مع نمو اقتصادي بـ2.6 % يعزز الثقة في المستقبل تونس تسدد ديونها الخارجية لسنة 2025 بنجاح
مقالات الصباح
* إنجاز مالي غير مسبوق يعيد رسم ملامح الاقتصاد التونسي
* 2025.. عام الانتصار المالي والسيادة الاقتصادية
* التحكم في الدين يفتح آفاق الاستثمار والتنمية
* زيت الزيتون والسياحة والتحويلات الخارجية.. ثلاثي النمو في تونس 2025
في خطوة وُصفت بالتاريخية، أعلنت السلطات التونسية، أمس، نجاحها في سداد كامل ديونها الخارجية المستوجبة لسنة 2025 قبل نهاية العام بثلاثة أشهر، بنسبة إنجاز بلغت 125 % مقارنة بالمبلغ المبرمج في قانون المالية والمقدر بـ8469 مليون دينار.
هذا النجاح المالي، الذي جاء في ظرف إقليمي ودولي مطبوع بالضبابية وقيود التمويل الخارجي، اعتُبر مؤشرا قويا على عودة الثقة في قدرة الاقتصاد التونسي على التعافي والاعتماد على الذات دون اللجوء إلى التمويلات الخارجية أو المؤسسات المالية الدولية.
ويأتي هذا التطور المالي في سياق إيجابي، تزامنا مع تقرير البنك الدولي الصادر حديثاً حول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي توقع أن تسجل تونس نسبة نمو تبلغ 2.6 % خلال سنة 2025، مقابل 1.9 % في توقعات سابقة، مدفوعة بانتعاش الإنتاج الفلاحي، لاسيما في قطاعي زيت الزيتون والحبوب، إلى جانب تحسن عائدات السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج.
التحكم في الدين العمومي... من أزمة مديونية إلى نموذج انضباط مالي
ويُعدّ سداد تونس الكامل لالتزاماتها الخارجية للعام 2025 تحولا نوعيا في مسار المالية العمومية التي عانت خلال العقد الماضي من ارتفاع نسب المديونية. فحسب أحدث التقارير الرسمية، تراجعت حصة الديون الخارجية من إجمالي الدين العمومي من 70 % سنة 2019 إلى نحو 50 % سنة 2025، ما يعكس تحسنا ملموسا في بنية الدين وفي قدرة الدولة على تمويل نفسها داخليا.
كما توقّع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن ينخفض قائم الدين العمومي لتونس إلى 80.5 % من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية العام الجاري، وهو ما يترجم جهود التحكم في المالية العمومية، وإعادة التوازن إلى الحسابات الوطنية.
وتشير بيانات وزارة المالية إلى أنّ البلاد سددت 18.2 مليار دينار بعنوان أصل الدين العمومي خلال 2025، منها 8.5 مليار دينار ديون خارجية، مقابل 9.7 مليار دينار ديون داخلية.
أما أقساط فوائد الدين العمومي فقد بلغت 6.5 مليار دينار، منها 1.9 مليار دينار كفوائد للدين الخارجي، وهو ما يعكس تقليصا تدريجيا للعبء المالي على الخزينة العامة.
ويرى خبراء الاقتصاد في تصريحات لـ«الصباح»، أنّ هذا الأداء المالي يُعدّ دليلا على فعالية السياسة النقدية والمالية التي انتهجتها الحكومة خلال السنوات الأخيرة، عبر تقليص الاقتراض الخارجي وتعبئة الموارد الذاتية، مستفيدة من تحسن مداخيل القطاعات المنتجة بالعملة الصعبة، وأيضا إلى توجهات هرم السلطة الرامية إلى الحد من التبعية مع الخارج والتعويل على الذات لدفع الاقتصاد الوطني.
قطاعات واعدة ساهمت في النمو
ويشير تقرير البنك الدولي إلى أنّ النمو الاقتصادي التونسي لسنة 2025 سيكون مدفوعا أساسا بالقطاع الفلاحي، لاسيما في إنتاج وتصدير زيت الزيتون والحبوب.
فقد تمكنت تونس خلال الموسمين الأخيرين من تحقيق إنتاج قياسي من زيت الزيتون، ما جعلها ضمن أكبر المصدرين عالميا، إذ تجاوزت العائدات الملياري دينار سنة 2024، ويتوقع أن تسجل رقما قياسيا جديدا في 2025.
كما ساهم تحسّن الظروف المناخية وتوسيع المساحات المزروعة بالحبوب في رفع الإنتاج المحلي وتخفيض كلفة التوريد، وهو ما انعكس إيجابا على الميزان التجاري للبلاد. ويمثل القطاع الفلاحي اليوم رئة الاقتصاد التونسي، ومصدر عملة صعبة ثابت، فضلاً عن كونه قطاعا اجتماعيا حيويا يدعم أكثر من 15 % من اليد العاملة الوطنية.
السياحة... انتعاشة قوية تدعم احتياطي العملة
وبعد سنوات من التراجع بسبب جائحة كوفيد-19، شهد القطاع السياحي التونسي انتعاشة لافتة خلال 2025، مستفيدا من تحسن الوضع الأمني وتنوع المنتوج السياحي.
وقد سجلت الإيرادات السياحية ارتفاعا ملحوظا، ما ساهم في تعزيز احتياطي البلاد من العملة الصعبة، وتخفيف الضغط على ميزان الدفوعات.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن هذه الزيادة المعتدلة في العائدات السياحية ستعوض جزئيا العجز التجاري، مما يساهم في استقرار العجز الجاري عند حدود 2.7 % من الناتج الداخلي الخام خلال 2025.
تحويلات التونسيين بالخارج.. دعم مستدام للاقتصاد
وتواصل تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج أداءها القوي، إذ بلغت مستويات قياسية خلال العام الجاري، لتصبح ثاني مصدر للعملة الصعبة بعد السياحة. وتُعدّ هذه التحويلات شبكة أمان مالية بالنسبة للأسر وللاقتصاد الوطني على حد سواء، إذ تساهم في تنشيط الاستهلاك الداخلي وتدعم احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي، ما مكّن البلاد من تغطية وارداتها لأشهر متتالية دون صعوبات تمويلية.
انعكاسات إيجابية على التونسيين والاقتصاد الوطني
وتمثل هذه المؤشرات الإيجابية مجتمعة نقطة تحوّل في المسار الاقتصادي التونسي، إذ تعكس بداية مرحلة جديدة قوامها الاستقرار المالي والسيادة الاقتصادية. فنجاح تونس في الوفاء بالتزاماتها الخارجية، بالتوازي مع تحقيق نمو اقتصادي متوازن، يعيد الثقة للمستثمرين، ويُحسن التصنيف الائتماني للبلاد، وهو ما سيسمح مستقبلا بجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، رغم توقع البنك الدولي استقرارها في الأمد القريب.
أما داخليا، فإن التحكم في الدين وتقليص الاقتراض الخارجي يعني تخفيف الضغط على المالية العمومية، وتوجيه الموارد نحو الاستثمار في التنمية والتشغيل والبنية التحتية، وهو ما من شأنه أن ينعكس مباشرة على المستوى المعيشي للمواطنين وتحسين الخدمات العمومية.
ويعتبر عدد من المحللين أن هذه المؤشرات تشكل فرصة نادرة لترسيخ الثقة بين الدولة والمواطن، خاصة بعد سنوات من التقشف والضغوط المالية. كما أن هذه المؤشرات تثبت أن تونس تمكنت بفضل سياسة التعويل على الذات من رسم مسارها التنموي بخطى ثابتة رغم الأزمات الاقتصادية العالمية، وهي في طريقها لتحقيق نقلة اقتصادية نوعية تسترجع من خلالها مكانتها الإقليمية والدولية.
آفاق واعدة وإصلاحات تكرّس المسار الصاعد
وبعد هذا النجاح اللافت، بات الاقتصاد التونسي أمام فرصٌ واعدة لتعزيز مكاسبه وتثبيت مسار النمو خلال السنوات القادمة، من خلال المضي قدما في تنفيذ إصلاحات هيكلية مدروسة.
فالإجراءات المنتظرة في مجالات الإنفاق العمومي ،وتعصير المؤسسات العمومية، وتعزيز المنافسة الاقتصادية تمثل اليوم ركائز ضرورية لتسريع وتيرة النمو، وجعلها أكثر استدامة وشمولا.
كما أن مواصلة التحكم في كتلة الأجور، وترشيد نفقات الدعم لم تعد مجرّد تحديات، بل هي خطوات عملية لضمان توازن المالية العمومية وتحسين جودة الإنفاق نحو التنمية والاستثمار المنتج.
وفي الأثناء، يتهيأ القطاع المالي والمصرفي لمرحلة تحديث جديدة تهدف إلى تسهيل تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة وتشجيع روح المبادرة الخاصة، بما يسهم في خلق الثروة ومواطن الشغل وتحفيز الاقتصاد الوطني على الابتكار والمنافسة.
بهذه المقاربة الإصلاحية الإيجابية، تستعد تونس لمرحلة نمو متجدد ومستدام، تُبنى على أسس صلبة من الانضباط المالي والتحديث الهيكلي والانفتاح الواعي على محيطها الاقتصادي الإقليمي والدولي.
نحو مرحلة جديدة من السيادة الاقتصادية
ومن الواضح أن سنة 2025 ستسجل في التاريخ الاقتصادي لتونس كعام الاستقلال المالي الحقيقي. فبعد أن أغلقت البلاد ملف ديونها الخارجية قبل أوانه دون دعم خارجي، وأثبتت قدرتها على تحقيق نمو متوازن، فإنها تدخل مرحلة جديدة من السيادة الاقتصادية.
هذه المرحلة، يشدد جزء واسع من الخبراء على استثمارها عبر إصلاحات جادة ومواصلة نهج الانضباط المالي، بما يعيد الأمل لفئات واسعة من المجتمع، ويؤكد أن تجاوز الأزمات ممكن بإرادة وطنية صلبة وسياسات واقعية.
من إدارة الأزمة إلى بناء الثقة
ولم يعد الاقتصاد التونسي اليوم مجرد ملف أرقام وديون، بل أصبح قصة نجاح تدريجية تُكتب فصولها بجهد وتخطيط.
فمن بلد كان يواجه خطر العجز عن السداد قبل سنوات، إلى بلد يعلن سداد كامل ديونه الخارجية قبل نهاية السنة بثلاثة أشهر، وبهذه المؤشرات تحقق تونس قفزة نوعية تعكس قدرة البلاد على النهوض من الأزمات متى توفرت الإرادة وحسن الإدارة.
وبينما تتوقع المؤسسات الدولية استمرار المخاطر الاقتصادية العالمية في الأمد المتوسط، فإن المؤشرات الحالية تُظهر أن الاقتصاد التونسي بدأ يستعيد عافيته بثبات، مدعوما بقطاعات واعدة وبانضباط مالي غير مسبوق، حمل رسالة مفادها أن تونس قادرة على النهوض بذاتها، وعلى تحويل التحديات إلى فرص، والمصاعب الاقتصادية إلى قصص نجاح تلهم المنطقة بأسرها.
ومع هذا النجاح المتراكم، تتهيأ تونس لتلعب دورا محوريا في محيطها الإقليمي كمركز استقرار مالي في شمال إفريقيا.
فسياساتها المتوازنة، وقدرتها على التحكم في المديونية، واستقلالها النسبي عن المؤسسات المانحة، تؤهلها لتكون نموذجا اقتصاديا في المنطقة، ومقصدا آمنا للاستثمارات الإقليمية والدولية الباحثة عن بيئة مالية مستقرة ومناخ اقتصادي واعد.
سفيان المهداوي
* إنجاز مالي غير مسبوق يعيد رسم ملامح الاقتصاد التونسي
* 2025.. عام الانتصار المالي والسيادة الاقتصادية
* التحكم في الدين يفتح آفاق الاستثمار والتنمية
* زيت الزيتون والسياحة والتحويلات الخارجية.. ثلاثي النمو في تونس 2025
في خطوة وُصفت بالتاريخية، أعلنت السلطات التونسية، أمس، نجاحها في سداد كامل ديونها الخارجية المستوجبة لسنة 2025 قبل نهاية العام بثلاثة أشهر، بنسبة إنجاز بلغت 125 % مقارنة بالمبلغ المبرمج في قانون المالية والمقدر بـ8469 مليون دينار.
هذا النجاح المالي، الذي جاء في ظرف إقليمي ودولي مطبوع بالضبابية وقيود التمويل الخارجي، اعتُبر مؤشرا قويا على عودة الثقة في قدرة الاقتصاد التونسي على التعافي والاعتماد على الذات دون اللجوء إلى التمويلات الخارجية أو المؤسسات المالية الدولية.
ويأتي هذا التطور المالي في سياق إيجابي، تزامنا مع تقرير البنك الدولي الصادر حديثاً حول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي توقع أن تسجل تونس نسبة نمو تبلغ 2.6 % خلال سنة 2025، مقابل 1.9 % في توقعات سابقة، مدفوعة بانتعاش الإنتاج الفلاحي، لاسيما في قطاعي زيت الزيتون والحبوب، إلى جانب تحسن عائدات السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج.
التحكم في الدين العمومي... من أزمة مديونية إلى نموذج انضباط مالي
ويُعدّ سداد تونس الكامل لالتزاماتها الخارجية للعام 2025 تحولا نوعيا في مسار المالية العمومية التي عانت خلال العقد الماضي من ارتفاع نسب المديونية. فحسب أحدث التقارير الرسمية، تراجعت حصة الديون الخارجية من إجمالي الدين العمومي من 70 % سنة 2019 إلى نحو 50 % سنة 2025، ما يعكس تحسنا ملموسا في بنية الدين وفي قدرة الدولة على تمويل نفسها داخليا.
كما توقّع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن ينخفض قائم الدين العمومي لتونس إلى 80.5 % من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية العام الجاري، وهو ما يترجم جهود التحكم في المالية العمومية، وإعادة التوازن إلى الحسابات الوطنية.
وتشير بيانات وزارة المالية إلى أنّ البلاد سددت 18.2 مليار دينار بعنوان أصل الدين العمومي خلال 2025، منها 8.5 مليار دينار ديون خارجية، مقابل 9.7 مليار دينار ديون داخلية.
أما أقساط فوائد الدين العمومي فقد بلغت 6.5 مليار دينار، منها 1.9 مليار دينار كفوائد للدين الخارجي، وهو ما يعكس تقليصا تدريجيا للعبء المالي على الخزينة العامة.
ويرى خبراء الاقتصاد في تصريحات لـ«الصباح»، أنّ هذا الأداء المالي يُعدّ دليلا على فعالية السياسة النقدية والمالية التي انتهجتها الحكومة خلال السنوات الأخيرة، عبر تقليص الاقتراض الخارجي وتعبئة الموارد الذاتية، مستفيدة من تحسن مداخيل القطاعات المنتجة بالعملة الصعبة، وأيضا إلى توجهات هرم السلطة الرامية إلى الحد من التبعية مع الخارج والتعويل على الذات لدفع الاقتصاد الوطني.
قطاعات واعدة ساهمت في النمو
ويشير تقرير البنك الدولي إلى أنّ النمو الاقتصادي التونسي لسنة 2025 سيكون مدفوعا أساسا بالقطاع الفلاحي، لاسيما في إنتاج وتصدير زيت الزيتون والحبوب.
فقد تمكنت تونس خلال الموسمين الأخيرين من تحقيق إنتاج قياسي من زيت الزيتون، ما جعلها ضمن أكبر المصدرين عالميا، إذ تجاوزت العائدات الملياري دينار سنة 2024، ويتوقع أن تسجل رقما قياسيا جديدا في 2025.
كما ساهم تحسّن الظروف المناخية وتوسيع المساحات المزروعة بالحبوب في رفع الإنتاج المحلي وتخفيض كلفة التوريد، وهو ما انعكس إيجابا على الميزان التجاري للبلاد. ويمثل القطاع الفلاحي اليوم رئة الاقتصاد التونسي، ومصدر عملة صعبة ثابت، فضلاً عن كونه قطاعا اجتماعيا حيويا يدعم أكثر من 15 % من اليد العاملة الوطنية.
السياحة... انتعاشة قوية تدعم احتياطي العملة
وبعد سنوات من التراجع بسبب جائحة كوفيد-19، شهد القطاع السياحي التونسي انتعاشة لافتة خلال 2025، مستفيدا من تحسن الوضع الأمني وتنوع المنتوج السياحي.
وقد سجلت الإيرادات السياحية ارتفاعا ملحوظا، ما ساهم في تعزيز احتياطي البلاد من العملة الصعبة، وتخفيف الضغط على ميزان الدفوعات.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن هذه الزيادة المعتدلة في العائدات السياحية ستعوض جزئيا العجز التجاري، مما يساهم في استقرار العجز الجاري عند حدود 2.7 % من الناتج الداخلي الخام خلال 2025.
تحويلات التونسيين بالخارج.. دعم مستدام للاقتصاد
وتواصل تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج أداءها القوي، إذ بلغت مستويات قياسية خلال العام الجاري، لتصبح ثاني مصدر للعملة الصعبة بعد السياحة. وتُعدّ هذه التحويلات شبكة أمان مالية بالنسبة للأسر وللاقتصاد الوطني على حد سواء، إذ تساهم في تنشيط الاستهلاك الداخلي وتدعم احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي، ما مكّن البلاد من تغطية وارداتها لأشهر متتالية دون صعوبات تمويلية.
انعكاسات إيجابية على التونسيين والاقتصاد الوطني
وتمثل هذه المؤشرات الإيجابية مجتمعة نقطة تحوّل في المسار الاقتصادي التونسي، إذ تعكس بداية مرحلة جديدة قوامها الاستقرار المالي والسيادة الاقتصادية. فنجاح تونس في الوفاء بالتزاماتها الخارجية، بالتوازي مع تحقيق نمو اقتصادي متوازن، يعيد الثقة للمستثمرين، ويُحسن التصنيف الائتماني للبلاد، وهو ما سيسمح مستقبلا بجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، رغم توقع البنك الدولي استقرارها في الأمد القريب.
أما داخليا، فإن التحكم في الدين وتقليص الاقتراض الخارجي يعني تخفيف الضغط على المالية العمومية، وتوجيه الموارد نحو الاستثمار في التنمية والتشغيل والبنية التحتية، وهو ما من شأنه أن ينعكس مباشرة على المستوى المعيشي للمواطنين وتحسين الخدمات العمومية.
ويعتبر عدد من المحللين أن هذه المؤشرات تشكل فرصة نادرة لترسيخ الثقة بين الدولة والمواطن، خاصة بعد سنوات من التقشف والضغوط المالية. كما أن هذه المؤشرات تثبت أن تونس تمكنت بفضل سياسة التعويل على الذات من رسم مسارها التنموي بخطى ثابتة رغم الأزمات الاقتصادية العالمية، وهي في طريقها لتحقيق نقلة اقتصادية نوعية تسترجع من خلالها مكانتها الإقليمية والدولية.
آفاق واعدة وإصلاحات تكرّس المسار الصاعد
وبعد هذا النجاح اللافت، بات الاقتصاد التونسي أمام فرصٌ واعدة لتعزيز مكاسبه وتثبيت مسار النمو خلال السنوات القادمة، من خلال المضي قدما في تنفيذ إصلاحات هيكلية مدروسة.
فالإجراءات المنتظرة في مجالات الإنفاق العمومي ،وتعصير المؤسسات العمومية، وتعزيز المنافسة الاقتصادية تمثل اليوم ركائز ضرورية لتسريع وتيرة النمو، وجعلها أكثر استدامة وشمولا.
كما أن مواصلة التحكم في كتلة الأجور، وترشيد نفقات الدعم لم تعد مجرّد تحديات، بل هي خطوات عملية لضمان توازن المالية العمومية وتحسين جودة الإنفاق نحو التنمية والاستثمار المنتج.
وفي الأثناء، يتهيأ القطاع المالي والمصرفي لمرحلة تحديث جديدة تهدف إلى تسهيل تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة وتشجيع روح المبادرة الخاصة، بما يسهم في خلق الثروة ومواطن الشغل وتحفيز الاقتصاد الوطني على الابتكار والمنافسة.
بهذه المقاربة الإصلاحية الإيجابية، تستعد تونس لمرحلة نمو متجدد ومستدام، تُبنى على أسس صلبة من الانضباط المالي والتحديث الهيكلي والانفتاح الواعي على محيطها الاقتصادي الإقليمي والدولي.
نحو مرحلة جديدة من السيادة الاقتصادية
ومن الواضح أن سنة 2025 ستسجل في التاريخ الاقتصادي لتونس كعام الاستقلال المالي الحقيقي. فبعد أن أغلقت البلاد ملف ديونها الخارجية قبل أوانه دون دعم خارجي، وأثبتت قدرتها على تحقيق نمو متوازن، فإنها تدخل مرحلة جديدة من السيادة الاقتصادية.
هذه المرحلة، يشدد جزء واسع من الخبراء على استثمارها عبر إصلاحات جادة ومواصلة نهج الانضباط المالي، بما يعيد الأمل لفئات واسعة من المجتمع، ويؤكد أن تجاوز الأزمات ممكن بإرادة وطنية صلبة وسياسات واقعية.
من إدارة الأزمة إلى بناء الثقة
ولم يعد الاقتصاد التونسي اليوم مجرد ملف أرقام وديون، بل أصبح قصة نجاح تدريجية تُكتب فصولها بجهد وتخطيط.
فمن بلد كان يواجه خطر العجز عن السداد قبل سنوات، إلى بلد يعلن سداد كامل ديونه الخارجية قبل نهاية السنة بثلاثة أشهر، وبهذه المؤشرات تحقق تونس قفزة نوعية تعكس قدرة البلاد على النهوض من الأزمات متى توفرت الإرادة وحسن الإدارة.
وبينما تتوقع المؤسسات الدولية استمرار المخاطر الاقتصادية العالمية في الأمد المتوسط، فإن المؤشرات الحالية تُظهر أن الاقتصاد التونسي بدأ يستعيد عافيته بثبات، مدعوما بقطاعات واعدة وبانضباط مالي غير مسبوق، حمل رسالة مفادها أن تونس قادرة على النهوض بذاتها، وعلى تحويل التحديات إلى فرص، والمصاعب الاقتصادية إلى قصص نجاح تلهم المنطقة بأسرها.
ومع هذا النجاح المتراكم، تتهيأ تونس لتلعب دورا محوريا في محيطها الإقليمي كمركز استقرار مالي في شمال إفريقيا.
فسياساتها المتوازنة، وقدرتها على التحكم في المديونية، واستقلالها النسبي عن المؤسسات المانحة، تؤهلها لتكون نموذجا اقتصاديا في المنطقة، ومقصدا آمنا للاستثمارات الإقليمية والدولية الباحثة عن بيئة مالية مستقرة ومناخ اقتصادي واعد.
سفيان المهداوي