تشهد تونس خلال السنوات الأخيرة حراكا متزايدا على الساحة الإفريقية، يعكس إرادة سياسية واضحة لتعزيز اندماجها في الاقتصاد القاري وتوظيف موقعها الجغرافي كبوابة طبيعية بين أوروبا وإفريقيا وآسيا. وفي هذا الإطار، أعلن وزير التجارة وتنمية الصادرات، سمير عبيد، أمس الأول، أن تونس أنجزت 350 عملية تجارية مُعتمدة في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (زليكاف)، في خطوة تؤكد التزامها الفعلي بتفعيل هذه المبادرة القارية الطموحة.
الوزير شدّد، خلال افتتاح الورشة التونسية المنظمة على هامش الدورة الرابعة للمعرض التجاري الإفريقي البيني (IATF 2025) بالعاصمة الجزائرية، على أن هذه المشاركة النشطة ليست مجرد أرقام، بل تعكس توجها استراتيجيا يهدف إلى تنويع الشراكات التجارية، وتوسيع قاعدة الصادرات، وإيجاد أسواق جديدة للمنتجات التونسية، بما يسهم في دفع النشاط الاقتصادي الوطني.
وتواصل تونس مساعيها لتعزيز حضورها في القارة الإفريقية وتوظيف موقعها الجغرافي كبوابة طبيعية بين أوروبا وإفريقيا وآسيا، وذلك من خلال انخراطها الفعلي في المبادرات الاقتصادية القارية ومشاريع التعاون الإقليمي. وأعلن وزير التجارة وتنمية الصادرات، سمير عبيد، أن تونس نجحت في إنجاز 350 عملية تجارية مُعتمدة ضمن إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وهو ما يعكس التزام البلاد الاستراتيجي بمسار الاندماج الاقتصادي الإفريقي. وأكد أن هذه المشاركة النشطة لا تقتصر على الأرقام، بل تترجم رؤية واضحة تهدف إلى تنويع الشراكات التجارية، وتوسيع قاعدة الصادرات، وفتح أسواق جديدة للمنتجات التونسية. ويرى مراقبون أن مثل هذه الخطوات تمثل رهانا حقيقيا لدفع النشاط الاقتصادي الوطني، وإعادة تشكيل علاقات تونس التجارية بما يتجاوز الارتباط التقليدي بالسوق الأوروبية.
اتفاقيات كبرى مع إفريقيا
وقد استعرض عبيد في كلمته أبرز الإصلاحات والمشاريع التي شرعت تونس في تنفيذها لتعزيز نموها الاقتصادي وتثبيت موقعها داخل المنظومة الإفريقية. وتأتي في مقدمة هذه المشاريع المنطقة الحرة للأنشطة اللوجستية والتجارية ببن قردان، التي يُنتظر أن تجعل من الجنوب التونسي منصة محورية للتبادل التجاري والخدمات اللوجستية نحو ليبيا وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء. كما أطلقت تونس مشروع منصة أسواق الإنتاج بسيدي بوزيد، الهادف إلى تطوير سلاسل القيمة في القطاع الفلاحي وربطها مباشرة بالأسواق الإقليمية. إلى جانب ذلك، تراهن الدولة بشكل متزايد على مشاريع الطاقات المتجددة من شمسية ورياح، سواء لتلبية الطلب المحلي أو لتصدير الفائض نحو الأسواق الإفريقية والأوروبية في ظل التحول العالمي نحو الطاقات النظيفة. وتتجلى أهمية هذه التحركات أيضا في احتضان تونس لعدد من المؤسسات الإفريقية الإستراتيجية، ما يمنحها موقعا متقدما في صنع القرار الاقتصادي القاري. فقد أصبحت تونس مقرا لمركز التميز الإفريقي للأسواق الشاملة، والمنظمة الإفريقية للملكية الفكرية، والمركز الإفريقي للتجارة الرقمية، فضلاً عن المكتب الإقليمي لشمال إفريقيا التابع للبنك الإفريقي للاستيراد والتصدير. ولا تقتصر أهمية هذه الاستضافات على بعدها الرمزي، بل إنها تفتح المجال أمام تونس للاستفادة المباشرة من التمويلات والمشاريع التي تطلقها هذه الهياكل القارية، فضلاً عن تعزيز مكانتها كوجهة للتعاون الاقتصادي والاستثماري.
ومنذ فيفري 2024، انخرطت تونس في النظام الإفريقي الموحد للدفع والتسوية، وهو آلية مالية مبتكرة تهدف إلى تقليص تكاليف المعاملات التجارية وتبسيط إجراءاتها بين الدول الإفريقية. ويُنظر إلى هذا الانضمام باعتباره مكسبا مهما للمؤسسات التونسية التي لم تعد بحاجة إلى المرور عبر البنوك الأوروبية لإتمام صفقاتها مع شركاء أفارقة، مما يوفر الوقت والموارد، ويمنح الشركات الصغرى والمتوسطة فرصة حقيقية للولوج إلى الأسواق الإفريقية دون أعباء إضافية.
تفعيل مشروع «بوابة إفريقيا»
وفي إطار إستراتيجيتها الإفريقية، تراهن تونس أيضا على مشروع الممر التجاري القاري المعروف باسم «بوابة إفريقيا»، الذي يهدف إلى جعل البلاد مركز عبور رئيسي يربط أوروبا بالعمق الإفريقي مرورا بليبيا. وسيتيح هذا المشروع ربط تونس بعدد من الدول الإفريقية غير الساحلية مثل تشاد والنيجر ومالي وبوركينافاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى، وهو ما سيخلق فرصا اقتصادية كبرى في مجالات النقل والتجارة والخدمات اللوجستية. وأكد خبراء الاقتصاد في تصريحات سابقة لـ»الصباح»، أن نجاح هذا المشروع قد يحول تونس إلى محور استراتيجي للتجارة بين القارات، شريطة توفير الاستثمارات اللازمة في البنية التحتية والطرق والموانئ.
وتُظهر المؤشرات أن السوق الإفريقية تشهد نموا متسارعا في قطاع السيارات وقطع الغيار، ما يجعل من هذا التعاون فرصة لتأسيس سلسلة قيمة إقليمية قادرة على منافسة المنتجين الدوليين. كما أتاح اللقاء في الجزائر فرصة لعرض آفاق الاستثمار في تونس في هذا المجال، وهو ما أثار اهتمام عدد من المستثمرين الأفارقة الراغبين في الاستفادة من هذه الديناميكية الجديدة.
مرحلة جديدة للاقتصاد التونسي
ويشدد خبراء الاقتصاد، إن هذه الجهود والمشاريع لا تنفصل عن الحاجة الملحة لتونس إلى تنشيط اقتصادها الداخلي، الذي ظل لسنوات مرهونا بتقلبات السوق الأوروبية. فالانفتاح على إفريقيا يتيح تنويع الشركاء الاقتصاديين، ويمنح المؤسسات التونسية مجالا أوسع للتوسع والنمو، كما يخلق حراكا استثماريا جديدا في قطاعات حيوية على غرار الطاقات المتجددة واللوجستيك والصناعات التحويلية. والأهم من ذلك، أنه يعزز موقع تونس التفاوضي في المحافل الإقليمية والدولية، باعتبارها فاعلاً أساسياً في المبادلات البينية الإفريقية.
ومع ذلك، فإن هذه الطموحات تواجه تحديات لا يمكن تجاهلها، أبرزها الحاجة إلى تطوير البنية التحتية للنقل والموانئ لتكون قادرة على مواكبة حجم المبادلات المرتقب، إضافة إلى ضرورة تحسين مناخ الأعمال والإصلاحات الإدارية والقانونية لتسهيل نفاذ المستثمرين إلى السوق المحلية. كما تظل المنافسة القوية من قبل فاعلين دوليين مثل الصين وتركيا وأوروبا عنصرا ضاغطا يتطلب من تونس رفع قدرات مؤسساتها الإنتاجية والتجارية. يضاف إلى ذلك ضرورة الحفاظ على الاستقرار المؤشرات الاقتصادية الداخلية، باعتبارها شرطا أساسيا لاستقطاب الاستثمارات الخارجية وضمان استمرارية المشاريع الكبرى. وبالنظر إلى مجمل هذه المعطيات، يبدو واضحا أن تونس تدخل مرحلة جديدة من مسارها الاقتصادي، قوامها الانفتاح على إفريقيا بوصفها فضاءً واعدا للنمو. وإذا ما نجحت البلاد في استغلال هذه الفرصة التاريخية بذكاء، فإنها قد تتحول خلال العقد المقبل إلى قطب اقتصادي إقليمي بارز، يجمع بين خبرتها الصناعية، وطاقاتها البشرية، وموقعها الاستراتيجي، لتكون حلقة وصل حقيقية بين الشمال والجنوب. وفي ظل التحديات الداخلية التي تواجهها، يمكن لهذه الرهانات الإفريقية أن تشكل متنفسا ضروريا لتجديد الاقتصاد الوطني، وخلق الثروة ومواطن الشغل، وهو ما تحتاجه تونس أكثر من أي وقت مضى.
سفيان المهداوي
تشهد تونس خلال السنوات الأخيرة حراكا متزايدا على الساحة الإفريقية، يعكس إرادة سياسية واضحة لتعزيز اندماجها في الاقتصاد القاري وتوظيف موقعها الجغرافي كبوابة طبيعية بين أوروبا وإفريقيا وآسيا. وفي هذا الإطار، أعلن وزير التجارة وتنمية الصادرات، سمير عبيد، أمس الأول، أن تونس أنجزت 350 عملية تجارية مُعتمدة في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (زليكاف)، في خطوة تؤكد التزامها الفعلي بتفعيل هذه المبادرة القارية الطموحة.
الوزير شدّد، خلال افتتاح الورشة التونسية المنظمة على هامش الدورة الرابعة للمعرض التجاري الإفريقي البيني (IATF 2025) بالعاصمة الجزائرية، على أن هذه المشاركة النشطة ليست مجرد أرقام، بل تعكس توجها استراتيجيا يهدف إلى تنويع الشراكات التجارية، وتوسيع قاعدة الصادرات، وإيجاد أسواق جديدة للمنتجات التونسية، بما يسهم في دفع النشاط الاقتصادي الوطني.
وتواصل تونس مساعيها لتعزيز حضورها في القارة الإفريقية وتوظيف موقعها الجغرافي كبوابة طبيعية بين أوروبا وإفريقيا وآسيا، وذلك من خلال انخراطها الفعلي في المبادرات الاقتصادية القارية ومشاريع التعاون الإقليمي. وأعلن وزير التجارة وتنمية الصادرات، سمير عبيد، أن تونس نجحت في إنجاز 350 عملية تجارية مُعتمدة ضمن إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وهو ما يعكس التزام البلاد الاستراتيجي بمسار الاندماج الاقتصادي الإفريقي. وأكد أن هذه المشاركة النشطة لا تقتصر على الأرقام، بل تترجم رؤية واضحة تهدف إلى تنويع الشراكات التجارية، وتوسيع قاعدة الصادرات، وفتح أسواق جديدة للمنتجات التونسية. ويرى مراقبون أن مثل هذه الخطوات تمثل رهانا حقيقيا لدفع النشاط الاقتصادي الوطني، وإعادة تشكيل علاقات تونس التجارية بما يتجاوز الارتباط التقليدي بالسوق الأوروبية.
اتفاقيات كبرى مع إفريقيا
وقد استعرض عبيد في كلمته أبرز الإصلاحات والمشاريع التي شرعت تونس في تنفيذها لتعزيز نموها الاقتصادي وتثبيت موقعها داخل المنظومة الإفريقية. وتأتي في مقدمة هذه المشاريع المنطقة الحرة للأنشطة اللوجستية والتجارية ببن قردان، التي يُنتظر أن تجعل من الجنوب التونسي منصة محورية للتبادل التجاري والخدمات اللوجستية نحو ليبيا وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء. كما أطلقت تونس مشروع منصة أسواق الإنتاج بسيدي بوزيد، الهادف إلى تطوير سلاسل القيمة في القطاع الفلاحي وربطها مباشرة بالأسواق الإقليمية. إلى جانب ذلك، تراهن الدولة بشكل متزايد على مشاريع الطاقات المتجددة من شمسية ورياح، سواء لتلبية الطلب المحلي أو لتصدير الفائض نحو الأسواق الإفريقية والأوروبية في ظل التحول العالمي نحو الطاقات النظيفة. وتتجلى أهمية هذه التحركات أيضا في احتضان تونس لعدد من المؤسسات الإفريقية الإستراتيجية، ما يمنحها موقعا متقدما في صنع القرار الاقتصادي القاري. فقد أصبحت تونس مقرا لمركز التميز الإفريقي للأسواق الشاملة، والمنظمة الإفريقية للملكية الفكرية، والمركز الإفريقي للتجارة الرقمية، فضلاً عن المكتب الإقليمي لشمال إفريقيا التابع للبنك الإفريقي للاستيراد والتصدير. ولا تقتصر أهمية هذه الاستضافات على بعدها الرمزي، بل إنها تفتح المجال أمام تونس للاستفادة المباشرة من التمويلات والمشاريع التي تطلقها هذه الهياكل القارية، فضلاً عن تعزيز مكانتها كوجهة للتعاون الاقتصادي والاستثماري.
ومنذ فيفري 2024، انخرطت تونس في النظام الإفريقي الموحد للدفع والتسوية، وهو آلية مالية مبتكرة تهدف إلى تقليص تكاليف المعاملات التجارية وتبسيط إجراءاتها بين الدول الإفريقية. ويُنظر إلى هذا الانضمام باعتباره مكسبا مهما للمؤسسات التونسية التي لم تعد بحاجة إلى المرور عبر البنوك الأوروبية لإتمام صفقاتها مع شركاء أفارقة، مما يوفر الوقت والموارد، ويمنح الشركات الصغرى والمتوسطة فرصة حقيقية للولوج إلى الأسواق الإفريقية دون أعباء إضافية.
تفعيل مشروع «بوابة إفريقيا»
وفي إطار إستراتيجيتها الإفريقية، تراهن تونس أيضا على مشروع الممر التجاري القاري المعروف باسم «بوابة إفريقيا»، الذي يهدف إلى جعل البلاد مركز عبور رئيسي يربط أوروبا بالعمق الإفريقي مرورا بليبيا. وسيتيح هذا المشروع ربط تونس بعدد من الدول الإفريقية غير الساحلية مثل تشاد والنيجر ومالي وبوركينافاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى، وهو ما سيخلق فرصا اقتصادية كبرى في مجالات النقل والتجارة والخدمات اللوجستية. وأكد خبراء الاقتصاد في تصريحات سابقة لـ»الصباح»، أن نجاح هذا المشروع قد يحول تونس إلى محور استراتيجي للتجارة بين القارات، شريطة توفير الاستثمارات اللازمة في البنية التحتية والطرق والموانئ.
وتُظهر المؤشرات أن السوق الإفريقية تشهد نموا متسارعا في قطاع السيارات وقطع الغيار، ما يجعل من هذا التعاون فرصة لتأسيس سلسلة قيمة إقليمية قادرة على منافسة المنتجين الدوليين. كما أتاح اللقاء في الجزائر فرصة لعرض آفاق الاستثمار في تونس في هذا المجال، وهو ما أثار اهتمام عدد من المستثمرين الأفارقة الراغبين في الاستفادة من هذه الديناميكية الجديدة.
مرحلة جديدة للاقتصاد التونسي
ويشدد خبراء الاقتصاد، إن هذه الجهود والمشاريع لا تنفصل عن الحاجة الملحة لتونس إلى تنشيط اقتصادها الداخلي، الذي ظل لسنوات مرهونا بتقلبات السوق الأوروبية. فالانفتاح على إفريقيا يتيح تنويع الشركاء الاقتصاديين، ويمنح المؤسسات التونسية مجالا أوسع للتوسع والنمو، كما يخلق حراكا استثماريا جديدا في قطاعات حيوية على غرار الطاقات المتجددة واللوجستيك والصناعات التحويلية. والأهم من ذلك، أنه يعزز موقع تونس التفاوضي في المحافل الإقليمية والدولية، باعتبارها فاعلاً أساسياً في المبادلات البينية الإفريقية.
ومع ذلك، فإن هذه الطموحات تواجه تحديات لا يمكن تجاهلها، أبرزها الحاجة إلى تطوير البنية التحتية للنقل والموانئ لتكون قادرة على مواكبة حجم المبادلات المرتقب، إضافة إلى ضرورة تحسين مناخ الأعمال والإصلاحات الإدارية والقانونية لتسهيل نفاذ المستثمرين إلى السوق المحلية. كما تظل المنافسة القوية من قبل فاعلين دوليين مثل الصين وتركيا وأوروبا عنصرا ضاغطا يتطلب من تونس رفع قدرات مؤسساتها الإنتاجية والتجارية. يضاف إلى ذلك ضرورة الحفاظ على الاستقرار المؤشرات الاقتصادية الداخلية، باعتبارها شرطا أساسيا لاستقطاب الاستثمارات الخارجية وضمان استمرارية المشاريع الكبرى. وبالنظر إلى مجمل هذه المعطيات، يبدو واضحا أن تونس تدخل مرحلة جديدة من مسارها الاقتصادي، قوامها الانفتاح على إفريقيا بوصفها فضاءً واعدا للنمو. وإذا ما نجحت البلاد في استغلال هذه الفرصة التاريخية بذكاء، فإنها قد تتحول خلال العقد المقبل إلى قطب اقتصادي إقليمي بارز، يجمع بين خبرتها الصناعية، وطاقاتها البشرية، وموقعها الاستراتيجي، لتكون حلقة وصل حقيقية بين الشمال والجنوب. وفي ظل التحديات الداخلية التي تواجهها، يمكن لهذه الرهانات الإفريقية أن تشكل متنفسا ضروريا لتجديد الاقتصاد الوطني، وخلق الثروة ومواطن الشغل، وهو ما تحتاجه تونس أكثر من أي وقت مضى.