إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من القاهرة إلى الهند.. المسرح التونسي يُثبّت حضوره العربي والدولي ويصنع رصيدا رمزيا وثقافيا جديدا

-المخرج حمادي الوهايبي لـ«الصباح»: «كل مشاركة مسرحية خارج البلاد تحمل في طياتها إيجابيات كبرى للمسرح التونسي».

-المخرج حافظ خليفة لـ«الصباح»: «المشاركة في مهرجان جوهاتي الدولي بالهند لها قيمة استثنائية لأنها تفتح أبوابًا جديدة لعلاقات مع مسارح جنوب آسيا والهند وكوريا وسريلانكا».

لم يعد حضور المسرح التونسي في التظاهرات الدولية والعربية مجرّد مشاركة عابرة، بقدر ما تحوّل إلى فعل ثقافي متجذّر يترجم عمق التجربة المسرحية في البلاد وقدرتها على الانتشار والتأثير في المشهد العالمي. فمنذ سنوات طويلة، والمسرح التونسي يسعى إلى تثبيت حضوره في كبرى المهرجانات، من خلال عروض متنوعة ورؤى فكرية وجمالية تراهن على الإبداع والتجريب، وهو ما جعله يفرض نفسه كأحد المكوّنات الأساسية للمشهد المسرحي العربي والدولي. هذه المشاركات ليست مجرد فرص لعرض الأعمال على جماهير جديدة، بل هي أيضًا فضاءات للتبادل الثقافي، واكتشاف المقاربات الحديثة، وبناء جسور التواصل مع مبدعين من مختلف القارات.

ولعلّ أهم ما يبرز قيمة هذا الحضور هو ما عبّر عنه عدد من المخرجين التونسيين الذين خاضوا تجارب مباشرة في مهرجانات كبرى. ففي مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي (من 1 إلى 8 سبتمبر الجاري)، الذي يُعدّ من أهم المحطات المسرحية العربية لما يتميّز به من انفتاح على تجارب بلدان مختلفة تتجاوز المحيط العربي والإفريقي، سجّل المسرح التونسي حضوره من خلال عملين: «روضة العشاق» للمخرج المسرحي معز العاشوري، ومسرحية «عطيل وبعد» للمخرج المسرحي حمادي الوهايبي الذي أكّد في تصريح لـ»الصباح» بأنّه: «لا شك أن كل مشاركة مسرحية خارج البلاد تحمل في طياتها إيجابيات كبرى للمسرح التونسي، فهي أولًا فرصة لتقديم المقترحات الجمالية والفكرية التي يبدعها المسرح التونسي إلى جماهير أجنبية، وثانيًا مجال للاطلاع على آخر التجارب والمقاربات المسرحية التي تشتغل عليها بلدان أخرى سواء كانت عربية أو أجنبية.وفي هذا السياق «جاءت مشاركتنا بمسرحية عطيل وبعد، من إنتاج المركز الثقافي الدولي بالحمامات، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وهي ليست المشاركة الأولى لي كمخرج في هذه التظاهرة إذ سبق أن قدمت مسرحيتي «الصابرات» ثم «الروبة»، وهذه المرة نحن حاضرون بعرض جديد يؤكد تواصل التجربة».

وأضاف الوهايبي: «ما يميز هذا المهرجان أنه منفتح على جميع البلدان دون الاقتصار على المحيط العربي والإفريقي كما هو الحال بالنسبة لأيام قرطاج المسرحية، وهو ما يجعله محطة ذات عراقة وأهمية بالغة في المشهد المسرحي العربي. مشاركتنا هذه تمثل فرصة لتقديم تصورنا الجمالي والفكري لجمهور واسع لا يقتصر على المتلقي المصري، وإنما يشمل أيضًا ضيوف المهرجان من بلدان عديدة مثل كولومبيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وأرمينيا، إضافة إلى الحضور العربي البارز من الإمارات والسعودية والبحرين وقطر والعراق».

اللافت أيضًا في هذه الدورة الثانية والثلاثين كان الزخم الفكري والفني، حيث خُصصت احتفاليات وتكريمات لقامات مسرحية بارزة مثل المنظّر والناقد الفرنسي باتريس بافيس، وقد برمج له لقاء مع المثقفين والإعلاميين والمسرحيين. لكن في المقابل لاحظت غياب أسماء تونسية عن قائمة المكرّمين أو المتدخلين في الندوات الفكرية أو حتى في لجان التحكيم، رغم الحضور التونسي المهم على مستوى العروض والباحثين أمثال عبد الحليم المسعودي ومحمد منير العرقي ولطفي العربي السنوسي، وهو أمر مثير للاستغراب».

وأوضح: «عموما تبقى مشاركتنا ذات قيمة كبرى لأنها تتيح ربط علاقات مع مسرحيين ونقاد من العالم العربي وإفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وتعزز التعريف بإنتاجاتنا المسرحية».

وإذا كانت القاهرة محطة عريقة وراسخة، فإن المشاركة في مهرجانات أبعد جغرافيًا مثل مهرجان جوهاتي الدولي بالهند (والذي انتظم من 3 إلى 6 سبتمبر الجاري) تكشف عن جرأة المسرح التونسي في طرق آفاق جديدة. فقد حضرت تونس هناك عبر مسرحية «المهاجران» للمخرج المسرحي حافظ خليفة.

وعن هذه المشاركة تحدّث المخرج حافظ خليفة في تصريح لـ«الصباح»، فقال: «مشاركتنا هذه المرة كانت في مهرجان دولي يُقام بمدينة جوهاتي في ولاية آسام شمال شرق شبه القارة الهندية، وهي مدينة ذات أهمية استراتيجية بحكم موقعها القريب من باكستان وبنغلاديش وما يمثله من ثقل ديني وسياسي واقتصادي».

وأضاف: «المهرجان جمع عروضًا من دول عديدة على غرار أوكرانيا ورومانيا ولبنان وكوريا الجنوبية وسريلانكا، إضافة إلى الهند التي حضرت بثمانية عشر عرضًا. كما ضم ورشات تكوينية من بينها ورشة حول علاقة الجسد بالقناع في الأداء المسرحي. وقد شاركنا بمسرحية المهاجران، نص لسعد بن حسين، سينوغرافيا وإخراج وتمثيل مشترك بين صلاح الدين مصدّق وجلال الدين السعدي. وجاءت المشاركة بدعوة خاصة من إدارة المهرجان التي اختارت العمل ضمن برمجتها».

وأوضح: «بالنسبة إلينا، تكتسي هذه التجربة أهمية استثنائية لأنها تفتح أبوابًا جديدة لعلاقات مع مسارح جنوب آسيا والهند وكوريا وسريلانكا، وهي مناطق لا نعرف الكثير عن مشهدها المسرحي، ما يمنحني شخصيًا فرصة لاكتشاف عروض مختلفة وانتقاء بعضها للدورات المقبلة، خاصة الدورة السادسة لمهرجان المسرح في الصحراء السنة القادمة، وربما أيضًا لاقتراحها على مهرجانات تونسية أخرى».

في اتجاه متصل أوضح حافظ خليفة أنّ «مسرحية المهاجران ليست جديدة على العروض الدولية، فقد سبق أن قدّمناها في إيطاليا وألمانيا والجزائر، وهي مقبلة قريبًا على المشاركة في مهرجان المسرحية العربية بمدينة سطيف ضمن المسابقة الرسمية، كما عُرضت في أيام قرطاج المسرحية. وهو عمل إنساني يخرج عن المألوف، وقد وجد صداه لدى الجمهور في عديد المرات التي قدّم فيها داخل تونس».

بهذا المعنى، يمكن القول إن الحضور التونسي لم يعد مقصورًا على فضاءات عربية تقليدية مثل أيام قرطاج المسرحية أو مهرجان القاهرة، بل صار يمتد إلى آفاق بعيدة مثل الهند، ليؤكد أن المسرح التونسي قادر على مخاطبة جمهور عالمي بلغاته الجمالية والفكرية الخاصة. ولعلّ قيمة هذه التجارب تكمن في كونها شهادات حيّة على قدرة المسرحيين التونسيين على الانفتاح والتجديد، وعلى جعل الفن جسرًا للتواصل الثقافي والإنساني. فما يميز هذه المشاركات هو بعدها المزدوج: فهي من جهة مناسبة لتسويق الإنتاج المسرحي التونسي، ومن جهة أخرى فرصة للاطلاع على تجارب الآخرين وإثراء الخيال المسرحي المحلي.

وهذه الديناميكية، بما تحمله من تبادل وتلاقح، تؤكد أن المسرح التونسي ليس مجرد ضيف، بل هو فاعل أساسي في المشهد المسرحي العالمي، وأن حضوره في المهرجانات الدولية والعربية يعكس رغبة عميقة في أن يكون جزءًا من حوار كوني حول الفن والإنسان. ولعلّ هذا ما يجعل كل مشاركة تونسية، سواء في القاهرة أو في جوهاتي أو غيرها من المحطات، علامة مضيئة في مسار المسرح العربي، ودليلًا على أن التجربة التونسية قادرة على المزاوجة بين المحلي والعالمي، بين الأصالة والانفتاح، وبين الخصوصية والكونية.

وعديدة هي المهرجانات العربية والدولية التي سجّل فيها المسرح التونسي حضوره بقوة، على غرار الدورة الخامسة لمهرجان بغداد الدولي للمسرح، حيث تُوّجت المسرحية التونسية «عطيل وبعد» للمخرج حمادي الوهايبي بجائزتين وهما جائزة أفضل ممثل التي آلت إلى مهذب الرميلي، وأفضل نص لبوكثير دومة.

بالإضافة إلى ذلك، نجد مهرجان أيام كربلاء الدولي للمسرح بالعراق، حيث حصدت المسرحية التونسية «التنور» جائزة أفضل إخراج وأفضل عمل متكامل ضمن فعاليات الدورة الرابعة في سنة 2024.

انفتاح آخر عاش على وقعه المسرح التونسي من خلال المشاركة ضمن فعاليات الدورة 11 من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما الذي انتظم من 10 إلى 18 أفريل 2025، من خلال عملين مسرحيين: «وحدي» لوليد الدغسني، و»بليد... بلا خرافة» إخراج عبد الرحمان الشريف وصادق عيداني.

ويمثّل مهرجان شرم الشيخ الدولي لمسرح الشباب أيضًا محطّة هامة للمسرحيين التونسيين، والذي سيقام هذه السنة من 25 إلى 30 نوفمبر 2025، وهو مهرجان يستقطب سنويًا مشاركات عربية ودولية، وقد شاركت تونس في الدورة السابقة بسبع مسرحيات ضمن المسابقات الرسمية.

كما شاركت المسرحية التونسية «رقصة سماء»، من تأليف وإخراج الطاهر عيسى بن العربي، في الدورة السادسة والعشرين للمهرجان الدولي لمسرح الشباب، التي أقيمت فعالياتها بمدينة سانت بطرسبرغ الروسية من 22 إلى 29 ماي 2025، بمشاركة مسارح من عشر دول تمثل أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

عديدة هي المشاركات (لا يمكن حصرها في مقال واحد) التي تؤكد على أنّ المسرح التونسي لا يحضر في التظاهرات العربية والدولية كضيف عابر، بل كصوت تجريبي مميّز تشكّل عبر عقود من العمل المختبري وتقاليد الفرجة الحيّة وبنية مهرجانية محلية صنعت جمهورًا وذائقة، إلى جانب التجربة التي راكمتها داخل البلاد وخارجها من استضافة وترويج، وجعلت المسرح التونسي يُثبّت حضوره العربي والدولي ويصنع رأس مال رمزي وثقافي جديد عزّزه منذ سنوات احتضانها لأعرق المهرجانات وهو المهرجان الدولي لأيام قرطاج المسرحية، الذي ستنعقد دورته الـ26 من 22 إلى 29 نوفمبر 2025.

إيمان عبد اللطيف

من القاهرة إلى الهند..   المسرح التونسي يُثبّت حضوره العربي والدولي ويصنع رصيدا رمزيا وثقافيا جديدا

-المخرج حمادي الوهايبي لـ«الصباح»: «كل مشاركة مسرحية خارج البلاد تحمل في طياتها إيجابيات كبرى للمسرح التونسي».

-المخرج حافظ خليفة لـ«الصباح»: «المشاركة في مهرجان جوهاتي الدولي بالهند لها قيمة استثنائية لأنها تفتح أبوابًا جديدة لعلاقات مع مسارح جنوب آسيا والهند وكوريا وسريلانكا».

لم يعد حضور المسرح التونسي في التظاهرات الدولية والعربية مجرّد مشاركة عابرة، بقدر ما تحوّل إلى فعل ثقافي متجذّر يترجم عمق التجربة المسرحية في البلاد وقدرتها على الانتشار والتأثير في المشهد العالمي. فمنذ سنوات طويلة، والمسرح التونسي يسعى إلى تثبيت حضوره في كبرى المهرجانات، من خلال عروض متنوعة ورؤى فكرية وجمالية تراهن على الإبداع والتجريب، وهو ما جعله يفرض نفسه كأحد المكوّنات الأساسية للمشهد المسرحي العربي والدولي. هذه المشاركات ليست مجرد فرص لعرض الأعمال على جماهير جديدة، بل هي أيضًا فضاءات للتبادل الثقافي، واكتشاف المقاربات الحديثة، وبناء جسور التواصل مع مبدعين من مختلف القارات.

ولعلّ أهم ما يبرز قيمة هذا الحضور هو ما عبّر عنه عدد من المخرجين التونسيين الذين خاضوا تجارب مباشرة في مهرجانات كبرى. ففي مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي (من 1 إلى 8 سبتمبر الجاري)، الذي يُعدّ من أهم المحطات المسرحية العربية لما يتميّز به من انفتاح على تجارب بلدان مختلفة تتجاوز المحيط العربي والإفريقي، سجّل المسرح التونسي حضوره من خلال عملين: «روضة العشاق» للمخرج المسرحي معز العاشوري، ومسرحية «عطيل وبعد» للمخرج المسرحي حمادي الوهايبي الذي أكّد في تصريح لـ»الصباح» بأنّه: «لا شك أن كل مشاركة مسرحية خارج البلاد تحمل في طياتها إيجابيات كبرى للمسرح التونسي، فهي أولًا فرصة لتقديم المقترحات الجمالية والفكرية التي يبدعها المسرح التونسي إلى جماهير أجنبية، وثانيًا مجال للاطلاع على آخر التجارب والمقاربات المسرحية التي تشتغل عليها بلدان أخرى سواء كانت عربية أو أجنبية.وفي هذا السياق «جاءت مشاركتنا بمسرحية عطيل وبعد، من إنتاج المركز الثقافي الدولي بالحمامات، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وهي ليست المشاركة الأولى لي كمخرج في هذه التظاهرة إذ سبق أن قدمت مسرحيتي «الصابرات» ثم «الروبة»، وهذه المرة نحن حاضرون بعرض جديد يؤكد تواصل التجربة».

وأضاف الوهايبي: «ما يميز هذا المهرجان أنه منفتح على جميع البلدان دون الاقتصار على المحيط العربي والإفريقي كما هو الحال بالنسبة لأيام قرطاج المسرحية، وهو ما يجعله محطة ذات عراقة وأهمية بالغة في المشهد المسرحي العربي. مشاركتنا هذه تمثل فرصة لتقديم تصورنا الجمالي والفكري لجمهور واسع لا يقتصر على المتلقي المصري، وإنما يشمل أيضًا ضيوف المهرجان من بلدان عديدة مثل كولومبيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وأرمينيا، إضافة إلى الحضور العربي البارز من الإمارات والسعودية والبحرين وقطر والعراق».

اللافت أيضًا في هذه الدورة الثانية والثلاثين كان الزخم الفكري والفني، حيث خُصصت احتفاليات وتكريمات لقامات مسرحية بارزة مثل المنظّر والناقد الفرنسي باتريس بافيس، وقد برمج له لقاء مع المثقفين والإعلاميين والمسرحيين. لكن في المقابل لاحظت غياب أسماء تونسية عن قائمة المكرّمين أو المتدخلين في الندوات الفكرية أو حتى في لجان التحكيم، رغم الحضور التونسي المهم على مستوى العروض والباحثين أمثال عبد الحليم المسعودي ومحمد منير العرقي ولطفي العربي السنوسي، وهو أمر مثير للاستغراب».

وأوضح: «عموما تبقى مشاركتنا ذات قيمة كبرى لأنها تتيح ربط علاقات مع مسرحيين ونقاد من العالم العربي وإفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وتعزز التعريف بإنتاجاتنا المسرحية».

وإذا كانت القاهرة محطة عريقة وراسخة، فإن المشاركة في مهرجانات أبعد جغرافيًا مثل مهرجان جوهاتي الدولي بالهند (والذي انتظم من 3 إلى 6 سبتمبر الجاري) تكشف عن جرأة المسرح التونسي في طرق آفاق جديدة. فقد حضرت تونس هناك عبر مسرحية «المهاجران» للمخرج المسرحي حافظ خليفة.

وعن هذه المشاركة تحدّث المخرج حافظ خليفة في تصريح لـ«الصباح»، فقال: «مشاركتنا هذه المرة كانت في مهرجان دولي يُقام بمدينة جوهاتي في ولاية آسام شمال شرق شبه القارة الهندية، وهي مدينة ذات أهمية استراتيجية بحكم موقعها القريب من باكستان وبنغلاديش وما يمثله من ثقل ديني وسياسي واقتصادي».

وأضاف: «المهرجان جمع عروضًا من دول عديدة على غرار أوكرانيا ورومانيا ولبنان وكوريا الجنوبية وسريلانكا، إضافة إلى الهند التي حضرت بثمانية عشر عرضًا. كما ضم ورشات تكوينية من بينها ورشة حول علاقة الجسد بالقناع في الأداء المسرحي. وقد شاركنا بمسرحية المهاجران، نص لسعد بن حسين، سينوغرافيا وإخراج وتمثيل مشترك بين صلاح الدين مصدّق وجلال الدين السعدي. وجاءت المشاركة بدعوة خاصة من إدارة المهرجان التي اختارت العمل ضمن برمجتها».

وأوضح: «بالنسبة إلينا، تكتسي هذه التجربة أهمية استثنائية لأنها تفتح أبوابًا جديدة لعلاقات مع مسارح جنوب آسيا والهند وكوريا وسريلانكا، وهي مناطق لا نعرف الكثير عن مشهدها المسرحي، ما يمنحني شخصيًا فرصة لاكتشاف عروض مختلفة وانتقاء بعضها للدورات المقبلة، خاصة الدورة السادسة لمهرجان المسرح في الصحراء السنة القادمة، وربما أيضًا لاقتراحها على مهرجانات تونسية أخرى».

في اتجاه متصل أوضح حافظ خليفة أنّ «مسرحية المهاجران ليست جديدة على العروض الدولية، فقد سبق أن قدّمناها في إيطاليا وألمانيا والجزائر، وهي مقبلة قريبًا على المشاركة في مهرجان المسرحية العربية بمدينة سطيف ضمن المسابقة الرسمية، كما عُرضت في أيام قرطاج المسرحية. وهو عمل إنساني يخرج عن المألوف، وقد وجد صداه لدى الجمهور في عديد المرات التي قدّم فيها داخل تونس».

بهذا المعنى، يمكن القول إن الحضور التونسي لم يعد مقصورًا على فضاءات عربية تقليدية مثل أيام قرطاج المسرحية أو مهرجان القاهرة، بل صار يمتد إلى آفاق بعيدة مثل الهند، ليؤكد أن المسرح التونسي قادر على مخاطبة جمهور عالمي بلغاته الجمالية والفكرية الخاصة. ولعلّ قيمة هذه التجارب تكمن في كونها شهادات حيّة على قدرة المسرحيين التونسيين على الانفتاح والتجديد، وعلى جعل الفن جسرًا للتواصل الثقافي والإنساني. فما يميز هذه المشاركات هو بعدها المزدوج: فهي من جهة مناسبة لتسويق الإنتاج المسرحي التونسي، ومن جهة أخرى فرصة للاطلاع على تجارب الآخرين وإثراء الخيال المسرحي المحلي.

وهذه الديناميكية، بما تحمله من تبادل وتلاقح، تؤكد أن المسرح التونسي ليس مجرد ضيف، بل هو فاعل أساسي في المشهد المسرحي العالمي، وأن حضوره في المهرجانات الدولية والعربية يعكس رغبة عميقة في أن يكون جزءًا من حوار كوني حول الفن والإنسان. ولعلّ هذا ما يجعل كل مشاركة تونسية، سواء في القاهرة أو في جوهاتي أو غيرها من المحطات، علامة مضيئة في مسار المسرح العربي، ودليلًا على أن التجربة التونسية قادرة على المزاوجة بين المحلي والعالمي، بين الأصالة والانفتاح، وبين الخصوصية والكونية.

وعديدة هي المهرجانات العربية والدولية التي سجّل فيها المسرح التونسي حضوره بقوة، على غرار الدورة الخامسة لمهرجان بغداد الدولي للمسرح، حيث تُوّجت المسرحية التونسية «عطيل وبعد» للمخرج حمادي الوهايبي بجائزتين وهما جائزة أفضل ممثل التي آلت إلى مهذب الرميلي، وأفضل نص لبوكثير دومة.

بالإضافة إلى ذلك، نجد مهرجان أيام كربلاء الدولي للمسرح بالعراق، حيث حصدت المسرحية التونسية «التنور» جائزة أفضل إخراج وأفضل عمل متكامل ضمن فعاليات الدورة الرابعة في سنة 2024.

انفتاح آخر عاش على وقعه المسرح التونسي من خلال المشاركة ضمن فعاليات الدورة 11 من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما الذي انتظم من 10 إلى 18 أفريل 2025، من خلال عملين مسرحيين: «وحدي» لوليد الدغسني، و»بليد... بلا خرافة» إخراج عبد الرحمان الشريف وصادق عيداني.

ويمثّل مهرجان شرم الشيخ الدولي لمسرح الشباب أيضًا محطّة هامة للمسرحيين التونسيين، والذي سيقام هذه السنة من 25 إلى 30 نوفمبر 2025، وهو مهرجان يستقطب سنويًا مشاركات عربية ودولية، وقد شاركت تونس في الدورة السابقة بسبع مسرحيات ضمن المسابقات الرسمية.

كما شاركت المسرحية التونسية «رقصة سماء»، من تأليف وإخراج الطاهر عيسى بن العربي، في الدورة السادسة والعشرين للمهرجان الدولي لمسرح الشباب، التي أقيمت فعالياتها بمدينة سانت بطرسبرغ الروسية من 22 إلى 29 ماي 2025، بمشاركة مسارح من عشر دول تمثل أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

عديدة هي المشاركات (لا يمكن حصرها في مقال واحد) التي تؤكد على أنّ المسرح التونسي لا يحضر في التظاهرات العربية والدولية كضيف عابر، بل كصوت تجريبي مميّز تشكّل عبر عقود من العمل المختبري وتقاليد الفرجة الحيّة وبنية مهرجانية محلية صنعت جمهورًا وذائقة، إلى جانب التجربة التي راكمتها داخل البلاد وخارجها من استضافة وترويج، وجعلت المسرح التونسي يُثبّت حضوره العربي والدولي ويصنع رأس مال رمزي وثقافي جديد عزّزه منذ سنوات احتضانها لأعرق المهرجانات وهو المهرجان الدولي لأيام قرطاج المسرحية، الذي ستنعقد دورته الـ26 من 22 إلى 29 نوفمبر 2025.

إيمان عبد اللطيف