شهدت الإيرادات الجبائية في تونس قفزة غير مسبوقة خلال سنة 2025، إذ قدّرتها وزارة المالية بـ28.4 مليار دينار، بزيادة تفوق 4.5 مليارات مقارنة بالعام الماضي، وذلك وفقا لتقرير تنفيذ ميزانية 2025 الصادر، أمس، عن وزارة المالية. ويعكس هذا الارتفاع اللافت تحسن قدرة الدولة على تعبئة مواردها الداخلية، في وقت تواجه فيه المالية العمومية ضغوطا كبيرة من تضخم الأجور وخدمة الدين ونفقات الدعم. ويؤكد مراقبون أنّ هذا المؤشر الإيجابي يمثل متنفسًا حيويًا لخزينة الدولة وفرصة لتقليص العجز وتقوية ثقة المانحين والشركاء الماليين الدوليين في الاقتصاد التونسي..
وتعد هذه المؤشرات الإيجابية لخزينة الدولة غير مسبوقة بفضل الارتفاع الملحوظ في العائدات الجبائية التي قدرتها وزارة المالية بحوالي 28.491 مليار دينار. هذا الرقم، الذي يمثل زيادة تتجاوز 4.5 مليار دينار مقارنة بسنة 2024، ينعش خزينة الدولة ويساهم في تقليص العجز، ويوفر متنفسا لمواجهة الالتزامات المتزايدة.
ورغم أن النفقات العمومية لا تزال ثقيلة بفعل تضخم كتلة الأجور وخدمة الدين ونفقات الدعم، فإن تطور الإيرادات الجبائية يمنح الدولة هامشا من المناورة، ويؤشر إلى أن الإدارة الجبائية قادرة على تحسين تعبئة الموارد الداخلية إذا توفرت الإرادة والإصلاحات اللازمة.
عائدات جبائية قياسية
ويشير التقرير الصادر عن وزارة المالية إلى أن الإيرادات الجبائية في تونس ستقفز من حوالي 23.9 مليار دينار سنة 2024 إلى أكثر من 28.4 مليار في 2025، أي بزيادة تناهز 19 في المائة. ويعد هذا التطور اللافت بمثابة النقلة النوعية في تمويل الميزانية بعد سنوات من التذبذب ومن الاعتماد المكثف على الاقتراض الخارجي.
هذا التحسن تحقق بفضل مزيج من العوامل، أبرزها توسيع قاعدة الأداء عبر تحكم أفضل في التحصيل، وتحسين الرقابة على العمليات التجارية، إلى جانب ارتفاع نسبي في العائدات المرتبطة بالاستهلاك والمرتبات. ورغم الجدل القائم حول مستوى الضغط الجبائي، فإن ما تحقق على مستوى المداخيل يشكل إنجازا ملموسا لسلطة الإشراف، ويعكس بداية انخراط أكبر للاقتصاد المنظم في تحمل أعباء الميزانية.
ضريبة الدخل في الصدارة
الإيرادات المباشرة شكلت العمود الفقري لهذا الارتفاع في العائدات. فقد بلغت 19.358 مليار دينار، أي ما يعادل قرابة ثلثي مجموع المداخيل الجبائية. وتحتل الضريبة على الدخل، خاصة تلك المتعلقة بالأجور والرواتب، المركز الأول بقيمة 12.780 مليار دينار. هذه الحصيلة القياسية تبرز وزن الطبقة الشغيلة في تمويل الخزينة العمومية، وتعكس انتظام التحصيل واستقرار مصدر الإيرادات.
في المقابل، سجلت الضريبة على الشركات غير البترولية أداءً جيدا بنحو 6.5 مليار دينار، ما يعكس انتعاشة نسبية في هذا القطاع وقدرة المؤسسات على المساهمة بفعالية في المالية العمومية. وإلى جانب ذلك، ساهمت الضرائب الأخرى بدرجات متفاوتة، لتشكل مجتمعة رافعة قوية لهذا التحسن المسجل في إجمالي الإيرادات.
الاستهلاك محرّك أساسي
إلى جانب الضرائب المباشرة، تؤدي الضرائب غير المباشرة دورا محوريا في تضخيم المداخيل الجبائية. حيث بلغت حصيلتها لسنة 2025 حوالي 25.891 مليار دينار، بزيادة ملحوظة مقارنة بالعام الفارط. والأداء على القيمة المضافة جاء في الصدارة بـ 12.028 مليار دينار، متبوعا بالمعلوم على الاستهلاك (7.456 مليار) والمعاليم الديوانية (2.111 مليار).
هذه الأرقام تترجم الدور الحيوي الذي يضطلع به الاستهلاك الداخلي كمولد للإيرادات العمومية، كما تكشف عن تحسن آليات التحصيل والرقابة الجمركية مما سمح بالحد من التهرب وتحقيق موارد إضافية للدولة. وقد مثّلت هذه الضرائب غير المباشرة رافعة مالية ضرورية في وقت تحتاج فيه الخزينة إلى كل مصدر إضافي لتغطية التزاماتها.
فرصة لتقليص العجز وتخفيف الاقتراض
وتفتح زيادة الإيرادات الجبائية، وفق ما أشار إليه بعض خبراء الاقتصاد لـ«الصباح»، أمس، الباب أمام آفاق أكثر استقرارًا للمالية العمومية. إذ توفر هذه الموارد الجديدة إمكانية لتقليص الحاجة إلى الاقتراض الخارجي والداخلي، وبالتالي الحد من تفاقم المديونية التي وصلت إلى مستويات مقلقة تجاوزت 80 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
كما تمثل المداخيل الجبائية في حجمها الحالي متنفسًا للخزينة العمومية أمام الثقل الكبير للنفقات الجارية. فكتلة الأجور وخدمة الدين والدعم تستهلك الجزء الأكبر من الميزانية، ومع ذلك ستسمح الموارد الجديدة بتفادي الاختناقات وتمويل الاستثمارات الضرورية التي غالبًا ما تكون أول ضحية عند وجود عجز في التمويل.
إشارات إيجابية في سياق اقتصادي صعب
الارتفاع المسجل في الموارد الجبائية لا يعد مجرد رقم مالي، بل يمثل أيضا إشارة إيجابية حول قدرة الدولة على تحسين إدارة مواردها الداخلية بعيدا عن الارتهان الكامل للقروض والهبات. وهو مؤشر على أن الإدارة الجبائية تتطور تدريجيًا من حيث النجاعة والشفافية، وأن الاقتصاد المنظم بدأ ينخرط بشكل أكبر في دعم الميزانية.
وفي سياق يتسم بتضخم النفقات الاجتماعية والضغوط التضخمية، فإن هذا التحسن في الموارد يمثل ركيزة أساسية لمواصلة تمويل الدولة دون التعرض لأزمات تمويلية خانقة. كما أنه يمنح الحكومة مصداقية أكبر في مفاوضاتها مع الشركاء الماليين الدوليين الذين يراقبون عن كثب قدرة تونس على تعبئة مداخيلها الذاتية.
انعكاسات مباشرة على الخزينة
الأهمية العملية لهذا النمو في الإيرادات تتجلى أساسا في إنعاش الخزينة العمومية. فكل ارتفاع في المداخيل الداخلية يقلل من الضغط على الاقتراض اليومي لتغطية النفقات المتكررة مثل الأجور والتحويلات الاجتماعية. كما أنه يتيح بعض المرونة في توجيه الأموال إلى مشاريع استثمارية صغيرة ومتوسطة، بما يساهم في تحسين الخدمات العامة من صحة وتعليم وبنية أساسية.
وبالتالي، فإن الموارد الجبائية الجديدة ليست مجرد تحصيل مالي بل هي أداة لإرساء الثقة في قدرة المالية العمومية على مجابهة التحديات، وتبعث رسالة طمأنة إلى الداخل والخارج بأن تونس قادرة على توفير حد أدنى من التوازن في ميزانيتها.
أهمية الإصلاح لمواصلة التقدم
صحيح أن ارتفاع الإيرادات الجبائية إلى 28 مليار دينار يمثل إنجازا، لكنه لن يكون كافيا إذا لم ترافقه إصلاحات هيكلية تجعل المداخيل أكثر استدامة وعدالة. فالمعادلة تقتضي من ناحية الحفاظ على نسق الإيرادات، ومن ناحية أخرى الاستجابة لمطالب مختلف الفئات في بناء نظام ضريبي أكثر توازنا يُخفف العبء على الأجراء ويزيد مساهمة القطاعات غير المنظمة. وفي هذا السياق، يشدد الاقتصاديون على ضرورة استغلال هذه المؤشرات الإيجابية لإطلاق إصلاحات جبائية عميقة تشمل الرقمنة، ومراقبة الاقتصاد الموازي، وتوسيع القاعدة الجبائية بدلا من الاكتفاء بالترفيع في نسب الضرائب الحالية.
2025 سنة اختبار للمالية العمومية
وتبدو سنة 2025 محطة اختبار حقيقية للمالية العمومية التونسية. فارتفاع الإيرادات الجبائية إلى مستوى قياسي يضع الحكومة أمام فرصة غير مسبوقة لاستعادة بعض التوازن دون الانزلاق في أزمة تمويلية جديدة. لكنه في الآن نفسه يُعد اختبارا لمدى قدرتها على استغلال هذه الموارد بحكمة في تقليص العجز وتخفيف الاقتراض وتوجيه الاعتمادات إلى الاستثمار المنتج.
فكل المؤشرات الإيجابية التي أبرزها تقرير وزارة المالية ستفقد قيمتها إذا لم تنعكس على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل وتعزيز مناخ الثقة بين المواطن والدولة.
وإجمالا، فإن بلوغ الإيرادات الجبائية لسنة 2025 قيمة 28.491 مليار دينار يعد حدثا ماليا بارزا يعكس قدرة تونس على تعبئة مواردها الذاتية، ويمثل بارقة أمل في سياق اقتصادي معقد. ولئن تبقى التحديات قائمة في مواجهة تضخم النفقات وارتفاع المديونية، فإن هذا التطور يمنح الدولة فرصة ثمينة للحد من العجز وإنعاش الخزينة وتثبيت الثقة داخليا وخارجيا، كما يمثل بداية مسار جديد تستعيد فيه المالية العمومية عافيتها وتتحرر تدريجيا من دائرة العجز والارتهان.
سفيان المهداوي
شهدت الإيرادات الجبائية في تونس قفزة غير مسبوقة خلال سنة 2025، إذ قدّرتها وزارة المالية بـ28.4 مليار دينار، بزيادة تفوق 4.5 مليارات مقارنة بالعام الماضي، وذلك وفقا لتقرير تنفيذ ميزانية 2025 الصادر، أمس، عن وزارة المالية. ويعكس هذا الارتفاع اللافت تحسن قدرة الدولة على تعبئة مواردها الداخلية، في وقت تواجه فيه المالية العمومية ضغوطا كبيرة من تضخم الأجور وخدمة الدين ونفقات الدعم. ويؤكد مراقبون أنّ هذا المؤشر الإيجابي يمثل متنفسًا حيويًا لخزينة الدولة وفرصة لتقليص العجز وتقوية ثقة المانحين والشركاء الماليين الدوليين في الاقتصاد التونسي..
وتعد هذه المؤشرات الإيجابية لخزينة الدولة غير مسبوقة بفضل الارتفاع الملحوظ في العائدات الجبائية التي قدرتها وزارة المالية بحوالي 28.491 مليار دينار. هذا الرقم، الذي يمثل زيادة تتجاوز 4.5 مليار دينار مقارنة بسنة 2024، ينعش خزينة الدولة ويساهم في تقليص العجز، ويوفر متنفسا لمواجهة الالتزامات المتزايدة.
ورغم أن النفقات العمومية لا تزال ثقيلة بفعل تضخم كتلة الأجور وخدمة الدين ونفقات الدعم، فإن تطور الإيرادات الجبائية يمنح الدولة هامشا من المناورة، ويؤشر إلى أن الإدارة الجبائية قادرة على تحسين تعبئة الموارد الداخلية إذا توفرت الإرادة والإصلاحات اللازمة.
عائدات جبائية قياسية
ويشير التقرير الصادر عن وزارة المالية إلى أن الإيرادات الجبائية في تونس ستقفز من حوالي 23.9 مليار دينار سنة 2024 إلى أكثر من 28.4 مليار في 2025، أي بزيادة تناهز 19 في المائة. ويعد هذا التطور اللافت بمثابة النقلة النوعية في تمويل الميزانية بعد سنوات من التذبذب ومن الاعتماد المكثف على الاقتراض الخارجي.
هذا التحسن تحقق بفضل مزيج من العوامل، أبرزها توسيع قاعدة الأداء عبر تحكم أفضل في التحصيل، وتحسين الرقابة على العمليات التجارية، إلى جانب ارتفاع نسبي في العائدات المرتبطة بالاستهلاك والمرتبات. ورغم الجدل القائم حول مستوى الضغط الجبائي، فإن ما تحقق على مستوى المداخيل يشكل إنجازا ملموسا لسلطة الإشراف، ويعكس بداية انخراط أكبر للاقتصاد المنظم في تحمل أعباء الميزانية.
ضريبة الدخل في الصدارة
الإيرادات المباشرة شكلت العمود الفقري لهذا الارتفاع في العائدات. فقد بلغت 19.358 مليار دينار، أي ما يعادل قرابة ثلثي مجموع المداخيل الجبائية. وتحتل الضريبة على الدخل، خاصة تلك المتعلقة بالأجور والرواتب، المركز الأول بقيمة 12.780 مليار دينار. هذه الحصيلة القياسية تبرز وزن الطبقة الشغيلة في تمويل الخزينة العمومية، وتعكس انتظام التحصيل واستقرار مصدر الإيرادات.
في المقابل، سجلت الضريبة على الشركات غير البترولية أداءً جيدا بنحو 6.5 مليار دينار، ما يعكس انتعاشة نسبية في هذا القطاع وقدرة المؤسسات على المساهمة بفعالية في المالية العمومية. وإلى جانب ذلك، ساهمت الضرائب الأخرى بدرجات متفاوتة، لتشكل مجتمعة رافعة قوية لهذا التحسن المسجل في إجمالي الإيرادات.
الاستهلاك محرّك أساسي
إلى جانب الضرائب المباشرة، تؤدي الضرائب غير المباشرة دورا محوريا في تضخيم المداخيل الجبائية. حيث بلغت حصيلتها لسنة 2025 حوالي 25.891 مليار دينار، بزيادة ملحوظة مقارنة بالعام الفارط. والأداء على القيمة المضافة جاء في الصدارة بـ 12.028 مليار دينار، متبوعا بالمعلوم على الاستهلاك (7.456 مليار) والمعاليم الديوانية (2.111 مليار).
هذه الأرقام تترجم الدور الحيوي الذي يضطلع به الاستهلاك الداخلي كمولد للإيرادات العمومية، كما تكشف عن تحسن آليات التحصيل والرقابة الجمركية مما سمح بالحد من التهرب وتحقيق موارد إضافية للدولة. وقد مثّلت هذه الضرائب غير المباشرة رافعة مالية ضرورية في وقت تحتاج فيه الخزينة إلى كل مصدر إضافي لتغطية التزاماتها.
فرصة لتقليص العجز وتخفيف الاقتراض
وتفتح زيادة الإيرادات الجبائية، وفق ما أشار إليه بعض خبراء الاقتصاد لـ«الصباح»، أمس، الباب أمام آفاق أكثر استقرارًا للمالية العمومية. إذ توفر هذه الموارد الجديدة إمكانية لتقليص الحاجة إلى الاقتراض الخارجي والداخلي، وبالتالي الحد من تفاقم المديونية التي وصلت إلى مستويات مقلقة تجاوزت 80 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
كما تمثل المداخيل الجبائية في حجمها الحالي متنفسًا للخزينة العمومية أمام الثقل الكبير للنفقات الجارية. فكتلة الأجور وخدمة الدين والدعم تستهلك الجزء الأكبر من الميزانية، ومع ذلك ستسمح الموارد الجديدة بتفادي الاختناقات وتمويل الاستثمارات الضرورية التي غالبًا ما تكون أول ضحية عند وجود عجز في التمويل.
إشارات إيجابية في سياق اقتصادي صعب
الارتفاع المسجل في الموارد الجبائية لا يعد مجرد رقم مالي، بل يمثل أيضا إشارة إيجابية حول قدرة الدولة على تحسين إدارة مواردها الداخلية بعيدا عن الارتهان الكامل للقروض والهبات. وهو مؤشر على أن الإدارة الجبائية تتطور تدريجيًا من حيث النجاعة والشفافية، وأن الاقتصاد المنظم بدأ ينخرط بشكل أكبر في دعم الميزانية.
وفي سياق يتسم بتضخم النفقات الاجتماعية والضغوط التضخمية، فإن هذا التحسن في الموارد يمثل ركيزة أساسية لمواصلة تمويل الدولة دون التعرض لأزمات تمويلية خانقة. كما أنه يمنح الحكومة مصداقية أكبر في مفاوضاتها مع الشركاء الماليين الدوليين الذين يراقبون عن كثب قدرة تونس على تعبئة مداخيلها الذاتية.
انعكاسات مباشرة على الخزينة
الأهمية العملية لهذا النمو في الإيرادات تتجلى أساسا في إنعاش الخزينة العمومية. فكل ارتفاع في المداخيل الداخلية يقلل من الضغط على الاقتراض اليومي لتغطية النفقات المتكررة مثل الأجور والتحويلات الاجتماعية. كما أنه يتيح بعض المرونة في توجيه الأموال إلى مشاريع استثمارية صغيرة ومتوسطة، بما يساهم في تحسين الخدمات العامة من صحة وتعليم وبنية أساسية.
وبالتالي، فإن الموارد الجبائية الجديدة ليست مجرد تحصيل مالي بل هي أداة لإرساء الثقة في قدرة المالية العمومية على مجابهة التحديات، وتبعث رسالة طمأنة إلى الداخل والخارج بأن تونس قادرة على توفير حد أدنى من التوازن في ميزانيتها.
أهمية الإصلاح لمواصلة التقدم
صحيح أن ارتفاع الإيرادات الجبائية إلى 28 مليار دينار يمثل إنجازا، لكنه لن يكون كافيا إذا لم ترافقه إصلاحات هيكلية تجعل المداخيل أكثر استدامة وعدالة. فالمعادلة تقتضي من ناحية الحفاظ على نسق الإيرادات، ومن ناحية أخرى الاستجابة لمطالب مختلف الفئات في بناء نظام ضريبي أكثر توازنا يُخفف العبء على الأجراء ويزيد مساهمة القطاعات غير المنظمة. وفي هذا السياق، يشدد الاقتصاديون على ضرورة استغلال هذه المؤشرات الإيجابية لإطلاق إصلاحات جبائية عميقة تشمل الرقمنة، ومراقبة الاقتصاد الموازي، وتوسيع القاعدة الجبائية بدلا من الاكتفاء بالترفيع في نسب الضرائب الحالية.
2025 سنة اختبار للمالية العمومية
وتبدو سنة 2025 محطة اختبار حقيقية للمالية العمومية التونسية. فارتفاع الإيرادات الجبائية إلى مستوى قياسي يضع الحكومة أمام فرصة غير مسبوقة لاستعادة بعض التوازن دون الانزلاق في أزمة تمويلية جديدة. لكنه في الآن نفسه يُعد اختبارا لمدى قدرتها على استغلال هذه الموارد بحكمة في تقليص العجز وتخفيف الاقتراض وتوجيه الاعتمادات إلى الاستثمار المنتج.
فكل المؤشرات الإيجابية التي أبرزها تقرير وزارة المالية ستفقد قيمتها إذا لم تنعكس على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل وتعزيز مناخ الثقة بين المواطن والدولة.
وإجمالا، فإن بلوغ الإيرادات الجبائية لسنة 2025 قيمة 28.491 مليار دينار يعد حدثا ماليا بارزا يعكس قدرة تونس على تعبئة مواردها الذاتية، ويمثل بارقة أمل في سياق اقتصادي معقد. ولئن تبقى التحديات قائمة في مواجهة تضخم النفقات وارتفاع المديونية، فإن هذا التطور يمنح الدولة فرصة ثمينة للحد من العجز وإنعاش الخزينة وتثبيت الثقة داخليا وخارجيا، كما يمثل بداية مسار جديد تستعيد فيه المالية العمومية عافيتها وتتحرر تدريجيا من دائرة العجز والارتهان.