إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من سيدي بوسعيد إلى هوليوود.. فنانون تونسيون وأجانب على خط المواجهة.. ونجوم الصف الأول يكسرون الصمت نُصرة لفلسطين

 

  • رسالة الفنان أوسع من شاشة أو خشبة، ومسؤوليته تتجاوز حدود الشهرة والجوائز.
  • الفنان ياسر جرادي الغائب الحاضر، وإحدى السفن في أسطول الصمود تحمل اسمه.
  • براد بيت وخواكين فينيكس يضعان ثقلهما الفني للتنديد بالمأساة.
  • سجادات حمراء في مهرجانات أوروبية تتحول إلى ناقلة لرسائل ضد القمع والتجويع في غزة.

في مشهد إنساني يختزل التقاء الفن بالموقف الأخلاقي، تحوّل ميناء سيدي بوسعيد في العاصمة مؤخرا إلى منصة وداع مؤثرة، حيث اجتمع الآلاف من التونسيين لتوديع فنّانين وناشطين حقوقيين ومدنيين تونسيين قرروا أن يكونوا جزءا من أسطول الصمود العالمي المتوجه إلى غزة. هذه المشاركة لم تكن مجرد مبادرة رمزية، بل جسّدت قناعة راسخة لدى هؤلاء النجوم بأن الفن لا ينفصل عن الوجدان الإنساني، وأن الوقوف في وجه الإبادة والحصار الإسرائيلي ليس خيارا بل واجب حضاري وأخلاقي.

غادرت إذن آخر سفن الأسطول المغاربي ميناء قمرت يوم الأربعاء 17 سبتمبر الجاري، لتلتحق ببقية سفن الأسطول العالمي والمقدّرة إجمالا بـ40 سفينة، من بينها 13 تابعة للأسطول المغاربي وتضمّ ما بين 350 و400 ناشط من 47 دولة. ويشارك في الأسطول ثلاثة فنانين تونسيين من بين 72، وهم مغني الراب محمد أمين حمزاوي، والممثل محمد مراد، والفنان منير الطرودي.

الممثل التونسي محمد مراد، الذي عرفه الجمهور في أعمال درامية بارزة مثل «ناعورة الهواء» و«تاج الحاضرة» و«الفلوجة»، لم يتردد في المجازفة، فقد اعتبر مشاركته في الأسطول «أبسط واجب إنساني»، مؤكدا في العديد من مقاطع الفيديو التي نشرها على صفحته الرسمية أن المشاهد المروعة التي يشهدها قطاع غزة منذ ما يقرب من عامين جعلت الصمت ضربا من الخيانة.

وبالنسبة له، كانت هذه الرحلة «فرصة لا يمكن تفويتها للتعبير عن التضامن العملي مع الشعب الفلسطيني، حتى وإن كان الثمن مواجهة المخاطر، إذ يتربص الاحتلال الصهيوني بكل محاولة لكسر حصاره على غزة».

ولم يكن محمد مراد وحده، فمغنّي الراب التونسي محمد أمين حمزاوي، صاحب أغنية «حوماني» الشهيرة، أعلن هو الآخر انخراطه في هذه المغامرة الإنسانية رغم إدراكه للمخاطر. قال حمزاوي في تصريحات إعلامية: «لا يمكن أن يكون لي صفاء ذهني إلا بالمشاركة»، مؤكدا أن الأطفال في غزة يموتون جوعا بينما يقف العالم متفرجا. هذه الأصوات التونسية، ومعها عشرات المشاركين من بلدان عربية وأجنبية، شكّلت لوحة إنسانية تعكس التقاء الفن بالالتزام الأخلاقي.

وفي ذات السياق، قال الفنان منير الطرودي في تصريح إعلامي: «التحاقي بهذا الأُسطول ليس مجرد قرار شخصي، بل هو تعبير عن مسؤولية إنسانية تجاه إخواننا في غزة الذين يعيشون الحصار والقهر. الرحلة بالنسبة لي هي مسرح للحرية وللمقاومة، حيث نثبت أنّ التضامن مع غزة لا يتوقف عند حدود أو حواجز، وأنّ كل خطوة نحوها هي خطوة في سبيل الحق والكرامة الإنسانية».

هذا المشهد التونسي، بما يحمله من شجاعة وبذل وتحد، يقدّم نموذجا لما يمكن أن يكون عليه الفنان حين يدرك أن رسالته أوسع من شاشة أو خشبة، وأن مسؤوليته الأخلاقية تتجاوز حدود الشهرة والجوائز.

الفنان الراحل ياسر جرادي، الغائب الحاضر باسمه ومواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية وكل مبادئ حقوق الإنسان، لم يغب بحمل إحدى السفن لاسمه. وإلى جانبه، وإن لم يشاركوا في عملية الإبحار، وإنما حضروا لمساندة وتوديع الأسطول، العديد من الممثلين من بينهم على سبيل الذكر لا الحصر الممثلتان سوسن معالج ووحيدة الدريدي.

وإذا كان الموقف التونسي قد حمل رمزية الانخراط المباشر في معركة كسر الحصار، فإن ما شهدته هوليوود في الأشهر الأخيرة يعكس تحوّلا عميقا في طبيعة الخطاب الثقافي والفني العالمي تجاه القضية الفلسطينية. فبعد عقود طويلة ارتبطت فيها صناعة السينما العالمية بدعم غير مباشر للمشروع الصهيوني أو على الأقل بالصمت المريب، بدأنا نشهد أصواتا جديدة تتجرأ على رفع الصوت عاليا ضد الاحتلال، حتى من داخل المنظومة الهوليودية نفسها.

أبرز هذه التحولات تجلّت عند توقيع أكثر من 1800 ممثل وفنان ترفيهي ومنتج، من بينهم بعض نجوم هوليوود، على تعهد صدر الاثنين 8 سبتمبر الجاري بعدم العمل مع مؤسسات سينمائية إسرائيلية يرون أنها ضالعة في الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.

وواجهت بعض الشركات دعوات للمقاطعة واحتجاجات بسبب علاقاتها مع الحكومة الإسرائيلية، مع تنامي الأزمة الإنسانية في غزة جراء العدوان الإسرائيلي على القطاع، وصور الفلسطينيين الذين يتضورون جوعا وبينهم أطفال، والتي أثارت غضبا عالميا.

كما تجلّت هذه التحوّلات في مهرجان البندقية السينمائي، حين عرض فيلم «صوت هند رجب» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية. الفيلم الذي يروي اللحظات الأخيرة لطفلة فلسطينية في السادسة من عمرها استشهدت تحت رصاص الاحتلال بعد أن بقيت محاصرة في سيارة، وثّق مكالمة استغاثة مأساوية مع الهلال الأحمر، لتتحول أنفاسها الأخيرة إلى شهادة حيّة على وحشية الحرب.

المفاجأة كانت في أن أسماء لامعة مثل براد بيت وخواكين فينيكس، اللذان انخرطا كمنتجين تنفيذيين للفيلم، في خطوة رمزية لكنها ذات وقع سياسي وثقافي كبير. فهذان النجمان، اللذان يمثلان واجهة هوليوود العالمية، اختارا أن يكونا صوتا لطفلة شهيدة، وأن يضعا ثقلهما الفني والإنساني في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية.

هذا الانخراط لم يكن حدثا معزولا، بل جاء في سياق تزايد الأعمال السينمائية التي تحمل رسائل داعمة لفلسطين. فالمهرجانات الأوروبية من بريطانيا إلى فرنسا وألمانيا، مرورا بمهرجانات في الولايات المتحدة وآسيا، باتت منصات لانتقاد الاحتلال والمطالبة بإدخال الغذاء والماء إلى غزة، وإنهاء الاعتقالات التعسفية، وتحولت سجاداتها الحمراء إلى ناقلة لرسائل لوقف سياسات القمع والتجويع.

لم تتوقف موجة التضامن عند حدود المهرجانات السينمائية، بل امتدت إلى أبرز الجوائز الفنية العالمية. ففي حفل جوائز الإيمي لعام 2025، خطف الممثل الإسباني العالمي خافيير بارديم الأنظار حين ارتدى الكوفية الفلسطينية وهو يتسلم جائزته، فيما صرخت الممثلة الأميركية هانا أينبيندر على المنصة: «حرروا فلسطين». تلك اللحظة لم تكن مجرد استعراض، بل إعلان موقف واضح يربط بين الفن والعدالة.

على الجانب الآخر، أصرّ الممثل خواكين فينيكس على الوقوف صامتا لمدة عشرين دقيقة كاملة أثناء تكريم فيلم يتناول مأساة طفلة فلسطينية. كان صمته أبلغ من أي خطاب، فقد حوّل لحظة التكريم إلى وقفة حداد عالمية على ضحايا غزة. أما النجمة سوزان سراندون، فقد تجاوزت البهرجة الإعلامية لتشارك فعليا في رحلة بحرية رمزية لكسر الحصار، مبحرة نحو غزة على متن قارب صغير.

ولفتت مواقف بعض الفنانين التونسيين المنتشرين عربيا الانتباه، إذ أكدت الممثلة هند صبري في السابق تضامنها المبدئي مع «قافلة الصمود»، حتى أنها استقالت من منصبها كسفيرة النوايا الحسنة احتجاجا على صمت المؤسسات الدولية، بينما عبّرت الفنانة لطيفة عن تضامنها القوي مع غزة وأهلها، وبرز المخرج والممثل التونسي ظافر العابدين بذات الموقف، كما علت أصوات بعض الفنانين والنجوم العرب على مسارح المهرجانات الدولية الصيفية نصرة لفلسطين.

هذه المواقف تتجاوز حدود الرمزية، إذ تؤكد أن المنصات الفنية العالمية لم تعد مجرد فضاءات للترفيه أو الاحتفال، بل أصبحت منابر تعبّر فيها النخب الثقافية عن انحيازها للإنسانية. وفي عالم يختلط فيه الفن بالسياسة والاقتصاد، فإن هذه الرسائل تأخذ بعدا مضاعفا، لأنها تصدر عن شخصيات لها تأثير مباشر في تشكيل الرأي العام الغربي.

ما يحدث اليوم يعيد الاعتبار لدور الفن كأداة مقاومة، ويؤكد أن الثقافة ليست ترفا ولا حيادا باردا أمام المذابح. النجوم الذين كسروا حاجز الصمت، من هوليوود إلى تونس، برهنوا أن الفن قادر على أن يكون جسرا بين الضمير الإنساني والواقع الدموي. فصورة خافيير بارديم بالكوفية على منصة الإيمي، أو صمت خواكين فينيكس المهيب، أو مشاركة محمد مراد وحمزاوي في أسطول الصمود، كلها تشكّل رسائل قوية تتجاوز الأضواء لتصل إلى قلوب الملايين.

وفي زمن الانقسام السياسي والخذلان الرسمي، يبدو أن الفن يمكنه تجميع الناس حول القيم الإنسانية المشتركة: العدالة، الحرية، ورفض الظلم. من هنا تكتسب هذه المواقف أهميتها، ليس فقط كأحداث عابرة، بل كتحولات ثقافية قد تعيد تشكيل علاقة الرأي العام العالمي بالقضية الفلسطينية.

إيمان عبد اللطيف

من سيدي بوسعيد إلى هوليوود..   فنانون تونسيون وأجانب على خط المواجهة..  ونجوم الصف الأول يكسرون الصمت نُصرة لفلسطين

 

  • رسالة الفنان أوسع من شاشة أو خشبة، ومسؤوليته تتجاوز حدود الشهرة والجوائز.
  • الفنان ياسر جرادي الغائب الحاضر، وإحدى السفن في أسطول الصمود تحمل اسمه.
  • براد بيت وخواكين فينيكس يضعان ثقلهما الفني للتنديد بالمأساة.
  • سجادات حمراء في مهرجانات أوروبية تتحول إلى ناقلة لرسائل ضد القمع والتجويع في غزة.

في مشهد إنساني يختزل التقاء الفن بالموقف الأخلاقي، تحوّل ميناء سيدي بوسعيد في العاصمة مؤخرا إلى منصة وداع مؤثرة، حيث اجتمع الآلاف من التونسيين لتوديع فنّانين وناشطين حقوقيين ومدنيين تونسيين قرروا أن يكونوا جزءا من أسطول الصمود العالمي المتوجه إلى غزة. هذه المشاركة لم تكن مجرد مبادرة رمزية، بل جسّدت قناعة راسخة لدى هؤلاء النجوم بأن الفن لا ينفصل عن الوجدان الإنساني، وأن الوقوف في وجه الإبادة والحصار الإسرائيلي ليس خيارا بل واجب حضاري وأخلاقي.

غادرت إذن آخر سفن الأسطول المغاربي ميناء قمرت يوم الأربعاء 17 سبتمبر الجاري، لتلتحق ببقية سفن الأسطول العالمي والمقدّرة إجمالا بـ40 سفينة، من بينها 13 تابعة للأسطول المغاربي وتضمّ ما بين 350 و400 ناشط من 47 دولة. ويشارك في الأسطول ثلاثة فنانين تونسيين من بين 72، وهم مغني الراب محمد أمين حمزاوي، والممثل محمد مراد، والفنان منير الطرودي.

الممثل التونسي محمد مراد، الذي عرفه الجمهور في أعمال درامية بارزة مثل «ناعورة الهواء» و«تاج الحاضرة» و«الفلوجة»، لم يتردد في المجازفة، فقد اعتبر مشاركته في الأسطول «أبسط واجب إنساني»، مؤكدا في العديد من مقاطع الفيديو التي نشرها على صفحته الرسمية أن المشاهد المروعة التي يشهدها قطاع غزة منذ ما يقرب من عامين جعلت الصمت ضربا من الخيانة.

وبالنسبة له، كانت هذه الرحلة «فرصة لا يمكن تفويتها للتعبير عن التضامن العملي مع الشعب الفلسطيني، حتى وإن كان الثمن مواجهة المخاطر، إذ يتربص الاحتلال الصهيوني بكل محاولة لكسر حصاره على غزة».

ولم يكن محمد مراد وحده، فمغنّي الراب التونسي محمد أمين حمزاوي، صاحب أغنية «حوماني» الشهيرة، أعلن هو الآخر انخراطه في هذه المغامرة الإنسانية رغم إدراكه للمخاطر. قال حمزاوي في تصريحات إعلامية: «لا يمكن أن يكون لي صفاء ذهني إلا بالمشاركة»، مؤكدا أن الأطفال في غزة يموتون جوعا بينما يقف العالم متفرجا. هذه الأصوات التونسية، ومعها عشرات المشاركين من بلدان عربية وأجنبية، شكّلت لوحة إنسانية تعكس التقاء الفن بالالتزام الأخلاقي.

وفي ذات السياق، قال الفنان منير الطرودي في تصريح إعلامي: «التحاقي بهذا الأُسطول ليس مجرد قرار شخصي، بل هو تعبير عن مسؤولية إنسانية تجاه إخواننا في غزة الذين يعيشون الحصار والقهر. الرحلة بالنسبة لي هي مسرح للحرية وللمقاومة، حيث نثبت أنّ التضامن مع غزة لا يتوقف عند حدود أو حواجز، وأنّ كل خطوة نحوها هي خطوة في سبيل الحق والكرامة الإنسانية».

هذا المشهد التونسي، بما يحمله من شجاعة وبذل وتحد، يقدّم نموذجا لما يمكن أن يكون عليه الفنان حين يدرك أن رسالته أوسع من شاشة أو خشبة، وأن مسؤوليته الأخلاقية تتجاوز حدود الشهرة والجوائز.

الفنان الراحل ياسر جرادي، الغائب الحاضر باسمه ومواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية وكل مبادئ حقوق الإنسان، لم يغب بحمل إحدى السفن لاسمه. وإلى جانبه، وإن لم يشاركوا في عملية الإبحار، وإنما حضروا لمساندة وتوديع الأسطول، العديد من الممثلين من بينهم على سبيل الذكر لا الحصر الممثلتان سوسن معالج ووحيدة الدريدي.

وإذا كان الموقف التونسي قد حمل رمزية الانخراط المباشر في معركة كسر الحصار، فإن ما شهدته هوليوود في الأشهر الأخيرة يعكس تحوّلا عميقا في طبيعة الخطاب الثقافي والفني العالمي تجاه القضية الفلسطينية. فبعد عقود طويلة ارتبطت فيها صناعة السينما العالمية بدعم غير مباشر للمشروع الصهيوني أو على الأقل بالصمت المريب، بدأنا نشهد أصواتا جديدة تتجرأ على رفع الصوت عاليا ضد الاحتلال، حتى من داخل المنظومة الهوليودية نفسها.

أبرز هذه التحولات تجلّت عند توقيع أكثر من 1800 ممثل وفنان ترفيهي ومنتج، من بينهم بعض نجوم هوليوود، على تعهد صدر الاثنين 8 سبتمبر الجاري بعدم العمل مع مؤسسات سينمائية إسرائيلية يرون أنها ضالعة في الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.

وواجهت بعض الشركات دعوات للمقاطعة واحتجاجات بسبب علاقاتها مع الحكومة الإسرائيلية، مع تنامي الأزمة الإنسانية في غزة جراء العدوان الإسرائيلي على القطاع، وصور الفلسطينيين الذين يتضورون جوعا وبينهم أطفال، والتي أثارت غضبا عالميا.

كما تجلّت هذه التحوّلات في مهرجان البندقية السينمائي، حين عرض فيلم «صوت هند رجب» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية. الفيلم الذي يروي اللحظات الأخيرة لطفلة فلسطينية في السادسة من عمرها استشهدت تحت رصاص الاحتلال بعد أن بقيت محاصرة في سيارة، وثّق مكالمة استغاثة مأساوية مع الهلال الأحمر، لتتحول أنفاسها الأخيرة إلى شهادة حيّة على وحشية الحرب.

المفاجأة كانت في أن أسماء لامعة مثل براد بيت وخواكين فينيكس، اللذان انخرطا كمنتجين تنفيذيين للفيلم، في خطوة رمزية لكنها ذات وقع سياسي وثقافي كبير. فهذان النجمان، اللذان يمثلان واجهة هوليوود العالمية، اختارا أن يكونا صوتا لطفلة شهيدة، وأن يضعا ثقلهما الفني والإنساني في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية.

هذا الانخراط لم يكن حدثا معزولا، بل جاء في سياق تزايد الأعمال السينمائية التي تحمل رسائل داعمة لفلسطين. فالمهرجانات الأوروبية من بريطانيا إلى فرنسا وألمانيا، مرورا بمهرجانات في الولايات المتحدة وآسيا، باتت منصات لانتقاد الاحتلال والمطالبة بإدخال الغذاء والماء إلى غزة، وإنهاء الاعتقالات التعسفية، وتحولت سجاداتها الحمراء إلى ناقلة لرسائل لوقف سياسات القمع والتجويع.

لم تتوقف موجة التضامن عند حدود المهرجانات السينمائية، بل امتدت إلى أبرز الجوائز الفنية العالمية. ففي حفل جوائز الإيمي لعام 2025، خطف الممثل الإسباني العالمي خافيير بارديم الأنظار حين ارتدى الكوفية الفلسطينية وهو يتسلم جائزته، فيما صرخت الممثلة الأميركية هانا أينبيندر على المنصة: «حرروا فلسطين». تلك اللحظة لم تكن مجرد استعراض، بل إعلان موقف واضح يربط بين الفن والعدالة.

على الجانب الآخر، أصرّ الممثل خواكين فينيكس على الوقوف صامتا لمدة عشرين دقيقة كاملة أثناء تكريم فيلم يتناول مأساة طفلة فلسطينية. كان صمته أبلغ من أي خطاب، فقد حوّل لحظة التكريم إلى وقفة حداد عالمية على ضحايا غزة. أما النجمة سوزان سراندون، فقد تجاوزت البهرجة الإعلامية لتشارك فعليا في رحلة بحرية رمزية لكسر الحصار، مبحرة نحو غزة على متن قارب صغير.

ولفتت مواقف بعض الفنانين التونسيين المنتشرين عربيا الانتباه، إذ أكدت الممثلة هند صبري في السابق تضامنها المبدئي مع «قافلة الصمود»، حتى أنها استقالت من منصبها كسفيرة النوايا الحسنة احتجاجا على صمت المؤسسات الدولية، بينما عبّرت الفنانة لطيفة عن تضامنها القوي مع غزة وأهلها، وبرز المخرج والممثل التونسي ظافر العابدين بذات الموقف، كما علت أصوات بعض الفنانين والنجوم العرب على مسارح المهرجانات الدولية الصيفية نصرة لفلسطين.

هذه المواقف تتجاوز حدود الرمزية، إذ تؤكد أن المنصات الفنية العالمية لم تعد مجرد فضاءات للترفيه أو الاحتفال، بل أصبحت منابر تعبّر فيها النخب الثقافية عن انحيازها للإنسانية. وفي عالم يختلط فيه الفن بالسياسة والاقتصاد، فإن هذه الرسائل تأخذ بعدا مضاعفا، لأنها تصدر عن شخصيات لها تأثير مباشر في تشكيل الرأي العام الغربي.

ما يحدث اليوم يعيد الاعتبار لدور الفن كأداة مقاومة، ويؤكد أن الثقافة ليست ترفا ولا حيادا باردا أمام المذابح. النجوم الذين كسروا حاجز الصمت، من هوليوود إلى تونس، برهنوا أن الفن قادر على أن يكون جسرا بين الضمير الإنساني والواقع الدموي. فصورة خافيير بارديم بالكوفية على منصة الإيمي، أو صمت خواكين فينيكس المهيب، أو مشاركة محمد مراد وحمزاوي في أسطول الصمود، كلها تشكّل رسائل قوية تتجاوز الأضواء لتصل إلى قلوب الملايين.

وفي زمن الانقسام السياسي والخذلان الرسمي، يبدو أن الفن يمكنه تجميع الناس حول القيم الإنسانية المشتركة: العدالة، الحرية، ورفض الظلم. من هنا تكتسب هذه المواقف أهميتها، ليس فقط كأحداث عابرة، بل كتحولات ثقافية قد تعيد تشكيل علاقة الرأي العام العالمي بالقضية الفلسطينية.

إيمان عبد اللطيف