إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية.. الوضع البيئي في البلاد على رأس أولويات الدولة

❞مقررة لجنة البيئة بمجلس نواب الشعب لـ«الصباح»: الوضع البيئي متدهور في عديد المناطق.. وعلى وزارة البيئة تحمل مسؤولياتها❝

يشهد الوضع البيئي في تونس، منذ عقود، حالة من الهشاشة البنيوية، تجعل منه ملفا معقّدا يتقاطع مع مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ورغم الجهود التشريعية والمؤسساتية التي بُذلت إلى حدّ اليوم، ما تزال البلاد تواجه تحديات بيئية عميقة. وفي هذا السياق، تبذل تونس جهودا كبيرة للحدّ من التلوث بمختلف أنواعه، نظراً لتأثيره السلبي على الصحة والبيئة. وقد اعتمدت الدولة سياسات لمراقبة جودة الهواء والمياه، إلى جانب سنّ قوانين صارمة للحدّ من التلوث الصناعي. كما تعمل على تطوير منظومات التصرف في النفايات، وتحسين البنية التحتية لمعالجة المياه المستعملة. وتُشجَّع المبادرات البيئية، والشراكات مع منظمات المجتمع المدني، للتوعية بأهمية الحفاظ على نظافة المحيط. إضافة إلى ذلك، تولي تونس أهمية خاصة للحد من التلوث البحري، خصوصاً في المناطق الساحلية، بهدف حماية التنوع البيولوجي وتحقيق تنمية مستدامة تراعي التوازن بين متطلبات الاقتصاد وحماية البيئة.

وقد ساهمت بعض الأنشطة الإنتاجية الكبرى في تلوّث خطير للبيئة، فالمناطق التي تحتضن الصناعات الكيميائية أو الطاقية غالبا ما تعاني من نسب مرتفعة من التلوث، سواء في الهواء أو في التربة أو في الموارد المائية. وإلى جانب ذلك، تمثل النفايات المنزلية والصناعية تحدّيا يوميا، إذ تفتقر تونس إلى منظومات فعّالة للفرز وإعادة التدوير لهذه الفضلات.

وفي خضم هذه الصورة العامة للوضع البيئي في تونس، تبرز ولاية قابس كأحد الأمثلة الأوضح على حدّة الأزمة البيئية.

فهذه الجهة الجنوبية، التي تجمع بين البحر والواحات والصحراء، تمتلك مقومات طبيعية كبيرة، غير أن إدماجها في منظومة التنمية الصناعية، منذ سبعينات القرن الماضي، عبر إنشاء المجمع الكيميائي وعدد من المصانع المرتبطة بالفوسفات، جعل منها بؤرة للتلوث الصناعي.

وتُصنَّف قابس، اليوم، من بين أكثر المناطق تضررا بيئيا في تونس، فقد ألحقت المصانع أضرارا جسيمة بالمنظومة البحرية، جرّاء مادة الفوسفوجيبس والمواد الكيميائية.

وقد انعكست هذه الوضعية على نشاط الصيد البحري، حيث فقد العديد من الصيادين مصادر رزقهم. كما أن التلوث الهوائي، الناتج عن الانبعاثات الغازية للمصانع، أثّر بشكل سلبي على صحة السكان المحليين، الذين يشتكون من نسب مرتفعة من الأمراض التنفسية والسرطانية.

وقد تزايدت الضغوط في السنوات الأخيرة، خاصة بعد تكرّر حوادث الاختناق في المدارس، وتسرب الغازات السامة، وهو ما جعل الوضع في قابس يتحول إلى ملف وطني حارق يتصدّر النقاش العام. وفي هذا السياق، تدخّل رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، في أكثر من مناسبة لطرح الملف البيئي في قابس. ففي لقاء عقد يوم 30 سبتمبر 2025 مع وزراء الصحة والبيئة والصناعة، وصف رئيس الجمهورية ما يحدث في قابس بأنه «اغتيال للبيئة» و«جريمة مكتملة الأركان ارتُكبت في حقّ السكان».

وأكد رئيس الدولة أن مظاهر الحياة في قابس تكاد تكون قد اندثرت بفعل السياسات الخاطئة والإهمال في الصيانة، محذّرا من أن التلوث تسبّب في انتشار أمراض خطيرة مثل السرطان، وأدى إلى القضاء على الواحات التي تُعدّ من خصوصيات المنطقة.

كما شدّد رئيس الجمهورية على أن استمرار الوضع الحالي غير مقبول، وأن الدولة ملزمة بالتدخل العاجل لإيقاف نزيف التلوث ومعالجة الإخلالات المتراكمة منذ عقود.

وكان رئيس الجمهورية قد تابع أيضا الوضع البيئي في جويلية الماضي، خلال لقائه بقصر قرطاج، وزير البيئة حبيب عبيد.

وذكّر بأنّ الحقّ في بيئة سليمة هو من حقوق الإنسان، فضلا عن أن الدولة، بنصّ الدستور، محمولة على ضمان الحقّ في بيئة سليمة ومتوازنة، والمساهمة في سلامة المناخ، مع توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوّث البيئي.

كما أسدى رئيس الجمهورية تعليماته باتخاذ إجراءات عاجلة، بالتنسيق مع كل الإدارات المعنية، لوضع حدّ للاعتداء السافر المتواصل، منذ سنوات، على البيئة، وحماية الشريط الساحلي في مختلف مناطق الجمهورية، في انتظار وضع استراتيجية جديدة تقضي نهائيا على إهدار المال العام، وعلى كل أشكال ومصادر التلوث البيئي.

وفي هذا السياق، قالت مقرّرة لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة، مهى عامر، في تصريح لـ«الصباح»، إن الوضع البيئي في تونس متدهور في عديد المناطق، مؤكدة أن ظاهرة إلقاء الفضلات في الشوارع وفي أغلب الأماكن العامة أصبحت منتشرة، داعية إلى مزيد توعية المواطن.

وحملت المتحدثة المسؤولية في تدهور الوضع البيئي في البلاد لكلّ من لا يتحلى بالوعي، داعية إلى تكثيف حملات التوعية، والعمل على مستوى المدارس والمعاهد الإعدادية والثانوية، من أجل زرع هذه العادات السليمة في التلاميذ منذ النشأة.

كما ندّدت مقرّرة اللجنة بغياب عمليات ربط الأحياء بشبكة التطهير، وهو ما تسبب في الأوساخ والروائح التي من شأنها أن تهدّد سلامة المواطنين في مختلف الجهات.

ودعت وزارة البيئة إلى بذل مجهودات أكبر في المجال البيئي، قائلة إنه لا وجود لأي نتائج ملموسة فيما يتعلّق بالعديد من العمليات والتدخلات البيئية في عدة جهات.

وأضافت أن توجه الدولة حاليا هو توجه اجتماعي، وأن عملية التطهير، في حدّ ذاتها، تُعتبر توجها اجتماعيا.

وفي ما يتعلّق بالوضع في ولاية قابس، أفادت مقرّرة اللجنة بأن قابس تعيش وضعا خطيرا، مؤكدة أن نواب اللجنة، ومنذ الدورة النيابية السابقة، وأعضاء اللجنة السابقين والحاليين، يتقدّمون بمطالب لأداء زيارة إلى ولاية قابس، ولكن دون جدوى، مؤكدة أن التعطيل الإداري وغياب التنسيق هو السبب الرئيسي في تعطيل أداء اللجنة لزيارة ميدانية للجهة لمزيد الوقوف على الوضع.

وأضافت أنه من المنتظر عقد اجتماع قريب داخل اللجنة من أجل العمل على إيقاف هذا النزيف، وانبعاث الغازات السامة في قابس، في انتظار التفاعل الإيجابي بخصوص أداء زيارة رسمية إلى الولاية.

وفي ختام تصريحها، دعت مقرّرة لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة، وزارة البيئة إلى تقديم نتائج فاعلة وملموسة في معالجة الوضع البيئي في البلاد، مذكّرة بأنه لا يمكن تحقيق بيئة سليمة في غياب مجهودات فعلية من الديوان الوطني للتطهير.

أميرة الدريدي

تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية..   الوضع البيئي في البلاد على رأس أولويات الدولة

❞مقررة لجنة البيئة بمجلس نواب الشعب لـ«الصباح»: الوضع البيئي متدهور في عديد المناطق.. وعلى وزارة البيئة تحمل مسؤولياتها❝

يشهد الوضع البيئي في تونس، منذ عقود، حالة من الهشاشة البنيوية، تجعل منه ملفا معقّدا يتقاطع مع مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ورغم الجهود التشريعية والمؤسساتية التي بُذلت إلى حدّ اليوم، ما تزال البلاد تواجه تحديات بيئية عميقة. وفي هذا السياق، تبذل تونس جهودا كبيرة للحدّ من التلوث بمختلف أنواعه، نظراً لتأثيره السلبي على الصحة والبيئة. وقد اعتمدت الدولة سياسات لمراقبة جودة الهواء والمياه، إلى جانب سنّ قوانين صارمة للحدّ من التلوث الصناعي. كما تعمل على تطوير منظومات التصرف في النفايات، وتحسين البنية التحتية لمعالجة المياه المستعملة. وتُشجَّع المبادرات البيئية، والشراكات مع منظمات المجتمع المدني، للتوعية بأهمية الحفاظ على نظافة المحيط. إضافة إلى ذلك، تولي تونس أهمية خاصة للحد من التلوث البحري، خصوصاً في المناطق الساحلية، بهدف حماية التنوع البيولوجي وتحقيق تنمية مستدامة تراعي التوازن بين متطلبات الاقتصاد وحماية البيئة.

وقد ساهمت بعض الأنشطة الإنتاجية الكبرى في تلوّث خطير للبيئة، فالمناطق التي تحتضن الصناعات الكيميائية أو الطاقية غالبا ما تعاني من نسب مرتفعة من التلوث، سواء في الهواء أو في التربة أو في الموارد المائية. وإلى جانب ذلك، تمثل النفايات المنزلية والصناعية تحدّيا يوميا، إذ تفتقر تونس إلى منظومات فعّالة للفرز وإعادة التدوير لهذه الفضلات.

وفي خضم هذه الصورة العامة للوضع البيئي في تونس، تبرز ولاية قابس كأحد الأمثلة الأوضح على حدّة الأزمة البيئية.

فهذه الجهة الجنوبية، التي تجمع بين البحر والواحات والصحراء، تمتلك مقومات طبيعية كبيرة، غير أن إدماجها في منظومة التنمية الصناعية، منذ سبعينات القرن الماضي، عبر إنشاء المجمع الكيميائي وعدد من المصانع المرتبطة بالفوسفات، جعل منها بؤرة للتلوث الصناعي.

وتُصنَّف قابس، اليوم، من بين أكثر المناطق تضررا بيئيا في تونس، فقد ألحقت المصانع أضرارا جسيمة بالمنظومة البحرية، جرّاء مادة الفوسفوجيبس والمواد الكيميائية.

وقد انعكست هذه الوضعية على نشاط الصيد البحري، حيث فقد العديد من الصيادين مصادر رزقهم. كما أن التلوث الهوائي، الناتج عن الانبعاثات الغازية للمصانع، أثّر بشكل سلبي على صحة السكان المحليين، الذين يشتكون من نسب مرتفعة من الأمراض التنفسية والسرطانية.

وقد تزايدت الضغوط في السنوات الأخيرة، خاصة بعد تكرّر حوادث الاختناق في المدارس، وتسرب الغازات السامة، وهو ما جعل الوضع في قابس يتحول إلى ملف وطني حارق يتصدّر النقاش العام. وفي هذا السياق، تدخّل رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، في أكثر من مناسبة لطرح الملف البيئي في قابس. ففي لقاء عقد يوم 30 سبتمبر 2025 مع وزراء الصحة والبيئة والصناعة، وصف رئيس الجمهورية ما يحدث في قابس بأنه «اغتيال للبيئة» و«جريمة مكتملة الأركان ارتُكبت في حقّ السكان».

وأكد رئيس الدولة أن مظاهر الحياة في قابس تكاد تكون قد اندثرت بفعل السياسات الخاطئة والإهمال في الصيانة، محذّرا من أن التلوث تسبّب في انتشار أمراض خطيرة مثل السرطان، وأدى إلى القضاء على الواحات التي تُعدّ من خصوصيات المنطقة.

كما شدّد رئيس الجمهورية على أن استمرار الوضع الحالي غير مقبول، وأن الدولة ملزمة بالتدخل العاجل لإيقاف نزيف التلوث ومعالجة الإخلالات المتراكمة منذ عقود.

وكان رئيس الجمهورية قد تابع أيضا الوضع البيئي في جويلية الماضي، خلال لقائه بقصر قرطاج، وزير البيئة حبيب عبيد.

وذكّر بأنّ الحقّ في بيئة سليمة هو من حقوق الإنسان، فضلا عن أن الدولة، بنصّ الدستور، محمولة على ضمان الحقّ في بيئة سليمة ومتوازنة، والمساهمة في سلامة المناخ، مع توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوّث البيئي.

كما أسدى رئيس الجمهورية تعليماته باتخاذ إجراءات عاجلة، بالتنسيق مع كل الإدارات المعنية، لوضع حدّ للاعتداء السافر المتواصل، منذ سنوات، على البيئة، وحماية الشريط الساحلي في مختلف مناطق الجمهورية، في انتظار وضع استراتيجية جديدة تقضي نهائيا على إهدار المال العام، وعلى كل أشكال ومصادر التلوث البيئي.

وفي هذا السياق، قالت مقرّرة لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة، مهى عامر، في تصريح لـ«الصباح»، إن الوضع البيئي في تونس متدهور في عديد المناطق، مؤكدة أن ظاهرة إلقاء الفضلات في الشوارع وفي أغلب الأماكن العامة أصبحت منتشرة، داعية إلى مزيد توعية المواطن.

وحملت المتحدثة المسؤولية في تدهور الوضع البيئي في البلاد لكلّ من لا يتحلى بالوعي، داعية إلى تكثيف حملات التوعية، والعمل على مستوى المدارس والمعاهد الإعدادية والثانوية، من أجل زرع هذه العادات السليمة في التلاميذ منذ النشأة.

كما ندّدت مقرّرة اللجنة بغياب عمليات ربط الأحياء بشبكة التطهير، وهو ما تسبب في الأوساخ والروائح التي من شأنها أن تهدّد سلامة المواطنين في مختلف الجهات.

ودعت وزارة البيئة إلى بذل مجهودات أكبر في المجال البيئي، قائلة إنه لا وجود لأي نتائج ملموسة فيما يتعلّق بالعديد من العمليات والتدخلات البيئية في عدة جهات.

وأضافت أن توجه الدولة حاليا هو توجه اجتماعي، وأن عملية التطهير، في حدّ ذاتها، تُعتبر توجها اجتماعيا.

وفي ما يتعلّق بالوضع في ولاية قابس، أفادت مقرّرة اللجنة بأن قابس تعيش وضعا خطيرا، مؤكدة أن نواب اللجنة، ومنذ الدورة النيابية السابقة، وأعضاء اللجنة السابقين والحاليين، يتقدّمون بمطالب لأداء زيارة إلى ولاية قابس، ولكن دون جدوى، مؤكدة أن التعطيل الإداري وغياب التنسيق هو السبب الرئيسي في تعطيل أداء اللجنة لزيارة ميدانية للجهة لمزيد الوقوف على الوضع.

وأضافت أنه من المنتظر عقد اجتماع قريب داخل اللجنة من أجل العمل على إيقاف هذا النزيف، وانبعاث الغازات السامة في قابس، في انتظار التفاعل الإيجابي بخصوص أداء زيارة رسمية إلى الولاية.

وفي ختام تصريحها، دعت مقرّرة لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة، وزارة البيئة إلى تقديم نتائج فاعلة وملموسة في معالجة الوضع البيئي في البلاد، مذكّرة بأنه لا يمكن تحقيق بيئة سليمة في غياب مجهودات فعلية من الديوان الوطني للتطهير.

أميرة الدريدي