إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

سفير اليابان بتونس لـ«الصباح»: تونس لها دور حيوي في الاستقرار الإقليمي

- تونس يمكن أن تمثل بوابة استراتيجية نحو القارة الإفريقية

-هنالك مجال واسع للتعاون في الطب والصناعات الدوائية 

-اليابان حريصة على تطوير تواجدها الاقتصادي في تونس 

بين طموحات التنمية والابتكار، تتبوأ العلاقات التونسية–اليابانية موقعا متميزا على خريطة التعاون الدولي. فمن قمة «تيكاد» الثامنة التي شكّلت محطة فارقة في مسار الشراكة بين البلدين، إلى المشاريع المستقبلية في الطاقة المتجددة، يؤكد سفير اليابان بتونس تاكيشي أوسوغا، في حوار خصّ به «الصباح»، أن تونس ليست مجرد شريك، بل يمكن أن تمثل بوابة استراتيجية للشركات اليابانية نحو الأسواق الإفريقية، مدفوعة بإرادة سياسية قوية من كلا الجانبين لتوسيع آفاق التعاون.

اللقاء الذي اتسم برؤية مستقبلية واعدة، أبدى من خلاله السفير الياباني حرص بلاده على تطوير التعاون في مجالات واعدة على غرار الطاقات المتجددة والتعليم العالي.

وفيما يلي نص الحوار:

*كيف تقيّمون مستوى العلاقات الدبلوماسية بين تونس واليابان اليوم؟ وفي أي المجالات ترون أن هناك فرصًا أكبر لتعزيز التعاون الثنائي؟

أعتقد أن تنظيم تيكاد 8 في تونس شكّل منعطفًا مهمًّا في تطور مسار العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. فعلى الرغم من الظروف الصحية السائدة في ذلك الوقت بسبب جائحة كوفيد، فقد كان هذا الحدث ناجحًا للغاية وشكّل نقطة تحول في تطور العلاقات الثنائية، مما أعطى دفعة جديدة للشراكة. ثم إن تونس كانت ثاني بلد إفريقي يحتضن هذا المؤتمر بعد كينيا، وهذا ما منح العلاقات الثنائية رمزية خاصة.

تونس تتمتّع بعدة مزايا تجعلها شريكًا استراتيجيًا.

جغرافيًا: موقعها في قلب شمال إفريقيا، كما أن قربها من أوروبا يمنحها أهمية خاصة.

اقتصاديًا: تتمتع تونس بعلاقات مميزة مع الاتحاد الأوروبي بفضل اتفاقية الشراكة، وكانت من أوائل الدول التي انضمت إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAF).

زد على ذلك أن لديها رصيدًا بشريًا على درجة عالية من الكفاءة، إلى جانب قطاع الطاقات المتجددة الذي يحظى باهتمام متزايد.

انطلاقًا من هذه المؤهلات، نرى فرصًا واعدة في الصحة، والصناعات الدوائية، والرقمنة، والطاقات المتجددة، والسياحة، والثقافة.

إذ لدى تونس عدد كبير من كليات الطب مقارنة بعدد السكان، أكثر من اليابان نفسها. وهذا يفتح مجالًا واسعًا للتعاون في الطب والصناعات الدوائية.

*كيف تنظرون إلى دور تونس كجسر بين اليابان وبقية دول إفريقيا؟

نعتبر أن لتونس دورا حيويا في الاستقرار الإقليمي، بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وعلاقاتها الخاصة بالدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك أوروبا. وهذا ما أكده رئيس الوزراء الياباني لرئيسة الحكومة التونسية خلال لقائهما الأخير، إذ شدد على أن اليابان تولي أهمية كبرى للعلاقات التونسية-اليابانية.

*في ضوء التحديات العالمية (الأزمات الاقتصادية، التحولات المناخية، التحولات الجيوسياسية)، كيف ترى اليابان مستقبل شراكتها مع إفريقيا، ومع تونس بصفة خاصة؟

تحتل تونس مكانة مهمة جدّا على المستوى الجيوسياسي في المنطقة. إن ازدهار واستقرار تونس أمر بالغ الأهمية لازدهار واستقرار شمال إفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط بأسرها، بما في ذلك جنوب أوروبا.

هذه منطقة متكاملة، ولهذا السبب نعتبر أن التعاون مع تونس مهم للغاية.

فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، أعتقد أن تونس تشارك اليابان جملة من القيم والمبادئ الكونية، مثل سيادة القانون، واحترام القانون الدولي، بما في ذلك المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.

*ماذا عن التعاون في ميدان التعليم العالي والبحث العلمي؟ هل يمكن أن نشهد شراكات بين الجامعات التونسية واليابانية؟

بالفعل، هناك إرادة قوية في هذا المجال. لدينا برامج تعاون من خلال السفارة والوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA)، والتي تشمل منحًا دراسية وتدريبات للطلاب والباحثين التونسيين في الجامعات اليابانية.

كما نعمل على توسيع الشراكات بين المؤسسات الجامعية في البلدين، سواء في مجالات التكنولوجيا، أو الهندسة، أو العلوم الطبية.

وهذا التعاون من شأنه أن يعزز التبادل الأكاديمي ويخلق جسورًا جديدة بين شباب البلدين.

*تُعرف اليابان بدعمها للتنمية المستدامة، هل هناك مشاريع في هذا المجال موجهة لتونس؟

نعم، اليابان منخرطة بقوة في مجال التنمية المستدامة، لا سيما فيما يتعلق بالطاقات المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية. وقد قدمنا منحًا مهمة لدعم شركات يابانية تستثمر في تونس. هناك مشروعان قيد الإنجاز حاليًا: الأول في سيدي بوزيد والثاني في توزر.

وهنالك مشاريع أخرى قيد الدراسة للحصول على تمويل ياباني.

*كيف تقيّمون نتائج قمة «تيكاد 9»؟ وما الذي يميز هذه النسخة عن الدورات السابقة؟

«تيكاد 9» حققت نجاحًا كبيرًا على عدة مستويات. أولًا، لأنها تمثل قمة متعددة الأطراف وليست ثنائية بين اليابان وإفريقيا، وقد نظمت بالتعاون بين الحكومة اليابانية، والأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والبنك الدولي، ولجنة الاتحاد الإفريقي، بحضور جميع البلدان الإفريقية، و33 منها مُثّلت على أعلى مستوى برؤساء دول أو حكومات. علاوة على ذلك، حضر الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وغيرهم من أبرز ممثلي المنظمات الدولية، وهذا يعد عنصرًا مهمًا للنجاح.

تميزت «تيكاد 9» باعتماد «إعلان يوكوهاما» بالإجماع بعد مفاوضات مكثفة، وهو وثيقة شاملة تحدد أولويات التعاون. وعلى الصعيد الثنائي بين اليابان وكل بلد إفريقي، عُقدت لقاءات ثنائية بين رئيس الوزراء الياباني وأكثر من 30 قائدًا إفريقيًا، بينها لقاء مع رئيسة الحكومة التونسية. وقد شكلت هذه اللقاءات خطوة مهمة نحو مناقشات جوهرية حول التعاون الثنائي الملموس.

أعتقد أن ما يميز هذه النسخة مقارنة بسابقاتها هو تغير الأولويات. فعلى امتداد تاريخ «تيكاد» منذ 1993، جرى تطوير المواضيع ذات الأولوية حسب احتياجات وتحديات إفريقيا. ابتداءً من «تيكاد 4» سنة 2008، كان التركيز منصبّا على المساعدات الإنمائية العامة، ثم في الدورات الأربع الأخيرة، تحوّل الاهتمام بشكل أكبر إلى الاستثمار والقطاع الخاص.

أما «تيكاد 9»، فقد اختار شعار «التشارك في ابتكار الحلول» أو Co-create، وهو مفهوم يتجاوز التعاون التقليدي، ليعكس رغبة اليابان وإفريقيا في العمل معًا على إيجاد حلول مشتركة لمواجهة التحديات الراهنة.

*كيف يمكن لتونس أن تستفيد عمليًا من القرارات والمشاريع التي تم الإعلان عنها خلال القمة؟

الأمر يتوقف على تونس أولًا، بأن تحدد كيفية الاستفادة من نتائج قمة «تيكاد 9». ما يميز «تيكاد» هو حرصه على الشفافية في متابعة الالتزامات. فمثلًا، خلال «تيكاد 8» المنعقدة في تونس سنة 2022، التزمت اليابان باستثمارات عامة وخاصة بقيمة 30 مليون دولار على مدار ثلاث سنوات، وقد تم تحقيق هذا الهدف بالكامل في جويلية 2025.

أما هذه المرة، في «تيكاد 9»، فقد تم اعتماد «إعلان يوكوهاما»، الذي يتضمن أيضًا سياسات ذات أولوية لتنمية إفريقيا. وقد أعلنت الحكومة اليابانية عن تدابير ملموسة للمساهمة في ذلك.

الأمر متروك لتونس لدراسة هذه الالتزامات ومحاولة الاستفادة من نصيبها من المشاريع الموعودة.

*كم يبلغ عدد الشركات اليابانية الناشطة في تونس، وهل هناك توجه نحو زيادة عدد الشركات اليابانية في تونس خلال السنوات المقبلة؟

حاليًا، عدد الشركات اليابانية الناشطة في تونس محدود مقارنة بالشركاء الأوروبيين، إذ لا يتجاوز 29 شركة، وفقًا للتعريف الذي نعتمده (امتلاك أكثر من 10 % من رأس المال، أو فرع مباشر لشركة يابانية). من بينها شركات تصنيع الكابلات الكهربائية للسيارات، وغيرها من الشركات العاملة في قطاع النسيج.

على المستوى الحكومي، هناك بالتأكيد رغبة في زيادة هذا العدد في المستقبل، لأن اليابان ترغب في تطوير وجودها الاقتصادي في تونس، خاصة أننا مقتنعون بأن مجالات الصحة والطاقة المتجددة والرقمنة ستفتح آفاقًا مهمة في السنوات القادمة. وتعقد الحكومة اليابانية والسفارة عزمهما على دعم الاستثمارات، لكن القرار النهائي يعود في النهاية إلى القطاع الخاص.

*هل هناك مجالات أخرى غير الطاقات الشمسية؟

في مجال إدارة النفايات، نعمل مع البلديات والجمعيات المحلية من خلال «التبرعات للمشاريع المحلية الصغيرة» التي تقدمها سفارتنا، إذ نوفر معدات مثل شاحنات أو تجهيزات للرسكلة والسماد العضوي.

هناك أيضًا مشاريع بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة وANGED، مثل مشروع تجريبي لتوليد الكهرباء من النفايات العضوية عبر الغاز الحيوي، والذي بدأ العمل به في مكب نفايات في سوسة هذا العام، بالإضافة إلى مشروعين آخرين قيد التنفيذ في جربة وباجة.

ويسعدني جدّا أن أرى وضع إطار جديد للتعريفة التفضيلية لتشجيع الاستثمارات الخاصة في هذا القطاع.

*هل هناك توجه لزيادة الاستثمارات اليابانية؟

نعم، تم توقيع مذكرتي تفاهم مهمتين خلال «تيكاد 9». الأولى بين شركة دواء يابانية ومعهد باستور لتطوير لقاحات من خلايا خاصة (CHO) دون اللجوء إلى الحيوانات، والثانية مع صندوق استثماري ياباني لتطوير خدمات الرعاية الصحية المنزلية لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وهو قطاع يشهد إقبالًا في كل من تونس واليابان.

*هل يمكن أن نرى تونس مركزًا إقليميًا للشركات اليابانية في إفريقيا؟

حاليًا، معظم الشركات اليابانية المنتصبة في تونس توجّه إنتاجها نحو السوق الأوروبية، بحكم اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

لكن، مع دخول اتفاقية التبادل الحر الإفريقية حيز التنفيذ، يمكن لتونس أن تتحول مستقبلًا إلى منصة إقليمية للانفتاح على أسواق القارة.

*لنمر الآن إلى السياحة، كيف تقيمون توافد السياح اليابانيين على تونس؟

الأرقام ما زالت محدودة. في 2014 بلغ عدد السياح اليابانيين نحو 6 آلاف، لكن بعد عملية باردو الإرهابية تراجع إلى حدود 1400 سائح فقط سنة 2016.

ثم عاد ليرتفع إلى 8 آلاف سنة 2019، قبل أن ينخفض مجددًا بسبب جائحة كورونا.

وفي 2023، انتعش العدد ليصل إلى نحو 9 آلاف سائح ياباني زاروا تونس.

*هل هناك برامج أو مبادرات لتعزيز الوجهة التونسية لدى السياح اليابانيين، وهل هناك تعاون بين وكالات الأسفار اليابانية ونظيراتها التونسية لتطوير رحلات موجهة للسياح اليابانيين؟

هنالك ميزة مهمة جدًا، وهي الإعفاء المتبادل من التأشيرة لمدة 90 يومًا، وهو ساري المفعول منذ استقلال تونس.

تونس هي واحدة من بين ثلاث دول إفريقية فقط تتمتع حاليًا بهذا الامتياز مع اليابان، وهذا عنصر مشجّع على زيادة التبادل السياحي مستقبلًا.

لكن تطوير السياحة يعتمد أساسًا على القطاع الخاص، سواء وكالات الأسفار التونسية أو اليابانية.

وعلى مستوى التعاون بين الوكالات، أعتقد أنه من الضروري العمل مستقبلاً على تكثيف الزيارات من الجانبين، بما قد يفضي لاحقًا إلى اتفاقيات في هذا المجال.

أجرت الحوار: منال حرزي

سفير اليابان بتونس لـ«الصباح»:   تونس لها دور حيوي في الاستقرار الإقليمي

- تونس يمكن أن تمثل بوابة استراتيجية نحو القارة الإفريقية

-هنالك مجال واسع للتعاون في الطب والصناعات الدوائية 

-اليابان حريصة على تطوير تواجدها الاقتصادي في تونس 

بين طموحات التنمية والابتكار، تتبوأ العلاقات التونسية–اليابانية موقعا متميزا على خريطة التعاون الدولي. فمن قمة «تيكاد» الثامنة التي شكّلت محطة فارقة في مسار الشراكة بين البلدين، إلى المشاريع المستقبلية في الطاقة المتجددة، يؤكد سفير اليابان بتونس تاكيشي أوسوغا، في حوار خصّ به «الصباح»، أن تونس ليست مجرد شريك، بل يمكن أن تمثل بوابة استراتيجية للشركات اليابانية نحو الأسواق الإفريقية، مدفوعة بإرادة سياسية قوية من كلا الجانبين لتوسيع آفاق التعاون.

اللقاء الذي اتسم برؤية مستقبلية واعدة، أبدى من خلاله السفير الياباني حرص بلاده على تطوير التعاون في مجالات واعدة على غرار الطاقات المتجددة والتعليم العالي.

وفيما يلي نص الحوار:

*كيف تقيّمون مستوى العلاقات الدبلوماسية بين تونس واليابان اليوم؟ وفي أي المجالات ترون أن هناك فرصًا أكبر لتعزيز التعاون الثنائي؟

أعتقد أن تنظيم تيكاد 8 في تونس شكّل منعطفًا مهمًّا في تطور مسار العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. فعلى الرغم من الظروف الصحية السائدة في ذلك الوقت بسبب جائحة كوفيد، فقد كان هذا الحدث ناجحًا للغاية وشكّل نقطة تحول في تطور العلاقات الثنائية، مما أعطى دفعة جديدة للشراكة. ثم إن تونس كانت ثاني بلد إفريقي يحتضن هذا المؤتمر بعد كينيا، وهذا ما منح العلاقات الثنائية رمزية خاصة.

تونس تتمتّع بعدة مزايا تجعلها شريكًا استراتيجيًا.

جغرافيًا: موقعها في قلب شمال إفريقيا، كما أن قربها من أوروبا يمنحها أهمية خاصة.

اقتصاديًا: تتمتع تونس بعلاقات مميزة مع الاتحاد الأوروبي بفضل اتفاقية الشراكة، وكانت من أوائل الدول التي انضمت إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAF).

زد على ذلك أن لديها رصيدًا بشريًا على درجة عالية من الكفاءة، إلى جانب قطاع الطاقات المتجددة الذي يحظى باهتمام متزايد.

انطلاقًا من هذه المؤهلات، نرى فرصًا واعدة في الصحة، والصناعات الدوائية، والرقمنة، والطاقات المتجددة، والسياحة، والثقافة.

إذ لدى تونس عدد كبير من كليات الطب مقارنة بعدد السكان، أكثر من اليابان نفسها. وهذا يفتح مجالًا واسعًا للتعاون في الطب والصناعات الدوائية.

*كيف تنظرون إلى دور تونس كجسر بين اليابان وبقية دول إفريقيا؟

نعتبر أن لتونس دورا حيويا في الاستقرار الإقليمي، بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وعلاقاتها الخاصة بالدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك أوروبا. وهذا ما أكده رئيس الوزراء الياباني لرئيسة الحكومة التونسية خلال لقائهما الأخير، إذ شدد على أن اليابان تولي أهمية كبرى للعلاقات التونسية-اليابانية.

*في ضوء التحديات العالمية (الأزمات الاقتصادية، التحولات المناخية، التحولات الجيوسياسية)، كيف ترى اليابان مستقبل شراكتها مع إفريقيا، ومع تونس بصفة خاصة؟

تحتل تونس مكانة مهمة جدّا على المستوى الجيوسياسي في المنطقة. إن ازدهار واستقرار تونس أمر بالغ الأهمية لازدهار واستقرار شمال إفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط بأسرها، بما في ذلك جنوب أوروبا.

هذه منطقة متكاملة، ولهذا السبب نعتبر أن التعاون مع تونس مهم للغاية.

فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، أعتقد أن تونس تشارك اليابان جملة من القيم والمبادئ الكونية، مثل سيادة القانون، واحترام القانون الدولي، بما في ذلك المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.

*ماذا عن التعاون في ميدان التعليم العالي والبحث العلمي؟ هل يمكن أن نشهد شراكات بين الجامعات التونسية واليابانية؟

بالفعل، هناك إرادة قوية في هذا المجال. لدينا برامج تعاون من خلال السفارة والوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA)، والتي تشمل منحًا دراسية وتدريبات للطلاب والباحثين التونسيين في الجامعات اليابانية.

كما نعمل على توسيع الشراكات بين المؤسسات الجامعية في البلدين، سواء في مجالات التكنولوجيا، أو الهندسة، أو العلوم الطبية.

وهذا التعاون من شأنه أن يعزز التبادل الأكاديمي ويخلق جسورًا جديدة بين شباب البلدين.

*تُعرف اليابان بدعمها للتنمية المستدامة، هل هناك مشاريع في هذا المجال موجهة لتونس؟

نعم، اليابان منخرطة بقوة في مجال التنمية المستدامة، لا سيما فيما يتعلق بالطاقات المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية. وقد قدمنا منحًا مهمة لدعم شركات يابانية تستثمر في تونس. هناك مشروعان قيد الإنجاز حاليًا: الأول في سيدي بوزيد والثاني في توزر.

وهنالك مشاريع أخرى قيد الدراسة للحصول على تمويل ياباني.

*كيف تقيّمون نتائج قمة «تيكاد 9»؟ وما الذي يميز هذه النسخة عن الدورات السابقة؟

«تيكاد 9» حققت نجاحًا كبيرًا على عدة مستويات. أولًا، لأنها تمثل قمة متعددة الأطراف وليست ثنائية بين اليابان وإفريقيا، وقد نظمت بالتعاون بين الحكومة اليابانية، والأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والبنك الدولي، ولجنة الاتحاد الإفريقي، بحضور جميع البلدان الإفريقية، و33 منها مُثّلت على أعلى مستوى برؤساء دول أو حكومات. علاوة على ذلك، حضر الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وغيرهم من أبرز ممثلي المنظمات الدولية، وهذا يعد عنصرًا مهمًا للنجاح.

تميزت «تيكاد 9» باعتماد «إعلان يوكوهاما» بالإجماع بعد مفاوضات مكثفة، وهو وثيقة شاملة تحدد أولويات التعاون. وعلى الصعيد الثنائي بين اليابان وكل بلد إفريقي، عُقدت لقاءات ثنائية بين رئيس الوزراء الياباني وأكثر من 30 قائدًا إفريقيًا، بينها لقاء مع رئيسة الحكومة التونسية. وقد شكلت هذه اللقاءات خطوة مهمة نحو مناقشات جوهرية حول التعاون الثنائي الملموس.

أعتقد أن ما يميز هذه النسخة مقارنة بسابقاتها هو تغير الأولويات. فعلى امتداد تاريخ «تيكاد» منذ 1993، جرى تطوير المواضيع ذات الأولوية حسب احتياجات وتحديات إفريقيا. ابتداءً من «تيكاد 4» سنة 2008، كان التركيز منصبّا على المساعدات الإنمائية العامة، ثم في الدورات الأربع الأخيرة، تحوّل الاهتمام بشكل أكبر إلى الاستثمار والقطاع الخاص.

أما «تيكاد 9»، فقد اختار شعار «التشارك في ابتكار الحلول» أو Co-create، وهو مفهوم يتجاوز التعاون التقليدي، ليعكس رغبة اليابان وإفريقيا في العمل معًا على إيجاد حلول مشتركة لمواجهة التحديات الراهنة.

*كيف يمكن لتونس أن تستفيد عمليًا من القرارات والمشاريع التي تم الإعلان عنها خلال القمة؟

الأمر يتوقف على تونس أولًا، بأن تحدد كيفية الاستفادة من نتائج قمة «تيكاد 9». ما يميز «تيكاد» هو حرصه على الشفافية في متابعة الالتزامات. فمثلًا، خلال «تيكاد 8» المنعقدة في تونس سنة 2022، التزمت اليابان باستثمارات عامة وخاصة بقيمة 30 مليون دولار على مدار ثلاث سنوات، وقد تم تحقيق هذا الهدف بالكامل في جويلية 2025.

أما هذه المرة، في «تيكاد 9»، فقد تم اعتماد «إعلان يوكوهاما»، الذي يتضمن أيضًا سياسات ذات أولوية لتنمية إفريقيا. وقد أعلنت الحكومة اليابانية عن تدابير ملموسة للمساهمة في ذلك.

الأمر متروك لتونس لدراسة هذه الالتزامات ومحاولة الاستفادة من نصيبها من المشاريع الموعودة.

*كم يبلغ عدد الشركات اليابانية الناشطة في تونس، وهل هناك توجه نحو زيادة عدد الشركات اليابانية في تونس خلال السنوات المقبلة؟

حاليًا، عدد الشركات اليابانية الناشطة في تونس محدود مقارنة بالشركاء الأوروبيين، إذ لا يتجاوز 29 شركة، وفقًا للتعريف الذي نعتمده (امتلاك أكثر من 10 % من رأس المال، أو فرع مباشر لشركة يابانية). من بينها شركات تصنيع الكابلات الكهربائية للسيارات، وغيرها من الشركات العاملة في قطاع النسيج.

على المستوى الحكومي، هناك بالتأكيد رغبة في زيادة هذا العدد في المستقبل، لأن اليابان ترغب في تطوير وجودها الاقتصادي في تونس، خاصة أننا مقتنعون بأن مجالات الصحة والطاقة المتجددة والرقمنة ستفتح آفاقًا مهمة في السنوات القادمة. وتعقد الحكومة اليابانية والسفارة عزمهما على دعم الاستثمارات، لكن القرار النهائي يعود في النهاية إلى القطاع الخاص.

*هل هناك مجالات أخرى غير الطاقات الشمسية؟

في مجال إدارة النفايات، نعمل مع البلديات والجمعيات المحلية من خلال «التبرعات للمشاريع المحلية الصغيرة» التي تقدمها سفارتنا، إذ نوفر معدات مثل شاحنات أو تجهيزات للرسكلة والسماد العضوي.

هناك أيضًا مشاريع بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة وANGED، مثل مشروع تجريبي لتوليد الكهرباء من النفايات العضوية عبر الغاز الحيوي، والذي بدأ العمل به في مكب نفايات في سوسة هذا العام، بالإضافة إلى مشروعين آخرين قيد التنفيذ في جربة وباجة.

ويسعدني جدّا أن أرى وضع إطار جديد للتعريفة التفضيلية لتشجيع الاستثمارات الخاصة في هذا القطاع.

*هل هناك توجه لزيادة الاستثمارات اليابانية؟

نعم، تم توقيع مذكرتي تفاهم مهمتين خلال «تيكاد 9». الأولى بين شركة دواء يابانية ومعهد باستور لتطوير لقاحات من خلايا خاصة (CHO) دون اللجوء إلى الحيوانات، والثانية مع صندوق استثماري ياباني لتطوير خدمات الرعاية الصحية المنزلية لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وهو قطاع يشهد إقبالًا في كل من تونس واليابان.

*هل يمكن أن نرى تونس مركزًا إقليميًا للشركات اليابانية في إفريقيا؟

حاليًا، معظم الشركات اليابانية المنتصبة في تونس توجّه إنتاجها نحو السوق الأوروبية، بحكم اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

لكن، مع دخول اتفاقية التبادل الحر الإفريقية حيز التنفيذ، يمكن لتونس أن تتحول مستقبلًا إلى منصة إقليمية للانفتاح على أسواق القارة.

*لنمر الآن إلى السياحة، كيف تقيمون توافد السياح اليابانيين على تونس؟

الأرقام ما زالت محدودة. في 2014 بلغ عدد السياح اليابانيين نحو 6 آلاف، لكن بعد عملية باردو الإرهابية تراجع إلى حدود 1400 سائح فقط سنة 2016.

ثم عاد ليرتفع إلى 8 آلاف سنة 2019، قبل أن ينخفض مجددًا بسبب جائحة كورونا.

وفي 2023، انتعش العدد ليصل إلى نحو 9 آلاف سائح ياباني زاروا تونس.

*هل هناك برامج أو مبادرات لتعزيز الوجهة التونسية لدى السياح اليابانيين، وهل هناك تعاون بين وكالات الأسفار اليابانية ونظيراتها التونسية لتطوير رحلات موجهة للسياح اليابانيين؟

هنالك ميزة مهمة جدًا، وهي الإعفاء المتبادل من التأشيرة لمدة 90 يومًا، وهو ساري المفعول منذ استقلال تونس.

تونس هي واحدة من بين ثلاث دول إفريقية فقط تتمتع حاليًا بهذا الامتياز مع اليابان، وهذا عنصر مشجّع على زيادة التبادل السياحي مستقبلًا.

لكن تطوير السياحة يعتمد أساسًا على القطاع الخاص، سواء وكالات الأسفار التونسية أو اليابانية.

وعلى مستوى التعاون بين الوكالات، أعتقد أنه من الضروري العمل مستقبلاً على تكثيف الزيارات من الجانبين، بما قد يفضي لاحقًا إلى اتفاقيات في هذا المجال.

أجرت الحوار: منال حرزي