إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتعال أزمات.. محاولات إرباك و«تعطيلات».. قطع الطريق أمام العابثين والخلاص في المحاسبة العادلة

عضو لجنة التشريع العام لـ«الصباح»: الإدارة أضحت «حزبًا قائم الذات» ولا بد من نصوص تشريعية تنسجم مع المرحلة

بين أزمات تُدار في الخفاء و»فلول» تسعى لاستعادة أنفاسها، وضع رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال مجلس الوزراء الأخير النقاط على الحروف، مشدّدًا على أن الدولة لن تُحمى إلا بالمحاسبة العادلة. خطاب بدا وكأنه خارطة طريق لمرحلة جديدة عنوانها: قطع الطريق أمام العابثين بحقوق المواطنين، وترسيخ هيبة الدولة عبر القانون. ومثّل اجتماع مجلس الوزراء الأخير، في جوهره، تشخيصًا مطولًا لما تعيشه البلاد من تحديات متراكمة. فمن خلاله، حدد رئيس الدولة ملامح مرحلة يعتبرها مفصلية في تاريخ الدولة التونسية.

فالخطاب لم يكن مجرد عرض للوضع العام، بقدر ما كان رسالة سياسية عميقة توزعت على ثلاث مستويات أساسية: افتعال الأزمات، وقطع الطريق أمام عودة «الفلول»، ثم أولوية المحاسبة العادلة.

أزمات بين الداخل والخارج

في قراءته للمشهد، اعتبر رئيس الجمهورية أن تونس استُهدفت في وجودها ووحدتها، مشددًا على أن عديد الأزمات التي يعرفها الشعب ليست وليدة الصدفة، بل تُدار من الخارج عبر قنوات وأُطر داخلية لا همّ لها سوى ضرب الدولة والاستيلاء على مقدّراتها.

وذكّر بأمثلة ملموسة مثل انقطاع الماء والكهرباء عمدًا في مناطق مختلفة، وغياب الإدارات الجهوية والمحلية عن أداء مهامها، معتبِرًا أن هذه الممارسات جزء من مخطط لإرباك المواطن وضرب ثقته في مؤسسات الدولة وهياكلها.

وهذا الطرح يفضي، وفق متابعين، إلى ثنائية مزدوجة:

من جهة، قوى خارجية تسعى للتدخل وتوظيف الوضع الداخلي، ومن جهة أخرى أدوات محلية تشارك في «صناعة الفوضى» عبر «وقفات احتجاجية» وصفها رئيس الجمهورية بأنها مفتعلة وتدار من وراء الستار، لكنها باتت مكشوفة أمام وعي التونسيين.

من جانب آخر، كانت من أبرز المفردات التي عاد إليها رئيس الجمهورية في المجلس الوزاري الأخير، توصيفه لـ«الفلول»، في إشارة إلى ما يُسمّيهم البعض بـ«قوى الرِّدّة»، الذين افتعلوا أزمات في كل القطاعات منذ جانفي 2011.

واعتبر رئيس الدولة أن هذه المنظومة لا تمتلك أي مرجعية فكرية أو مشروع سياسي واضح، بل هي تحالف بين لوبيات ومصالح مادية.

وبذلك، قدم رئيس الجمهورية خطابًا يقوم على ثنائية واضحة: من جهة، مؤسسات الدولة والنظام القانوني الجديد الذي تأسس بدستور الاستفتاء، وانتخابات البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم، ومن جهة أخرى، منظومة قديمة تسعى إلى استعادة تموقعها داخل أجهزة الدولة.

ويؤكد مراقبون أن إعلان الحرب على «الماسكين بخيوط افتعال الأزمات في الخفاء» و»الفلول»، يُبرز تصميم الدولة في أعلى هرمها على فرض هيبتها وضمان استمرارية المشاريع الحيوية، بما يشكل رسالة واضحة لكل الأطراف، بأن تونس قادرة على الدفاع عن سيادتها واستحقاقات شعبها.

المحاسبة.. عنوان المرحلة الجديدة

رئيس الجمهورية خلُص في ختام خطابه إلى التأكيد على أن زمن إدارة الدولة بردود الأفعال قد انتهى، وأن المرحلة القادمة يجب أن تقوم على الفعل المبادر والمحاسبة العادلة، موضحًا أنه لا يروم «محاكم لتصفية الحسابات»، بل قضاء عادلًا يطبق القانون على الجميع دون استثناء.

ولم يتردد رئيس الدولة في وصف العقلية السائدة في إدارة الشأن العام بـ«الداء العضال»، داعيًا إلى تجاوز النصوص التي صيغت على المقاس لخدمة أفراد أو أطراف، والاتجاه نحو تشريعات جديدة تستجيب فعليًا لمطالب الشعب، وتترجم شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية على أرض الواقع.

وفي مواجهة عقلية افتعال الأزمات ومحاولات عودة «الفلول» إلى الواجهة، يطرح رئيس الجمهورية محاسبة عادلة تقوم على القانون، بما يعكس، وفق متابعين، تأسيسًا لمرحلة جديدة تُعيد الاعتبار لمبدأ المساواة أمام القانون كأساس لأي إصلاح حقيقي.

فـ«عهد الإفلات من العقاب قد ولّى»، في حين تتبلور ملامح عقد اجتماعي جديد قائم على المسؤولية والمساءلة.

ومن خطاب مجلس الوزراء، تُستشف جملة من الرسائل الواضحة، أبرزها أنه لا مجال للتهاون أمام الأزمات المفتعلة، ولا تسامح مع «الفلول» الساعين لإعادة إنتاج أنفسهم، وأن المحاسبة العادلة، بعيدًا عن سياسة التشفي والانتقام، هي السبيل الوحيد لترسيخ دولة القانون والعدل والمساواة.

الإدارة بين الانتماءات وتعطيل المشاريع

في تفاعلها مع الرسائل التي حملها مجلس الوزراء الأخير، أكدت عضو لجنة التشريع العام، بسمة الهمامي، في تصريح لـ«الصباح»، أن هناك عرقلة وتعطيلًا لسير المشاريع بسبب تقاعس بعض الإدارات والمنشآت عن أداء مهامها.

وأوضحت أن بعض الإدارات التي تم إغراقها سابقًا بتعيينات على أساس المحاصصة الحزبية والانتماءات السياسية، لا تتبنى إرادة الإصلاح، ولا تنسجم مع مقتضيات المرحلة الراهنة.

وانتقدت الهمامي أيضًا ممارسات أخرى، على غرار عدم تلقيها لأي إجابة أو تفاعل بشأن عدد من المراسلات الكتابية التي وجهتها، معتبرة أن بعض الإدارات والمنشآت لم تستوعب بعد حجم المسؤولية والتحديات التي تواجهها، واصفة الإدارة بأنها أصبحت «حزبًا» قائم الذات يقوم على الولاءات والانتماءات.

وأضافت أن رئيس الجمهورية، كما مجلس نواب الشعب، يخوضون «حرب تحرير» لاستعادة الإدارة والاقتصاد، واستعادة كرامة التونسيين وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وهي كلها عوامل تؤدي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.

لكن في المقابل، هناك أطراف «تجر إلى الوراء»، وفق تعبيرها، ويترجمه تعطيل عدد كبير من المشاريع، خاصة في المناطق الداخلية، مثل مشروع المسرح المفتوح بولاية سليانة.

ولتجاوز جميع قوى الجذب إلى الوراء، ترى الهمامي أن الحل يكمن في ترسانة من القوانين التشريعية تخدم الصالح العام، حتى لا تكون مجرد «نصوص تخدم اللصوص»، ولا تؤدي إلى تقوية نفوذ أصحاب المال والسلطة، خاصة على مستوى الجهات الداخلية.

منال الحرزي

افتعال أزمات.. محاولات إرباك و«تعطيلات»..   قطع الطريق أمام العابثين والخلاص في المحاسبة العادلة

عضو لجنة التشريع العام لـ«الصباح»: الإدارة أضحت «حزبًا قائم الذات» ولا بد من نصوص تشريعية تنسجم مع المرحلة

بين أزمات تُدار في الخفاء و»فلول» تسعى لاستعادة أنفاسها، وضع رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال مجلس الوزراء الأخير النقاط على الحروف، مشدّدًا على أن الدولة لن تُحمى إلا بالمحاسبة العادلة. خطاب بدا وكأنه خارطة طريق لمرحلة جديدة عنوانها: قطع الطريق أمام العابثين بحقوق المواطنين، وترسيخ هيبة الدولة عبر القانون. ومثّل اجتماع مجلس الوزراء الأخير، في جوهره، تشخيصًا مطولًا لما تعيشه البلاد من تحديات متراكمة. فمن خلاله، حدد رئيس الدولة ملامح مرحلة يعتبرها مفصلية في تاريخ الدولة التونسية.

فالخطاب لم يكن مجرد عرض للوضع العام، بقدر ما كان رسالة سياسية عميقة توزعت على ثلاث مستويات أساسية: افتعال الأزمات، وقطع الطريق أمام عودة «الفلول»، ثم أولوية المحاسبة العادلة.

أزمات بين الداخل والخارج

في قراءته للمشهد، اعتبر رئيس الجمهورية أن تونس استُهدفت في وجودها ووحدتها، مشددًا على أن عديد الأزمات التي يعرفها الشعب ليست وليدة الصدفة، بل تُدار من الخارج عبر قنوات وأُطر داخلية لا همّ لها سوى ضرب الدولة والاستيلاء على مقدّراتها.

وذكّر بأمثلة ملموسة مثل انقطاع الماء والكهرباء عمدًا في مناطق مختلفة، وغياب الإدارات الجهوية والمحلية عن أداء مهامها، معتبِرًا أن هذه الممارسات جزء من مخطط لإرباك المواطن وضرب ثقته في مؤسسات الدولة وهياكلها.

وهذا الطرح يفضي، وفق متابعين، إلى ثنائية مزدوجة:

من جهة، قوى خارجية تسعى للتدخل وتوظيف الوضع الداخلي، ومن جهة أخرى أدوات محلية تشارك في «صناعة الفوضى» عبر «وقفات احتجاجية» وصفها رئيس الجمهورية بأنها مفتعلة وتدار من وراء الستار، لكنها باتت مكشوفة أمام وعي التونسيين.

من جانب آخر، كانت من أبرز المفردات التي عاد إليها رئيس الجمهورية في المجلس الوزاري الأخير، توصيفه لـ«الفلول»، في إشارة إلى ما يُسمّيهم البعض بـ«قوى الرِّدّة»، الذين افتعلوا أزمات في كل القطاعات منذ جانفي 2011.

واعتبر رئيس الدولة أن هذه المنظومة لا تمتلك أي مرجعية فكرية أو مشروع سياسي واضح، بل هي تحالف بين لوبيات ومصالح مادية.

وبذلك، قدم رئيس الجمهورية خطابًا يقوم على ثنائية واضحة: من جهة، مؤسسات الدولة والنظام القانوني الجديد الذي تأسس بدستور الاستفتاء، وانتخابات البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم، ومن جهة أخرى، منظومة قديمة تسعى إلى استعادة تموقعها داخل أجهزة الدولة.

ويؤكد مراقبون أن إعلان الحرب على «الماسكين بخيوط افتعال الأزمات في الخفاء» و»الفلول»، يُبرز تصميم الدولة في أعلى هرمها على فرض هيبتها وضمان استمرارية المشاريع الحيوية، بما يشكل رسالة واضحة لكل الأطراف، بأن تونس قادرة على الدفاع عن سيادتها واستحقاقات شعبها.

المحاسبة.. عنوان المرحلة الجديدة

رئيس الجمهورية خلُص في ختام خطابه إلى التأكيد على أن زمن إدارة الدولة بردود الأفعال قد انتهى، وأن المرحلة القادمة يجب أن تقوم على الفعل المبادر والمحاسبة العادلة، موضحًا أنه لا يروم «محاكم لتصفية الحسابات»، بل قضاء عادلًا يطبق القانون على الجميع دون استثناء.

ولم يتردد رئيس الدولة في وصف العقلية السائدة في إدارة الشأن العام بـ«الداء العضال»، داعيًا إلى تجاوز النصوص التي صيغت على المقاس لخدمة أفراد أو أطراف، والاتجاه نحو تشريعات جديدة تستجيب فعليًا لمطالب الشعب، وتترجم شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية على أرض الواقع.

وفي مواجهة عقلية افتعال الأزمات ومحاولات عودة «الفلول» إلى الواجهة، يطرح رئيس الجمهورية محاسبة عادلة تقوم على القانون، بما يعكس، وفق متابعين، تأسيسًا لمرحلة جديدة تُعيد الاعتبار لمبدأ المساواة أمام القانون كأساس لأي إصلاح حقيقي.

فـ«عهد الإفلات من العقاب قد ولّى»، في حين تتبلور ملامح عقد اجتماعي جديد قائم على المسؤولية والمساءلة.

ومن خطاب مجلس الوزراء، تُستشف جملة من الرسائل الواضحة، أبرزها أنه لا مجال للتهاون أمام الأزمات المفتعلة، ولا تسامح مع «الفلول» الساعين لإعادة إنتاج أنفسهم، وأن المحاسبة العادلة، بعيدًا عن سياسة التشفي والانتقام، هي السبيل الوحيد لترسيخ دولة القانون والعدل والمساواة.

الإدارة بين الانتماءات وتعطيل المشاريع

في تفاعلها مع الرسائل التي حملها مجلس الوزراء الأخير، أكدت عضو لجنة التشريع العام، بسمة الهمامي، في تصريح لـ«الصباح»، أن هناك عرقلة وتعطيلًا لسير المشاريع بسبب تقاعس بعض الإدارات والمنشآت عن أداء مهامها.

وأوضحت أن بعض الإدارات التي تم إغراقها سابقًا بتعيينات على أساس المحاصصة الحزبية والانتماءات السياسية، لا تتبنى إرادة الإصلاح، ولا تنسجم مع مقتضيات المرحلة الراهنة.

وانتقدت الهمامي أيضًا ممارسات أخرى، على غرار عدم تلقيها لأي إجابة أو تفاعل بشأن عدد من المراسلات الكتابية التي وجهتها، معتبرة أن بعض الإدارات والمنشآت لم تستوعب بعد حجم المسؤولية والتحديات التي تواجهها، واصفة الإدارة بأنها أصبحت «حزبًا» قائم الذات يقوم على الولاءات والانتماءات.

وأضافت أن رئيس الجمهورية، كما مجلس نواب الشعب، يخوضون «حرب تحرير» لاستعادة الإدارة والاقتصاد، واستعادة كرامة التونسيين وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وهي كلها عوامل تؤدي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.

لكن في المقابل، هناك أطراف «تجر إلى الوراء»، وفق تعبيرها، ويترجمه تعطيل عدد كبير من المشاريع، خاصة في المناطق الداخلية، مثل مشروع المسرح المفتوح بولاية سليانة.

ولتجاوز جميع قوى الجذب إلى الوراء، ترى الهمامي أن الحل يكمن في ترسانة من القوانين التشريعية تخدم الصالح العام، حتى لا تكون مجرد «نصوص تخدم اللصوص»، ولا تؤدي إلى تقوية نفوذ أصحاب المال والسلطة، خاصة على مستوى الجهات الداخلية.

منال الحرزي