرامج التلفزيونية في المنطقة العربية إذا تمّ دمج تقنيات الواقع الافتراضي والبيانات الذكية بذكاء، عبّر آخرون عن تخوّفهم من أن يتحوّل الإبهار التقني إلى غاية في حدّ ذاته، في غياب رؤية سردية قوية أو حسّ ثقافي أصيل.
في ذات السياق، فُتح نقاش من خلال عرض تجارب عربية، على غرار التلفزة الوطنية التونسية وتلفزيون العراق وتلفزيون قطر، حول التحوّل الرقمي، مع وجود قناعة مفادها أنّه ليس خيارا بل أصبح ضرورة وجودية أمام وسائل الإعلام العربية التي تسعى إلى كسب جمهورها الشاب المتّصل على مدار الساعة.
إيمان عبد اللطيف
● الباحثة شهيرة بن عبد الله: «في عصر القفزات الرقمية المتسارعة، لم يعد التحول الرقمي ترفا تكنولوجيا».
● الباحثة راضية الشرعيبي: «لم يعد التلفزيون مجرد شاشة لبث البرامج التقليدية، بل أصبح منصة متعددة الأبعاد وأعاد صياغة العلاقة مع المتلقي.»
انعقدت صباح أمس الأربعاء 8 أكتوبر الجاري ندوة حول «البرامج التلفزيونية ورهانات تطوير المحتوى وتوظيف التكنولوجيا»، التي نظمها اتحاد إذاعات الدول العربية بمقره لمناقشة التحولات الكبرى التي يعيشها الإعلام السمعي البصري في ظل الثورة الرقمية. فتقاطعت النقاشات والأسئلة بخصوص مكانة التلفزيون اليوم أمام سطوة المنصات الرقمية، وحول كيفية استعادة الجمهور عبر محتوى مبتكر وتجارب تفاعلية جديدة.
تركّزت المداخلات والنقاشات في مجملها على تغيّر سلوك الجمهور التلفزيوني في السنوات الأخيرة، باعتبار أنّ المفهوم التقليدي للفئة المستهدفة لم يعد مرتبطا بالعمر فقط، بل بنمط الاستهلاك وفضاء التلقي. فالجيل الجديد لا ينتظر مواعيد البثّ، ولا يتعامل مع مفهوم «أوقات الذروة» كما كان سابقا، بل تحولت الذروة إلى زمن شخصي يختاره المستخدم وفق جدول حياته ومزاجه.
وتوقّف الحاضرون عند الأرقام التي تقدمها المنصات الاجتماعية مثل فايسبوك ويوتيوب وتويتر عبر تقارير «Insights»، التي تكشف عن تفاصيل دقيقة لم تكن متاحة من قبل: عدد المشاهدات، مدة التفاعل، الفئة العمرية، نوع الأجهزة المستخدمة، وحتى لحظات الانقطاع أو التوقف عن المشاهدة. هذه البيانات باتت تمثل بوصلة جديدة للمبرمجين ومديري القنوات لتصميم مضامين أكثر قربًا من ميولات المتلقي، وأكثر قدرة على التفاعل الفوري معه.
في هذا السياق أكّدت الدكتورة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار شهيرة بن عبد الله، في مداخلتها بعنوان «الإنتاج التلفزيوني والتحوّل الرقمي: من التماثل إلى الاندماج والتقارب»، على تسارع وتيرة التحوّل الرقمي، فلم تعد تقنياته مستقرة، بل تتطور أو يتمّ تحديثها بشكل مطّرد، وهو ما قد يضيف أشكالا جديدة من قوالب إنتاج وتطوير المحتوى التلفزيوني وآليات العمل في غرف الأخبار».
الشاشة تتحول إلى فضاء غامر
كما أشارت إلى التحدّيات اللوجستية التقنية، التي تستوجب «توفير بنية تحتية رقمية وبناء ثقافة رقمية قادرة على التكيّف مع التغييرات المتسارعة واللحاق بركبها كي لا تجد المحطات التلفزيونية التقليدية نفسها خارج متطلبات هذه البيئة»، مضيفة أنّه «في عصر القفزات الرقمية المتسارعة، لم يعد التحول الرقمي ترفا تكنولوجيا أو خيارا يمكن تأجيله، بل استراتيجية ملحّة».
وفيما يتعلق بالتحوّل البنيوي في سوق الإعلانات، أكّدت الدكتورة شهيرة بن عبد الله أنّ «الإنفاق الإعلاني قد شهد تحولا جذريا من التلفزيون التقليدي نحو المنصات الرقمية، مدفوعا بعوامل عدة، أبرزها القدرة الدقيقة على استهداف الجمهور وسهولة قياس عائدات الاستثمار. وقد استحوذت شركات التكنولوجيا العملاقة مثل ميتا وغوغل على هذه الميزات بناءً على بيانات المشاهدة والسلوك الرقمي، مستقطبة الملايين من الشركات الصغيرة والمتوسطة الباحثة عن إعلانات فعّالة ومنخفضة التكلفة».
وأشارت إلى أنّ «التحوّل الرقمي فتح المجال واسعا أمام ازدياد عدد المحطّات التلفزيونية ومنصّات البثّ الرقمي، التي توفّر خدمات تندمج فيها الأنظمة الإعلامية والحاسوبية والاتصالية، وأصبحت تنافس التلفزيون التقليدي بقوة لما تتّسم به من كثافة وتنوّع وتخصيص، ممّا أفرز خيارات مشاهدة متنوعة، وأصبح من الصعب على أي برنامج أو قناة جذب نسبة كبيرة من الجمهور». كلّ ذلك خلق تحديات تتعلّق بالجمهور وأنماط الاستخدام، إذ أدّى تعدّد الشاشات والمحامل إلى تشظّي وتشتّت جمهور التلفزيون، وأصبح استقطابه عملية معقّدة تتطلّب إنتاج محتوى قادر على مواكبة أنماط استهلاكه المتغيّرة.
«السوشيال ميديا»: من أداة ترويج إلى مختبر للمحتوى
أما في المداخلة الثانية التي جاءت تحت عنوان «توظيف التكنولوجيا لتعزيز تجربة المشاهد من التلقي إلى التفاعل»، فقد أوضحت الأستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار راضية الشرعيبي أنّ «صناعة التلفزيون تشهد تحوّلا جذريا مع دمج التكنولوجيا الجديدة، وفي مقدّمتها الذكاء الاصطناعي، فأعاد الإعلام الجديد تشكيل مفهوم الإنتاج والمشاهدة التلفزيونية. فلم يعد التلفزيون يقتصر على كونه شاشة لبثّ البرامج التقليدية، بل أصبح منصة متعددة الأبعاد تسعى إلى إشراك المشاهد بشكل مباشر وفعّال، ممّا أعاد صياغة العلاقة بين المتلقي والمحتوى».
وأضافت: «البرامج التلفزيونية لم تعد محصورة في قالب أحادي الاتجاه، بل صارت فضاء مفتوحا للتجربة المشتركة، حيث يمكن للمشاهد التصويت، المشاركة في صناعة القرار البرامجي، بل وحتى الاندماج افتراضيا داخل الأحداث. وعليه، فإن دراسة دور هذه التقنيات في تطوير البرامج التلفزيونية تمثل خطوة أساسية لفهم كيف يمكن للإعلام المرئي أن يعزّز تجربة المشاهد، ويحافظ على جاذبيته في ظل المنافسة الشديدة من المنصات الرقمية».
التحدي الجديد.. من الإنتاج إلى التجربة
ومن أبرز النقاط التي تكرّرت خلال الندوة، التأكيد على أن الرهان لم يعد على وفرة الإنتاج، بل على جودة التجربة التي يقدمها المحتوى. فالتلفزيون في صورته الجديدة لم يعد يسعى إلى كسب المتابعين بقدر ما يسعى إلى بناء علاقة تفاعلية وديناميكية معهم.
طرح المتحدثون كذلك فكرة أن المحتوى الغامر والتفاعلي يمكن أن يُعيد ثقة الجمهور في التلفزيون العمومي تحديدًا، شريطة أن يتم توظيف التكنولوجيا في خدمة القيم التحريرية والمهنية، لا أن تتحول إلى استعراض تقني فارغ.
وبينما أبدى بعض المشاركين تفاؤلهم بمستقبل البرامج التلفزيونية في المنطقة العربية إذا تمّ دمج تقنيات الواقع الافتراضي والبيانات الذكية بذكاء، عبّر آخرون عن تخوّفهم من أن يتحوّل الإبهار التقني إلى غاية في حدّ ذاته، في غياب رؤية سردية قوية أو حسّ ثقافي أصيل.
في ذات السياق، فُتح نقاش من خلال عرض تجارب عربية، على غرار التلفزة الوطنية التونسية وتلفزيون العراق وتلفزيون قطر، حول التحوّل الرقمي، مع وجود قناعة مفادها أنّه ليس خيارا بل أصبح ضرورة وجودية أمام وسائل الإعلام العربية التي تسعى إلى كسب جمهورها الشاب المتّصل على مدار الساعة.
إيمان عبد اللطيف